ممارسات جماعة أنصار الله (الحوثيين) تقوّض حقوق وحريات النساء بشكل خطير
صنعاء – 8 مارس/ آذار 2022
قالت مواطنة لحقوق الإنسان في بيان صدر اليوم، أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) المدعومة إيرانيًّا، تقوم بممارسات تقوّض، وبشكل جسيم، حقوقَ وحريات النساء والفتيات في مناطق سيطرتها، وقالت مواطنة” إنه يجب على الجماعة التوقف فورًا عن استهداف النساء وحضورهن في الحياة العامة”.
حيث قامت جماعة أنصار الله (الحوثيين) بتعريض النساء للخطر، بمنعهن من الحصول على خدمات الصحة الإنجابية في بعض مناطق سيطرتها، وقيّدت، إلى حد كبير، سفرَ النساء بدون مَحْرَم، وأصدرت أكثر من تعميم يفرض رؤية نمطية لكيفية اللباس “الموافق للشريعة الإسلامية” للنساء. وقامت أكثر من مرة، بمنع الاختلاط في أبحاث وحفلات تخرج عدد من الجامعات، ومنعت وطردت النساء من العمل، علاوة على أن عدد من خطابات أنصار الله، عبر منصات مختلفة، أشعلت نيران كراهية النساء في المناطق التي تحت نفوذها.
وبالرغم من أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) تلقي -أحيانًا- باللوم على “التصرفات الفردية” لعناصرها في الحوادث التي تستهدف النساء أو تقيد حقوقهن، إلا أن تواتر هذه الانتهاكات، وعدم اتخاذ خطوات قانونية بحق مرتكبيها، فضلًا عن اتساع القيود المفروضة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، والتي يأتي بعضًا منها كنتيجة لتوجيهات مُعلنة من خلال التعميمات أو التوجيهات، يعطي مؤشرًا خطيرًا بأن تلك الانتهاكات تأتي ضمن سياسة رسمية لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في طريق قمعهم للحريات وتحديدًا حين يتعلق الأمر بالنساء.
قالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: “ليس هذا سوى جزءٍ صغيرٍ لتفاصيلَ من ممارساتٍ عديدة تبين توجهًا خطيرًا لتقويض تواجد النساء في الحياة العامة، وإنهاء كل المكاسب التي كافحت من أجلها على مدار سنوات. يجب على جماعة أنصار الله أن توقف هذا الاستهداف للنساء”. وأضافت المتوكل: “إن النساء لسن بحاجة إلى حراس فضيلة، ولا إلى مزيد من القيود، وإنما بحاجة إلى احترام حقوقهن وحرياتهن الشخصية ومُساءلة كل من ينتهك تلك الحقوق”.
وطالما كانت النساء عرضة للمضايقات والتمييز، وإحدى الحلقات الأكثر تهميشًا في اليمن. وتتخوف النساء وذويهن من الحديث عن المضايقات والانتهاكات التي يتعرضن لها؛ نتيجة الوصمة الاجتماعية التي غالبًا ما تُلقي باللوم عليهن. لم تُدرج مواطنة لحقوق الانسان، أيةَ تفاصيل قد تشير إلى هوية من تمت مقابلتهم. ويروم هذا البيان تقديم لمحة عن بعض الممارسات التي قوّضت بها جماعة أنصار الله (الحوثيين) حقوقَ النساء في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، لذا فهي لا تفيد الحصر.
على الرغم من عدم وجود قانون يشترط وجود مَحْرم أثناء تنقل النساء، إلا أنه خلال السنوات القليلة الماضية، تكررت حوادث التشديد على المحرم وسؤال النساء عنه، في وسائل المواصلات أثناء التنقل بين المحافظات التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيين). دأب مسلحو جماعة أنصار الله (الحوثيين) على سؤال النساء اللواتي يسافرن بمفردهن، كما تكثر مطالبة الرجال المسافرين مع النساء بإثبات علاقتهم بالمرأة، على سبيل المثال: من خلال إبراز شهادة عقد الزواج، أو بطاقات الهُوية، إذا كان الرجل والمرأة على خلاف ذلك.
كانت جماعة أنصار الله (الحوثيين) قد أصدرت تعميمًا في مطلع العام 2021، يقتضي منع سفر النساء بدون مَحْرم.
