قالت مواطنة لحقوق الإنسان وعيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا اليوم أن الجيش الأمريكي اعترف بوجود حالة وفاة جديدة من المدنيين بسبب ضربة جوية شنتها طائرة بدون طيار أمريكية في يناير 2019 في اليمن، لكنه يواصل إنكار الغالبية العظمى من الأضرار التي لحقت بالمدنيين الناجمة عن عملياته المميتة في اليمن...
(صنعاء، اليمن ونيويورك، نيويورك) – قالت مواطنة لحقوق الإنسان وعيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا اليوم، إن الجيش الأمريكي اعترف بوجود حالة وفاة جديدة من المدنيين بسبب ضربة جوية شنتها طائرة أمريكية بدون طيار في يناير 2019 في اليمن، لكنه يواصل إنكار الغالبية العظمى من الأضرار التي لحقت بالمدنيين الناجمة عن عملياته المميتة في اليمن. ودعت المنظمات الولايات المتحدة إلى إجراء تحقيقات شاملة في جميع العمليات الأمريكية السابقة في اليمن، وتقديم إحصائيات كاملة ودقيقة عن تأثيراتها على المدنيين.
وقالت سارة نكي، مديرة عيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا: “نرحب بهذا الاعتراف، ولكن تقييم الجيش الأمريكي للأضرار المدنية الناجمة عن العمليات الأمريكية في اليمن لا يزال أقل بكثير مما تم توثيقه بشكل موثوق ومضنٍ من قبل منظمات مستقلة. وترفض الولايات المتحدة تقديم أي تعويض أو اعتذار للضحايا وعائلاتهم، حتى لعائلات المدنيين الذين اعترفت بقتلهم. وبقي المدنيون ينتابهم الخوف بشأن سلامتهم ويكافحون عبثًا لسنوات طويلة للوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة”.
جاء اعتراف الجيش الأمريكي بالضحية الجديدة من المدنيين في البداية ردًّا على التحقيقات التي أجرتها “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان في جامعة كولومبيا، ثم ظهر في التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأمريكية حول الخسائر المدنية في جميع أنحاء العالم الذي صدر خلال هذا الأسبوع. قامت المنظمات بالتحقيق في 12 واقعة ناجمة عن العمليات الأمريكية في اليمن وأرسلت إلى الجيش الأمريكي ملفات من الأدلة التفصيلية على مقتل 38 مدنيًّا وإصابة 7 آخرين ووقوع أضرار مدنية أخرى، بما في ذلك الأضرار في الممتلكات. وبعد أربعة أشهر من تقديم هذه الحالات إلى الجيش الأمريكي ومطالبته بالرد عليها، نشرت “مواطنة” ما لديها من معلومات في تقرير معمق بهذا الصدد. وتعد هذه الحالات الـ12 من بين أكثر من 500 ضربة جوية منذ أن بدأت الولايات المتحدة تنفيذ عملياتها العسكرية في اليمن قبل 20 عامًا.
وقالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: “لقد قضى الجيش الأمريكي ما يقرب من 20 عامًا في قتل المدنيين في اليمن، لكنه لم يتمكن من إجراء تحقيق سليم وضمان توفير المساءلة. يُظهِر هذا الاعتراف الجديد والمتأخر من قبل الجيش الأمريكي مدى عدم ملاءمة التقييمات الأولية التي أجرتها الولايات المتحدة لعملياتها الخاصة. فلا يمكن الوثوق بسجلاتها”.
تقوم إدارة بايدن حاليًّا بمراجعة سياسات شن الضربات الجوية التي تبنتها إدارتي أوباما وترامب في اليمن وأماكن أخرى، وتبحث في اعتماد شروط لسياسة جديدة محتملة.
قالت كريستين بيكرلي، مديرة الشؤون القانونية للمساءلة والإنصاف في “مواطنة”: “لا تستطيع الولايات المتحدة أن تقيِّم على نحوٍ موثوق كيفية المضي قدمًا، إذا كانت لا تزال ترفض الاعتراف بالتكلفة المدنية الحقيقية لعملياتها. وينبغي أن تتضمن عملية المراجعة التي تقوم بها إدارة بايدن فحصًا تفصيليًّا لكل عملية من العمليات المنفذة، منذ أن بدأت الولايات المتحدة شن ضرباتها الجوية في اليمن، وتفسير كل واقعة من وقائع الإضرار بالمدنيين وتوفير الإنصاف والمساءلة”.
