وقائع الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري تحت سلطة جماعة أنصار الله (الحوثيون) المسلحة في اليمن
الملخص التنفيذي
منذ سيطرتها على السلطة في اليمن أواخر سبتمبر من العام 2014، شنت جماعة الحوثي المسلحة –أنصار الله-حملة واسعة من علميات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري طالت مئات المدنيين في المحافظات الخاضعة لسيطرتها تركزت معظمها خلال العام 2015.
شكل الـ 21 من سبتمبر 2014 نقطة تحول مفصلية في مسار العملية السياسية في اليمن لتتسع دائرة النزاع المسلح وتزداد حدة عنفوانه موجدة بذلك مدخلاً لوضع جديد يتسم بالتردي غير المسبوق في حالة حقوق الانسان والحريات العامة. ففي هذا التاريخ سيطرت جماعة الحوثي المسلحة –أنصار الله-بالتعاون مع قوات عسكرية موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح-على العاصمة صنعاء بقوة السلاح لتفرض الجماعة نفسها سلطة أمر واقع بديلة.
إثر تقدم قوات أنصار الله وحليفهم صالح إلى محافظة تعز(21مارس2015) وصولاً إلى مشارف مدينة عدن جنوب اليمن, وفرار الرئيس هادي إلى العاصمة السعودية الرياض في 25 مارس 2015م ، تمددت مساحة الصراع العنيف مع نشوء جماعات مسلحة محلية الى جانب قوات حكومية مقاومة لذلك التوسع, تشكلت هذه الجماعات بشكل رئيسي من حزب التجمع اليمني للإصلاح والجماعات السلفية والحراك الجنوبي وجماعات وأحزاب أخرى موالية للرئيس عبده ربه منصور هادي، واطلاق المملكة العربية السعودية في 26 مارس 2015 عملية عسكرية على رأس تحالف عربي من تسع دول ضد قوات الحوثي وصالح بطلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى مجلس التعاون الخليجي للتدخل وإعادة تمكينه من ممارسة سلطاته وتثبيت شرعيته.
عطلت جماعة الحوثي منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وبقية المحافظات أجهزة الضبط القانونية من أقسام شرطة وأجهزة أمن ونيابات، وأحلت بديلاً عنها مجاميعها المسلحة مقوضة بذلك القوانين النافذة الحاكمة لإجراءات القبض والإيقاف والإفراج والإحالة، وهو ما ترتب عليه وقائع انتهاكات جسيمة لحقوق مئات الأفراد الذين اعتقلتهم الجماعة وتعرضوا لسلسلة من الانتهاكات و ضروب مختلفة من أشكال المعاملة المهينة في مختلف المراحل.
وبالإضافة إلى احتجاز عدد من المعتقلين في أماكن احتجاز غير قانونية وغير ملائمة، بعضها منازل خاصة أو مدارس أو مؤسسات حكومية احتلتها الجماعة، فقد أدى احتجاز معتقلين في أماكن معرضة للقصف في مدينة ذمار إلى مقتل ثلاثة من بينهم صحفيين اثنين، وقيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح، في قصف لطيران التحالف وهي واقعة ترفع باستمرار مخاوف أسر المختفين قسرياً والمعتقلين تعسفياً وتزيد من قلقهم على سلامة ذويهم الذين لا يزالون رهن الاختفاء القسري أو الاعتقال.
تحققت منظمة مواطنة لحقوق الانسان من 53 حالة اعتقال تعسفي و26 حالة اختفاء قسري نفذتها جماعة الحوثي ضد مدنيين مختلفين ومعارضين سياسيين لها شكل المنتمين لحزب التجمع اليمني للإصلاح غالبيتهم. وقد طالت هذه الاعتقالات مواطنين عاديين وصحفيين محليين ونشطاء سياسيين ومدافعين عن حقوق الانسان، أطباء وأكاديميين ورجال دين وسياسة، كما تعرضت ثلاث نساء من قيادة التجمع اليمني للإصلاح للاعتقال والحجز المؤقت، وكذلك بعض ابناء الأقلية اليهودية في اليمن.
تقول خديجة محمد مياس/46 عاماً، والدة صخر أحمد مياس 20 عاماً المعتقل منذ 25نوفمبر2015، ” ماذا أفعل؟ ولمن أتجه؟ لقد قمت بكافة الإجراءات القانونية، وقمت بالاستجداء والوقوف اليومي في مكاتب المختصين، دون أية فائدة، كله ظلم وافتراء وتعسف، إذا كان ابني مخطئا فليحاكموه ويعاقبوه، وإلا فليطلقوا سبيله ليعود إلى حياته، عيوني وهنت من البكاء “.
في الوقت الذي تجسد فيه عبارات الأم خديجة مياس معاناة المئات من عائلات المعتقلين تعسفياً لفترات تصل بعضها إلى نحو عام دون توجيه تهم قانونية تبرر أسباب الاعتقال وبدون محاكمات ودون أي إجراءات قانونية، فإن نصيب عائلات المختفين قسرياً مضاعفة من المأساة التي يخلفها غياب ذويهم من المختفين.
