منذ ست سنوات والنزاع المسلح في اليمن يلحق أضراًرا متزايدة بقطاع التعليم، ويتسبب بكوارث لا حصر لها،طالت جميع عناصر المنظومة التعليمية، ولم يتوفر إلا القدر اليسير من البنى والهياكل والسياسات التي يمكن الرهان عليها لإنقاذ التعليم في المستقبل. نزحت آلاف الأسر بأطفالها نحو مصير مجهول، وترك آلافُ التلاميذ مدارسهم للخراب أو لمقاتلين غرباء استوطنوها عنوة واستخدموها كثكنات عسكرية. كما تعقدت سبل الوصول الآمن إلى المدارس، فلم تعد الفتيات -كما الصبية الصغار- يجدن طريقًا آمنًا للمدرسة. ولم تكتفِ أطراف النزاع بتقويض التعليم بالقصف والاستخدام المسلح وترهيب المعلمين والعاملين في حقل التعليم، بل تحولت بعض المدارس إلى مزارات مفتوحة لمجنِّدين يبحثون عن مقاتلين أطفال، أو دعاة حرب يلقون على أسماع التلاميذ خطابات تعبئةسامّة، تنسيهم مذاق أناشيد الصباح المفعمة بحب السام. هذا الحد من الكارثة يكفي لخسارة المستقبل، ما لم توجد تدخلات ومعالجات عاجلة قد تنجح هذه الدراسة في الإرشاد إليها.
وفي الواقع، يمثل النزاع بحد ذاته انتهاكًا جوهرًّيا لحقوق الأطفال،بما فيها الحق في التعليم، حيث يؤدي إلى تقويض المنظومة التعليمية، وحرمان الآلاف من التلاميذ من الالتحاق بالتعليم، ويحرض على انقسام السياسات الخاصة بالتعليم بين جميع أطراف النزاع المسلح. تؤكد المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بشكل متكرر، على أهمية التعليم وحماية التعليم أثناء النزاعات المسلحة. وفي ظروف النزاعات طويلةالأمد في البلدان الفقيرة، المفتقرة بالأساس للكثير من مقومات البيئة التعليمية الجيدة، واليمن واحدة منها، تصبح حماية الحق في التعليم واحتواء الآثار السلبيةللنزاع على التعليم فوق طاقة المجتمعات المحلية، ويتطلب الأمر قيام المجتمع الدولي بدور أساسي وفاعل بحماية التعليم في بيئات النزاع المسلح.
تتناول هذه الدراسة التأثيرات المتعددة للنزاع المسلح في اليمن، منذ اندلاعه في سبتمبر/ أيلول 2014، على التعليم الحكومي العام باعتباره أحد أهم القطاعات الحيوية التي لحقتها أضرار الحرب، فتلقي الضوء على التأثيرات التي لحقت بالنظام التعليمي والعملية التعليمية والبنية المادية للمرافق والمنشآت التعليميةفي عدد من المدارس الأساسية والثانوية، وتتَتَبّع تداعيات كل ذلك على التلاميذ والمعلمين عبر تحليل المعطيات الميدانية التي يمكن عكسها نوعيًّا. كما تتناول ظاهرة النزوح -نزوح التلاميذ مع أهاليهم على وجه التحديد- كإحدى الظواهر المرتبطة بالنزاع المسلح، فتدرس من واقع المعلومات الميدانية الصعوبات التي تواجه إعادة إدماج التلاميذ النازحين في مدارس المجتمع المضيف. وفي السياق، تتناول ظاهرةالتسرب المدرسي، فهذه الظاهرة، وإن كانت موجودة بصورة لافتة قبل نشوب النزاع المسلح إلا أنه من المتوقع أن يكون النزاع المسلح قد زاد من تفاقمها على نحو واسع.