دراسة ميدانية عن واقع مراكز الاحتجاز في اليمن
الملخص التنفيذي:
هدفت الدراسة إلى تقديم صورة واقعية لأماكن الاحتجاز في اليمن، تشمل واقع بيئتها المكانية من المباني والخدمات، ومدى احترامها للقوانين الوطنية والقواعد الدولية للتعامل مع المحتجزين، فيما يتعلق بإجراءات الاحتجاز، وتوفير الحقوق المعنوية والجسدية المختلفةللمحتجزين، وذلك من أجل المساهمة في أي إجراءات مستقبلية تتعلق بإصلاح بيئة حقوق الإنسان في اليمن وفي مقدمتها بنية وسياسات عمل المؤسسات العقابية، بما يجعلها مؤهلة لأداء دورها القانوني، وبعيدة عن التحول إلى أداة لانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.
وفي سبيل تحقيق ذلك اتبعت الدراسة المنهج الوصفي لتحليل البيانات المجموعة عبر نموذجين مختلفين من الاستبيان استهدف الأول عينة من المحتجزين السابقين والحاليين (أثناء تنفيذ البحث في الميدان)، واستهدف الثاني عينة من المسؤولين عن أماكن الاحتجاز بأقسام الشرطة في اليمن، وتم الاسترشاد في تحليل بيانات الدراسة بالقوانين الوطنية والقواعد الدولية المتعلقة بتنظيم عمل أماكن الاحتجاز.
تم تنفيذ المسح الميداني في سبع محافظات يمنية تغطي اليمن جغرافياً، وتأخذ في الاعتبار شمول جميع أطرف النزاع والسلطات المختلفة على الأرض، وهي محافظات (أمانة العاصمة)، عدن،تعز، الحديدة، حضرموت، ومأرب (، وتم تنفيذ مراحل الدراسة المختلفة خلال الفترة (أبريل/نيسان- سبتمبر/ أيلول 2018 )، بينما اقتصرت الحدود الزمنية للدراسة على الفترة (2018 - 2015 ) وهي الفترة التي شهدت صراعاً مسلحاً مركباً شاركت فيه أطراف محلية وإقليمية ودولية بأشكال مباشرة وغير مباشرة.
اعتمدت الدراسة المنهج الوصفي المسحي، وتضمنت مفاهيم حقوقية وقانونية مختلفة ذات علاقة بحقوق المحتجزين بشكل خاص، مع الاسترشاد بالقوانين الوطنية اليمنية والتشريعات الدوليةذات العلاقة.
تضمنت الدراسة ستة فصول، تضمن الفصل الأول مشكلة الدراسة وأبعادها شاملة الأهداف والأسئلة،والحدود الزمنية والمكانية، والمفاهيم المستخدمة فيها، وتضمن الفصل الثاني منهجية الدراسة وأدواتها وعينتها، وتضمن الفصل الثالث عرضاً لملامح واقع حقوق الإنسان في اليمن خلال الفترة التي شملتها الدراسة من واقع التقارير الحقوقية محلية والدولية،كخلفية عامة تساعد على فهم تفاصيل ونتائج الدراسة.
وتم تخصيص الفصول (الرابع، الخامس، والسادس) لتحليل وعرض نتائج الدراسة، حيث تضمن الفصل الرابع تحليل بيانات الاستبيان الخاص بالمحتجزين، بينما تضمن الفصل الخامس تحليل بيانات الاستبيان الخاص بالمسؤولين عن أماكن الاحتجاز بأقسام الشرطة في اليمن،بينما تضمن الفصل السادس أبرز نتائج الدراسة وتوصياتها.
وقد توصلت الدراسة بشكل عام إلى وجود توجه عام بعدم الحرص على الالتزام بالإجراءات القانونية عند تنفيذ القبض على المحتجزين، وأثناء احتجازهم، فبعض المحتجزين تم القبض عليهم دون التعريف بهوية منفذي إجراءات القبض، مع عدم إبراز إذن النيابة أو أمر الضبط القضائي عند تنفيذ القبض، وحدوث حالات إيداع المحتجزين أماكن الاحتجاز قبل التحقيق معهم، وعدم توضيح أسباب الاحتجاز للشخص المستهدف عند القبض عليه، أو السماح له بإبلاغ أسرته أو من يرغب بإبلاغهم في أغلب الحالات، وأيضاً عدم الالتزام بتدوين معلومات المحتجز في سجلات رسمية عند احتجازه، وإن كان ذلك أقل من المتوسط، فالغالبية تم تسجيل بياناتهم في سجلات رسمية.
وأظهرت الدراسة وجود توجه عام بعدم الحرص على إشعار المحتجز بأسباب القبض عليه عند تنفيذ عملية القبض، وارتفاع حالات الاحتجاز لاعتبارات متعلقة بالنزاع الراهن، وارتفاعحالات إيداع المحتجزين في أماكن احتجاز غير رسمية تقع تحت سلطات فصائل مختلفة منأطراف النزاع الجاري في البلد أبرزها جماعة أنصار الله (الحوثيون)؛ القواتالإماراتية في اليمن؛ التحالف العسكري الداعم لسلطات الرئيس هادي بقيادة السعودية؛تنظيم القاعدة في جزيرة العرب؛ فصائل المقاومة المنضوية ضمن القوات الموالية -كلمن ا المعترف بها دوليا- والتحالف العربي؛ وقوات النخبة الحضرمية.