فقد مضى أكثر من عام والغموض التام يغلف مصير السياسي البارز في حزب التجمي اليمني للإصلاح محمد قحطان 52 عاماً، فلقد كان الرابع من ابريل 2015 اخر نهار تواجد فيه قحطان مع عائلته قبل ان تداهم قوة عسكرية تابعة لجماعة الحوثي منزله في العاصمة اليمنية صنعاء وتنتزعه من بين افراد اسرته لتودعه في جوف الغياب. باتت عائلة قحطان-مثل عشرات العائلات للمختفين قسرياً-في قلب عذاب يومي تستحثه وتذكي ناره أسئلة لا تجد إجابة حول مصير المختفي وظروف احتجازه.
ولم تنجُ الفعاليات المدنية السياسية والحقوقية من حملة القمع الموجهة والمضايقات الممنهجة، فلقد كان منظمو هذه الفعاليات هدفاً للاعتقال والاعتداءات والتهديد والمضايقات أكثر من مرة, عند محاولة الاحتشاد للمطالبة بكشف مصير المخفيين والمعتقلين, أو عند تنظيم عمل إنساني لا تقره الجماعة, فمن بين سلسلة استهداف الجماعة للحريات العامة والفعاليات المدنية والحقوقية، يُعدالـ12 من أكتوبر 2015 حدثاً بارزاً, داهم فيه مسلحون تابعون للجماعة أحد فنادق مدينة إب وسط اليمن لتعتقل 30 ناشطاً مدنياً وصحفياً كانوا ينظمون لتسيير قافلة إغاثة بالماء لمدينة تعز التي كانت تشهد حصاراً خانقاً فرضته الجماعة آنذاك. ورغم إفراج الجماعة عن 28 معتقلاً منهم، إلا أن اثنين منهم الناشطان أمين الشفق 47 عاماً، وعنتر المبارزي 37 عاما ً لا زالا رهن الاختفاء القسري حتى اللحظة.
وثقت منظمة مواطنة شهادات أقارب للضحايا، تحدث فيها عدد منهم عن الظروف والمعاملة السيئة التي يعاني منها ذويهم المعتقلون وعن تعرض بعضهم للتعذيب وللتحقيق لساعات طويلة، كما أن الحالة الصحية لعدد من المعتقلين متدهورة ولا يتلقون الرعاية الصحية المناسبة، ومن بين المعتقلين تعسفياً 10 صحفيين ظلوا مختفين قسرياً لعدة أشهر قبل الكشف عن أماكن احتجازهم، ووضع بعضهم في زنازين انفرادية مع تعرضهم للتعذيب حسب بيان أصدره أهاليهم في مارس2016.
يسلط هذا التقرير الضوء على وقائع الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري التي نفذتها سلطات الحوثي وطالت مدنيين في محافظات صنعاء، تعز، الحديدة، حجة، إب، ذمار و عمران، منذ سيطرة الجماعة على السلطة وحتى مايو 2016م.
وحققت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان في 53 حالة اعتقال تعسفي تضمنت 10 صحفيين و26 حالة اختفاء قسري من خلال البحث الميداني وتنفيذ نحو 200 مقابلة مع عائلات الضحايا، والضحايا الذين تم الإفراج عنهم، وشهود العيان.
طبقاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية –تعد اليمن دولة طرفاً فيه- فإنه “لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه” ,و”من يتم اعتقاله يجب إخطاره وقت الاعتقال بأسباب القبض عليه وأن يُخطر فوراً بأية اتهامات منسوبة ضده”, والأشخاص المتهمون بالأعمال الجنائية “يقدمون سريعاً، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية, ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه فيها.
يحظر القانون الدولي الاعتقال والاحتجاز التعسفي، وبحسب فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، فإن الاحتجاز يُعد متعسفاً “إذا لم تعرض السلطات أي سند قانوني سليم يبرر الحرمان من الحرية، والحرمان من الحرية ينجم عن ممارسة حقوق أو حريات محمية مثل حرية المعتقد أو حرية التعبير، أو حين تكون انتهاكات معايير المحاكمة العادلة الدولية واسعة مما يعطي الحرمان من الحرية صفة التعسف”.
تنص المادة (83) من الفصل الثاني في اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949 على أنه “لا يجوز للدولة الحاجزة أن تقيم المعتقلات في مناطق معرضة بشكل خاص لأخطار الحرب وعلى الدولة الحاجزة تقديم جميع المعلومات المفيدة عن الموقع الجغرافي للمعتقلات إلى الدول المعادية عن طريق الدول الحامية”.
كما نص إعلان الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي أقرته الجمعية العامة في عام 1992، على أن “الاختفاء القسري يقع حين يقوم مسؤولون أو عملاء حكوميون بالقبض أو الاحتجاز أو الاختطاف لأشخاص ضد إرادتهم، ثم رفض الكشف عن مصائرهم أو أماكنهم أو رفض الإقرار بحرمانهم من حريتهم، مما يجعل هؤلاء الأشخاص خارج مظلة حماية القانون”.
وينص الدستور اليمني على أن “تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم”, و” يحظر الدستور الاعتقالات والتفتيش والاحتجاز بخلاف من يتم القبض عليهم من الأشخاص متلبسين أو بناء على أمر قضائي أو أمر من النيابة العامة”.