تستخدم الولايات المتحدة القوة المميتة في اليمن منذ عام 2002 على الأقل. وبالرغم من سنوات التوثيق المؤكد بشأن الأضرار واسعة النطاق وطويلة الأمد التي لحقت بالمدنيين جراء العمليات الأمريكية في اليمن، فإنه من النادر أن قام الجيش الأمريكي بالاعتراف بأي خسائر في صفوف المدنيين ناتجة عن عملياته العسكرية. وقد قامت “مواطنة” وحدها بتوثيق سقوط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح في العمليات الأمريكية في اليمن.
شملت التقارير، المقدَّمة من منظمة مواطنة وعيادة حقوق الإنسان في جامعة كولومبيا، معلوماتٍ مفصلة عن 12 عملية نفذتها الولايات المتحدة في اليمن خلال الفترة من 2017 و2019. واستندت هذه التقارير إلى مجموعة كبيرة من الأدلة، بما في ذلك الزيارات الميدانية وعشرات المقابلات والتحقق من الوثائق الرسمية الحكومية والطبية، والصور ومقاطع الفيديو التي قام الباحثون والباحثات التابعون لـ”مواطنة” بجمعها على مدى ما يقرب من أربع سنوات في اليمن. وعلى العكس من ذلك، لا تقوم الولايات المتحدة بعمل زيارات ميدانية للمواقع التي استهدفتها غاراتها الجوية أو إجراء مقابلات مع الشهود؛ مما يجعلها تفتقر للكثير من المعلومات المهمّة. قامت الفرق الحقوقية بتقديم الأدلة في عامي 2019 و2020، إلى القيادة المركزية الأمريكية المسؤولة عن تنفيذ العمليات العسكرية الأمريكية في اليمن. وطالبت التقاريرُ المقدمةُ الولاياتِ المتحدةَ بتقديم الاعتراف والمساءلة والجبر والتعويضات للضحايا المدنيين.
وقالت بنيان جمال، ضابطة المساءلة في مواطنة لحقوق الإنسان: “من الصعب معرفة ما يمكن أن يكون كافيًا لإقناع الجيش الأمريكي بمعالجة ما يتسبب به من أضرار مدنية في مناطق مثل اليمن. فقد أمضى باحثو مواطنة سنوات في جمع الأدلة في مناطق نائية من اليمن، يواجهون مخاطر كبيرة، على أمل أن تساعد هذه المعلومات في تمهيد الطريق نحو تحقيق أحد أشكال الإنصاف لضحايا العمليات الأمريكية من المدنيين. وبعد كل ذلك، قام الجيش الأمريكي بنبذ معظم الحالات المرفوعة إليه ورفض توفير أي نوع من سبل الإنصاف أو المساءلة”.
وعلى الرغم من الأدلة المهمة المقدمة إلى الجيش الأمريكي بشأن الأضرار المدنية التي تسببت بها عملياته العسكرية في اليمن، إلا أنه لم يعترف سوى بسقوط ضحية إضافية واحدة فقط من المدنيين. وبالنسبة لليمنيين الذين تضرروا بشكل مباشر من العمليات الأمريكية المميتة، يكاد يكون من المستحيل عليهم الإبلاغ بشكل مباشر عن الأضرار المدنية التي لحقت بهم.
الضحية الجديدة الوحيدة التي اعترف بها الجيش الأمريكي، كانت إثر غارة جوية نفذت عام 2019، على محافظة البيضاء. وزعمت الولايات المتحدة في بيان لها أصدرته بعد أشهر قليلة من تنفيذ الضربة أن “جميع الضربات الجوية التي نفذت هذا العام استهدفت عناصر إرهابية تنتمي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية AQAP”. ولكن هذه الغارة الجوية قتلت رجلًا مدنيًّا يبلغ من العمر 67 عامًا ويدعى صالح القيسي. كان صالح يعمل في المملكة العربية السعودية ويعول أسرته المباشرة والممتدة. وكان حينها في اليمن لزيارة أسرته. ومع ذلك، قال الجيش الأمريكي إنه لن يقدم أي تعويضات مواساة لأسرة الضحية، على الرغم من المعاناة الكبيرة التي سبّبها لهم.
وقالت بريانكا موتابارثي، مديرة مشروع مكافحة الإرهاب والنزاع المسلح وحقوق الإنسان في معهد حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا: “الجيش الأمريكي لديه الصلاحية والتمويل لتقديم تعويضات مالية للمدنيين المتضررين من العمليات العسكرية الأمريكية في اليمن، بما في ذلك عن حالات الوفاة والإصابات والأضرار في الممتلكات…، وقد قامت قيادات الجيش بدفع هذه التعويضات المالية لمدنيين متضررين من عمليات مماثلة في بلدان أخرى، ويجب عليهم فعل ذلك في اليمن”.
