محكمة المملكة المتحدة تلغي مبيعات الأسلحة للسعودية – ماذا يعني هذا الإلغاء بالنسبة للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى؟

قالت المملكة المتحدة إنها لن تمنح أي تراخيص جديدة للمبيعات إلى المملكة العربية السعودية وشركائها في التحالف والتي قد تستخدم في اليمن أثناء النظر في حكم محكمة الاستئناف.

July 8, 2019
بقايا قنبلة بريطانية قذفها التحالف على منطقة بلاد الروس، محافظة صنعاء. 17 فبراير،شباط 2016. ©مواطنة
بقايا قنبلة بريطانية قذفها التحالف على منطقة بلاد الروس، محافظة صنعاء. 17 فبراير،شباط 2016. ©مواطنة

8 يوليو، تموز 2019

نشرت من قبل في Just Security بتاريخ 24 يونيو/ حزيران 2019

أصدرت محكمة الاستئناف لإنجلترا وويلز قرارًا تاريخيًا في 20 يونيو/ حزيران بشأن قرار المملكة المتحدة بمواصلة إصدار التراخيص لمبيعات الأسلحة -وفشلها في تعليق التراخيص الحالية- للمملكة العربية السعودية، نظراً إلى سلوك المملكة العربية السعودية المرتبط بالنزاع اليمني. سيتعين على الحكومة الآن إعادة النظر في هذه القرارات على أساس قانوني صحيح. وفي الوقت عينه، يمكن أن يوفر قرار المحكمة توجيهات لأعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن وجهة نظرها المتعلقة بمبيعات الأسلحة الخاصة بها إلى الدول الشريكة.

أصدرت المحكمة حكماً يعتبر في في جوهره أنه عند اتخاذ القرارات بشأن مبيعات الأسلحة، لم تعد تستطيع حكومة المملكة المتحدة أن تتجاهل الحقائق غير المواتية. وتُعتبر الحقائق غير مواتية. بحلول الوقت الذي استمعت فيه محكمة الطعون إلى الادعاء الذي رفعته حملة مكافحة تجارة الأسلحة في شهر فبراير/ شباط 2017، كانت قد ظهرت أدلة بالفعل على أن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شن مراراً وتكراراً هجمات عشوائية وغير متناسبة على المدنيين اليمنيين والأهداف المدنية. في السنوات التي تلت ذلك، تزايد عدد الضحايا المدنيين وتوسّع سجل الهجمات غير المشروعة الجلية، بما في ذلك جرائم الحرب المحتملة.

يتطلب المعيار 2(ج) من معايير المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الموحدة والمعايير الوطنية للترخيص بتصدير الأسلحة – المستمدة من موقف الاتحاد الأوروبي المشترك بشأن الصادرات العسكرية لعام 2008، وهو ملزم للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي- من الحكومة رفض ترخيص تصدير حيثما يوجد “خطر واضح” من أن العتاد العسكري المراد تصديره “يمكن استخدامه في ارتكاب انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني.”

بحلول عام 2019، أي بعد مرور أكثر من أربع سنوات من بدء تدخل التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في حرب اليمن، تشير الدلائل إلى أن المملكة المتحدة ودولًا أخرى تجاوزت حدود عالم المخاطر الافتراضية. قامت مواطنة لحقوق الإنسان -التي تتخذ من اليمن مقراً لها- بتوثيق عشرات الغارات الجوية التي تبدو أنها غير مشروعة. في 27 هجمة من هذه الهجمات، تمكنت مواطنة والشبكة الجامعية لحقوق الإنسان -ومقرها الولايات المتحدة- ومنظمة باكس (PAX) -ومقرها هولندا- من تحديد وجود أسلحة غربية، معظمها صنّعت في الولايات المتحدة، لكن تم تصنيع بعضها في الدول الأوروبية، بما فيها المملكة المتحدة. وأدت هذه الهجمات السبعة والعشرون إلى مقتل ما لا يقل عن 203 مدنيين وجرح 749 على الأقل، وضربت المنازل والمدارس وأماكن العمل والمزارع وحفل زفاف. وقد وثقت الأمم المتحدة ومجموعات حقوق الإنسان العشرات من هجمات التحالف التي تبدو أنها غير مشروعة.

