"نزعت الإبرة الوريدية وبدأت بالجري"

الهجمات على مرافق الرعاية الصحية في اليمن

يتناول هذا التقرير البحثي، الصادر عن مواطنة لحقوق الإنسان (مواطنة) ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان (PHR)، الهجمات على المرافق الطبية والطاقم الطبي من قِبل أطراف النزاع في اليمن التي وقعت ما بين شهري آذار/مارس 2015 وكانون الأول/ديسمبر 2018.

الناشر
تاريخ الإصدار
March 18, 2020
عدد الصفحات
100
بيان صحفي
March 18, 2020
الأطراف المتحاربة في اليمن تعتدي على ما لا يقل عن 120 مرفقاً صحياً والعاملين فيها: تقرير مواطنة لحقوق الإنسان ومنظمة (PHR)

الملخص التنفيذي

على مدار العقد الماضي، عانتِ اليمن من عدة نزاعات مسلحة، حيث انتهكت أطراف هذه النزاعات أهم القوانين والقواعد الدولية الأساسية، بما في ذلك تجاهل أشكال الحماية الخاصة التي يوفرها القانون الإنساني الدولي للمرافق الطبية والعاملين فيها. وفي العام 2014 دخلت اليمن مرحلة أكثر تدميرا، عندما استولت جماعة أنصار الله المسلحة (المعروفة أيضًا باسم ”الحوثيين”) على العاصمة اليمنية صنعاء بالقوة، وتصاعد مستوى الدمار في عام 2015 بتدخل التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بطلب من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ضد الحوثيين. وحتى قبل هذا التصعيد، كانت تُعتبر اليمن من أفقر البلدان في العالم، مع أدنى مؤشرات التنمية البشرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لقد أوصلت سنوات الصراع اليمنَ إلى حافة كارثة إنسانية: انهار اقتصادها وبنيتها التحتية، كما أن نظام الرعاية الصحية فيها تهاوى كليًا. ولم تكن هذه الحالة نتيجة حتمية للحرب، بل هي نتيجة مباشرة لسلوك الأطراف المتحاربة في هذا النزاع، متجاهلةً القانون الدولي والمعايير الإنسانية تجاهلًا تامًّا، مما أضعف بشكل متزايد قدرة اليمنيين على البقاء، إذ تسببت الهجمات الجوية التي شنها التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في خسائر فادحة في البنية التحتية الحيوية في البلاد، بما في ذلك الوحدات الطبية.

طوال فترة النزاع ارتكبت الأطراف المتحاربة في اليمن – بما في ذلك التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجماعة الحوثيون المسلحة والحكومة اليمنية – انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وتُعتبر الهجمات على البنية التحتية الطبية والعاملين في المجال الطبي من أبرز الانتهاكات التي ارتكبت خلال النزاع، وأكثرها تدميرًا، حيث ألحقت الأطراف المتحاربة أضرارًا بالمرافق الصحية أو دمرتها نتيجة الغارات الجوية والقصف البري، ما أدى إلى حرمان المدنيين اليمنيين من الخدمات الطبية التي هم في أمس الحاجة إليها. وكذلك احتلت أطراف النزاع المنشآت الطبية، واستولت على إمدادات المرافق الطبية، وحرمت منها شريحة واسعة من السكان، واعتدت على العاملين في المجال الطبي، إضافة إلى جملة انتهاكات أخرى، في انتهاك للمعايير الراسخة في القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي تحمي المرافق الصحية، والعاملين الصحيين، والمرضى في فترات النزاع. كما أنها تحد من قدرة المهنيين الصحيين على العمل وفقًا لالتزاماتهم الأخلاقية.

يتناول هذا التقرير البحثي، الصادر عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان (PHR) ومواطنة لحقوق الإنسان (مواطنة)، الهجمات على المرافق الطبية والطاقم الطبي من قِبل أطراف النزاع في اليمن التي وقعت ما بين شهر آذار/مارس من العام 2015 وشهر كانون الأول/ديسمبر من العام 2018.