إن اعتراف الجيش الأمريكي بسقوط ضحية من المدنيين في الغارة الجوية المنفذة عام 2019، ما هو إلا المرة الثانية التي تقرّ فيها الولايات المتحدة بمسؤوليتها عن إحدى حالات الأضرار المدنية في اليمن منذ تنفيذها للهجمة البرية على منطقة يكلا في يناير/ كانون الثاني 2017 في اليمن. وجاء الاعترافان في المرتين ردًّا على تقارير مقدمة من منظمات غير حكومية.
إحدى الحالات الـ12 التي قدمتها مجموعات حقوق الإنسان إلى الولايات المتحدة تتعلق بالهجمة البرية التي تم تنفيذها في منطقة يكلا. ومنذ وقوع تلك الهجمة، قدمت الولايات المتحدة تقديرات متضاربة عن الخسائر في صفوف المدنيين، وأبلغت “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان أن النتائج التي توصلت إليها بشأن مقتل 12 مدنيًّا “تتفق إلى حد كبير” مع تلك المقدمة من منظمة مواطنة وعيادة حقوق الإنسان، وهذا غير صحيح. فقد وجدت “مواطنة” أن ما لا يقل عن 15 مدنيًّا قُتلوا، وجُرح ما لا يقل عن 5 آخرين؛ جميعهم من الأطفال. كما وثّقت “مواطنة” الأضرار التي لحقت بالممتلكات والأضرار الاجتماعية والنفسية. وتعتبر التقديرات التي قدمتها “مواطنة” من أكثر التقديرات تحفّظًا بشأن الأضرار المدنية الناجمة عن الهجمة البرية.
وألمحت القيادة المركزية الأمريكية إلى أنها لن تقوم بدفع تعويضات مواساة عن الخسائر التي تسببت بها في صفوف المدنيين خشية أن يصب ذلك في صالح التنظيمات “الإرهابية”، لكنها لم تفسر كيف سيصب تقديم هذه المبالغ المالية (تعويضات المواساة) لأسر الضحايا المدنيين في صالح التنظيمات الإرهابية. ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية في تقريرها الأخير عن الضحايا المدنيين، الذي يراجع عام 2020، أنها لم تعرض أو تقدم أي تعويضات في العام الماضي، في أيٍّ من الدول التي نفّذت فيها عملياتها. وفيما يخص الهجمة البرية التي نفذت في يناير/ كانون الثاني 2017، قالت الولايات المتحدة إنها لن تقدم تعويضات مواساة عن حالات الوفاة “جزئيًّا” بسبب تواجد أولئك المدنيين في “مجمع لتنظيم القاعدة”. وبعد وقوع الهجمة بيومين، قامت “مواطنة” بزيارة القرية، وبدلًا من أن تجد “مجمعًا لتنظيم القاعدة” وجدت منازلَ مدمرة، وقرويين مصابين بصدمة نفسية، وعائلات قالت بأنها كانت نائمة في منازلها، في منتصف تلك الليلة، عندما بدأت الهجمة البرية على قريتهم.
كان ردُّ الولايات المتحدة على ملفات الأدلة الثبوتية التي قدمتها “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان غير وافٍ أيضًا من نواحٍ أخرى. فالولايات المتحدة لم تقدم أي اعتذار لعائلات القتلى. وحتى في الفقرات التي اعترفت فيها الولايات المتحدة بسقوط قتلى من المدنيين، فهي لم تُحدد هُوية أيٍّ من هؤلاء القتلى المدنيين بأسمائهم وأعمارهم وجنسهم. كما أنها لم تذكر في ردّها على “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان سوى القتلى من المدنيين، ولم تتطرق إلى الأضرار المدنية الأخرى التي تشمل الجرحى أو المصابين بصدمات نفسية أو الأضرار التي لحقت بالممتلكات أو الأضرار طويلة الأمد الناجمة عن تعرضهم للهجمة واتهامهم زورًا بأنهم إرهابيون. في حين أشار أحدث تقرير سنوي عن الخسائر المدنية لوزارة الدفاع الأمريكية إلى وقوع خسائر في صفوف المدنيين، إلا أنه قال بإن الجيش الأمريكي لم يجد أي إصابات بين المدنيين في اليمن، بما في ذلك غارة عام 2017 في يكلا، والتي وثقت فيها “مواطنة” إصابة العديد من الأطفال.
