متطلبات الإصلاح المؤسسي لقطاعيّ العدالة والأمن

نحو عدالة انتقالية لما بعد النزاع المسلح في اليمن

الناشر
تاريخ الإصدار
September 22, 2024
عدد الصفحات
124
بيان صحفي
September 22, 2024
قطاعيّ الأمن والعدالة

الملخص التنفيذي

يشهد اليمن نزاعًا مسلحًا منذ أكثر من تسع سنوات، ويفتقر حتى اللحظة إلى مسار سياسي انتقالي متوافق عليه، وتعوزه الحاجة إلى سلطة ذات ولاية قانونية رسمية تشمل جميع جغرافيا البلاد، وإلى تشريعات معتمدة في مجال العدالة الانتقالية، وتجارب موروثة يعتد بها لجبر الضرر والكشف عن الحقيقة ومجابهة الإنكار المؤسسي لانتهاكات حقوق الإنسان السابقة التي اتخذت طابعا منظما. لذا فالتفكير بمقاربات للإصلاح المؤسسي يعد ضربا من التحدي لواقع يسوده عدم اليقين، واحتمالات العودة للعنف، وتستمر فيه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها الأطراف المتنازعة كالإخفاء القسري، والقتل خارج القضاء، والاحتجاز التعسفي وغير القانوني، والتعذيب وأشكال المعاملة القاسية والمهينة للكرامة.

وتأتي هذه الدراسة التي أعدتها "مواطنة" لحقوق الإنسان بالتعاون مع خبير محلي لتعكس تصميم المجتمع المدني في اليمن على تحريك ملف متطلبات الإصلاح المؤسسي، وتوجهه نحو الإسهام في تهيئة بعض شروط التأسيس لمسار عدالة انتقالية فعال لما بعد النزاع. وتركز الدراسة على تحليل البيئة المؤسسية والقانونية الراهنة لمؤسسات قطاعي العدالة والأمن، لتحديد طبيعة الاختلالات الهيكلية والقانونية والإجرائية التي أسهمت في ارتكاب الانتهاكات وغياب المساءلة والإفلات من العدالة. إضافة إلى تحليل قدرات مؤسسات العدالة والأمن الوطنية في التحقيق والمقاضاة الفعالين والاحتياجات التي ينبغي توفيرها لتلك المؤسسات كي تؤدي مهامها بكفاءة وبصورة بناءة ومتسقة مع القانون الوطني والمعايير الدولية ذات العلاقة بإقامة العدالة.

منهجية الدراسة

استندت الدراسة إلى معلومات ميدانية ونماذج وحالات واقعية من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حدثت خلال فترة النزاع (2014 – 2024) على أيدي موظفين عموميين ومكلفين بإنفاذ القانون وجهات غير رسمية فاعلة، في محافظات صنعاء، وعدن، والحديدة، وحضرموت وتعز، ومأرب، وأبين، وحجة، ولحج، وذمار، وشبوة، والبيضاء، وعمران. وركزت الدراسة على متابعة مسارات إجراءات الشكاوى وجمع الاستدلالات والتحقيق ورفع الدعاوى وإجراءات التقاضي التي تمر بها القضايا المتعلقة بتلك الانتهاكات، وعقبات الوصول إلى آليات العدالة أمام الضحايا، وطرق استجابة مؤسسات الأمن والعدالة (مأموري الضبط القضائي والنيابة العامة والمحاكم المختصة) لاحتياجات الضحايا إلى العدالة، وعوائق سير عمليات الانتصاف، وانتهاكات مؤسسات قطاعي الأمن والعدالة للقانون وللإجراءات واجبة الأتباع عند القيام بمهامها في القبض والاحتجاز والتحقيق والمحاكمة، وفي تعاطيها مع واجبات الملاحقة القضائية ومكافحة الإفلات من العقاب. وتضمنت أدوات ومصادر جمع المعلومات الكيفية لهذه الدراسة استعراض السجلات والمعلومات من خلال الضحايا، والمقابلات الفردية التكميلية، والتقارير الميدانية، والمعلومات بواسطة المجتمع المدني المحلي، إضافة -بطبيعة الحال- إلى مراجعة الأدبيات ذات العلاقة، وتحليل محتوى النصوص القانونية، وجلسات النقاش البؤري.

الحالة العامة لمؤسسات قطاعي الأمن والعدالة في سياق النزاع

وسع النزاع المسلح رقعة التدخلات في أعمال القضاء، وعزز ممارسة التأثير على أعمال القضاة وعلى سير العدالة في جميع أنحاء البلاد. كما عرّض وحدة النظام القانوني والتشريعي للخطر بفعل انقسام الهيئات القضائية العليا وفق اعتبارات سياسية، واتجاه بعض أطراف النزاع لفرض تغييرات أحادية لعدد من القوانين، وبروز هياكل غير قانونية نالت من استقلال القضاء في بعض المناطق.

