على جماعة الحوثيين وقف إجراءاتها التعسفية وغير القانونية المقوضة لحقوق اليمنيات في التنقل والسفر
سالي قحطان
في مساء العاشر من ديسمبر / كانون الأول 2023، وتبعاً للإجراءات القسرية التي تفرضها سلطات جماعة الحوثيين على سفر النساء من مناطق سيطرتهم، تواصلتُ مضطرةً بمختص في وزارة الداخلية التابعة لجماعة أنصار الله "الحوثيين" بُغية الحصول على تصريح غير قانوني للسفر إلى محافظة عدن جنوبي اليمن، وبعد نقاش قصير، عبثي ومستفز، رفض منحي التصريح.
أعمل كمديرة لوحدة الأبحاث والدراسات في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، ويتطلب مني طبيعة العمل السفر بشكل دوري، غير أن كل سفر تصطدم برفض حوثي. وهكذا تمارس سلطات صنعاء دور وصاية بغيض على اليمنيات القاطنات في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وحتى مع اضطراري للقول بأن سبب السفر متعلق بمرض أحد أقاربي، كان الرد صارماً وخالياً من البعد الإنساني، حيث قال: "لا يوجد مبرر للسفر.. ممنوع"! إن منح التصريح أو منعه، مرتبط بمزاج من منحته الجماعة سلطة الموافقة والرفض، بمعزل عن القوانين والتشريعات اليمنية، لا بوجاهة سبب السفر وظروفه.
إن هذه الواقعة المهينة ليست فريدة من نوعها، فهناك المئات من القصص المشابهة التي عاشتها وتعيشها النساء في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله "الحوثيين". لقد تواردت إلينا الكثير من الوقائع المشابهة، حيث لم تتوقف المناقشات المُبتذلة والمُسيئة التي تضطر النساء لخوضها أثناء طلب تصريح السفر، بل تتعداها إلى أسرهن. فبالإضافة لعملية التحقيق التي تنتهك خصوصياتهن، وتتطفل على تفاصيل خاصة، لا تخلو تلك الجلسات من التلميحات التوبيخية المُسيئة، ومن المواعظ الاستعراضية المُفتقرة للياقة والاحترام من مواقع حراسة الفضيلة والعادات والتقاليد.
منذ قرابة خمسة أعوام، أعاقت الإجراءات الحوثية التعسفية آلاف اليمنيات من القيام بعملهن، خاصة أولئك اللواتي تتطلب طبيعة عملهن السفر، فأخذت تلك القيود غير القانونية في التأثير بشكل جلي على العاملات اليمنيات لا سيما في المجال الصحي والإنساني، وخلقت معاناة لا حصر لها. كما أن تأثيرات هذه القيود تعيق بشكل مباشر القدرة على وصول المحتاجين إلى المساعدات، وخاصة النساء والفتيات. إن منع النساء اليمنيات من السفر يوضح الى أي مدى تمضي جماعة الحوثيين في عدم الاكتراث للدستور اليمني "الذي كفل حرية التنقل في المادة 57 ضمن الباب الثاني المتعلق بحقوق وواجبات المواطنين الأساسية"، وللقوانين والتشريعات الوطنية الخاصة، وفرض قناعاتهم وتصوراتهم الفقهية الخاصة، على عموم اليمنيات واليمنيين، خلافاً للدستور والقوانين النافذة.
خلال العامين الماضيين وثقت مواطنة عشرات الانتهاكات التي تقوض بها جماعة أنصار الله "الحوثيين" الفضاء المدني وحقوق النساء في مناطق سيطرتهم. وما منع النساء من السفر والتنقل بين محافظات بلادهن، سوى حلقة في سلسلة طويلة من الانتهاكات.
لقد شهدت اليمن منذ سيطرة الجماعة على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، انتكاسة مؤلمة لحقوق النساء، حيث حقهن في العمل، على نطاق واسع، وأرغمن على الفصل بحسب النوع الاجتماعي في الأماكن العامة، وأُلزمن باتباع شرط المحرم، واستهدفت مسائل ملابسهم، وأغلقت مشاريعهن، وفرضت عليهن شروط تفوق قدرتهن على تنفيذها.
وفي الوقت الذي تشهد الكثير من المجتمعات جهوداً متواصلة من أجل تمكين النساء وزيادة مشاركتهن في صنع القرار والحياة العامة، تحرص جماعة الحوثيين على الحد من أدوار المرأة واستهداف حضورها، وإسهاماتها في الحياة العامة، وإلغاءه احياناً في سلوك مشين، وهو شكل واضح من أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وتراجع واضح عن كافة المكتسبات الوطنية المُراكمة على امتداد عقود.
لقد حان الوقت لتبادر الجماعة إلى وقف إجراءاتها التعسفية وغير القانونية التي تقوض حقوق اليمنيات في التنقل والسفر، ووقف كافة الإجراءات المُستحدثة التي تسيء لعموم اليمنيات ولأسرهن المساندة بوعي ومسؤولية لحقوقهن.