ومن ضمن وقائع الانتهاك لحرية تنقُّل وسفر النساء، برزت إحدى النقاط الأمنية التابعة لجماعة الحوثي في منطقة “نقيل يسلح” (40 كيلو متر جنوب صنعاء)، حيث يقوم المسلحون بإيقاف النساء المسافرات وابتزازهن ومصادرة جوازات سفرهن بزعم سفرهن “بدون محرم”، ووثّقت مواطنة لحقوق الإنسان مجموعة من تلك الوقائع.
فعلى سبيل المثال، أثناء العودة من إحدى المحافظات الجنوبية قرابة الساعة 11:00 مساءً، في إحدى ليالي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وبعد رحلة مضنية استغرقت ساعات طويلة، وصلت أربع نساء إلى نقطة “نقيل يسلح”، أوقف السيارة مسلحو جماعة أنصار الله (الحوثين)، لتبدأ رحلة من الابتزاز والتحرش اللفظي، وإلقاء التهم عليهن والتحقيق معهن حتى الساعة 5:00 صباحًا.
تقول إحدى النساء اللاتي كن في السيارة:
” كان التحقيق يشير إلينا بشكل فجّ باعتبارنا “خلية دعارة”. كانوا سبعة مسلحين طافحين بالتحرش اللفظي والإيحاءات المنفّرة، مارسوا علينا ضغطًا نفسيًّا رهيبًا لمدة ست ساعات متواصلة، أخذوا جوازات سفرنا، منعونا من النزول من السيارة، فتشوا هواتفنا وحواسيبنا وحقائبنا. كانت لحظات من الجحيم.”
بحسب من تم مقابلتهن في هذه الحادثة، فإن من ضمن الأسئلة التي وُجّهت لهن: “لماذا أنتن بدون مَحْرم؟”. لم يُسمح لهن بالمغادرة إلا بعد كتابة تعهد بعدم السفر بدون محرم مرة أخرى، ورافق ذلك تهديداتٌ بالاحتجاز في جهاز الأمن والمخابرات، في حال مغادرة صنعاء بدون محرم.
في واقعة سابقة، في منتصف يناير/ كانون الثاني 2021، أوقف مسلحون تابعون لجماعة أنصار الله (الحوثيين) إحدى النساء (30 سنة)، لعدة ساعات في إحدى نقاط التفتيش بالقرب من مدينة حَجّة التي تبعد (123 كيلو مترًا) شمال غرب العاصمة صنعاء. وأخبرها المسلحون بأن الإيقاف هو بذريعة سفرها بدون مَحْرم، كما تعرضت للتهديد والألفاظ المسيئة. تقول الضحية:
“كان المسلحون ينظرون إليّ وكأنهم قبضوا عليَّ وأنا أرتكب فاحشة”، وتضيف: “تعرّضتُ للسب والشتم بالألفاظ الخادشة للحياء، وسألني المسؤول الأمني: “هل ما تزالين عذراء؟!”، كما هددني بالحبس والتأديب”.
ولم يُسمح لها بالمغادرة إلا بحضور أحد محارمها الذي قدم من محافظة أخرى، وبعد كتابته تعهدٍ بأنها لن تسافر بدون محرم مرة أخرى.
استطاعت مواطنة لحقوق الإنسان، الوصولَ إلى 10 وقائع مشابهة في محافظة حجة وقعت خلال يومين فقط، وجميعها بحُجة وجود أوامر من قيادات عليا في الجماعة بمنع سفر النساء بدون محرم، وخاصة في السيارات التي تتبع المنظمات.
وفي تعميم لاحق، في أيلول/ سبتمبر 2021، نص على منع أي امرأة من توقيف باص أو سيارة (بما في ذلك وسائل المواصلات العامة) دون مَحرم. وقد تم تطبيق هذه التوجيهات في مدينة حجة، وفرض مبلغ 200 ألف ريال (أي ما يعادل 330 دولارًا أمريكيًّا)، ورأس بقر، على من يخالفن هذه التوجيهات”.
إن الإجراءات الأخيرة التي انتهجتها جماعة أنصار الله (الحوثيين)، قد أثّرت بشكل كبير على تنقل المرأة ومشاركتها في الحياة العامة والخاصة، والكثير من الأعمال. وألقت هذه الحوادث بظلال قاتمة على وضع النساء، ما أثّر على تحركهن بسهولة. قالت بعض النسوة لمواطنة بأن تلك الإجراءات جعلتهن يخترن السفر والتنقل بشكل أقل لتفادي هذه المضايقات.