وقالت بيكرلي: “لقد رأينا الجيش الأمريكي يستخدم بشكل متكرر صفة “الإرهاب” في محاولة منه لإخفاء ما تسبب به من أضرار مدنية في اليمن. والآن بعد أن اعترفت الولايات المتحدة أخيرًا بجزء ضئيل من هذه الأضرار، يستخدم الجيش الأمريكي العذر القديم ذاته ليمتنع عن تقديم تعويضات للعائلات التي تُركت دون مُعيل بسبب عملياته العسكرية… لدى إدارة بايدن الفرصة لاتخاذ نهج يحترم الحقوق في اليمن. ويجب أن يشمل تصحيح مسارها توفير المساءلة والإنصاف للمدنيين”.
جهات الاتصال الإعلامية:
في صنعاء – أسامة الفقيه، مدير المناصرة، مواطنة لحقوق الإنسان (باللغتين الإنجليزية والعربية): هاتف: +967 775546904؛ بريد إلكتروني:oalfakih@mwatana.org ؛ تويتر: @osamahfakih.
في بيروت – كريستين بيكرلي، مديرة الشؤون القانونية والمساءلة والإنصاف، مواطنة لحقوق الإنسان (باللغتين الإنجليزية والعربية): هاتف: +961 78971959؛ بريد إلكتروني: kbeckerle@mwatana.org؛ تويتر: @K_Beckerle.
في نيويورك – بريانكا موتابارثي، مديرة مشروع مكافحة الإرهاب والنزاع المسلح وحقوق الإنسان في معهد حقوق الإنسان التابع لكلية الحقوق بجامعة كولومبيا (باللغتين الإنجليزية والعربية)؛ هاتف: +1 929 375 5322؛ بريد إلكتروني: Priyanka.motaparthy@law.columbia.edu؛ تويتر: @priyanica.
معلومات إضافية:
الجيش الأمريكي يعترف بوقوع ضحية مدنية جديدة، في ردٍّ له على تحقيقات مفصلة أجرتها منظمات غير حكومية في اليمن، لكنه رفض تقديم حتى تعويضات محدودة.
في أبريل/ نيسان 2021، اعترف الجيش الأمريكي بوقوع ضحية مدنيّة إضافية في اليمن، ردًّا على التقارير المقدمة من منظمة مواطنة وعيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، والتي توضح بالتفصيل الأضرار التي لحقت بالمدنيين جراء تنفيذ الولايات المتحدة لـ12 عملية عسكرية في اليمن بين عامي 2017 و2019.
وخصصت القيادة المركزية الأمريكية جملتين لهذا الاعتراف، حيث اعترف الجيش الأمريكي في الجملة الأولى “بسقوط شخص مدنيّ واحد” في الغارة الجوية التي نفذّها بتاريخ 22 يناير/ كانون الثاني 2019 في محافظة البيضاء. ولم توضح القيادة المركزية الأمريكية اسم أو عمر أو جنس ذلك الشخص المدني.
وجدت منظمة مواطنة أن الغارة الجوية المنفذة في يناير/ كانون الثاني 2019، أدّت إلى مقتل صالح القيسي، وهو شخص مدنيّ يبلغ من العمر 67 عامًا. كان صالح أبًا لخمسة أبناء بالغين وابنة تبلغ من العمر 19 عامًا. وفي أعقاب الغارة الجوية، أصيبت زوجة صالح بصدمة نفسية وبدأت تعاني من مشاكل صحية، كما نظم المجتمع المحلي وقفة احتجاجية تنديدًا بالهجمات الأمريكية على المدنيين. وقال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، إن صالحًا كان شخصًا محبوبًا من الجميع.
وفي الجملة الثانية المخصصة للاعتراف، قال الجيش الأمريكي: “قررت القيادة أن تعويضات المواساة لم تكن ملائمة”.
كان لوفاة صالح أثرٌ كبير على عائلته، حيث كان هو المعيل الأساسي لعائلته. كان صالح يعمل في المملكة العربية السعودية، ويرسل ما يتلقاه من مال مقابل عمله هناك، إلى عائلته في أرض الوطن. وفي وقت وقوع الهجمة، كان صالح في اليمن لزيارة أسرته. وقد دُمّرت سيارته، التي كانت أسرته تعتمد عليها، بشكل كامل.
وبعد ذلك، أفادت القيادة المركزية الأمريكية في خطاب ردّها أن قيادات الجيش لديها صلاحية لتقديم “تعويض محدود” “بحسب تقديرها”، ولكن يُحظر عليهم القيام بذلك خشية أن يتم استخدام هذه التعويضات لصالح تنظيمات إرهابية. ولم يذكر خطاب الرد ما إذا كانت قيادات الجيش المعنية تعتقد أن هذا هو الحال بالنسبة للضربة الجوية المنفذة في يناير/ كانون الثاني 2019، وإذا كانوا يعتقدون ذلك، فعلى أي أساس وضعوا تقييمهم هذا.
