مواطنة تطلق دراستها الميدانية "حرب التجهيل" ووثائقي "غبار الطباشير" عن أثر النزاع المسلح على الوصول للتعليم
صنعاء – قالت مواطنة لحقوق الإنسان إن ست سنوات من النزاع المحتدم في اليمن ألحقت دماراً هائلاً بقطاع التعليم، وتسببت بأضرار فادحة طالت المنظومة التعليمية. وبالتزامن مع اليوم العالمي للتعليم، أطلقت “مواطنة” دراستها الميدانية “حرب التجهيل” تتناول تأثير النزاع المسلح على الوصول للتعليم في اليمن، وفيلم وثائقي بعنوان “غبار الطباشير” يسلط الضوء على الحالة الكارثية التي وصل إليها قطاع التعليم بفعل الحرب بناء على الدراسة الميدانية، وتقرير مواطنة “تقويض المستقبل: هجمات أطراف النزاع على المدارس في اليمن” الصادر في أغسطس/ آب 2020، وعبر شهادات إضافية من تلاميذ ومعلمين وأولياء أمور.
تناولت دراسة “حرب التجهيل” الآثار المختلفة للنزاع المسلح في اليمن منذ اندلاعه، مع دخول قوات أنصار الله (الحوثيين) والقوات الموالية للرئيس السابق للعاصمة صنعاء بقوة السلاح، في سبتمبر/ أيلول 2014على قطاع التعليم الحكومي بوصفه أحد أكثر القطاعات الحيوية التي قوضتها الحرب. إذ تقارب الدراسة التأثيرات التي لحقت بالنظام التعليمي والعملية التعليمية والبنية المادية للمرافق والمنشآت التعليمية في عدد من المدارس الأساسية والثانوية، وتتّبع تداعيات كل ذلك على التلاميذ والمعلمين عبر تحليل المعطيات والبيانات الميدانية؛ بما في ذلك ظاهرة نزوح التلاميذ بفعل النزاع وظاهرة التسرب المدرسي.
قالت رضية المتوكل رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان “إن أطراف النزاع في اليمن قد تسببت في أضرار جسيمة للأجيال الحالية والقادمة من خلال هجماتها وتدخلها وفشلها الكبير في احترام قطاع التعليم في اليمن. على الأطراف وقف هجماتها على التعليم والتعامل معه بالحماية والاحترام اللذان يستحقانه. يجب على المجتمع الدولي دعم جهود المساءلة والإنصاف عن انتهاكات الأطراف في اليمن بما في ذلك الانتهاكات التي طالت التعليم”.
بلغت عينة الدراسة التي نفذتها (مواطنة) (700) عينة، تم اختيارها بطريقة عشوائية، منها (400) عينة أساسية لتلاميذ وتلميذات من مدارس حكومية في مختلف المراحل العمرية موزعين على (137) مدرسة في ثمان محافظات هي تعز، والحديدة، وصنعاء (المحافظة)، وعدن، وأبين، والضالع، وحجة، وصعدة، وأمانة العاصمة. وتم اختيار المحافظات التي يعتقد أن قطاعاتها التعليمية تعرضت لأضرار مباشرة أوسع بسبب النزاع المسلح مقارنة بمحافظات أقل تضررا بناء على توثيق “مواطنة” منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
كما سعت “مواطنة” كذلك إلى التركيز على التنوع الجغرافي للمحافظات الواقعة تحت سيطرة مختلف أطراف النزاع. وإضافة لعينة التلاميذ الأساسية، شملت الدراسة كذلك على (300) عينة استطلاعية أخرى توزعت بين تلاميذ نازحين وتلاميذ متسربين ومعلمين، بواقع مائة عينة استطلاعية لكل فئة، توزعت على نفس المحافظات والمدارس التي شملتها العينة الأساسية.
اعتمدت دراسة “حرب التجهيل” على المقابلة الفردية المقننة والمشتملة على أسئلة مغلقة وبعض الأسئلة المفتوحة. ونفذ فريق مدرب ومتخصص من جامعي البيانات والباحثين عملية جمع المعلومات من خلال زيارة المدارس المستهدفة خلال العام الدراسي 2019/ 2020 وتحديداً في الفترة من فبراير/ شباط وحتى مطلع إبريل/ نيسان 2020.
وقام الفريق بعدد من الزيارات لنازحين يعيشون في أماكن تقع إلى جوار المدارس المستهدفة، كما نفذ زيارات عشوائية للمحيط السكنى القريب من المدارس بغرض العثور على تلاميذ متسربين من المدرسة لإجراء مقابلات معهم أو مع أولياء أمورهم.
وقد تناولت الدراسة أثر النزاع المسلح على قطاع التعليم في ستة محاور أساسية. تطرق المحور الأول منها السياق العام والإطار النظري والقانوني، فيما ركز المحور الثاني على تأثير النزاع على التلاميذ من عدة نواح منها الوصول الآمن إلى المدرسة، والتأثير الكلي للنزاع على استمرار العملية التعليمية. وفيما ركز المحور الثالث على التسرب من المدرسة، تناول المحور الرابع مسألة النزوح والتعليم. وتخصص المحور الخامس والسادس بتسليط الضوء على تأثير النزاع على المعلمين، والتأثير المقابل للتعليم على النزاع.