يستند هذا التقرير بشكل أساسي إلى شهادات الشهود والناجين، ويوثق 120 اعتداء على منشآت صحية وأفراد من الطاقم الطبي في اليمن على مدار 45 شهرًا. ووفقًا للبيانات التي جمعتها مواطنة، وقع زهاء 50 % من جميع الهجمات الموثقة في العام 2015، و16 % في العام 2016، و21 % في العام 2017، و13 % في العام 2018. وتسببت الهجمات في مقتل ما لا يقل عن 96 مدنيًّا وعاملًا صحيًّا، بينهم 10 أطفال و6 نساء، وإصابة 230 شخصًا، بينهم 28 طفلًا و12 امرأة. وقد كانت تعز هي المحافظة الأكثر تضررًا من الهجمات على المنشآت الطبية، حيث وقعت فيها 67 حادثة موثقة. وكذلك تأثرت محافظة صعدة بشكل كبير بالهجمات على مرافق الرعاية الصحية، حيث وقعت فيها 25 حادثة موثقة، من ضمنها 22 غارة جوية. وقد تجاوز تأثير هذه الهجمات الضحايا المدنيين الذين قتلوا أو جرحوا، إلى التسبب في انهيار فعلي للنظام الصحي في اليمن، وهي نتيجة كانت لها آثار مدمرة على السكان المدنيين في البلاد.

تندرج الحوادث الموثقة ضمن الفئات الأربع الرئيسية التالية: هجمات جوية (35)، وهجمات برية (46)، واحتلال منشآت طبية (10)، واعتداءات على الأطقم الطبية (23)، وغيرها من الانتهاكات التي تعيق الوصول إلى الرعاية الصحية (7). وقد تتضمن العديد من الحوادث الموثقة أكثر من فئة، حيث غالبًا ما تؤثر الهجمات الجوية والبرية على الطواقم الطبية، ويؤدي الاحتلال والسيطرة العسكرية في بعض الحالات إلى الاستهداف المباشر للمرافق الصحية من قبل القوات المعارضة.

الحوادث الموثقة ليست شاملة ولا تمثل العدد الإجمالي للهجمات على القطاع الصحي. ومع ذلك، فإنها توضح أنماط الهجمات على المرافق الصحية، وتأثيرها، والانتهاكات التي تصاحب تنفيذ هذه الهجمات.

قامت قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بهجمات جوية تسببت في أضرار وتدمير للمستشفيات، والعيادات، ومراكز التلقيح، وغيرها من المرافق الطبية. تُشكل هذه الهجمات من قبل التحالف التي تؤثر على المنشآت الصحية المخصصة حصريًا للأغراض الطبية دليلًا على تجاهله للحماية المكفولة لهذه المنشآت، وعدم استعداده أو عدم قدرته على الامتثال لمبدأي التمييز والتناسب، كالتحقق من الأهداف، وتوقيت الهجمات، واختيار الأسلحة، والتحذير المسبق. كما أن استخدام جماعة أنصار الله (الحوثيين) المسلحة وغيرها من الأطراف المتحاربة على الأرض، بما فيها القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليًّا، للأسلحة النيران ذات التأثير غير المباشر واسع النطاق، يبدو ذا طبيعة عشوائية بما في ذلك قذائف الهاون التي أثرت على المرافق الصحية كما هو موثّق في هذا التقرير. يشير احتلال جماعة أنصار الله (الحوثيين) وغيرهم من الجماعات المسلحة الموالية للحكومة المعترف بها دوليًا للمرافق الصحية إلى انتهاك متعمد للوضع المحمي للمنشآت الطبية، ويحرم السكان من الخدمات الطبية فعليًا. استولت القوات المسلحة الأخرى، بما في ذلك تلك التي تدعمها الدول الأعضاء في التحالف على حِدَة، على المنشآت الطبية، ونهبتها، وعمدت إلى تخويف العاملين الصحيين، وتهديدهم.

