قالت "مواطنة" إن ما حدث من إعدام سلطات أنصار الله (الحوثيين) لتسعة أشخاص السبت الماضي يمثل تصعيدًا خطيرًا في طريقة استخدام المحكمة الجزائية المتخصصة للتنكيل حد القتل.
صنعاء – بالتزامن مع إعدام جماعة أنصار الله (الحوثيون) لتسعة أشخاص السبت الماضي 18 سبتمبر/ أيلول عقب محاكمة تفتقر للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة، قالت مواطنة لحقوق الانسان إن محاكمات فادحة الجور وقعت بحق متهمين مثلوا أمام المحاكم الجزائية المتخصصة؛ انتهكت اشتراطات وضمانات الحق في المحاكمة العادلة طبقاً للقواعد والمعايير القانونية الدولية والوطنية.
وقالت “مواطنة” إن ما حدث من إعدام سلطات أنصار الله (الحوثيين) لتسعة أشخاص السبت الماضي يمثل تصعيدًا خطيرًا في طريقة استخدام المحكمة الجزائية المتخصصة للتنكيل حد القتل.
ففي أغسطس/ آب 2020، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة (الخاضعة لسيطرة الجماعة) بالإعدام على 16 شخصًا على خلفية مزاعم تورطهم في اغتيال صالح الصماد الرئيس السابق للمجلس السياسي الأعلى التابع لجماعة أنصار الله في إبريل/ نيسان 2018، والذي قتل في محافظة الحديدة في هجوم جوي شنه التحالف بقيادة السعودية والإمارات . وفي إبريل/ نيسان 2021، أيّدت الشعبة الجزائيّة الاستئنافيّة المتخصّصة في محافظة الحديدة في اليمن حكمًا ابتدائيًّا بإعدام 16شخصاً.
وتم القبض على المحتجزين خلال العام 2018، وتعرضوا -بحسب المحامي عبد المجيد صبرة- لسلسلة من الانتهاكات، من بينها الاختفاء القسري لفترات طويلة، والتعذيب الذي أكد المحامي أن بعض المحكوم عليهم قد أبلغوا القاضي بتعرضهم له، هذا بالإضافة إلى المحاكمة الجائرة والتي لم تستوفِ أدنى معايير المحاكمة العادلة بحسب القوانين الوطنية والدولية, بما في ذلك إهدار حق الدفاع.
وفي يوم الجمعة 17 سبتمبر/ أيلول، أعلنت وكالة الأنباء اليمنية سبأ الخاضعة لسيطرة الحوثيين بأنه سينفذ حكم الإعدام في اليوم التالي، وكانت “مواطنة” قد أصدرت بلاغًا عاجلاً تدعو فيه جماعة أنصار الله (الحوثيين) إلى التوقف فوراً عن تنفيذ أحكام الإعدام.
في يوم السبت 18 سبتمبر/ أيلول 2021، أعدمت جماعة أنصار الله (الحوثيون) تسعة من المحكوم عليهم وهم: علي علي إبراهيم القوزي (43 سنة)، عبدالملك أحمد محمد حميد (55 سنة)، محمد خالد علي هيج العمر (34 سنة)، محمد إبراهيم علي القوزي (46 سنة)، محمد يحيى محمد نوح (46 سنة)، إبراهيم محمد عبدالله عاقل (44 سنة)، محمد محمد علي المشخري (47 سنة)، عبد العزيز علي محمد الأسود (يُعتقد بأنه كان قاصراً عند الاحتجاز)، معاذ عبدالرحمن عبدالله عباس (23 سنة). وتم تنفيذ حكم الإعدام بحضور عدد من الصحفيين ومئات الحضور في ميدان التحرير بصنعاء، وتم التعزير بالهتاف والرقص، في محاولة مرعبة لتطبيع القتل وتحويله إلى ما يشبه الاحتفال.
قالت رضية المتوكل رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: “إن هذا الإعدام الجماعي الذي يندى له الجبين ما كان ليتم لولا ركون جماعة أنصار الله (الحوثيون) إلى سياسة الإفلات من العقاب”، وأضافت: “هذه الواقعة المروعة تذكير للمجتمع الدولي بضرورة مساندة جهود المساءلة وتشكيل آلية تحقيق جنائية دولية لليمن”.