وقال أشخاص، على معرفة بصالح، لمنظمة مواطنة بأن الضربة زادت من شعورهم بالإحباط وأفقدتهم الشعور بالأمان، وأن هذه الضربة تشير إلى عدم اكتراث الولايات المتحدة بحياة المدنيين. وقال أحد أفراد عائلة الضحية لمنظمة مواطنة: “لقد أصابنا اليأس من محاولة إيصال أصواتنا إلى المعنيين. إننا نُقتل بدم بارد”.
تواصل القيادة المركزية الأمريكية بشكل كبير تقليل تقديرها للخسائر في صفوف المدنيين جراء الهجمة البريّة المنفذة في يناير/ كانون الثاني 2017 في منطقة يكلا باليمن، وترفض تقديم تعويضات عنها.
منذ وقوع الهجمة البرية في يناير/ كانون الثاني 2017 في منطقة يكلا باليمن، قدمت الولايات المتحدة تقديرات متعددة بشأن الضحايا المدنيين. ففي البداية، لم تذكر الحكومة الأمريكية وقوع أي ضحايا في صفوف المدنيين. وبعد ذلك، صرحت القيادة المركزية الأمريكية بأنها “خلصت للأسف إلى أن هناك مدنيين غير مقاتلين قتلوا على الأرجح”، وأنه “قد يكون هناك أطفال بين الضحايا.” وفي مارس/ آذار 2017، أخبر الجنرال جوزيف فوتيل لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ أن “قرارًا يستند إلى أفضل المعلومات المتاحة لدينا [يفيد] بأننا تسببنا في وقوع ضحايا، بين أربع و12 ضحية في مكان ما”. وفي أواخر عام 2020، اضطرت منظمة أيروورز (Airwars) إلى تذكير القيادة المركزية بتأكيدها لمقتل ما يصل إلى 12 مدنيًّا بعد أن أكّد بيانٌ للقيادة المركزية الأمريكية أنه “ربما كان هناك ضحايا من المدنيين”. وعندها حملت القيادة المركزية مسؤولية وقوع هذا الخطأ على وجود “خلل إداري”.
وفي الرد الذي وجهته في أبريل/ نيسان 2021 إلى “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان، قالت القيادة المركزية الأمريكية إنها “قيّمت في وقت سابق” مقتل 12 مدنيًّا. كما أفاد تقرير وزارة الدفاع لعام 2020 عن مقتل 12 مدنيًّا. وادّعى الجيش الأمريكي أن المعلومات التي قدمتها “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان كانت “متوافقة بشكل عام مع تقييم القيادة المركزية الأمريكية لعدد الضحايا المدنيين”.
وجدت “مواطنة” أن الهجمة البرية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 15 مدنيًّا، بينهم 10 أطفال دون سن العاشرة و4 نساء ورجل بالغ، وإصابة ما لا يقل عن خمسة مدنيين، جميعهم من الأطفال. كما وجدت “مواطنة” أن الهجمة البرية أسفرت عن وقوع أنواع أخرى من الأضرار المدنية، بما في ذلك الأضرار في الممتلكات والأضرار الاجتماعية والنفسية.
وقالت بنيان جمال، ضابطة المساءلة في مواطنة لحقوق الإنسان: “حتى لو تم النظر في عدد القتلى فقط، فإن عدد 15 مدنيًّا لا يتوافق عمومًا مع العدد 12…، إن تجاهل الجيش الأمريكي لمقتل ثلاثة أشخاص يتردد صدى فقدانهم بين أقاربهم وأصدقائهم ومجتمعاتهم، عمومًا يشير إلى عدم اكتراثه بفداحة الخسائر في أرواح المدنيين في اليمن”.
لم تحدد القيادة المركزية الأمريكية هُوية الضحايا المدنيين الاثني عشر بالاسم أو العمر أو الجنس. وفي الخطاب، كرر الجيش الأمريكي الادعاء بأن الهجمة البرية استهدفت “مجمعًا لتنظيم القاعدة”، زاعمًا أن تعويضات المواساة التي أقرّها القائد العسكري “غير ملائمة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى تواجد أولئك المدنيين في مجمع لتنظيم القاعدة وقت تنفيذ الهجمة”. شنّت الهجمة البرية على قرية قامت “مواطنة” بزيارتها بعد يومين من تنفيذ العملية.