منعت جماعة أنصار الله (الحوثيين) النساء في عدد من المناطق تحت سيطرتها من الوصول إلى وسائل تنظيم الأسرة، كما عرقلت الحصول على خدمات الصحة الإنجابية.
ففي مطلع 2017، بدأت جماعة أنصار الله (الحوثيين) قرارات منع وسائل منع الحمل في محافظة صعدة (شمال اليمن، وهي من أكثر المناطق خضوعًا لسلطة الجماعة)، حين منعت حُقن منع الحمل في بعض المرافق الصحية، وتوسع المنع في أواخر 2019، ليشمل غالبية المرافق الصحية في مركز المحافظة والمديريات.
وفي بداية العام 2020، علقت جماعة أنصار الله (الحوثيين) العملَ بالأنشطة المتعلقة بالصحة الإنجابية في أربع مديريات في محافظة صعدة، ما حَرَمَ سكان تلك المناطق من خدمات الصحة الإنجابية والحصول على المشورة ووسائل تنظيم الأسرة.
واستكمالًا لسلسلة تقييد هذا الحق، كثّفت جماعة أنصار الله (الحوثيين) القيودَ على بيع وتداول وسائل تنظيم الأسرة في كل المرافق الصحية الحكومية في محافظة صعدة، وكذا في العيادات والصيدليات الخاصة منذ منتصف العام 2020، لتصل في أواخر العام 2020 إلى قرار منع أداة “اللولب IUD”. لتصبح بذلك كل وسائل تنظيم الأسرة غير متواجدة في محافظة صعدة. يتحدث سكان محليون في صعدة: “الحصول على وسائل منع الحمل يتم بشكل سري، وبمخاطرة كبيرة”.
في مايو/ أيار 2020، أصدرت وزارة الصحة العامة والسكان التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) تعميمًا مكتوبًا -حصلت مواطنة على نسخة منه- يحوي تعليمات إلى المراكز الصحية في محافظة عمران، تفرض وجود الزوج وموافقته للحصول على وسائل تنظيم الأسرة؛ ما أثّر على حصول النساء على وسائل التنظيم الأسري بشكل فعال.
قالت إحدى النساء (عاملة نظافة- 35 سنة): “أجهضت ثلاث مرات خلال ستة أشهر، بسبب رفض زوجي أن يوفر وسيلة منع الحمل”، وأوضحت أنها تعرضت للإجهاض (إسقاط الأجنة) بعد أسابيع قليلة، في كل مرة من مرات الحمل الثلاث المتتالية”.
وفي 24 يناير/ كانون الثاني 2021، أصدرت وزارة الصحة العامة والسكان التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في محافظة حجة قرارًا فيما يخص “وسائل تنظيم الأسرة” وبما يتوافق مع ما أسمته “الهوية الإيمانية”. فرض القرار الجديد على المراكز الصحية والصيدليات في المحافظة عدم منح أي وسيلة من وسائل تنظيم الأسرة للنساء إلا بوصفةٍ طبيّة واشتراط تواجد وموافقة الزوج، وبعد التأكد من وثيقة الزواج. تقول إحدى النساء (ربة بيت- 37 سنة)، في محافظة حجة:
“أتيتُ للمركز الصحي لاستلام حبوب منع الحمل، رفضوا إعطائي وطلبوا حضور زوجي وموافقته”، وأضافت: “هذا يضاعف المعاناة”.
كما صدر في يناير/ كانون الثاني 2021، تعميمًا من جماعة أنصار الله (الحوثيين) إلى الطاقم الصحي في المراكز الصحية في عموم مناطق سيطرتها، بالتوقف عن استخدام “دليل المشورة” المستخدم في جلسات الإرشاد للمساعدة في شرح طرق تنظيم الأسرة المختلفة، واعتبرته “مخالفًا للهوية الإيمانية”.
كما تكثر في فترات متفاوتة المواعظ في الجوامع وفي خُطب الجمعة على أن “وسائل تنظيم الأسرة هي لتطبيق فكر غربي ومعادٍ، ويجب التصدي له ومنعه لأنه يخالف الشريعة الإسلامية”.
