أفرز النزاع الراهن في اليمن وضعًا إنسانيًّا وحقوقيًا في غاية التردي والمأساوية. إذ كرست الأطراف المتحاربة مسارًا من الممارسات العنيفة والانتهاكات المنظمة بحق المنظومة العامة لحقوق الإنسان. ولعل أكثر مظاهر امتداد زمن الحرب خطورة، هو تعميم العنف ووسائله خيارًا أحاديًّا يسود البلاد ويمنع عن الأفراد والناس أية بدائل ومتاحات أخرى. وتأتي حالة تعميم العنف هذه على هيئة السياسات العدوانية والإجراءات التقييدية للأطراف المتنازعة الرامية إلى مصادرة الحيز المدني، وإغلاق الفضاء العام، وإلغاء وسائل التعبير السلمي لمصلحة وسائل القمع وخطاب الحرب الهادم للحقوق والحريات.
وبالرغم من تصاعد وتيرة النزاع واتساع جغرافيته، وازدياد عدد الكيانات المسلحة التي ضاعفت التراكم الكمي والنوعي لانتهاكات الحقوق والحريات؛ إلا أن كبرى المدن اليمنية مثل صنعاء، تعز والمكلا، وفي غمرة احتدام الحرب الدائرة منذ ست سنوات، شهدت خروج قطاعات اجتماعية واسعة في تجمعات ومسيرات سلمية رفعت مطالب حقوقية وشعارات رافضة للحرب. إن قراءة متأنية لظاهرة التجمعات السلمية المطلبية في زمن الحرب، تُسقط فرضية تعميم العنف وتلاشي جدوى العمل السلمي وانعدام وسائله، كما أنها تنفي ادعاء الأطراف المتنازعة احتكار تمثيلها للمجتمع بكافة فئاته؛ وتؤكد على أن الوسائل السلمية المتمثلة في الحق في التجمع السلمي ما تزال خيارًا فاعلًا للأفراد والجماعات يجب تعزيزه ومناصرته.
ويعد الحق في التجمع السلمي أحد أبرز وسائل التأكيد والتعبير عن الحقوق الأساسية والحريات، كما أنه يلعب دورًا جوهريًا في بناء مجتمع متعايش ومنفتح على التعددية والاختلاف. وبذلك ترى “مواطنة” ضرورة العمل على مناصرة الحق في التجمع السلمي نظرًا لفعاليته في زمن الحرب، وبوصفه مدخلًا يستعيد من خلاله الناس حضورهم في الشأن العام والتعبير عن حقوقهم وحرياتهم. وعليه تنعقد (ورقة البحث) هذه كإضاءة هامة لما شكلته ممارسة هذا الحق من خيار اجتماعي قائم خارج أجندة القوى المتحاربة ووسائلها.