عدم اعتراف الجيش الأمريكي بالغالبية العظمى من حالات الأضرار المدنية الموثقة في اليمن
اعترفت القيادة المركزية الأمريكية بأن الجيش الأمريكي نفّذ جميع الوقائع العشرة المتبقية المدرجة في التقارير المقدمة من “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان، لكنها نفت وقوع الأضرار المدنية الموثقة. ووجدت “مواطنة” أن هذه العمليات العشر، بما في ذلك تسع غارات جوية بطائرات بدون طيار وهجمة برية في محافظة مأرب عام 2017، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 22 مدنيًّا، بينهم 3 أطفال وامرأتان، وإصابة اثنين من المدنيين أحدهما طفل، ووقوع أنواع أخرى من الأضرار المدنية العميقة وطويلة الأمد.
وفي ردّها، ادّعت القيادة المركزية الأمريكية أن التقارير المقدمة من “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان استخدمت مصطلحي “الأطفال والنساء” و”المدنيين” بشكل متبادل. وهذا غير صحيح. فقد كان من تم تحديدهم في التقارير على أنهم نساء وأطفال ومدنيون هم من النساء أو الأطفال والمدنيين.
تبنت التقارير المقدمة من “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان نهجًا متحفظًا في التعامل مع الضحايا المدنيين. ولم يتم احتساب الأشخاص في هذه التقارير على أنهم مدنيين إلا في الحالات التي لم تحصل فيها “مواطنة” على أي أدلة موثوقة على وجود أي انتماء لهم لجماعة أو قوة مسلحة. وأدرجت “مواطنة” الأفراد في حصيلتها المدنية، بعد تمكُّن باحثيها من جمع أسمائهم وأعمارهم ومعلومات أخرى تشير إلى وضعهم المدني – على سبيل المثال، من خلال إجراء مقابلات مع أفراد الأسرة وسؤالهم عن حياتهم ومهنهم وأدوارهم في مجتمعاتهم، أو التحقق من وثائقهم المتعلقة بروايات الشهود. وعندما كانت “مواطنة” تجد أي معلومات تشير إلى احتمالية انتماء شخصٍ ما لجماعة أو قوة مسلحة، فإنها لا تقوم باحتساب هذا الشخص على أنه مدني. فمجرد الارتباط فقط بتنظيم القاعدة أو الانتماء إليه لا يجعل الشخص مستهدفًا بموجب القانون الدولي. وعلى هذا النحو، من المحتمل أن تتضمن التقارير المقدمة إحصائيات أقل من العدد الحقيقي للمدنيين المتضررين.
وفي ردّها أيضًا، أوضحت القيادة المركزية الأمريكية وجهة النظر العامة بأن النساء يمكن أن يكن مقاتلات. ولكن النساء الستّ اللاتي وثقتهن “مواطنة” من ضمن القتلى جراء العمليات الأمريكية في اليمن، كُنّ مدنيّات. وبحسب وصف أقارب المرأتين، ضبية البالغة من العمر 63 عامًا، وهاجرة (33 عامًا)، كانتا رَبّتا منزل. وكانت ضبية تساعد في أعمال المزرعة ورعي الماشية. وكانت في زيارة لهاجرة، ابنة اختها، الحامل. هرع نجل ضبية إلى المنزل بعد وقوع الغارة الجوية في ديسمبر/ كانون الأول 2017، والتي قتلت هاتين المرأتين، في محاولة منه لجمع رفات والدته. كما أن هاجرة تُوفيت أثناء نقلها إلى المستشفى. وكان بصحبتها ابنها الصغير.
وقُتلت الأربع النساء الأخريات، اللواتي حددتهن منظمة مواطنة في التقارير على أنهن مدنيّات، في الهجمة البريّة الواقعة في يناير/ كانون الثاني 2017 في منطقة يكلا. وكررت القيادة المركزية الأمريكية ادعاءها السابق بأن “العدو الذي أطلق النار على القوات الأمريكية كان يشمل نساء مسلحات ومزج عناصره بالأطفال”، وأن “أفراد الجيش الأمريكي على الأرض وفي الجو فتحوا نيرانهم على الأشخاص المقاتلين فقط”.