على المستويات المحلية، عقّد النزاع سبل الانتصاف والوصول إلى العدالة. حيث تتوزع المحاكم والنيابات على الأطراف المتنازعة وفق خطوط السيطرة الميدانية الفعلية لكل طرف، وينجم عن ذلك إخلال جسيم بقواعد التقاضي القائمة على المساواة وعدم التمييز، كما يترتب عليها حرمان السكان في مناطق الطرف المغاير من بلوغ سبل العدالة. ومن الآثار المركبة للانقسام القضائي على سير العدالة تعزيز حالة الإفلات من المساءلة والعقاب، حيث أمكن لبعض مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان توفير ملاذ آمن من الملاحقة القضائية بالفرار إلى مناطق نفوذ أطراف أخرى.

ويزيد الاختصاص المكاني الواسع للنيابات والمحاكم الجزائية المتخصصة من صعوبات الوصول إلى سبل العدالة، إذ يقتصر وجودها على عدد قليل من المحافظات اليمنية، رغم كونها الجهات المخولة بالنظر في العديد من القضايا المتعلقة بجرائم انتهاكات حقوق الإنسان. ويواجه ضحايا الانتهاكات صعوبات متابعة إجراءات التقاضي بسبب مشقة الوصول إلى المحاكم، والعدد الكبير من القضايا المعروضة عليها، وعدم انتظام سير العمل في النيابات والمحاكم، وتباعد المواعيد بين الجلسات، وعدم توفر المباني الملائمة، وقلة عدد القضاة وأعضاء النيابات.

تسبب توسيع صفة الضبطية القضائية لتشمل جهات غير رسمية ومشرفين أمنيين تابعين لأطراف النزاع في إيجاد مصادر إضافية للتجاوزات وانتهاك الإجراءات واجبة التنفيذ عند ممارسة القبض والاحتجاز وأعمال التحري وجمع الاستدلالات. ويقف مأمورو الضبط القضائي غير الشرعيين حجر عثرة أمام إنفاذ أوامر المحاكم والنيابات بالإفراج عن متهمين أو محتجزين على ذمة قضايا، واعتراض وصول بعض القضايا إلى المحاكم، والتدخل في توزيع القضايا على المحاكم، وتعطيل تنفيذ أحكام المحاكم. في ظل انعدام الإشراف الفعال للنيابة العامة على أعمال مأموري الضبط القضائي.

وتعرضت هيئات الشرطة والأجهزة الأمنية لاختراقات إدارية ووظيفية واسعة مارستها أطراف النزاع، وتمكنت أطراف النزاع من توجيه قدرات تلك الأجهزة وخبراتها التنظيمية والبشرية نحو الأولويات المتعلقة بحماية الأمن الداخلي لهياكل السلطة التي أقامتها تلك الأطراف، جنبا إلى جنب مع الأجهزة غير الرسمية حديثة النشأة وقليلة الخبرة، المرتبطة عضويا بأطراف النزاع. ويعد النفوذ الواسع والمتضخم للأجهزة الأمنية والعسكرية (رسمية وغير رسمية) واستقوائها على النيابة العامة والمحاكم العائق الأكبر أمام إقامة العدالة خلال فترة النزاع. إذ لا يتوقف تأثير هذه الأجهزة عند نقطة ممارسة الانتهاك، بل تعمل بجميع الطرق لإعاقة حصول الضحايا على العدالة وتعطيل تطبيق القانون. وغالبا ما تحظى الأجهزة الأمنية بغطاء سياسي واسع من السلطات في مختلف المناطق، نظرا لحاجة السياسيين غير المستقرين إلى الحماية المستمرة. إن الدعم المتبادل بين السياسيين والأمنيين يعقد مسألة الوصول إلى الإنصاف وإقامة العدالة، ويعزز حالة الإفلات من العقاب بشكل منهجي، كما يتيح استمرار الانتهاكات والتجاوزات دون الخشية من حدوث المساءلة، ومن الواضح أيضا، أن علاقة الحماية المتبادلة المشار إليها آنفا تشمل تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، الذي يقدم للأجهزة الأمنية والعسكرية المشتبه في ارتكابها جرائم انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني حماية عريضة من المساءلة.

المبادئ العامة لإقامة العدالة في التشريعات اليمنية

يُظهر استعراض مجمل التشريعات الوطنية بشقها الموضوعي المتعلق بقواعد إقامة العدالة وتجريم انتهاكات حقوق الإنسان والمعاقبة عليها، وجود ثغرات تشريعية أساسية وواسعة فيما يتعلق بمبادئ العدالة الجزائية وضماناتها. ومن المبادئ الأساسية التي قصّرت التشريعات اليمنية في إحاطتها بالضمانات الدستورية والقانونية الكافية التي تهيئ تفعيلها في الواقع، وتحد من تأثير التقلبات السياسية عليها، مبدأ استقلال القضاء. ويمكن القول بأن اختلال وضعف نظام العدالة الجزائي في اليمن مصدره الثغرات القانونية التي تشوب هذا المبدأ من قبيل عدم إعطاء السلطة القضائية حقها في اختيار قضاتها وهيئاتها الإدارية والتنفيذية بحرية من بين قضاتها على أساس الكفاءة والنزاهة والاستقلالية، وضعف ضمانات عدم التدخل في شؤون القضاء الإدارية والمالية. ومن الصعب أن يعزى عدم تحقق هذا المبدأ إلى أخطاء التطبيق والممارسة وحدها مادامت تلك الثغرات القانونية قائمة.