وبموجب القانون الدولي، فإن حق المرأة في الصحة يتضمن الوصول الشامل، دون تمييز، إلى خدمات ووسائل ومرافق الصحة الإنجابية. يمكن أن يكون لمنع أو تقييد وصول المرأة إلى الصحة الإنجابية -بما في ذلك إخضاع وصول المرأة لوسائل منع الحمل إلى موافقة الأزواج أو الأقارب الذكور- تأثيرًا هائلًا على صحة المرأة الجسدية والنفسية، كما يترك أثرًا على تمتعها بحقوق أخرى، مثل الحق في التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية. إن ضمان الحقوق المرتبطة بالصحة الإنجابية للمرأة يفترض احترام قدرة هذه الأخيرة على اتخاذ القرارات بشأن جسدها.
في انتهاك صارخ لحق المرأة في العمل، أصدرت جماعة أنصار الله (الحوثيين) تعميمًا مكتوبًا في سبتمبر/أيلول 2021، يقضي بمنع عمل النساء في المنظمات الإغاثية.
وقد تحققت “مواطنة” من تنفيذ بنود ذلك التعميم في مديريات كحلان عفار، وبني العوام، والشغادرة ونجرة بمحافظة حَجّة، وكان التعميم قد زعم بأن المنع يهدف إلى حماية النساء من “الابتزاز الجنسي”، فيما لم تعلم “مواطنة” بإيقاف الجماعة لأية منظمة أو جهة أو أشخاص بتلك التهمة.
في سياق متصل، كان قد اقتحم سبعة مسلحين تابعين لجماعة أنصار الله (الحوثيين) عند حوالي الساعة 6:30 مساء السبت 23 يناير/ كانون الثاني 2021، أحد المطاعم في مدينة صنعاء، وقاموا بطرد النساء العاملات منه، وتفتيشه دون أي أوامر مكتوبة. يقول شاهد عيان: “كان المسلحون يقولون بوجود بلاغات بأن العاملات يضعن المكياج ويتحدثن مع الرجال!”.
واقتاد المسلحون بعض العمال وأحد المسؤولين عن المطعم إلى قسم الشرطة، حيث أُرغم المسؤول على كتابة “تعهُّد بعدم توظيف النساء في أي فرع من فروع المطعم”. أدّت هذه الحادثة وحدها إلى فقدان 30 امرأة للعمل بشكل مؤقت.
ومع أن المطعم أعاد النادلات تدريجيًّا في أقسام النساء بعد ما يقارب أسبوعين. لكن وقبل الاقتحام، كان المطعم قد فرض إجراءات تجاه النساء العاملات، كإجباره غيرَ المسلمات على ارتداء الحجاب أثناء العمل.
وبعد هذه الحادثة تحققت “مواطنة” من واقعة أخرى، حيث منعت جماعة أنصار الله (الحوثيين) عددًا من النساء من الحصول على العمل في محافظة الحُديدة. شكّلت هذه الحوادث مؤشرًا خطيرًا على ما يمكن أن يواجه النساء اليمنيات مستقبلًا، من تقليل لفرصهن في العمل والمشاركة، ويشجّع -كما يبدو- مالكي المشاريع على عدم تشغيل النساء تجنبًا للمشاكل.
تفرض جماعة أنصار الله (الحوثيين) بشكل متزايد، الفصلَ بين الجنسين في بعض المرافق التعليمية والمقاهي والمطاعم، لا سيما في مدينة صنعاء.
في 8 أغسطس/ آب 2020، أصدر رئيس جامعة صنعاء، المعيَّن من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، تعميمًا يقضي بالفصل بين الطلاب والطالبات في مشاريع التخرج والتكاليف.
داهمت عناصر مسلحة من الجماعة إحدى الجامعات اليمنية الخاصة، الأربعاء 30 سبتمبر/ أيلول 2020 أثناء بروفة تجهيز حفل التخرج، وبدأت بإرغام الطالبات على المغادرة بزعم منع الاختلاط. تقول شاهدة عيان (28 سنة):
“حين رأيت الأطقم والعربات العسكرية في ساحة الجامعة، لم أتوقع أن يكون السبب هو منع الاختلاط، لكن صياح المسلحين علا بالطالبات: احتشمن، وغادرن حالًا”.