الأدلة واضحة: قام التحالف مرارًا وتكرارًا بشن غارات جوية عشوائية وغير متناسبة، وفشل في اتخاذ الاحتياطات المناسبة وفي التحقيق بشكل موثوق. ومع ذلك، استمرت الأسلحة في التدفق من المملكة المتحدة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها.

تقييم الانتهاكات السابقة

وكان السؤال الرئيسي المطروح أمام محكمة الاستئناف هو ما إذا كان يمكن لوزير الخارجية أن يقرر بعقلانية عدم تقييم الانتهاكات الفردية السابقة في إطار تقدير لخطر الانتهاكات المستقبلية والاستمرار في الامتثال للقواعد المحلية وقواعد الاتحاد الأوروبي بشأن صادرات الأسلحة. أجابت محكمة الاستئناف بوضوح على هذا السؤال بالنفي.

خلصت محكمة الاستئناف إلى أنه على الرغم من أن الانتهاكات السابقة لا تحدد بالضرورة المخاطر المستقبلية وليس هناك أي شرط مفروض على الدولة المصدرة لتقييم “كل” الانتهاكات المحتملة، فإن استبعاد إجراء تقييم للحوادث السابقة كان غير منطقي تماماً.

في العام 2017، وافقت المحكمة الابتدائية على حجة الحكومة، فوجدت أن وزير الخارجية كان “يحق له بعقلانية” أن يستنتج أنه لم يكن هناك خطر واضح من خلال النظر في مجموعة من العوامل، حتى لو فشلت تلك العوامل في تضمين تقييم للانتهاكات السابقة. حتى مع الحفاظ على درجة عالية من الاحترام، نقضت محكمة الاستئناف المحكمة الدنيا في هذه المسألة.

قضت محكمة الاستئناف أنه “من الضروري تحديد ما إذا تواجد” نمط تاريخي من انتهاكات للقانون الدولي الإنساني. “كيف يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك؟”

يفرض مذهب اللاعقلانية في القانون العام أنه يجب التغلب على “عتبة عالية متعمدة” قبل أن تتدخل المحكمة في قرارات الهيئات العامة. يعني اكتشاف وجود اللاعقلانية، في هذا السياق، أن المحكمة لم تكن تعتقد فحسب أنه من “الأفضل” إذا قامت الحكومة بتقييم الانتهاكات المحتملة في الماضي، ولكن لا يمكن أن تتوقع أي سلطة عامة معقولة اتخاذ قرار بشأن المخاطر المستقبلية من دون القيام بذلك.

تقدم الفقرة 144 السياق للتطبيق المستقبلي لاختبار “المخاطرة الواضحة” للحوادث الماضية: “…ربما كان السبب الأكثر أهمية لإجراء مثل هذه التقييمات هو السؤال التالي: كيف كان سيتوصل وزير الخارجية من دون هذه التقييمات إلى نتيجة عقلانية بشأن تأثير التدريب والدعم والمدخلات الأخرى من قبل المملكة المتحدة، أو تأثير أي ضمانات رفيعة المستوى من قبل السلطات السعودية؟”.

يتضح هذا من خلال تكرار النوع عينه من الانتهاكات مراراً وتكراراً في اليمن. في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، قصف التحالف مستشفى تدعمه منظمة أطباء بلا حدود (Médecins Sans Frontières). في شهر أغسطس/ آب 2016، قصف التحالف مرة أخرى مستشفى تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود. بعد عامين تقريبًا، وعلى الرغم من التأكيدات المتعددة والمتكررة من السعوديين إلى المملكة المتحدة، وبالإضافة إلى كل التدريب والدعم والأسلحة من المملكة الممتحدة، قصف التحالف منشأة صحية أخرى تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود. مراراً وتكراراً، في هذه الهجمات وغيرها، بدا أن التحالف فشل في الامتثال لمبادئ الاحتراز والتمييز والتناسب.