في المقابل، يعد عدم تفعيل النصوص القانونية الجيدة الوجه الآخر لمشكلة غياب العدالة الجزائية في اليمن، فالدستور وسائر التشريعات اليمنية تحوي العديد من أسس العدالة وسبلها وإجراءاتها، وتكفل الحقوق الأساسية للإنسان وحرياته العامة، وهنا تكمن المشكلة في تفعيل النص الذي من المفترض أن يظل مفتوحا على الممارسة، ومنفتحا على التنقيح والتطوير.

ولعل إحدى الثغرات التي تكتنف التشريعات اليمنية فيما يتعلق بقواعد العدالة والمساءلة الجزائية في جرائم انتهاكات حقوق الإنسان غموض أو تعارض النصوص القانونية وقصورها عن شمول جميع عناصر العدالة وضماناتها وتوفير الحماية القانونية اللازمة لها، الأمر الذي يفسح مجالا لاتساع نطاق الممارسات الخاطئة في ظل نص غامض أو غير متسم بالشمول. فمع أن التشريعات اليمنية تجّرم الأفعال التي تندرج تحت تصنيف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إلا أن بعض هذه الجرائم كالاحتجاز غير القانوني لا تعد من قبيل الجرائم الجسيمة في القانون اليمني، ولا تتناسب العقوبات المقررة على مرتكبيها مع طبيعة الفعل الإجرامي الخطير الذي تقوم عليه، لأن الكثير من الجرائم الجسيمة كالاختفاء القسري والتعذيب وحتى القتل خارج القانون إنما تنشأ عن هذا الجرم الذي يعد مصدرًا لها جميعا. يضاف إلى ذلك عدم وجود تعريفات قانونية محددة لجرائم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كلا على حدة في القانون اليمني، واكتفائه بتعريف فضفاض للجريمة بصفة عامة.  

ويأخذ القانون اليمني بقاعدة مساءلة الموظف العام جزائيا عن الأفعال التي تقع منه عند قيامه بواجباته، ويميل إلى تشديد العقوبة كلما كان مرتكب الجريمة موظفا عاما أو مكلفا بإنفاذ القانون، لكن استثناءات فضفاضة ومبهمة تقوض هذه القاعدة، إذ إن اقتران الفعل بسبب أو أكثر من أسباب الإباحة يمحو عنه صفة الجريمة، ويعفي الموظف العام ومن في حكمه من المسؤولية الجنائية والمدنية، ولهذا الأمر أثره السلبي على تحقيق العدالة الجزائية وعلى حقوق الضحايا في التعويض المناسب؛ نظرًا لأن أعمال الموظفين العموميين والمكلفين بإنفاذ القانون غالبا ما تقترن بسبب من أسباب الإباحة (أداء الواجب، واستعمال الحق المقرر بالقانون، والدفاع الشرعي).  كما لا تستجيب التشريعات اليمنية لمبدأ التعويض المناسب عن الأضرار التي تلحق بالمجني عليهم في القضايا الجزائية والمخالفات التي يرتكبها موظفون عموميون ومكلفون بإنفاذ القانون بالطريقة التي تكفل تحقيق الغاية من هذا المبدأ، وهي رفع الضرر وجبره أو تخفيفه عن الضحايا دون إقحامهم في مسار تقاضٍ جديد.

إن غموض أو تضارب النصوص القانونية يستوجب إصلاحا تشريعيا على درجة عالية من الدقة والجرأة والوضوح. فإحكام صياغة النص القانوني وإزالة الغموض أو التعارض عنه، فضلا عن إحاطة مبادئ العدالة والحقوق العامة بالضمانات القانونية الكافية، يقلل دون شك من تجاوزات النص في الواقع ومن أخطاء الممارسة حال وضعه في حيز التطبيق، والعكس صحيح بطبيعة الحال.

القواعد الإجرائية للانتصاف والملاحقة القضائية وإقامة العدالة في التشريعات اليمنية

أولا: إجراءات الشرطة وأجهزة الضبط القضائي في التحري وجمع الاستدلالات

تكتنف النظام الإجرائي اليمني العديد من جوانب الضعف والقصور في جانب تيسير الانتصاف والوصول إلى سبل العدالة أثناء مرحلة التحريات وجمع الاستدلال، ويلاحظ أن القواعد الإجرائية لم توفر للنيابة العامة آليات فعالة للرقابة على قانونية وسلامة أعمال التحريات وجمع الاستدلالات والتحقيقات الأولية التي تجريها الشرطة وبقية أجهزة الضبط القضائي فيما يتعلق بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان يشتبه في ارتكابها على أيدي موظفين عموميين ومكلفين بإنفاذ القانون، خاصة وأن سلامة التحقيقات التي تجريها النيابة العامة ترتكز على دقة وصحة أعمال التحري، ومحاضر جمع الاستدلالات التي يوفرها مأمورو الضبط القضائي.