كان الهجوم البري على قرية صغيرة في منتصف الليل. كان الناس ممزوجين بمعنى أنهم كانوا داخل منازلهم. وكانت جميع النساء المدنيّات الأربع المذكورات في التقارير في منازلهن أو كن يحاولن الفرار عندما قُتلن. فقد تم العثور على امرأة، أصيبت برصاصة أثناء محاولتها الفرار من نيران القوات المداهمة، وقد فارقت الحياة وهي تحتضن طفلها الصغير. وكانت امرأة أخرى من هؤلاء النسوة، وهي والدة الطفلة برزان البالغة من العمر عشر سنوات، في منزلها. وبحسب وصف الطفلة برزان، “كنا جميعًا نائمين عندما سمعنا فجأة أصوات إطلاق النار. جمعتنا والدتنا في غرفة واحدة لحمايتنا. قُتل جدي فور خروجه من المنزل. وانهار المنزل وقُتل كلٌّ من أمي وأبي وإخوتي”.
يبدو أن ردَّ الجيش الأمريكي يتعارض أيضًا مع الادعاءات الأمريكية السابقة بشأن ضربة جوية واحدة على الأقل. ففي خطاب الردّ، ادعى الجيش الأمريكي أن -في تسع حالات- “القوات الأمريكية نجحت في ضرب أو مداهمة هدف شرعي لتنظيم القاعدة”. ولكن القيادة المركزية الأمريكية أخبرت مكتب الصحافة الاستقصائية في وقت سابق أن هدف إحدى هذه الضربات الجوية كان تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن IS-Y وليس تنظيم القاعدة. ولم يفسر خطاب القيادة المركزية الأمريكية هذا التغيير.
كما ادعت القيادة المركزية الأمريكية في تسع حالات أنها “متأكدة من أن كل غارة من الغارات الجوية المنفذة أصابت أهدافها المقصودة ضد تنظيم القاعدة ولا شيء غير ذلك”. ووجدت “مواطنة” أن ما لا يقل عن أربعة من أفراد الجيش اليمني، حليف للولايات المتحدة في الوقت الحالي، قُتلوا في هذه العمليات، وأصيب اثنان آخران. ولم يوضح خطاب القيادة المركزية ما إذا كان الجيش الأمريكي يدّعي أن هؤلاء الجنود التابعين للقوات الشريكة له هم من عناصر تنظيم القاعدة، أو ما إذا كان الجيش الأمريكي قد نفى حقيقة تعرض هؤلاء الأفراد للأذى. كما لم توضح القيادة المركزية الأمريكية سبب اختيار الولايات المتحدة، في أيٍّ من العمليات الموثّقة، لاستهداف وقتل هؤلاء الأشخاص، بدلًا من العمل على القبض عليهم. وعلى وجه الخصوص، لم يوضح الرد سبب عدم جدوى خيار القبض على الأفراد الذين كانوا أعضاء في جيش القوات المتحالفة، في حال كانوا هم الأهداف المقصودة.
معلومات أساسية:
في مارس/ آذار 2021، أصدرت “مواطنة” تقريرًا بعنوان الموت القادم من السماء، والذي قدم معلومات مفصّلة عن الأضرار التي لحقت بالمدنيين جراء تنفيذ 12 عملية أمريكية في اليمن خلال الفترة بين يناير/ كانون الثاني 2017 ويناير/ كانون الثاني 2019. قُتل في هذه العمليات ما لا يقل عن 38 مدنيًّا من اليمنيين؛ بينهم 13 طفلًا و6 نساء و19 رجلًا، وأصيب ما لا يقل عن سبعة مدنيين، بينهم ستة أطفال، خمسة منهم دون سن العاشرة، ورجل واحد. كما تسببت هذه العمليات في وقوع أنواع أخرى من الأضرار العميقة وطويلة الأمد للمدنيين، بما في ذلك قتل المعيلين الأساسيين، وإتلاف وتدمير ممتلكات مدنية، وإلحاق أضرار اجتماعية ونفسية جسيمة. وفي حالات قليلة، ترك الناس منازلهم، قائلين إنهم يشعرون بعدم الأمان وبالقلق من الغارات الجوية المستقبلية.
وكجزء من جهودها للسعي لتحقيق الشفافية والحقيقة والمساءلة، عملت “مواطنة” مع عيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا على رفع تقارير إلى الجيش الأمريكي حول الأضرار المدنية الموثقة في إطار هذه العمليات الـ 12. وتم تسليم هذه التقارير، التي يبلغ مجموع صفحاتها أكثر من 150 صفحة، إلى القيادة المركزية الأمريكية في ديسمبر/ كانون الأول 2019 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2020. بذلت “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان جهودًا كبيرة للحصول على ردٍّ من القيادة المركزية الأمريكية، بما في ذلك ما إذا كان بإمكان الجيش تفسير الضربات، وما إذا كانوا سيقومون بالاعتراف بالأضرار التي لحقت بالمدنيين جراء هذه الضربات وتقديم الجبر أو التعويضات المالية أو غيرها من التعويضات الأخرى للمدنيين وضمان المساءلة.