وفي الوقت الذي أدانت فيه مواطنة لحقوق الإنسان هذا الانتهاك المروع، حذرت من كون تنفيذ حكم الإعدام بحق التسعة الضحايا بقضية مقتل الصماد قد يمهد الطريق أمام اقتراف جماعة أنصار الله “الحوثيين” مزيد من عمليات الإعدام، لا سيما وأن المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء سبق وأن قضت في أواخر أغسطس/ آب 2021 بإعدام 11 شخص بينهم امرأتان ضمن ما سمي “خلية عمار عفاش “.
كما لا يزال الصحفيين الأربعة أكرم الوليدي، وعبد الخالق عمران، وحارث حميد، وتوفيق المنصوري وغيرهم ممن حكمت عليهم المحكمة الجزائية المتخصصة الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين) بعقوبة الإعدام، معرضين لخطر تنفيذ ذلك الحكم الجائر، بالإضافة لأحكام إعدام أخرى صادرة عن محاكمات شابتها خروقات جسيمة.
وأظهرت الدراسة القانونية التي أصدرتها (مواطنة) اليوم أن أطراف النزاع المسلح في اليمن ارتكبت انتهاكات شتى بحق محتجزين مثلوا أمام المحاكم الجزائية المتخصصة، ودعت الأطراف المتنازعة إلى وضع حد للاعتساف الذي يلقاه المتهمين قبل وأثناء سير الدعوى القضائية الالتزام بضمان استقلالية القضاء وعدم استخدامه كأداة من أدوات الصراع.
وطوال سنوات النزاع المسلح في اليمن، دأبت الأطراف المتحاربة على استخدام القضاء المتمثل بالمحاكم الجزائية المتخصصة كأداة للتنكيل بالخصوم ومعاقبة المناوئين السياسيين. وخلصت الدراسة أن قرارات الاتهام المقدمة من النيابة الجزائية الى المحكمة الجزائية المتخصصة في القضايا محل الدراسة كانت مبنية على محاضر جمع الاستدلالات، وأن جميع الأحكام قد صدرت اعتمادا على تلك المحاضر التي تنحصر غالبًا في اعترافات المُتهمين أمام الجهات الأمنية وأمام النيابة الجزائية الخاضعة لسلطات أطراف النزاع، دون استقصاء جاد في مدى حقيقتها أو في حقيقة ثبوت الوقائع التي أنكرها المتهمون أمام مجلس القضاء في المحكمة، حيث أفاد بعضهم بأن تلك الاعترافات انتزعت بالإكراه وتحت التعذيب الجسدي والنفسي خلال فترة الاحتجاز الطويلة، وهو ما يشكك في قيمتها القانونية كأدلة للإثبات وفقا للقانون.
وتدقق هذه الدراسة التي وسمتها “مواطنة” بـ “محاكم التنكيل: دراسة حالة حول المحاكم الجزائية المتخصصة في اليمن”، الصادرة في 135 صفحة، في مدى موائمة سير المحاكمات أمام تلك المحاكم والأحكام الصادرة عنها لمبادئ المحاكمة العادلة.
واعتمدت الدراسة فحص عينة من ملفات القضايا المنظورة أمام المحاكم الجزائية المتخصصة خلال المدة الزمنية من 2014 حتى 2020 في المحكمة الجزائية المتخصصة تحت سلطات جماعة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء، وأخرى أمام المحكمة الجزائية المتخصصة تحت سلطة الحكمة المعترف بها دولياً في حضرموت.
واتكأت الدراسة منهجياً على تدوين ملاحظات عن تلك القضايا محل البحث، ودراسة الأحكام التي صدرت بشأنها، إلى جانب الأخذ بالملاحظات التي حررها محامو الدفاع عن الضحايا، ومرافعات الدفاع التي قدموها من واقع أحكام تلك القضايا.
فيما عقدت المنظمة حلقة نقاش مركّـز في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تحت عنوان “المحاكم الجزائية المتخصصة – الإطار القانوني والممارسة العملية”، بهدف مناقشة وضع هذه المحاكم والاخذ بالآراء التي أبداها المختصين، وقد شارك فيها عدد من الأكاديميين والخبراء القانونيين وعدد من كبار المحامين الذين سبق لهم أن تولوا الدفاع عن الضحايا أمام المحاكم الجزائية المتخصصة.