في ظل العملية القديمة، كان من الممكن للمملكة المتحدة أن تتجنب هذه الحقائق غير المواتية من خلال التصريح عمومًا أنها تتمتع بالوصول إلى أدلة أفضل نوعياً من المنظمات غير الحكومية. الآن، وفقًا لمحكمة الاستئناف، سيتعين على المملكة المتحدة أن تنظر في هذه الحوادث وغيرها من الوقائع بشكل مباشر، مع العلم أنها إذا استمرت في منح التراخيص على الرغم من وجود أنماط واضحة للانتهاكات، قد تشن منظمات المجتمع المدني موجة جديدة من التحديات.

المحاذير

لم تعتبر المحكمة أن المطلوب من المملكة المتحدة الإجابة على كل سؤال يطرحه دليل مستخدم الاتحاد الأوروبي، وهو مصمم لمساعدة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تطبيق الموقف المشترك. (يمكننا القول بأن إجراء تحقيق أكثر متانة في ما يتعلق بقدرة الدول المستقبلة للأسلحة على الامتثال للمتطلبات القانونية الدولية عامل رئيسي في أي تقييم شامل للمخاطر، وينبغي أن يشمل ذلك التحقيق والملاحقة القضائية بشكل مناسب عندما تكون مزاعم جرائم الحرب ذات مصداقية وإعطاء التعويضات). ولم تأمر المحكمة المملكة المتحدة بالتوقف عن ترخيص أو نقل الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، (على الرغم من أن الحكومة قدمت تعهدًا بعدم منح أي تراخيص جديدة حتى تمتثل للأمر أو ضمنت وقفاً لحين تقديم استئناف إلى المحكمة العليا).

لكن قرار المحكمة بشأن العملية أمر مهم للغاية. يدعم القرار بشدة الإرشادات الحالية الواردة في القسم 2.13 من دليل المستخدم: عند تقييم “الخطر الواضح”، ينبغي أن تشمل الدول، من بين استفسارات مهمة أخرى، فحص “السجل السابق والحاضر لاحترام القانون الدولي الإنساني”. تعتبر المحكمة هذا العنصر ضروري في أي قرار لترخيص الأسلحة.

بمعنى آخر، سيتطلب الحكم من المملكة المتحدة تضمين تقييمات امتثال لقوانين الحرب من قبل الشركاء الذين يقومون بتصدير العتاد العسكري إليهم. يعد تنظيم مراجعة امتثال الشركاء للقانون الدولي الإنساني وسيلة حيوية لجعل هذه القوانين أكثر فاعلية (وبالتالي أكثر جدوى بالنسبة للمدنيين  وتهدف هذه الأحكام إلى التقليل من تعرضهم للأضرار).

في السياق اليمني، هذا النوع من الاستعراض من شأنه أن يحقق تدقيقاً ضرورياً طال انتظاره في سلوك التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من قبل الكيانات الرسمية لحلفائها، التي تعمل في كثير من الحالات كجهات تمكين للتحالف. يجب أن تتضمن هذه المراجعات بالضرورة تدقيقًا في استجابة الدولة المتلقية للانتهاكات. في حالة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأعضاء التحالف الآخرين، تميز الرد بالنفي والعذر.

الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة

بالنسبة للدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، وخاصة الدول الأعضاء التي لم تعلق بعد تراخيص الأسلحة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وشركائهما في التحالف، فإن الحكم -على الرغم من أنه غير ملزم قانونياً لدول الاتحاد الأوروبي الأخرى-  يعرض الأسباب الموجبة (ويستند جزء كبير من تعليله إلى نفس الاختبار كما هو موضح في الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي ودليل المستخدم) لضرورة إجراء تقييم لسجل التحالف في اليمن، ولا يمكن أن تغض هذه الدول الطرف عن الانتهاكات السابقة عند منح تراخيص الأسلحة إذا كانت تسعى إلى الامتثال للموقف المشترك للاتحاد الأوروبي.