اضطرت الجامعة إلى تقديم حفل التخرج إلى نهار اليوم التالي، وحضر الجميع بمن في ذلك النساء، وأفاد الحاضرون بأن الفعالية تمت وسط أجواء من التخوف، في حين من المفترض أن تكون مناسبة للاحتفاء.
تبع هذه الواقعة اعتداءاتٌ في جامعات أخرى، ففي يوم الخميس 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020، قبل بَدء فعاليات تخرج طلاب وطالبات كلية التجارة جامعة صنعاء، هاجمت عناصر مسلحة تابعة للجماعة قاعة الاحتفال ومنعت تدشين الاحتفال بحجة الاختلاط، وإلى جانب طردها للحضور، اعتقلت الجماعة بعض الطلاب المعترضين على إيقاف الفعالية.
كما فرضت جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في فترات مختلفة، منع الاختلاط في مرافق تعليمية أخرى، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، طردت جماعة أنصار الله ثلاث فتيات في الصف الثامن من إحدى المدارس الخاصة، في محافظة عمران؛ لأنهن يدرسن مع الطلاب الذكور في الصف الدراسي نفسه. اضطرت الفتيات إلى المغادرة والالتحاق بمدرسة أبعد عن منازلهن.
وبدأت -بالفعل- في شهر يناير/ كانون الثاني 2021، الإجراءات الرسمية للفصل بين الجنسين في قاعات الدرس في واحدة، من أقدم مراكز تعليم اللغة الإنجليزية التابعة للقطاع الخاص في العاصمة صنعاء. تقول إحدى المعلمات (44 سنة): “قد يؤدي هذا القرار إلى تدني مؤشرات تعليم الفتيات على المدى البعيد”، وأضافت: “إن المركز قد يضطر إلى الانتظار أو الإيقاف المتكرر لحين استكمال العدد المطلوب من الطلاب والطالبات بعد قرار الفصل بين الجنسين”.
في سياق متصل، في نهاية العام 2020، فرضت الجماعة على عدد من الجامعات الحكومية والخاصة تعليق تعميمات وملصقات في باحاتها ومبانيها، تتضمن قواعد تحدد طريقة لبس الطالبات، من ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، في الجامعة اللبنانية الدولية، وعلى مدخل الجامعة الألمانية.
يفضّل ساكنو وزوّار مدينة صنعاء القديمة، شرب الشاي أو القهوة بالقرب من السائلة أو في المقاهي القديمة (السماسر)، باعتبار المدينة ذات طراز سياحي، ولكن في أوقات مختلفة، تصبح هذه الأماكن محرّمة على النساء، بفعل توجيهات جماعة أنصار الله (الحوثيين).
إلى ذلك، اضطر عدد من مالكي المقاهي والمطاعم في أمانة العاصمة إلى اللجوء للفصل بين الجنسين، أو منع دخول الرجال في بعض الحالات، لتفادي الإغلاق أو الغرامة التي تفرضها سلطة الأمر الواقع. فيما تتحاشى القاعات والمقاهي استضافة الفعاليات الثقافية، كما اعتادت عليها خلال السنوات الماضية، ما ينعكس سلبًا على مشاركة النساء في الأنشطة الثقافية.
جماعة أنصار الله (الحوثيين) تذكي نيران “كراهية النساء”
تعمل جماعة أنصار الله (الحوثيين) على إشعال نيران كراهية النساء في أوساط المجتمع، منطلقة من عقيدة متشددة تتبناها الجماعة، مستغِلةً عقودًا من شيطنة المرأة وكل ما يمت لها بصلة.
حيث كرّست، في فترات مختلفة، عددًا من خطب الجمعة ومواعظ ما بعد الصلاة بشكل لافت، في مساجد المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، للحديث عن النساء واعتبار المرأة كائنًا غير كامل الأهلية والإنسانية، وكائنًا يجلب الشرور والعار. فضلًا عن تنميط أدوارهن وحصرها في الأعمال المنزلية والإنجاب، وأن كل ما يخالف ذلك يصبح “مُنكرًا” و”يؤخر النصر”، علاوة على الحضّ على ممارسات أخرى تحث على كراهية النساء.
وغالبًا ما تلجأ قيادات في الجماعة لتبرير التضييق على حقوق النساء بكونها “حفاظًا على الهوية الايمانية”.