ويفتقر النظام الإجرائي اليمني إلى إجراءات مقترنة بآليات للمساءلة تكفل التحقق من فتح محاضر رسمية في الشكاوى والبلاغات التي تقدم لمأموري الضبط القضائي، وقيامهم بالانتقال الفوري للمعاينة وجمع الأدلة بمجرد تلقي البلاغ، تجنبا لضياع الأدلة أو التلاعب بمسرح وأدوات الجريمة، وحفظهم للأدلة والآثار المادية والمضبوطات وتحريزها على الهيئة التي وجدت بها، وأعمال ملاحقة المتهمين والقبض عليهم التي يجب أن تقوم بها أجهزة الضبط القضائي، وفق الإجراءات المنظمة لشروط صحة القبض، والتأكد من عدم تسجيل متهمين كفارين من وجه العدالة أو كمجهولين دون القيام بأعمال البحث خلال المدة القانونية، كما لا سبيل للتحقق من تدوين مأموري الضبط القضائي لجميع ما أسفرت عنه التحريات في محاضر الاستدلال، وإلزامهم برفعها دون إبطاء إلى النيابة العامة بعد التوقيع عليها واستيفاء جوانبها القانونية، لكي يتسنى للنيابة التصرف في القضية والتحقيق فيها بشكل قانوني سليم.

يضاف على ذلك أن القواعد الإجرائية المنظمة للقبض الاستيقاف والحجز هي قواعد عمومية في الكثير من جوانبها، وصلاحيات مأموري الضبط القضائي في هذا المجال غير مقيدة بما فيه الكفاية. ولا يخضع القبض دون أمر الذي يمارسه مأمورو الضبط القضائي لتسلسل قيادي يتيح تحديد نطاق واضح للمسؤولية عن أعمال القبض المخالفة للقانون. ويخلو القانون اليمني ونظامه الإجرائي من أي قواعد خاصة بشأن القبض على الأحداث والنساء، أو الضمانات القانونية المتعلقة بحماية هذه الفئات من القبض التعسفي وغير القانوني من خلال تدابير خاصة. ولا يوجد في القواعد الإجرائية ما يلزم أفراد الشرطة ومأموري الضبط القضائي في الأحوال التي يضطرون فيها لاستعمال القوة عند القبض بتقديم تقارير فورية إلى الجهات المختصة بأسباب استعمال القوة والظروف غير العادية التي اقتضت ذلك. وتغفل القواعد الإجرائية الخاصة بالسجون أهمية تحديد ماهية السلوك الذي يشكل مخالفة تستوجب جزاء تأديبيا بحق السجين حتى يمكنه تفادي الوقوع فيها أثناء السجن، كما لا تتوفر آليات فعالة وفورية للإخطار بحالات الوفاة أو المرض التي تقع داخل السجون وإبلاغها لذوي السجين.

ثانيا: إجراءات النيابة في التصرف بالتهمة ورفع الدعوى الجزائية

يوجب النظام الإجرائي اليمني على عضو النيابة قبول البلاغ المقدم تجاه موظفي الحكومة أو مستخدميها لفعل وقع منهم أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها، ويلزم على عضو النيابة سماع أقوال الشاكي وشهوده بمجرد البلاغ أو العلم، لأن الأصل في القضايا الجزائية مباشرة النيابة للتحقيق فيها بغير شكوى.  لكن القواعد الإجرائية المتعلقة بالشكوى المقدمة بالموظف العام تعطي لرئيس النيابة منفردًا صلاحية تقرير مدى جدية الشكوى وتحديد مصير السير فيها دون أي إجراءات للمراجعة من جهة قضائية مختصة. وتخول متولي التحقيق وصف التهمة أو التكييف القانوني لها كإجراء قانوني ينسحب على سائر العمليات اللاحقة التي تقوم بها النيابة العامة، وقد يمتد أثره إلى نظر المحاكم للدعوى الجزائية بموجب لائحة اتهام تستند إلى الوصف الذي أسبغه متولي التحقيق على التهمة أول الأمر.

وأعطى القانون اليمني بشقه الإجرائي للنيابة العامة سلطة تقديرية واسعة في تقرير مصير العدالة دون حكم قضائي رغم الاستقلالية المشكوك فيها للنيابة. إذ يحق للنيابة العامة أن تصدر قرارًا بالحفظ النهائي للتهمة بناء على محاضر جمع الاستدلالات، إذا كانت الجريمة الجسيمة التي أتُهم بها موظف عام قد اقترن حدوثها بواحد أو أكثر من أسباب الإباحة، وهذا الإجراء يمنع استكمال التحقيق في التهمة. ومع أن النظام الجزائي اليمني أعطى للمجني عليه الحق في التظلم من هذا القرار والطعن فيه، إلا أنه حدد عشرة أيام للطعن من تاريخ إعلانه بقرار النيابة، وهي مدة قصيرة لا تتيح للمجني عليه تحضير طعونه.