يوفر القانون الدولي الإنساني حماية خاصة للعاملين الطبيين والمرافق الطبية لضمان سير الرعاية الصحية طوال فترة النزاع. ومع ذلك، فإن الاعتداءات على مرافق الرعاية الصحية التي قد ترقى العديد منها إلى حد الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، كانت منتظمة طوال فترة النزاع في اليمن. انتهكت الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف على المدنيين والبنية التحتية المدنية واستخدام الحوثيين للأسلحة ذات التأثير على نطاق واسع في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان -مرارًا وتكرارًا – مبادئَ التمييز والتناسب، والاحتياطات المنصوص عليها في القانون الإنساني الدولي العرفي والمعاهدات المتعلقة بالقانون الإنساني الدولي. ووفقًا لتقييم مواطنة ومنظمة أطباء لأجل حقوق الإنسان، فإن العديد من هذه الانتهاكات قد ترقى إلى جرائم الحرب، وبالتالي يمكن مقاضاة القادة العسكريين والقادة المدنيين بتهمة ارتكاب جرائم حرب باعتبار أنهم كانوا على علم بهذه الجرائم أو ينبغي أن يكونوا على علم بها، دون أن يتخذوا التدابير الكفيلة بمنعها أو يعاقبوا المسؤولين عنها.

انتهكت الأطراف المتحاربة في اليمن بشكل متكرر المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي في هجماتها على مرافق الرعاية الصحية، وقد ارتكبت هذه الانتهاكات مفلتةً من أي عقاب. يسعى هذا التقرير إلى المساهمة في جهود التوثيق والتحقيق، بحيث يمكن مساءلة مرتكبي جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات، وتعويض المتضررين منها.

التوصيات الرئيسية

إلى أطراف النزاع:

  • الكف فورًا عن شن هجمات غير مشروعة على المرافق الطبية والعاملين الطبيين، وإنهاء احتلال المنشآت الطبية.
  • احترام الحماية الممنوحة للوحدات الطبية والخدمات الصحية، والسماح للعاملين في القطاع الطبي بالوفاء بمسؤولياتهم الأخلاقية المتمثلة في توفير الرعاية المحايدة للمحتاجين.
  • تسهيل الوصول الآمن والسريع ومن دون عوائق للإمدادات الإنسانية والموظفين إلى جميع المحافظات المتضررة في اليمن.

إلى جماعة الحوثيين المسلحة:

  • احترام الوضع المحمي للمرافق الطبية، وسحب الأفراد المسلحين من داخل المراكز الطبية أو من حولها.
  • التوقف عن استخدام المراكز الطبية لأغراض عسكرية.
  • الالتزام بسياسات “عدم وجود أسلحة” المتبعة في المستشفيات وغيرها من المرافق الصحية.
  • التحقيق في جميع حوادث تقييد أو رفض أو مصادرة المساعدات الإنسانية، ومحاسبة المسؤولين عنها.

إلى الحكومة اليمنية والتحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة:

  • الالتزام بمبادئ التمييز، والتناسب، والاحتياطات في تنفيذ العمليات العسكرية.
  • إجراء تحقيقات موثوقة ونزيهة وشفافة في الانتهاكات المزعومة لقوانين الحرب ومحاكمة الأفراد العسكريين، المسؤولين عن جرائم الحرب في اليمن، بما في ذلك القادة منهم.
  • توفير سبل إنصاف سريعة ومناسبة للضحايا المدنيين وعائلاتهم بسبب الوفيات والإصابات والأضرار التي لحقت بالممتلكات نتيجة للهجمات غير المشروعة، واعتماد آلية موحدة وشاملة ويمكن الوصول إليها بسهولة لتقديم مبالغ على سبيل التعويض للمدنيين الذين تضرروا بسبب العمليات العسكرية، بغض النظر عن قانونية الهجوم.