قد ينظر الكونغرس الأمريكي، في معركته المستمرة مع إدارة الرئيس ترامب بشأن مسألة صادرات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في سن تشريع مشابه للقانون المحلي للولايات المتحدة. سيظهر التأثير على اليمن وخارجها، حيث سيشكل خطوة كبيرة نحو ضمان التدقيق الكافي في الدور المحتمل للولايات المتحدة في الانتهاكات التي ترتكبها الدول الشريكة لها، بما في ذلك عن طريق دق جرس الإنذار بسرعة أكبر في ما يتعلق بالتواطؤ المحتمل. كما أنه من الأفضل مواءمة القانون المحلي مع الالتزامات الدولية القائمة، وأيضاً بموجب المادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف. ومن أجل الوفاء بالتزامها السلبي بعدم تشجيع الانتهاكات أو المساهمة فيها، ينبغي على الولايات المتحدة إجراء تقييم مناسب قبل نقل الأسلحة (بما في ذلك للانتهاكات السابقة) والامتناع عن النقل حيثما كان هناك توقع باستخدام الأسلحة لخرق الاتفاقيات.

رغم عدم تأييدها للحملة الرابعة لاستئناف الحملة ضد تجارة الأسلحة، فقد أوضحت المحكمة عنصراً آخر قد يكون ذا أهمية بالنسبة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تطبق الموقف المشترك. بالنسبة للمحكمة، يعتبر “الانتهاك الخطير” بموجب المعيار 2(ج) “أوسع من مفهوم جرائم الحرب أو الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، وليس مرادفاً له”. قد ينطبق ذلك، على سبيل المثال، على الفشل النظامي المزعوم من قبل دول التحالف لتزويد الطيارين بقائمة عدم الضرب عند تنفيذ ما يسمى “الضربات الديناميكية”. وبقدر ما تقوم دول الاتحاد الأوروبي بتطبيق نفس الاختبار القانوني على نفس نمط الوقائع، يجب أن تفكر في مجموعة أوسع من الانتهاكات الخطيرة المحتملة، عوضاً عن حد التحقيق في  إطار جرائم الحرب المحتملة أو الانتهاكات الجسيمة.

أعلنت المملكة المتحدة بالفعل أنها ستستأنف. في غضون ذلك، ترك قرار الحكم أثراً بالفعل: قالت المملكة المتحدة إنها لن تمنح أي تراخيص جديدة للمبيعات إلى المملكة العربية السعودية وشركائها في التحالف والتي قد تستخدم في اليمن أثناء النظر في حكم محكمة الاستئناف.

تتخطى مصائب اليمن مبيعات الأسلحة -فقد ارتكبت جماعة الحوثيين المسلحة انتهاكات فظيعة. لكن يُشكل وقف تدفق الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وشركائها في التحالف طريقة ملموسة للدفع من أجل تعزيز الامتثال الأفضل لقوانين الحرب (بما في ذلك التحقيقات الموثوقة والتعويض)، بالإضافة إلى تمهيد الطريق نحو السلام. تُمنح تراخيص الأسلحة على أساس كل حالة على حدة -إذا كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تدركان أن القانون يؤثر في الواقع على تقييد بشكل كبير تدفق الأسلحة من الاتحاد الأوروبي، فقد تحاولان بذل المزيد من الجهد لتحسين ممارساتهما. لقد فات وقت طويل على اعتراف الدول الرئيسية التي تمكّن التحالف، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، بأنها لا تستطيع ببساطة أن ترفض أن تأخذ في الحسبان التأثير المميت لدعمها العسكري المستمر. تعتبر قضية المحكمة علامة فارقة في هذا الجهد.