حَيرَةُ الإجابة التائهة
"أولادي وبناتي يسألونني يوميًّا: متى سيرجع أبي؟ ابنتي الطفلة الصغيرة تقول: افتحوا الغرفة؛ أبي نائمٌ بالداخل. وحين نفتح لها باب الغرفة، تقتنع أنه غير موجود".
بهذه الكلمات تروي السيدة حميدة حامد (اسم مستعار)، جزءًا من معاناتها ومعاناة أبنائها في غياب والدهم صابر أحمد (اسم مستعار- 50 عامًا)، المحتجَز قسريَّا منذ نحو ثلاث سنوات لدى جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بلا جرمٍ ولا محاكمة.
يقيم صابر مع عائلته في قرية صغيرة من قرى مديرية دَمْت – محافظة الضالع، تدعى "القهرة"، ويعمل مزارعًا.
تقول السيدة حميدة (زوجة أحمد):
"في يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كنت وإياه في الوادي، حين أقبل مسلحان، أحدهما يلبس "ميري"، ونادوا عليه: "اطلع معنا، وسترجع"، حين هَمَّ بالقيام سألته: أين ستذهب؟ قال: "سأذهب إليهم وأعود".
كان المسلحان اللَّذان أخذا زوجي، من جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ولم يكن لديهما سيارة؛ لأنّ المكان كان عبارة عن شعب لا تصل إليه السيارات، وكانا يعرفان زوجي ويعرفهما، لكنه ذهب معهما ولم يعُد!
لبثنا نحو عشرين يومًا، لا نعرف شيئًا عنه، كنّا نسأل عنه في القرية، ويجيبون أنه سيرجع؛ ليس عليه شيء. بعد ذلك، اتصل بنا، قال: "لا تخافوا، ليس بي أي شيء، أنا بخير، وأنا الآن في ذمار. أخبري أمي وأبي أنني بخير".
عرفت فيما بعد، أنهم سجنوه -في البداية- مدة خمسة أيام في دَمْت، ثم نقلوه إلى سجن الأمن السياسي بذمار، كان يتواصل معنا مرة كل أسبوع أو كل أسبوعين، وفي كل مرة يسأل: هل يوجد من يتابع عليَّ؟ متى سيُخرجونني؟ فأقول له: إن شاء الله قريب".
تستطرد زوجة صابر:
"ما يزال زوجي محتجزًا حتى الآن، بعيدًا عني وعن بناته، لدينا ست بنات وابنان، كان هو من يُعيلنا ويُنفق علينا وعلى أبويه، الآن أنا أعمل أنا وابني في الوادي لإعالتهم، خصوصًا أنّ والديه كبيران في السنّ ويحتاجان إلى رعاية خاصة.
حين نذهب لزيارته، لا يُسمح لنا إلا بربع أو نصف ساعة، ثم ننصرف؛ نجلب معنا الطعام من البيت كي نأكل معه ونشعر أنه لا يزال بيننا، ثم نعود إلى المنزل ونتذكر تلك اللحظات، فنبكي بمرارة وحسرة.
أولادي وبناتي الكبار، يسألونني دائمًا عن عودة أبيهم، وأحيانًا يأتي أحدهم ليخبرني أنه رأى أباه في المنام وأنه عاد إلى البيت، أردّ عليهم: إن شاء الله سيخرج ويعود، ثم أبكي وحدي؛ ماذا أعمل؟ ليس بيدي أي حيلة ولا أستطيع فعل شيء سوى الدعاء بأن يعود صابر ويرجع لي ولأولاده ولأبويه، ويعيش معنا كما كنّا من قبل.
حياتنا أصبحت مجرد انتظار وتعب ودموع، وتساؤلات ليس لها نهاية، نترقب كل يوم أن يدخل علينا وهو يضحك كعادته دائمًا، لكن كل ذلك مجرد حلم جميل سرعان ما نصحو منه على الحقيقة المؤلمة.
زوجي الآن يعاني من حالة نفسية شديدة داخل سجنه، ومرَّةً حاول الانتحار! الحياة بدونه ليس لها معنى. رغم ذلك، أملُنا في الله كبيرٌ أنه سيرجع، لكن طال الانتظار بنا وبه، حتى أبوه وأمه، أخشى أن يحدث لهما مكروه قبل أن تطمئن قلوبهما بعودته وإطلاق سراحه".