ويباشر أعضاء النيابة بأنفسهم التحقيق في الادعاءات المسندة إلى ضباط القوات المسلحة والشرطة ومأموري الضبط القضائي، وكذلك في تحقيق الوقائع التي تحدث في المنشآت العقابية. وللنيابة حبس الموظف العام احتياطيا كإجراء من إجراءات التحقيق بعد إخطار المصلحة التي يتبعها فور صدور الأمر بالقبض عليه أو حبسه، ولها أيضا أن تطلب من أي جهة حكومية الأوراق والوثائق التي تفيد الوصول إلى الحقيقة، أو الانتقال للاطلاع عليها إذا تبين انه لا يمكن نقلها.

لكن في المقابل، ليس هناك مسار خاص بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المشتبه في ارتكابها موظفون عموميون أو مسؤولون أو جهات إنفاذ القانون. ويلاحظ عدم وجود إجراء ملزم بالتحقيق الفوري والسريع، أو توقيف متولي التحقيق المشتبه به عن ممارسة أعماله الرسمية أثناء التحقيق.

وتنحصر سلطة التصرف بالجرائم الجسيمة بعد التحقيق في رؤساء النيابات المديرين دون غيرهم من أعضاء النيابة وقضاة التحقيق ضمانا لسلامة التصرف وفق الإجراءات. لكن تصرف النيابة العامة بالتهمة قد يتم بإصدار قرار بألا وجه لإقامة الدعوى لعدم كفاية الأدلة أو لعدم معرفة الفاعل أو لعدم الأهمية، ويضاف إلى هذه الأوجه، حق النيابة العامة في إصدار أمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجزائية في الجريمة التي يشتبه أن مرتكبها موظف عام اكتفاء بمحاكمته تأديبيا أو عسكريا أو مجازاته إداريا.

أما إذا قرر رئيس النيابة الاستئنافية التصرف في القضية بتقديمها إلى المحكمة فيصدر بذلك قرار إحالة برفع الدعوى الجزائية إلى المحكمة المختصة (لائحة اتهام). ويمكن للنيابة العامة إحالة متهمين فارين من وجه العدالة للمحاكمة، لكن من غير الجائز أن تحيل النيابة العامة إلى المحاكم قضايا ضد متهمين فارين لم تعرف أسماءهم. ومع أن تحريك النيابة العامة للدعوى ومباشرة التحقيقات مع الموظف العام أمر تكفله التشريعات اليمنية، إلا أن رفع الدعوى الجزائية على الموظفين العموميين ومأموري الضبط القضائي أمام المحكمة المختصة يتطلب إذنا من النائب العام، أو إذن مجلس القضاء الأعلى بالنسبة للقضاة.

ويلاحظ على القواعد الإجرائية المتعلقة بإجراءات التصرف بالقضية بعد التحقيق أن قرار النيابة بألا وجه لإقامة الدعوى في الجرائم التي تقع على أيدي رجال السلطة العامة والمكلفين بإنفاذ القانون ينشأ عن مبررات غير منطقية يمكن لكل واحد منها أن يكون سببا للإفلات من العقاب كالاكتفاء بالجزاء الإداري أو لعدم الأهمية دون تفريق بين جرائم جسيمة وأخرى غير جسيمة.

ثالثا: إجراءات المحاكم

يأخذ النظام الإجرائي اليمني بقاعدة تقييد حق المحكمة المختصة في تغيير الوصف القانوني للتهمة الذي قدمته النيابة العامة، فليس للمحكمة المختصة أن تتصدى من تلقاء نفسها للفصل في جريمة لم يشملها قرار الاتهام المرفوع من النيابة العامة، وليس لها أن تحدث تغييرا في أساس الدعوى بإضافة وقائع جديدة لم ترد في قرار الاتهام، أو نسبة الوقائع إلى أشخاص لم تذكر أسماءهم في القرار حتى وإن كانت أسماءهم قد وردت في محاضر جمع الأدلة أو في التحقيقات التي أجرتها النيابة. والملاحظ أن هذا القيد على سلطة المحكمة يمس سلبا بتحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة من جميع جوانبها وبكامل شخوصها. ويجعل النيابة العامة من خلال الحدود التي رسمتها للدعوى والوصف الذي أسبغته على الجريمة في قرار الاتهام صاحبة الكلمة في تقرير أمر العدالة وليس المحكمة المختصة.

وفي حالة المتهم الفار من وجه العدالة تعين المحكمة منصوبا عنه وتبدأ إجراءات محاكمته كما لو كانت المحاكمة حضورية، ويحق للمحكمة في الأحوال التي يعد المتهم فيها فاراً أن تأمر بالحجز على أمواله دون الحق في التصرف بها، لكن لا توجد في الواقع شواهد على حدوث ذلك.

ومع أن النظام الإجرائي اليمني راعى مبدأ استمرارية المحاكمة عبر جلسات متتابعة، إلا  أنه توسع في أسباب تأجيل السير في الخصومة ووقفها وانقطاعها بصورة تمس بمبدأ المحاكمات غير الطويلة، كما توسع في المسائل العارضة التي يجب على المحكمة الفصل فيها أولا لكي تتمكن من الفصل في الدعوى الأصلية، وأغفل تزمين إجراءات المحاكمة ومراحلها بمدد زمنية معقولة.