لم يقف الأمر عند ذلك، بل تعداه ليصل إلى مصادرة مجسمات عرض الملابس النسائية (دمى المانيكان) باعتبارها “تثير الشهوة وتتنافى مع الهوية الإيمانية” أثناء وجودها على واجهات بعض المحال وفترينياتها. فعلى سبيل المثال، في عام 2018، قامت عناصر تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) بطمس وجوه وأجساد النساء في اللوحات الإعلانية، كما غطت رؤوس مجسمات العرض النسائية في شارع مختص ببيع فساتين الزفاف في مدينة صنعاء. وفي حادثة أخرى عام 2021، اقتحم مسلحون من جماعة أنصار الله بعض المحلات التجارية وباعة الأرصفة في أحد شوارع العاصمة صنعاء، وقاموا بمصادرة العشرات من مجسمات عرض الملابس النسائية.
لم تخلُ التدابير الوقائية لمنع تفشي جائحة كوفيد-19 من إجراءات احترازية تمييزية ضد النساء، فرضت خلالها جماعة أنصار الله (الحوثيين) إغلاقَ صالونات التجميل النسائية في مناطق سيطرتها، بينما ظلت محلات الحلاقة الرجالية مفتوحة.
حصلت “مواطنة” أيضًا على تعميمات تستهدف الحياة العامة والخاصة للنساء في محافظة حَجّة، ومن ذلك وثيقة صدرت بتاريخ 21 سبتمبر/ أيلول 2021، تعمل على طمس معالم وجود المرأة، وتأتي بشكل كامل على حريتها، وتشتمل على توجيهات بـ”منع الأغاني والسهرات في الأفراح للنساء وتحديد وقت لإقامة حفلات الأعراس، أي إنه إذا كانت حفلة الزواج في المنازل أو الصالات العامة تمنع الأغاني وكذلك مكبرات الصوت، ويكون الحفل فقط إلى وقت المغرب”. وهناك حالة موثّقة على الأقل، وهي لفنانتين شعبيتين تم احتجازهما أثناء إحيائهن حفل زواج بمدينة حجة.
تشتمل الوثيقة على توجيهات أيضًا، بــما سُمي “منع الغزو الفكري والتبرج، وبعدم السماح للغرب بإفساد أخلاق الشباب وخاصة الفتيات”، وتنص على: عدم السماح للفتيات بحمل هواتف نقالة متطورة (لمس) بحُجّة أنها “تتيح للفتيات الدخول للمواقع اللاأخلاقية وتفسد أخلاقهن، وأن أي رجل يثبت أن لدى زوجته أو بنته أو أخته أو قريبة له هاتفًا محمولًا، يدفع غرامة مالية تقدر بمبلغ 200 ألف ريال، ورأس بقر”.
تأكدت “مواطنة” من أنه تمّ تطبيق هذه التوجيهات في مديرية كحلان عفار، بجميع عزلها وقراها، ومديرية الشغادرة وبعضٍ من قرى مديرية المدينة، مثل قرية شرقي عبس، وقرية بيت الحصن وقرية المروي وقرية الرتعة.
واشتملت الوثيقة -التي حصلت “مواطنة” على نسخة منها- على “منع تبرج الفتيات والنساء أثناء ذهابهن للمناسبات، مثل الأعراس والحفلات وحظر وضع مساحيق التجميل ولبس الملابس القصيرة، وكذا عدم لبس العباءات الضيقة والمنقوشة والطَّرْحَات (أغطية الرأس) القصيرة”.
تأكدت “مواطنة” من تطبيق هذه التوجيهات في مدينة حَجّة، فقد قامت جماعة أنصار الله (الحوثيين) بتوظيف نساء في صالات الأفراح، بحيث يقمن بإرجاع النساء اللواتي يضعن مساحيق التجميل بعد مسح المساحيق من وجوههن. ويسمحن بالدخول -فقط- للنسوة اللواتي يلبسن العبايات ولا يضعن المساحيق التجميلية.
تُقْبِل المرأةُ اليمنية على نفقٍ مظلم في ظل تلك الممارسات التي تكرس الهيمنة الذكورية بشكل فج، وتقيد الحريات الشخصية، وتشكل وعيًا مشوهًا لا يمكن التكهن بعواقبه وتبعاته المستقبلية.