يحقق التقرير الجديد، "الموت القادم من السماء: الأضرار المدنية الناجمة عن استخدام الولايات المتحدة للقوة المميتة في اليمن"، في عشر غارات جوية أمريكية –تم تنفيذ جميعها على ما يبدو بمُسيّرات جوية بدون طيار (طائرات بدون طيار)– وهجمتين بريتين أمريكيتين في اليمن
صنعاء – قالت مواطنة لحقوق الإنسان في تقرير أصدرته اليوم، إن على الولايات المتحدة إجراء مراجعة كاملة فيما يتعلق بتأثير عملياتها المميتة في اليمن. وقالت إن على الولايات المتحدة، خلال مراجعتها، الاعتراف بكل واقعة من وقائع الأضرار المدنية وبتأثيرها الأوسع على المجتمعات التي تعرضت لهذه العمليات، والعمل على تقديم التعويضات، ومبالغ المواساة، وغيرها من أشكال الإنصاف الأخرى، وضمان المساءلة عند الاقتضاء.
يحقق التقرير الجديد، “الموت القادم من السماء: الأضرار المدنية الناجمة عن استخدام الولايات المتحدة للقوة المميتة في اليمن”، في عشر غارات جوية أمريكية –تم تنفيذ جميعها على ما يبدو بمُسيّرات جوية بدون طيار (طائرات بدون طيار)– وهجمتين بريتين أمريكيتين في اليمن خلال عامي 2017 و2019. وأسفرت هذه العمليات الاثنتا عشرة، عن مقتل ما لا يقل عن 38 مدنيًّا يمنيًّا، بينهم 13 طفلًا وست نساء و19 رجلًا، وإصابة ما لا يقل عن سبعة مدنيين، ستة منهم أطفال. كما تسببت هذه العمليات في أنواع أخرى من الأضرار المدنية العميقة وطويلة الأمد.
وقد تم جمع عدد كبير من الأدلة التي تعزز التقرير “الموت القادم من السماء“ لما يقرب من أربع سنوات في اليمن، حيث زار باحثو مواطنة مواقع الضربات وأجروا مقابلات مع الناجين وأفراد عائلات الضحايا والشهود، وقاموا بتصوير مخلفات الأسلحة المستخدمة فيها، وجمعوا الصور ومقاطع الفيديو، وقاموا بفحص الوثائق المتعلقة بها، بما في ذلك شهادات الوفاة وشهادات الميلاد والتقارير الطبية والتصريحات الحكومية والعسكرية والوثائق التي توضح بالتفصيل أماكن عمل الضحايا ودراستهم، وتظهر مدى الضرر الذي تعرض له الضحايا.
وكجزء من جهود مواطنة للسعي للشفافية والحقيقة والمساءلة، بذلت جنبًا إلى جنب مع عيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، جهودًا كبيرة للحصول على رد من الولايات المتحدة، بما في ذلك ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقر بالأضرار المدنية وستعمل على جبر الضرر وستقدم تعويضات وغيرها من أشكال جبر الضرر إلى جانب المساءلة.
يأتي تقرير “الموت القادم من السماء” في أعقاب تقرير أصدرته كل من مواطنة ومبادرة عدالة المجتمع المفتوح في عام 2015، والذي وصفت فيه الأضرار المدنية الناجمة عن تسع ضربات جوية أمريكية في اليمن خلال عامي 2012 و2014. وقد أحصى كلا التقريرين الأشخاصَ المدنيين فقط في الحالات التي لم تجد فيها مواطنة أي مؤشر موثوق لارتباط هؤلاء الأشخاص بأي جماعة أو قوة مسلحة.
وقالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: “بعد ما يقرب عشرين عامًا على بدء الولايات المتحدة حملتها للقتل غير الخاضع للمساءلة في اليمن، لا يزال الضحايا المدنيون ينتظرون الحصول على تفسير وتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم. ولا ينبغي لإدارة بايدن أن تطلب من الضحايا وعائلاتهم الانتظار أكثر من ذلك”.
وبالإضافة إلى دعمها للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن، استمرت الولايات المتحدة في شن هجمات مباشرة في اليمن. وقد كان للعمليات الأمريكية الـ 12 الموثقة في هذا التقرير والتي تسببت بقتل وجرح المدنيين، وخلفت آثارًا اقتصادية سلبية على الأُسر، وتسببت في وقوع أضرار اجتماعية ونفسية كبيرة.
وفي وصف أفراد أسر الضحايا الحزن لفقدان أحبائهم؛ جدة يغمى عليها بعد رؤيتها جثة حفيدها البالغ من العمر 17 عامًا. وينهار رجل يبلغ من العمر 40 عامًا بعد علمه بأن شقيقيه قد قُتِلا. ويقوم ابن في سن البلوغ بجمع أشلاء والدته، بينما يهرع زوج إلى نقل زوجته الحامل إلى المستشفى، ويراقبها وهي تموت أمام عينيه، برفقة ابنهما البالغ من العمر تسع سنوات. ويعثر على أم فارقت الحياة وهي تحتضن طفلها. وأم أخرى وجدت جثة ابنها البالغ من العمر 14 عامًا تأكلها النيران. ولم يستطع الأب أن ينسى منظر بناته [أخوات الصبي الصغيرات]، وهن يصرخن من هول المنظر”.