التوصيات الرئيسية

فيما يتعلق بالإصلاحات التشريعية

يجب أن تشمل عملية بناء الدستور بعد النزاع المبادئ والأسس الرئيسية للعدالة الجزائية المرتكزة على سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات، وبما يهيئ لوجود سلطة قضائية وطنية مستقلة استقلال حقيقيا، ويجب أن يشمل ذلك حظر أي تدخل من جانب السلطة التنفيذية في شؤون الهيئات القضائية، وإلغاء صلاحيات وزير العدل في الإشراف المالي والإداري على المحاكم والنيابات، وتدقيق سياسة القبول بالمعهد العالي للقضاء وفق المعايير  القانونية وبما يحقق الشمول الوطني دون الوقوع في المحاصصة، وتعيين القضاة وأعضاء النيابات على أساس الجدارة العلمية والنزاهة، وتشكيل مجلس القضاء الأعلى بالانتخاب من قبل هيئة عمومية يشترك في عضويتها القضاة وأعضاء النيابات والمحامون وأساتذة القانون في الجامعات اليمنية. علاوة على ذلك، ينبغي توفير ضمانات قانونية كافية تكفل استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وتحد من تأثيرات هذه السلطة عليها.

إضافة مادة إلى الدستور تحظر بشكل صريح جميع انتهاكات حقوق الإنسان في جميع الظروف بما في ذلك الحالات الاستثنائية وحالات عدم الاستقرار السياسي.

إعادة تنظيم منظومة المحاكم الجزائية بقانون وحصر ولايتها القضائية في قضايا أمن الدولة مع وضع الضمانات القانونية الكافية لحسن سير العدالة في الإجراءات التي تباشرها والأحكام التي تصدر عنها، وضمان حقوق الضحايا والشهود والخبراء.

إنشاء منظومة نيابات ومحاكم متخصصة بالتحقيق والنظر في جرائم انتهاكات حقوق الإنسان، ويشمل اختصاصها القضائي جميع قضايا الانتهاكات التي يرتكبها موظفون عموميون أو مكلفون بإنفاذ القانون أو افراد ينتمون لجهات غير رسمية فاعلة.

المصادقة على المعاهدات والصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي وافقت عليها حكومات سابقة، وإدماج القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان ضمن اختصاص المحاكم الوطنية، ومراعاة امتثال القضاء لمعايير وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي واسترشاده بأفضل الممارسات في مجال تيسير سبل العدالة والملاحقة القضائية للجناة.

وضع تعريفات دقيقة لجرائم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ترتكز على طبيعة الفعل الجرمي، على أن تشمل دون استثناء جميع الجرائم التي ينطبق عليها هذا الوصف في المواثيق والصكوك الدولية، بما في ذلك جرائم الاحتجاز والحرمان من الحرية بأي شكل من الأشكال.  

تمييز جرائم انتهاكات الحقوق الأساسية للإنسان عن سائر الجرائم الجسيمة ذات الطابع الجنائي، وعدم تطبيق قواعد التقادم أو انقضاء الحق في رفع الدعوى، أو قاعدة عدم المحاكمة على ذات الجرم مرتين والأثر الرجعي فيما يخص هذه الجرائم.

إضافة مادة إلى قانون الإجراءات الجزائية تلزم المحاكم بتضمين أحكامها بالإدانة في الدعاوى الجزائية تعويضا يدفعه الجاني للمجني عليه بمقدار مناسب يضاهي الضرر المادي والمعنوي الذي نشأ عن الجريمة.

التحديد القانوني الدقيق لولاية وصلاحيات مأموري الضبط القضائي بصورة محققة للمساءلة الفعالة، وتعزيز الدور الإشرافي والرقابي للنيابة العامة على أعمالهم الضبطية وما يقع منهم من تجاوزات، والنص على تبعيتهم الإدارية للنيابة العامة فيما يتعلق بأعمال التحريات وجمع الاستدلالات في الجرائم.

معالجة النقص التشريعي المتعلق بحماية الشهود من الاعتداء، والنص صراحة على عدم حجية أي أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة التعذيب، وسريان هذا البطلان على جميع الإجراءات اللاحقة.

منح المحاكم المختصة حق تغيير الوصف القانوني للجريمة في قرار الإحالة المقدم إليها من النيابة العامة بما يشمل إضافة وقائع أو أشخاص جدد إلى التهمة لتمكين مسار العدالة من بلوغ غاياته، وتوسيع حق القاضي في التصدي كلما وجد في ذلك ضرورة للكشف عن الحقيقة وتحقيق مضمون العدالة.

تعديل النصوص القانونية غير المتسقة مع الدستور وإنهاء التعارض في النصوص القانونية، كنص المادة 38 من قانون الإجراءات الجزائية الذي يتعارض مع مبدأ عدم تقادم الجرائم الجسيمة الذي ورد النص عليه في الدستور.

تعديل قانون هيئة الشرطة الحالي بإضافة بعض نصوص القانون رقم (24) لسنة 1991م بشأن واجبات وصلاحيات الشرطة.

