جرائمٌ بلا عقاب وصمتٌ يشجع الإبادة
قالت "مواطنة لحقوق الإنسان" في بيانٍ لها اليوم، بالتزامن مع مرور عام كامل على الحرب الدموية في غزة، التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إن القوات الإسرائيلية وعلى مدى عام كامل ارتكبت مختلف أنواع الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الجرائم الدولية الأشد خطورة، وعلى رأسها الجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، في ظل تواطؤ دولي وإفلاتٍ تام من المساءلة والعقاب.
وذكرت "مواطنة" في بيانها أن عدد ضحايا الهجمات الجوية والبرية العشوائية والاجتياح البري لقطاع غزة من قبل القوات الإسرائيلية، بحسب مصادر وزارة الصحة الفلسطينية، والجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، خلال العام بلغ ما لا يقل عن 42612 قتيلاً، بينهم 16891 طفلاً، و11458 امرأة، و2419 مسنًّا، في حين أسفرت تلك الهجمات عن جرح ما لا يقل عن 102916 مدنيًّا، بينهم 6168 طفلاً. كما تعرضت ما لا يقل عن 360000 وحدة سكنية للتدمير، منها 87000 وحدة تم تدميرها بشكل كلي، في حين بلغ عدد المباني المهدمة خلال العام ما لا يقل عن 25010 مبانٍ.
وعلى صعيد آخر، درجت القوات الإسرائيلية على استهداف الأعيان المدنية والمحمية، بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية، ودور العبادة والمدارس والجامعات والعاملين الإنسانيين، والصحفيين والمؤسسات الإعلامية.
وبحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن 34 مستشفى في القطاع خرجت تماماً عن الخدمة خلال العام، في حين تضرر من القصف الإسرائيلي ما لا يقل عن 25 مستشفى آخر، وتم استهداف ما لا يقل عن 131 سيارة إسعاف. كما استهدفت القوات الإسرائيلية خلال العام ما لا يقل عن 610 مساجد و3 كنائس. وعلى الصعيد نفسه، أدت الهجمات الإسرائيلية إلى تدمير ما لا يقل عن 122 مدرسة وجامعة بشكل كلي، و334 مدرسة وجامعة بشكل جزئي، علاوة على قتل ما لا يقل عن 986 من أفراد الطواقم الطبية، و174 صحفياً، و203 من موظفي منظمة الأونروا. ومن بين المواقع والأعيان التي تم استهدافها، مواقع كانت إسرائيل قد صنفتها كمواقع آمنة، ونصحت السكان المدنيين في القطاع بالتوجه إليها للاحتماء من آثار الهجمات العسكرية، ثم قامت باستهدافها.
وأشارت "مواطنة" إلى أن هذه الأرقام المهولة للضحايا والأضرار؛ بما في ذلك الضحايا من النساء والأطفال وكبار السن والوحدات والمباني السكنية والمواقع والفئات المحمية، تبرهن على عدم اتخاذ إسرائيل أدنى التدابير لحماية المدنيين والأعيان المدنية، وتجاهلها الكامل للمبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني وقواعده المختلفة. كما يظهر بجلاء استهتار هذه القوات، ومن خلفها الحكومة الإسرائيلية، بمختلف القواعد القانونية العرفية والمكتوبة المنظمة للنزاعات المسلحة، والتزاماتها كدولة احتلال بموجب القانون الدولي. وإن التجاهل المستمر والتعاطي غير المسؤول من قبل المجتمع الدولي والدول الداعمة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، مع الممارسات الإسرائيلية وسلوكها المنفلت، من شأنه أن يشرعن ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم الدولية المختلفة في مناطق أخرى حول العالم، ويهدد السلم والأمن الدوليين والنظام الدولي ككل.
وقالت رضية المتوكل رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان :"إن الأوضاع الراهنة واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية في غزة ومنطقة الشرق الأوسط في ظل تواطؤ وتشجيع دوليين، وإفلات تام من العقاب ناتج عن غياب كامل لآليات حقيقية وفعالة للمساءلة، وطرق تعاطي المجتمع الدولي مع اسرائيل في هذه الحرب يضع أمامنا تساؤل حول ما إذا أصبح الإفلات من العقاب سياسة دولية في التعامل مع الانتهاكات الجسيمة والجرائم الدولية الأشد خطورة، والانتهاك الصارخة للقوانين الدولية، وتعزيز العوامل التي من شأنها زعزعت أمن واستقرار المنطقة."
وأضافت رضية المتوكل: "لا يمكن للعدالة أن تغيب للأبد، ولا بد للمجتمع الدولي من تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية في الوقوف ضد هذه الانتهاكات والجرائم المستمرة، وأن على المجتمع الدولي والدول الفاعلة التوقف عن تقديم الدعم والتشجيع المستمرين لإسرائيل والذي يجعل منها شريكًا في مختلف جرائمها، والنهوض بواجباتها في وضع حد لكل جرائم إسرائيل وسلوكياتها غير المسؤولة والتي من شأنها إدخال المنطقة في صراع شامل
يُذكر أن النزاع الدائر في قطاع غزة، والذي يبلغ اليوم عامه الأول، قد اندلع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عقب هجوم واسع شنّته حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى على منطقة غلاف غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، قُتل فيه ما يقارب 815 مدنياً، بينهم 79 مواطناً أجنبياً، بحسب الإحصائيات الأخيرة التي نشرتها منظمة هيومن رايتس ووتش عن وكالة فرانس برس، واحتجاز عشرات الرهائن. لتشن القوات الإسرائيلية هجوماً غير مسبوق من خلال المئات من الهجمات البرية والجوية التي استهدفت الأحياء السكنية والمواقع المحمية المختلفة والبنية التحتية في القطاع. تلا ذلك اجتياح بري للقطاع من قبل القوات الإسرائيلية في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد صاحب الهجوم الإسرائيلي بأشكاله المختلفة على القطاع قطع كامل أو جزئي لإمدادات المياه والكهرباء والإنترنت في فترات متفاوتة، وتقييد ومنع وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك السلع الأساسية من الغذاء والوقود والإمدادات الطبية، إضافة إلى أشكال مختلفة من الاضطهاد والتجويع والقمع والفصل العنصري والتهجير القسري والترهيب، وموجة من الاعتقالات التعسفية والاختفاءات القسرية وغيرها من الانتهاكات.
