لا جديد؛ سوى عذابات الإنتظار للمرضى، الذين حوّل بعضهم رحلتهم إلى المقابر، بعد أن فقدوا الأمل في إمكانية نقلهم جواً إلى مستشفيات خارج البلد.
الوعود الإنسانية بإعادة الحياة إلى مطار صنعاء الدولي، لم تحمل سوى المزيد من حالات الوفاة.
لا جديد أيضاً؛ سوى عذابات الإنتظار للمرضى، الذين حوّل بعضهم رحلتهم إلى المقابر، بعد ان فقدوا الأمل في إمكانية نقلهم جواً الى مستشفيات خارج البلد.
بعض هؤلاء المرضى لا يزال متشبثاً بأمل السفر، عبر مطار صنعاء المغلق منذ أربعة أعوام، لكن الوضع الصحي لبعضهم، آخذة بالتدهور المريع.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أعلن الناطق الرسمي للتحالف بقيادة السعودية والإمارات، عن إعادة تسيير رحلات إنسانية من وإلى مطار صنعاء الدولي، لنقل المرضى، ومن ذلك الحين، أجلي فقط 24 مريضاً.
قبل عام ونصف، من ذلك الإعلان، كان هناك وعداً سابقاً، وعلى لسان عبد الملك المخلافي وزيرالخارجية الأسبق في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً، ولم يُنفذ.
وبين الوعدين؛ 2018 و2019، مات الكثير من المقيدين في سجلات الاستحقاق الطبي للعلاج خارج اليمن.
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تم إبلاغ أحد المرضى من ذوي التقارير الطبية المستحقة العلاج في الخارج، بالحضور الى صنعاء على أساس بدء تفويجهم الى القاهرة على دفعات بواسطة منظمة الصحة العالمية. كان عددهم 33 مريضاً و 33من مرافقيهم، قد وصلوا فعلاً الى المطار كدفعة أولى، لكن الطائرة كانت لا تزال في الجو عندما غيرت مسارها وعادت.
وهكذا تعثرت أقدام هؤلاء المرضى، عند بوابة مطار صنعاء الدولي ليقفلوا عائدين، إلى أحد فنادق العاصمة صنعاء، على آمال وتطمينات وانتظار من يوم لآخر، حتى اللحظة. وبحسب رئيس اللجنة الطبية العليا في صنعاء الدكتور مطهر الدرويش، فإن عدد المسجلين في كشوفات اللجنة الطبية بموجب تقارير رسمية، بلغ 3,000 حالة تنعدم فرص تلقيها العلاج في الداخل بسبب وضعها الصحي الصعب وضعف الإمكانيات. وقال إن هناك 30,000 حالة مسجلة لدى المراكز الطبية والمستشفيات من ذوي الأمراض المستعصية تستحق نقلها الى الخارج.وأفاد الدكتور الدرويش بأن هناك حالات عديدة من المسجلين لديهم قد توفيت للأسف.
وأضاف: “طلبت منا منظمة الصحة العالمية مراجعة ملفات الحالات التي تم قبول ملفاتها في المستشفيات الخارجية، لمعرفة تطورات المرض، وعددها 600 حالة، وعند مراجعتنا للملفات، وجدنا انتكاسات كبيرة لهذه الحالات وتدهوراً كبيراً لوضعها الصحي، ووجدنا 45 حالة وفاة، خلال ثلاثة أشهر”.
يظهر التدهور الصحي بشكل جسيم لدى حالات الأورام ومرضى الفشل الكلوي والكبد. فمثلاً: “من كان لديه ورم في عضو معين أصبح منتشراً في كل جسمه ومن كان لديه قصور في وظائف الكلى أصبح فشلاً نهائياً”.
10% هي ما تبقى من كِلية الطفل خليل
الطفل خليل حاشد علي يحيى سيلان (13 سنة)، أحد هؤلاء المرضى الذين ينتظرون السفر إلى الخارج عبر الجسر الجوي الذي أعلن عنه التحالف.
يعاني خليل من فشل كلوي، وبانتظار الطائرة للسفر الى الخارج لزراعة كِلية، تعتزم جدته لأبيه التبرع له بإحدى كِليتيها. وكان خليل أحد المرضى الذين تقرر نقلهم في 2018، على إثر الوعد الأول من التحالف، لكنه عاد من المطار خائباً، بكلية باتت تعمل بنسبة 10% فقط.
يشرح خليل معاناته مع المرض ومعاناة الانتظار بالسفر إلى الخارج منذ أكثر من عام ونصف: “نحن ننتظر رحلة الجسر الجوي منذ عام 2018. أنا مريض ولا أستطيع السفر من عدن أو سيئون، وفي إحدى المرات أعادونا من المطار وكنا داخل الطائرة فعلاً عندما رفض التحالف إقلاع الطائرة”.