وقد توزعت أماكن الاحتجاز غير الرسمية على مبان سكنية وحمامات وعمارات خاصة، وأيضا مبان حكومية مدنية وعسكرية، مع وجود حالات احتجاز دون توجيه أي تهمة للمحتجزين.
وكان هناك أيضا توجه عام بعدم احترام المسؤولين عن أماكن الاحتجاز لحق المحتجزين فيالاستعانة بمحامين أثناء التحقيق معهم، وعدم الالتزام بإحالة المحتجزين إلى النيابة العامة خلال المدة القانونية (24 ساعة) إلا في حالات قليلة.
وأظهرت الدراسة عدم إيفاء أماكن الاحتجاز في اليمن بالمعايير الدولية والوطنية فيما يتعلق بالبيئة المكانية، والخدمات الأساسية اللازم توفرها في أماكن الاحتجاز، فلم تكن الغالبية العظمى من تلك الأماكن واسعة ومريحة للمحتجزين، ولم تتمتع بالنظافة اللازمة، ولا بالتهوية الجيدة، ولا الإضاءة الكافية ليلاً ونهارًا، ولم تتوفر فيها خدمات المياه والكهرباء العمومية بشكل دائم إلا في حالات قليلة، حيث تعتمد كثير منها على مصادر بديلة لتوفير الكهرباء والمياه لنزلائها، وبعضها لا يستطيع توفير مصادر بديلة لهذه الخدمات الضرورية، وبشكل واسع لم تتوفر دورات مياه نظيفة وكافية للمحتجزين، ولا مياه نظيفة للاغتسال، كما لم يحصل المحتجزون فيها في أغلب الحالات على الفرش والأغطية، ولم يحصلوا على أدوات النظافة الشخصية كالصابون وأدوات الحلاقة إلا في حالات شديدة الندرة.
وفي نفس الوقت كان السائد غالباً عدم الحرص على احترام الحقوق الجسدية والمعنوية للمحتجزين، فلم يحصل بعض المحتجزين على فترات كافية من النوم بشكل منتظم، ولم يحصل أغلبهم على وجبات طعام وشراب مجانية، كما لم يحصلوا في كثير من الأوقات على وجبات طعام وشراب عند حاجتهم حتى لو كانت مدفوعة الثمن، ولم تحصل الغالبية العظمى من المحتجزين على أوراق للكتابة أو كتب للقراءة عند الحاجة، ولم يستطع أغلبهم التعرض لأشعة الشمس بشكل منتظم، ونفس الوضع فيما يتعلق بالقدرة على استدعاء الطبيب عند الحاجة لذلك إلا في حالات نادرة.
اجبر آخرون على توقيع محاضرُ كما تبيًّن تعرض كثير من المحتجزين لضغوط أثناء التحقيق، التحقيق بالإكراه، وتعرض محتجزون للتعذيب بأساليب شديدة القسوة كاستخدام الكهرباء والحرق، والضرب بالأسلاك الكهربائية والتعليق والركل والضرب بالعصي والأيدي وربط الأعين وكسر الأضلاع وأصابع الأيدي، واعتداءات بدنية ولفظية، وتعرض آخرون للحرمان من الأكل والنوم كعقوبة بعد التحقيق معهم.
وكانت قدرة المحتجزين على الاتصال بالعالم الخارجي محدودة للغاية باستثناءات قليلة متعلقة بالسماح لأسر وأصدقاء المحتجزين بزيارتهم، ولكن بشكل محدود وغير منتظم إلا في حالات دون المتوسط.
كما أن عدم خضوع أماكن الاحتجاز للتفتيش المنتظم من قبل النيابة العامة والجهات المختصة هو السائد في الغالبية المطلقة من أماكن الاحتجاز.
ورغم أن أغلب مسؤولي أماكن الاحتجاز بأقسام الشرطة من خريجي كلية/أكاديمية الشرطة، وأغلبهم حصلوا على دورات في مجال القانون، إلا أن عمليات الإفراج عن المحتجزين تعرضت أحيانا لعراقيل من قبلهم تضمنت المماطلة وطلب مبالغ مالية من المحتجزين.
وفي الوقت نفسه لم تحصل أغلب مراكز الشرطة وأماكن الاحتجاز فيها على أي موازنة تشغيلية من الحكومة، والأقسام التي حصلت على موازنات تشغيلية لم تكن تلك الموازنات تكفيها لتوفيرالاحتياجات الضرورية، كما أن أغلب أماكن الاحتجاز في أقسام الشرطة لا توفر أماكن خاصة باحتجاز النساء والأحداث.