وأشارت "مواطنة" إلى أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في مايو/أيار 2024 كان قد أصدر طلبات إصدار مذكرات توقيف واعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، وتحميلهم المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة. في حين أعلنت محكمة العدل الدولية في 26 يناير/كانون الثاني 2024 عن قبولها دعوى مقدمة من جنوب إفريقيا تتهم إسرائيل فيها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، وطالبت إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض عليها. كما أعلنت في قرار استشاري لها بتاريخ 30 يوليو/تموز 2024 أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك قطاع غزة، غير قانوني، وأن دولة إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في أسرع وقت ممكن، والوقف الفوري لجميع أنشطة الاستيطان، وإخلاء جميع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأكدت أن إسرائيل تنتهك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. وقوبلت جهود كلٍّ من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بالرفض من قبل إسرائيل والدول الداعمة لها، وتواجه هذه الجهود الكثير من العراقيل ومحاولات لإجهاضها، بما في ذلك تهديد قضاة المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام كريم خان وأفراد أسرهم من قبل نواب أمريكيين، وغير ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن تبعات حرب إسرائيل على قطاع غزة لم تتوقف عند العمليات والجرائم التي شنتها القوات الإسرائيلية على القطاع والأراضي الفلسطينية المحتلة، بل امتدت لتشمل لبنان واليمن، وموجة من التوترات بين إيران وإسرائيل، وعمليات متفرقة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن على مناطق في الأراضي المحتلة والسفن البحرية المتجهة إلى إسرائيل، وعمليات متفرقة لما سمي بتحالف "حارس الازدهار" بقيادة أمريكا وبريطانيا في اليمن.
وأشارت "مواطنة" إلى أنه، وضمن التصعيد المستمر، شنت المقاتلات الإسرائيلية هجمتين جويتين على ميناء الحديدة، في كل من 20 يوليو/ تموز 2024، و26 سبتمبر/ أيلول 2024، استهدفت خلالهما المنشآت الحيوية في مدينة الحديدة، بما في ذلك منشآت النفط وخزانات الوقود ورصيف وكاترينات ميناء الحديدة ومحطات توليد الكهرباء. أسفرت الهجمات عن مقتل 15 شخصًا، وجرح ما لا يقل عن 137 آخرين، وأحدثت دمارًا واسع النطاق في بنية الميناء ومحطات توليد الطاقة. ومن جانب آخر، استهدفت المقاتلات الإسرائيلية أماكن متفرقة في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية، بالإضافة إلى عملية اجتياح بري لجنوب لبنان في 29 سبتمبر/ أيلول 2024، أسفرت عن مقتل العشرات وجرح المئات من المدنيين، وموجة نزوح واسعة النطاق لسكان جنوب لبنان، ولا تزال مستمرة.
وقالت "مواطنة" في بيانها: " إن تبعات الحرب الإسرائيلية هذه وجرائمها الوحشية على قطاع غزة، وهجماتها المتكررة على أماكن مختلفة في المنطقة، على رأسها لبنان واليمن، وتداعياتها، من شأنها إدخال المنطقة في حرب شاملة، وتمثل تهديدًا حقيقيًا لأمن وسلامة المنطقة، والأمن والسلم الدوليين بوجه عام، وأن على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات فعالة وبذل جهود حقيقية لوضع حد لكل تلك الجرائم والسلوكيات وتداعياتها".
ودعت "مواطنة لحقوق الإنسان" في بيانها المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والوكالات الدولية والناشطين والحقوقيين، إلى التحرك العاجل والمسؤول لوضع حد لجرائم القوات الإسرائيلية، وإيقاف شلالات الدم وآلة الدمار في قطاع غزة والمناطق الأخرى، ودعم الجهود المتعلقة بالمساءلة التي تقودها كلٌ من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، لوضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، والدفع نحو تشكيل آلية تحقيق دولية ومستقلة للتحقيق في الانتهاكات والجرائم الدولية المرتكبة من قبل إسرائيل، لضمان مساءلة المنتهكين وجبر ضرر الضحايا والانتصاف لهم.
وجددت "مواطنة" دعوتها للدول الداعمة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، إلى التوقف الفوري عن الدعم غير المسؤول لإسرائيل، والذي يشجعها على التمادي في سلوكها المنفلت وجرائمها الوحشية، ويعكس تواطؤ هذه الدول في جرائم إسرائيل المستمرة. كما جددت دعوتها للمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية لمواصلة جهودهما في إنهاء سياسة الإفلات من العقاب السائدة، وبذل خطوات فعالة من شأنها إعادة الاعتبار للقانون والنظام الدولي، وتعزيز العدل والسلام العالميين.