تتسبب العمليات الأمريكية بوقوع خسائر نفسية على الناجين والمجتمعات المتضررة، حيث يقول أحد الناجين لمواطنة، إنه بينما كان قد تعافى جسديًّا، ظل يشعر بالعجز والاكتئاب لمدة عام ونصف بعد أن أصيب هو وقُتِل ابن عمه الأصغر منه سنًّا جراء ضربة جوية أمريكية.
وعاش اليمنيون لسنوات عديدة، لا سيما في مناطق معينة من البلاد، في خوف من الضربات الأمريكية ومن احتمالية قتلها للمدنيين، بمن فيهم أنفسهم أو أفراد عائلاتهم. نصف العمليات الموثقة في هذا التقرير وقعت في محافظة البيضاء وسط اليمن، وثلثها في قرية يكلا أو بالقرب منها – وهي منطقة جبلية صغيرة ومعزولة في محافظة البيضاء تفتقر إلى معظم الخدمات الأساسية.
وأشار الناس إلى الخوف الذي ينتابهم عند سماعهم صوت الأزيز المستمر للطائرات بدون طيار تحوم فوق رؤوسهم. وقال أحد الرجال لمواطنة أنه وجيرانه كانوا قلقين بعد أن لاحظوا وجود طائرات بدون طيار في السماء على غير المعتاد. وبعد ثلاثة أيام، في آب/ أغسطس 2017، أنهت ضربة أمريكية حياة شاب وصبي كانوا يستظلون تحت شجرة من حرارة شمس ما بعد الظهيرة. وأضاف قائلًا: “إن الطائرات بدون طيار لديها سجل أسود من عمليات القتل”. وفي حالات قليلة، غادرت عائلات منازلها بعد العمليات الأمريكية، مشيرةً إلى أنها تشعر بعدم الأمان والقلق من الضربات المستقبلية.
كما أدت هذه العمليات الأمريكية إلى آثار اقتصادية سلبية كبيرة على الأسر. وفي كثير من الحالات، ترك الرجال المدنيون، الذين قتلوا بسبب الضربات الأمريكية، وراءهم عائلات كبيرة كانت تعتمد بشكل أساسي على مدخولاتهم. وكان عدد قليل من الرجال الذين قُتِلوا من العمال المغتربين، وكانت الأموال التي كانوا يرسلونها إلى ديارهم تمثل مصدر دخل مهمّ لأسرهم. وبعد وقوع إحدى الضربات الأمريكية التي قتلت رجلًا كان يعمل في طلاء المنازل في المملكة العربية السعودية، أفادت عائلته بأنها تكافح من أجل الحصول على لقمة العيش. وفي جميع العمليات التي شملها هذا التقرير تقريبًا، دمرت الولايات المتحدة ممتلكات مدنية مهمة، بما في ذلك مركبات ومنازل وماشية.
إن الحوادث المذكورة في هذا التقرير تثير قلقًا بالغًا بشأن مدى امتثال الولايات المتحدة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في اليمن. فالولايات المتحدة لا تحقق في ادعاءات موثوقة بشأن الانتهاكات ومحاسبة الأشخاص المسؤولين عنها وتقديم تعويضات سريعة ومناسبة عن الأضرار التي تسببت بها هذه الانتهاكات.
يقدم التقرير سلسلة من التوصيات إلى الولايات المتحدة، تشمل إجراء تحقيقات أكثر شمولًا وشفافية في الادعاءات المتعلقة بالأضرار المدنية، والالتزام بجميع القوانين الدولية المعمول بها، بما في ذلك تقييد استخدام القوة وحماية الحق في الحياة، وضمان المساءلة والتعويضات عن الانتهاكات، وتقديم أشكال أخرى من التعويضات للمدنيين المتضررين، بغض النظر عن مشروعية الهجمات. كما يوصي التقرير الولايات المتحدة ببذل المزيد لتسهيل عمليات الإبلاغ عن الأضرار المدنية وباللغة العربية.
وفي حين قام بعض المسؤولين في الحكومة اليمنية بانتقاد العمليات الأمريكية من حين لآخر، إلا أنه لا يوجد دليل على أن الحكومة اليمنية قامت باتخاذ أي إجراءات جادة لحماية أرواح مواطنيها من تأثير هذه العمليات الأمريكية.
وقالت كريستين بيكرلي، مديرة الشؤون القانونية للمساءلة والإنصاف في مواطنة لحقوق الإنسان: “لقد ساهمت الولايات المتحدة في تأجيج النزاع في اليمن وتعزيزه لسنوات، ولدى إدارة بايدن الفرصة لتغيير المسار، ومجرد عكس التغييرات التراجعية التي أدخلتها إدارة ترامب لا تكفي. كان الوضع الراهن الذي ظهر في عام 2016 معيبًا وغير خاضع للمساءلة وأسفر عن انتهاكات متكررة للقانون الدولي. ويجب أن يكون هناك إجراءات للإنصاف لأجل إيقاف دورات العنف”.