يعاني مرضى الفشل الكلوي، ضمن أكثر الفئات الإنسانية الأشد وجعاً، بفعل عوامل كثيرة جعلت هذا النوع من الأمراض الأكثر تعقيداً. فإلى قلة أجهزة الغسيل الكلوي، هناك تدهوراً في هذه المعدات التي تعمل فوق طاقتها، وهناك منع تام لدخول مثل هذه المعدات، أو حتى قطع غيار بعض الأجهزة التشخيصية.
يقول الدكتور إبراهيم أبو طالب مدير عام المخزون الدوائي في الهيئة العامة للدواء: “نحن بحاجة الى اجهزة جديدة، مثل أجهزة الأشعة المقطعية (CT Scan)، الأشعة السينية (X ray)، وبحاجة أجهزة المختبرات وأجهزة زراعة الكلى جديدة، والعدد الموجود لا يكفي”.
رحلة شاقة لمريض نهايتها موته
لا بديل أمام هؤلاء المرضى للسفر الى الخارج، عدا مطار صنعاء الدولي.
منذ إغلاق مطار صنعاء الدولي في أغسطس/ آب 2016، يضطر المسافرون إلى السفر براً أولاً لساعات طويلة للوصول إلى مطاري عدن أو سيئون، ومن ثم السفر جواً إلى وجهاتهم خارج اليمن.
وبالنظر إلى مشقة السفر براً إلى مطار سيئون، على سبيل المثال، والإجهاد الشديد للمريض جراء طبيعة وطول الطريق التي يقطعها المسافرون اليوم من صنعاء الى سيئون، فإن المسافر من صنعاء سيصل بعد 24 ساعة ضمن ركاب حافلات النقل. أما المسافرون من الحديدة (في أقصى الغرب) أو صعدة (في أقصى الشمال)، فإنهم سيصلون الى مدينة سيئون على الأرجح بعد يوم ونصف أو يومين.
طريق بعيدة، معظمها تفتقر الى الصيانة، وأجزاء واسعة منها غير أسفلتية. وعلى طول هذه الطريق، التي تمر عبر خمس محافظات (صنعاء، ذمار، البيضاء، مأرب، حضرموت)، وتتخللها جبال ووديان وصحاري، توجد قرابة 30 نقطة أمنية من جميع أطراف الحرب المتقاتلة، تُوقف المسافرين بشكل متتابع على طول الطريق وتتعمد تأخيرهم.
وأمام هذا الوضع المأساوي، ينصح الأطباء العديد من الحالات المنهكة جداً، بعدم السفر براً، تجنباً لمضاعفات شديدة على صحة المريض، وصلت بعضها حد الوفاة، أثناء السفر براً أو قبل إقلاع الطائرة.
كان يحيى عبد الله الشيخ (57 سنة) يعاني من فشل الكبد. يقول ولده محمد: “بدأ مرض والدي عام 2017، وعندما بدأنا في علاجه لدى أكثر من مستشفى وأكثر من طبيب في صنعاء، اتضح لنا مع الأيام أن علاجه في اليمن مستحيلاً، وهو ما أكده إجماع الأطباء”.
وبسبب إغلاق مطار صنعاء، وانعدام أي وسيلة أخرى لنقله إلى الخارج، قرر محمد نقل والده براً الى مدينة سيئون تمهيداً لنقله عبر رحلة تجارية للخطوط الجوية اليمنية إلى الأردن للعلاج. ورغم نصيحة الأطباء بعدم قدرة المريض على تحمل مشاق الطريق الطويلة إلى مطار سيئون، فإن سفره براً يعد خطراً على صحته. ولكن محمد اتخذ قراره بتصميم: “سأنقل أبي مهما كانت النتائج”.
كان المريض يرقد في غرفة العناية المركزة، داخل أحد المستشفيات التي كبدتهم مالياً، وقال له أحد الأطباء من أن نقله عبر السيارة خطر: “حيث تعادل الساعة بالسيارة أسبوعاً دون أي رعاية طبية”.
وبالفعل تم نقله، في رحلة شاقة استغرقت 24 ساعة، يقول محمد: “وما إن وصلنا سيئون إلا والوجه الذي خرج به والدي من صنعاء غير الوجه الذي وصل به الى سيئون”.. لقد تغير لونه وفعلت الطريق فعلها في المريض، الذي دخل بعد ستة أيام من الانتظار في غيبوبة. وقبل يوم على الموعد المقرر للسفر جواً عبر رحلة اليمنية، التي تأجل موعدها من قبل أكثر من مرة، توفي يحيى عبدالله الشيخ.
وهكذا عادوا به الى صنعاء ملفوفاً بالأكفان.