وقد تطرقت الدراسة إلى الخلفية التاريخية لنشأة المحكمة والنيابة الجزائية المتخصصة في اليمن عام 1999، بما في ذلك التحول الجذري في وظيفة المحكمة وإطارها عقب التعديل الذي تضمنه القرار الجمهوري رقم (8) لعام 2004، بعد انقضاء خمسة أعوام على إنشاء المحكمة، الذي أضاف إلى اختصاصها الجرائم الماسة بأمن الدولة وذات الخطر العام، وما ترتب على ذلك من تحويل المحاكم الجزائية المتخصصة إلى محاكم أمن دولة.
وعمدت السلطات المتعاقبة، حتى خلال الفترة قبيل اندلاع النزاع المسلح الأخير عام 2014 في اليمن، إلى محاكمة المناوئين السياسيين والصحفيين وأصحاب الرأي واتباع الأقليات الدينية أمام المحكمة الجزائية المتخصصة عوضًا عن المحاكم الجنائية العادية، وذلك بهدف التنكيل بهم وترويعهم.
وتوصلت الدراسة إلى أن الحالات التي قُدم فيها دفوع بعدم اختصاص المحكمة الجزائية المتخصصة بنظر الدعوى المعروضة أمامها، رفضتها المحكمة وقرّرت المُضي قدما في نظر الدعوى، ثم أكدت رفضها للدفوع بعدم الاختصاص في حكمها النهائي.
ومن بين الدعاوى التي رفضت فيها المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة بصنعاء الدفع بعدم الاختصاص، على سبيل المثال، الدعوى المتعلقة بمحاكمة الصحفيين، حيث استمرت المحكمة في نظر الدعوى وأصدرت حكمًا يقضي بإعدام أربعة من الصحفيين لارتكابهم ما أسمته جرائم نشر كيّفتها المحكمة على أنها تدخل ضمن الجرائم الماسة بأمن الدولة.
ويعد القضاء الطبيعي أو العادي بمثابة ضمانة دولية ودستورية للمحاكمة العادلة، حيث تتوافر في ظله الضمانات الأساسية لحماية حقوق المتهم أثناء مثوله أمام المحاكم سواء في الظروف العادية والاستثنائية.
وكشفت الدراسة في خلاصاتها عن أن المحاكم والنيابات الجزائية المتخصصة – الخاضعة لأطراف النزاع – تغاضت عن دعاوى ودفوع المتهمين أمامها بانتهاك اشتراطات وضمانات الحق في المحاكمة العادلة المُقرة بمقتضى القوانيين الدولية والوطنية بما فيها: عدم مشروعية إجراءات الضبط، والقيام بممارسة الاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري لفترات طويلة في السجون، واستخدام اساليب التعذيب وغيرها من صنوف المعاملة اللاإنسانية، وحرمان المتهمين من الرعاية الطبية، ومنعهم من الاتصال بعائلاتهم أو محاميهم.
وأفصحت الدراسة عن أن العديد من القضايا استغرقت فيها المحاكمة فترة زمنية غير معقولة، ويمكن تصنيفها ضمن المحاكمات الجائرة، وفقا للمعايير الدولية، من حيث الفترة الزمنية التي استغرقتها، إذ بلغت جلسات المُحاكمة أمام المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة بصنعاء في واحدة من القضايا المهمة (33) جلسة، ولم يصدر الحُكم فيها إلا بعد ثلاث سنوات كاملة من بدء المحاكمة.
كما استغرقت جلسات المحاكمة في القضية نفسها أمام الشعبة الاستئنافية المتخصصة بصنعاء (20) جلسة، ولم يصدر الحكم فيها إلا بعد مضي سنة وثلاثة أشهر. وقبل ذلك، فإن جلسات المحاكمة لم تبدأ أمام الشعبة الاستئنافية إلا بعد سنة كاملة منذ تسجيل عريضة الطعن في الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية.