فيما يتعلق بالتدابير المؤسسية وتدابير عدم التكرار

يجب أن تعقب انتهاء النزاع عملية مراجعة شاملة للتعيينات التي صدرت عن مختلف أطراف النزاع في المحاكم والنيابات بمختلف أرجاء البلاد، وإجراء فحص ملفات للمعينين للتأكد من وثائقهم وجدارتهم بالتعيين وفق معايير تضعها هيئة وطنية مستقلة تنشأ لهذا الغرض، ويكون من صلاحياتها معالجة المظالم التي نجمت عن حركات التنقلات القضائية والترقيات وغير ذلك. ويوكل للهيئة أيضا مراجعة مدى قانونية التعميمات القضائية والإدارية الصادرة عن النيابة العامة ووزارة العدل وهيئة التفتيش القضائي أثناء فترة النزاع.

إنشاء آلية وقائية وطنية مستقلة لتعزيز حماية الأشخاص المحرومين من حرياتهم من التعذيب وضروب المعاملة القاسية والمهينة، وتمكينها من الحصول على قواعد بيانات كافية عن المسجونين، والاعتراف بحقها في التواصل المباشر معهم واتخاذ تدابير الحماية اللازمة بما في ذلك الزيارات المنتظمة للسجون وإجراء المقابلات مع السجناء، وتلقي البلاغات الخاصة بالتعذيب أو سوء معاملة السجناء.

إعادة تشكيل مؤسسات قطاع الأمن التي مارست انتهاكات منتظمة لحقوق الإنسان خلال فترة النزاع، أو عرفت بانتهاكاتها المتكررة للإجراءات القانونية واجبة التنفيذ واكتسبت صيتا سيئا بسبب ذلك. وتغيير أسماءها ومسؤوليها وقواعد عملها وحوكمتها بطريقة تكفل تجفيف الجذور التنظيمية والمؤسسية التي انبثقت منها الانتهاكات والتجاوزات أو التي ساعدت على حدوثها، وتؤسس للثقة المدنية بها كمؤسسات عامة منضبطة.  

إنشاء سجلات خاصة بالموظفين في هيئات الشرطة والمؤسسات الأمنية والقوات المسلحة وكافة مؤسسات قطاعي العدالة والأمن تتضمن بيانات مكتملة عن الموظف وسلوكه المهني والمخالفات والجزاءات التأديبية التي حصل عليها بالقدر الذي يساعد على تقدير مدى ملاءمته للخدمة العامة.

يجب أن يقود التدقيق في سجلات الموظفين بعد انتهاء النزاع إلى استبعاد مسؤولي المؤسسات الأمنية والعسكرية من تقلد أي مهام رسمية إذا وجدت ادعاءات مستندة إلى أسس منطقية بشأن قيامهم بانتهاكات سابقة لحقوق الإنسان، أو إذا كانوا قد أصدروا أوامر أدت إلى حدوث انتهاكات، أو تغاضوا عنها رغم وقوعها في نطاق مسؤولياتهم. إضافة لموظفي مؤسسات قطاع الأمن الذين عرفوا خلال فترات النزاع بسلوكياتهم الوظيفية الشائنة ونزعتهم لتجاوز القانون بما يرجح احتمال تورطهم في أعمال تعذيب أو قتل أو إخفاء قسري يصعب إقامة الدليل القانوني عليها.

حوكمة قطاع الأمن، وتعزيز آليات الرقابة والمحاسبة، وإدراج معيار احترام حقوق الإنسان في قواعد الترقيات الخاصة بضباط الشرطة وأعضاء النيابة العامة بناء على تقارير الكفاءة.

تحديث ورقمنه واتمتة الإجراءات القانونية بدءا من أوامر القبض، وعمليات جمع الاستدلالات ومحاضرها ومرفقاتها وأدلتها ووثائقها، وصولا إلى الإفراج أو الإحالة، وكذلك أعمال النيابة العامة وأعمال المحاكم وعمل دورة الكترونية مكتملة لمستندات القضايا ووثائقها وبياناتها تسهيلا لأعمال أعضاء النيابة والقضاة وتسريع الإجراءات والبت في القضايا.

الحل المتدرج والآمن لمكونات قطاع الأمن والقوات غير الرسمية وتسريح العاملين فيها، أو دمجهم في الهياكل الرسمية المناظرة بشكل يتسق مع ضرورات العدالة وضمانات عدم تكرار الانتهاكات السابقة، ويترافق مع عملية مراجعة لمعايير التوظيف في المؤسسات العامة ضمن رؤية إستراتيجية متكاملة للإصلاح المؤسسي والعدالة الانتقالية لما بعد انتهاء النزاع.

نشر ثقافة حقوق الإنسان في أوساط العاملين بمؤسسات قطاع الشرطة والأمن والتوعية المنظمة بالإجراءات التي تكفل احترام حقوق الضحايا واحتياجاتهم عند القيام بالواجبات الرسمية مع مراعاة احتياجات الفئات الضعيفة كالنساء والأطفال.

تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة الداخلية والجزاءات التأديبية حيال موظفي مؤسسات قطاعي الأمن والعدالة.

تنظيم برامج توعية لتعريف الضحايا بحقوقهم في الوصول إلى آليات العدالة بما في ذلك معرفة اختصاصات جهات العدالة وإجراءاتها وسبل الوصول إليها.

إنشاء آليات وطنية للرصد المنهجي لجميع حالات التعذيب، وتأسيس صندوق وطني لتوفير المساعدة القانونية والمالية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

تخصيص الموارد الكافية للأجهزة المعنية بتيسير العدالة من أجل القيام بمهامها القانونية بفعالية.

فور انتهاء النزاع يجب وبشكل سريع دفع المرتبات المتأخرة للقضاة ومساعديهم وأعضاء النيابة وكافة العاملين في قطاعي الأمن والعدالة ومعالجة أوضاعهم المالية والوظيفية بما في ذلك الحوافز والعلاوات والترقيات.

فيما يتعلق بالقواعد الإجرائية

وضع حد لفوضى الاحتجاز، وحصر عمليات الاستدعاء والإيقاف والاحتجاز بأقسام الشرطة وحدها، وتقليص دائرة الاستثناءات لتلك القاعدة إلى أضيق حد، وتقييد اختصاص الشرطة بالاحتجاز والاستيقاف بإجراءات لاحقة كتقديم تقارير للنيابة العامة فور حدوث التوقيف أو الاحتجاز وإخضاع إجراءات الاحتجاز للمراجعة وإعادة النظر الدورية من قبل النيابة العامة.

تيسير سبل تقديم الشكاوى والتظلم أمام النيابة العامة وتعزيز آليات الاستجابة السريعة لها.

إلزام مأموري الضبط القضائي بسرعة إحالة محاضر الاستدلال إلى النيابة دون إبطاء في جرائم انتهاكات حقوق الإنسان.

إلزام النيابة العامة بالبحث من تلقاء نفسها عن أماكن الاحتجاز غير القانونية وعدم الاكتفاء بإطلاق المسجونين أو نقلهم إلى منشآت عقابية قانونية، وفتح تحقيقات وملاحقة المسؤولين عن الاحتجاز قضائيا.

تمكين النيابة العامة من الإشراف الحقيقي والفعال والمستقل على كافة أماكن ومرافق الاحتجاز دون استثناء.

توقيف الموظف العمومي المشتبه بارتكابه انتهاكات حقوق إنسان عن ممارسة أعماله الرسمية أثناء خضوعه للتحقيق والمحاكمة.

منح النيابة العامة حق الادعاء المباشر في جرائم انتهاكات حقوق الإنسان التي تقع من رجال الضبط القضائي أو الموظفين العموميين وأعضاء النيابة دون إذن، والاكتفاء بإخطار الجهة التي ينتمي إليها المشتبه به بالتهمة وبالإجراءات المتخذة حياله.

يجب ألاّ يشمل الأمر بالحفظ لعدم معرفة الفاعل بناء على محاضر جمع الاستدلالات جرائم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

اعتبار الأشخاص الذين يرفضون تقديم أنفسهم للنيابة العامة أو للقضاء خارجين عن القانون، وحرمانهم من مباشرة بعض حقوقهم المدنية كإجراء التصرفات المالية أو الحصول على وثائق رسمية، إضافة إلى وضع النص المتعلق بحجز أموالهم موضع التنفيذ.

يجب ألا تكون أسباب الإباحة المقترنة بالجرائم التي يشتبه في أن مرتكبها موظف عام أو مكلف بإنفاذ القانون مانعة من الملاحقة القضائية أو إصدار أحكام الإدانة إذا توفرت أسبابها الجوهرية، وان يقتصر أثرها على تخفيف العقوبة.

توصيات للمجتمع الدولي

إعادة النظر في بعض معايير الأمم المتحدة الخاصة بدعم العدالة الانتقالية حول العالم، وعلى وجه التحديد، المعيار المتعلق بعدم تقديم المساعدة للمحاكم التي تسمح بعقوبة الإعدام، خاصة في البلدان الخارجة من النزاعات والتي هي بحاجة ماسة للمساعدة في إعادة بناء قطاع العدالة لتثبيت حالة السلام.

تشجيع الدراسات القانونية المتخصصة في شؤون العدالة الجزائية في اليمن، والدراسات المعمقة لسبل الانتصاف القانوني التي يوفرها نظام الإجراءات الجنائية اليمني للفئات الضعيفة (الأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة والمجموعات المستبعدة لأسباب مختلفة) وتقييم الثغرات ومدى فعالية تلك السبل في تحقيق العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من تلك الفئات.

إجراء دراسات معمقة لدور آليات الانتصاف غير الرسمية (العرفية) في البيئات المحلية اليمنية ونقاط ضعفها وقوتها وكيف يمكنها أن تسهم في تحقيق العدالة الانتقالية على الصعيد الوطني وبالاتساق مع المعايير الدولية.

دعم مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالتوعية القانونية وتعزيز استقلال القضاء.