قامت “مواطنة” بتوثيق الأثر المدني لاستخدام الولايات المتحدة للقوة المميتة في اليمن لما يقرب من عقد من الزمان. يقع مقرّ “مواطنة” في اليمن، ولديها باحثون منتشرون في جميع محافظات البلاد تقريبًا، وتتمتع بإمكانية كبيرة للوصول إلى المجتمعات المتضررة. وتم جمع مجموعة الأدلة المهمة، التي عززت التقارير المقدمة إلى القيادة المركزية الأمريكية، على مدار ما يقرب من أربع سنوات، حيث قام باحثو “مواطنة” بزيارة مواقع الضربات، ومقابلة الناجين وأفراد أسرة الضحايا والشهود، وتصوير مخلفات الأسلحة المستخدمة في الضربات، وجمع الصور ومقاطع الفيديو ذات العلاقة، وفحص الوثائق المتعلقة بالضحايا، بما في ذلك شهادات الوفاة وشهادات الميلاد والتقارير الطبية والبيانات الحكومية والعسكرية، بالإضافة إلى الوثائق التي توضح بالتفصيل مكان عمل الضحايا ودراستهم، وإظهار حجم الضرر الذي تعرض له الضحايا. وفي كثير من الحالات، كانت “مواطنة” تجري مقابلات لاحقة مع الأشخاص الذين تم مقابلتهم في السابق، وذلك بغرض جمع مزيد من المعلومات.
وقامت القيادة المركزية الأمريكية في النهاية بالردّ على التقارير المقدمة لها من “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان. في مارس/ آذار 2020، نفت القيادة المركزية الأمريكية وقوع أي أضرار مدنيّة جراء الضربة الجوية التي شنتها في مارس/ آذار 2018 في محافظة حضرموت، والتي وجدت “مواطنة” بأن هذه الضربة أسفرت عن مقتل طفل، يدعى عامر، يبلغ من العمر 12 عامًا، وإصابة ابن عمه حسن، البالغ من العمر 17 عامًا.
في أبريل/ نيسان 2021، وبعد خمسة أشهر من استلام التقرير المقدم من “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان، والذي تضمن معلومات مفصلة عن 11 واقعة من وقائع الأضرار المدنية الناجمة عن العمليات الأمريكية في اليمن، أرسلت القيادة المركزية الأمريكية ردًّا على هذه التقارير مكوّنًا من صفحتين ونصف الصفحة. وفيه، اعترف الجيش الأمريكي بسقوط ضحية جديدة من المدنيين، وادعت القيادة المركزية أن الجيش الأمريكي كان قد “قيّم في وقت سابق” الأضرار التي لحقت بالمدنيين نتيجة الهجمة البرية المنفذة في يناير/ كانون الثاني 2017. وحتى في هاتين الحالتين، قالت القيادة المركزية الأمريكية إن الولايات المتحدة لن تقدم تعويضات عن الأضرار التي تسببت بها. واعترفت القيادة المركزية الأمريكية في هذا الرد بأن الولايات المتحدة نفذت العمليات التسع الأخرى، لكنها نفت وقوع أي أضرار مدنية عن هذه العمليات.
وفي تقريرها الموت القادم من السماء، وجدت “مواطنة” أن الولايات المتحدة أخفقت في التحقيق في مزاعم موثوقة بالانتهاكات، ومحاسبة الأفراد المسؤولين عن هذه الانتهاكات، وتقديم التعويضات الفورية والمناسبة للمتضررين منها. وتضمن التقرير سلسلة من التوصيات الموجهة إلى الولايات المتحدة، من ضمنها إجراء تحقيقات أكثر شمولًا وشفافية في الادعاءات المتعلقة بالأضرار المدنية، والالتزام بجميع القوانين الدولية واجبة التطبيق، بما في ذلك التي تقيد استخدام القوة وتحمي الحق في الحياة، وضمان المساءلة والتعويض عن الانتهاكات، وتوفير أشكال أخرى من التعويضات للمدنيين المتضررين، بغض النظر عن شرعية الهجمات. ولم تستجب إدارة بايدن لهذه الدعوات حتى الآن.
يمكن الاطلاع على تقرير “مواطنة” بالكامل وخطابات منظمة مواطنة وعيادة حقوق الإنسان وردود الجيش الأمريكي عليها، من هنا.