وبينت الدراسة أن احترام ضمانات المحاكمة العادلة من الناحية العملية يتطلب، أن تكون كل خطوة من خطوات وإجراءات المُحاكمة مقيدة بضوابط وشروطٍ دقيقة، سواء فيما يتعلق بصحة الإجراءات المتخذة في حق المتهمين، قبل وأثناء المحاكمة، أو بصلاحيات الجهات والأشخاص القائمين بتلك الإجراءات، أو بتوقيتها وضبط مواعيدها.
والجزاء الذي يُرتبه القانون على عدم احترام حقوق وضمانات المتهمين هو بطلان المُحاكمة أو بطلان الإجراءات، وبالتالي حق كل من يتضرر من ذلك في التعويض وجبر الضّرر.
وخلصت الدراسة إلى أن المحاكم والنيابات الجزائية المتخصصة تتغاضي عن دعاوى ودفوع المتهمين أمامها بانتهاك حقوقهم وضماناتهم المقررة بموجب الدستور والقانون من قبل جهات الضبط والتحقيق، (وخاصة فيما يتعلق بعدم مشروعية إجراءات الضبط، والاحتجاز لفترات طويلة في سجون الجهات الأمنية، وتعرضهم للتعذيب أحيانًا، وحرمانهم من الرعاية الطبية، ومنعهم من الاتصال بعائلاتهم أو محاميهم) وعدم قيام المحاكم بالتحقيق الجدي في تلك الدفوع التي يتوقف على البت فيها صحة أو بطلان الإجراءات والأدلة وبالتالي صحة أو بطلان الأحكام، وهو ما يشكل إخلالا جوهريًا بضمانات وحقوق المتهمين في محاكمة عادلة وفقا للمعايير الدولية والوطنية.
وبينت الدراسة جانب من الممارسات التي تهدر بها المحاكم الجزائية المتخصصة حق الدفاع على المتهمين، منها عدم السماح للمتهمين في قضايا أمن الدولة بالاختيار الحُر لمحاميهم الذين يثقون بهم وبكفاءتهم في الدفاع عنهم، وتكليف (تنصيب) محامين من قبل المحكمة لمجرد استيفاء الشكل القانوني للمحاكمة، عدا حالات نادرة، بالإضافة إلى تعمد عدم تمكين المحامين، المُكلفين من قبل المحاكم ، وغالبًا في الجلسة الأولى للمحاكمة، من الاطلاع على كامل ملف الدعوى، والحصول على صورة منه، وفي الحالات التي سُمح لهم بذلك لم يتم اعطائهم الوقت الكافي لإعداد دفاعهم، ولا بالتواصل الحُر مع موكليهم خارج اطار جلسات المحاكمة، بل ومنعهم من الترافع أمام المحكمة أحيانا.
وانتهت الدراسة إلى أن المحاكم الجزائية المتخصصة -كمؤسسة وأفراد- سقطت تحت تأثير ونفوذ أطراف النزاع خاصة حينما يتعلق الأمر بالنظر في القضايا التي يتم تكييفها باعتبارها ماسة بأمن الدولة، وقد أبدت أطراف النزاع عدم احترام فاضح لمبدأ استفلال القضاء، بما يتضمن تجاهل واضح لسيادة القانون.
ومن أجل ضمان الحق في المحاكمة العادلة فعليًا وعمليًا حسب الإجراءات التي ينظمها القانون ووفقاً لمبادئ المحاكمة العادلة التي لا تتوقف عند الالتزام بشروط شكلية لا تكفل تحقيق العدالة، قدمت مواطنة من خلال الدراسة، حزمة من التوصيات، شددت فيها على إعادة النظر في كافة الأحكام الصادرة عن المحاكم الجزائية المتخصصة خلال فترة النزاع وفق شروط ومبادئ المحاكمة العادلة والتدقيق في كافة الخروقات التي شابتها، ووقف تنفيذ أحكام الإعدام والأحكام الأخرى الصادرة خلال فترة النزاع، كما أوصت بإخضاع كافة الأجهزة الأمنية بجميع مرافقها ومبانيها وسجونها ومأموريها ومسؤوليها وسجلاتها لسلطة القضاء والنيابة وجهات التفتيش بما يجعلها رهن الرقابة القانونية الدائمة وفق أليات فعالة ونافذة وفقاً لمقتضى القانون، بالإضافة إلى توصيات أخرى أكدت عليها الدراسة.