أظهرت الدراسة الأضرار السلبية الناجمة عن النزاع على التلاميذ، حيث خلصت (مواطنة) من خلال الدراسة إلى أن (81%) من عينة التلاميذ الأساسية في الدراسة اضطروا للتوقف عن الدراسة لفترات متفاوتة بسبب النزاع المسلح، حيث ألحق النزاع أضرارا مباشرة بالمدارس كالتدمير الكلي أو الجزئي، مما جعل الوصول اليها مستحيلاً نتيجة القصف الجوي أو البري أو المواجهات العسكرية واستخدامها كثكنات عسكرية أو مراكز إيواء للنازحين وتوزيع المساعدات.
وإذ تسببت المواجهات العسكرية في المناطق المشمولة بالدراسة بنزوح (67%) من العينة الاستطلاعية الخاصة بالتلاميذ النازحين، توزعت الأسباب الأخرى للنزوح ما بين تعرض المنازل للقصف البري العشوائي، والغارات الجوية على المنازل، وانعدام فرص العمل في المجتمع الأصلي.
وفيما أشارت دراسة التعليم إلى أن (24.6 %) من عينة التلاميذ الأساسية من مختلف الأعمار قد تعرضوا لمخاطر أو عنف جسدي ولفظي في طريق المدرسة بصور مختلفة، بلغت نسبة التلاميذ الذين حاولت أسرهم منعهم من الذهاب مؤقتاً إلى المدرسة بسبب المخاوف الأمنية خلال العام الدراسي 2019/ 2020 (38.8%) من عينة التلاميذ الأساسية.
وأظهرت الدراسة كذلك بأن أكثر من نصف التلاميذ الذين تمت مقابلتهم بواقع (51.5%) ينتمون إلى أسر محدودة الدخل، وفي حال استمر النزاع من المرجح أن ينضم عدد كبير منهم إلى الأطفال خارج المدرسة، حيث ذكر (47.2%) من المستجيبين في عينة التلاميذ أن أسرهم لم تعد قادرة على مواصلة تعليمهم.
واضطر (48.3%) من التلاميذ في العينة الاستطلاعية الخاصة بالمتسربين لترك المدرسة بفعل الظروف المادية السيئة لأسرهم، فيما وجد تلاميذ آخرون أنفسهم خارج التعليم لأسباب أخرى تتعلق بعدم ملائمة بيئة التعليم، وضعف اهتمام الأسرة بالتعليم، وبعد المدرسة عن أماكن اقامتهم، والضغوط النفسية التي يتسبب بها النزاع، إضافة إلى تلاميذ آخرين تركوا المدرسة للقتال في صفوف أحد أطراف النزاع المسلح.
كما ألقى النزاع بظلاله على المعلمين حيث عانوا من تأثيرات اقتصادية سلبية للنزاع بسبب انقطاع المرتبات وسوء الأوضاع الاقتصادية، وأفصح بعض المعلمين عن تأثيرات نفسية سلبية لحقت بهم جراء النزاع والفقر. وواجه بعض المعلمين تبعات أمنية للنزاع تمثلت بالملاحقة الأمنية أو الضغط والتهديد على خلفية بعض المواقف والآراء، أو محاولة تطويع ممارساتهم التدريسية بما يخدم أحد أطراف النزاع.
ومن خلال دراسة “حرب التجهيل”، وجهت “مواطنة” عدد من التوصيات منها توصيات للمجتمع الدولي تشمل دعم جهود المساءلة والإنصاف عن انتهاكات جميع أطراف النزاع في اليمن بما في ذلك الانتهاكات المرتبطة بالتعليم، والتصدي للإجراءات الأحادية التي تقوم على مبدأ التوجيه السياسي للتعليم، وبالتوظيف غير المهني لأشخاص من خارج مجال التعليم.
ودعت “مواطنة” أطراف النزاع إلى وقف الاعتداء على المدارس بكافة أشكالها. كما تدعو “مواطنة” الأطراف المتحاربة إلى بذل المزيد من الجهد لضمان سلامة المدارس والمرافق التعليمية والمناطق المحيطة بها، بما في ذلك إزالة الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش وحظر استخدام الأسلحة بالقرب من المدارس والمرافق التعليمية لضمان استمرار التعليم. ودعت أيضاً إلى احترام الصفة المدنية للمنشآت التعليمية والمدارس، وضمان المرور الآمن للطلاب والمعلمين والعاملين في مجال التعليم بعيداً عن المدارس في المناطق التي تشهد اشتباكات. كما يجب على الأطراف المتحاربة أيضًا التوقف فورًا عن الاستهداف والتهديد والمضايقة للطلاب والمعلمين والعاملين في مجال التعليم لأسباب بما في ذلك التعبير عن آرائهم.
ودعت “مواطنة” إلى ضرورة وجود ضغط دولي أقوى لمناصرة المطالب الخاصة بمرتبات المعلمين والدعوة لعدم ربط استئناف تسليمها بإيجاد حل سياسي نهائي وشامل، والمساعدة في طباعة الكتاب المدرسي غير المعدل.
وكانت مواطنة قد أصدرت في أغسطس/ آب 2020 تقرير “تقويض المستقبل”، والذي يتناول الهجمات التي طالت المدراس والمرافق التعليمية في اليمن خلال الفترة من مارس/ آذار 2015 وحتى ديسمبر/ كانون الأول2019. شمل التقرير 380 هجمة واعتداء ارتكبها جميع أطراف الصراع، منها 153 واقعة قصف جوي، و36 واقعة قصف بري، إضافة إلى 171 واقعة احتلال واستخدام المدارس لأغراض عسكرية، و20 واقعة لأنماط أخرى من الانتهاكات التي أثرت على المدارس كزراعة الألغام بالقرب من المدارس والقيام بأعمال النهب.