الحكومة لديها التزام أخلاقي بألّا تشيح بوجهها بعيدًا. وعلى بوريس جونسون بالذات، يقع التزام أخلاقي بأن لا يحدث ذلك. لقد اختار هو وحكومته مرارًا وتكرارًا مواصلة تسليح المملكة العربية السعودية، مع ما نجم عن ذلك من عواقب وخيمة على الشعب اليمني.
بقلم: بنيان جمال و مولي مولريدي
نشر باللغة الإنجليزية على موقع bylinetime
22 يونيو/ حزيران 2021
يواصل وزراء المملكة المتحدة ترخيص بيع الأسلحة للسعودية رغم وجود خطر واضح من استخدامها لقتل مدنيين يمنيين أبرياء، حسب بنيان جمال و مولي مولريدي.
التقى وزير الخارجية البريطانية مؤخرًا محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية.
ولم يتبين ما إذا كانا قد بحثا موضوع قصف السعوديين لقاعة عزاء في اليمن، ما أسفر عن مقتل 86 شخصًا وإصابة 550 آخرين؛ أو إلقاء أربع قنابل متتالية في هجمة جوية على منزل عائلي، ما أسفر عن مقتل الوالدين والأطفال أثناء هروبهم. ما هو واضح أنّ كلا هذين الحدثين سيسببان مصاعب للحكومة؛ لأنها تحاول، كرّة أخرى، الدفاع عن نفسها أمام المحكمة العليا في مواجهة الادعاء عليها بأنها ترخص بشكل غير قانوني بيع أسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
قدمت منظمة مواطنة، وهي منظمة يمنية معنية بحقوق الإنسان، للمحكمة العليا أدلة موثقة عن أنماط من هجمات التحالف بقيادة السعودية والإمارات على المدنيين اليمنيين، بناء على تقارير ميدانية صادرة في أعقاب الهجمات الجوية مباشرة وعلى مقابلات مع الضحايا والشهود.
تُظهِر الأدلة الإيذاء المتكرر للمدنيين طوال ما يقرب من سبع سنوات من الصراع، بما في ذلك مقتل 20 ألف مدنيّ ووضع اليمن على شفا المجاعة؛ حيث يموت الأطفال هناك نتيجة الفشل العضوي في وظائف أجهزة الجسم بسبب الجوع.
أصدرت منظمة مواطنة تقريرها الأول عن أثر الهجمات الجوية على المدنيين والأعيان المدنية في عام 2015، ووثّقته بشكل مستمر منذئذٍ، مسجلة انهيار الاقتصاد وتدمير المرافق الصحية والمخاطر البالغة المترتبة على مجرد الذهاب إلى المدارس. كما طالبت زعماء العالم بالتوقف عن تأجيج الصراع من خلال مبيعات الأسلحة. هيئات الأمم المتحدة أضافت أصواتها إلى ذلك، لكن المملكة المتحدة على الرغم من ارتفاع عدد القتلى من المدنيين، حافظت على دعمها للمملكة العربية السعودية، بما في ذلك الدعم من خلال المبيعات المربحة للأسلحة.
كان إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن أن أمريكا ستوقف مبيعات الأسلحة “ذات الصلة” للسعودية خطوة إيجابية؛ وكذلك كان تصويت البرلمان الأوروبي الذي دعا إلى فرض حظر أسلحة على المملكة العربية السعودية على نطاق الاتحاد الأوروبي، الذي نوّه إلى أن المُصدّرين الذين يؤججون الصراع في اليمن يخالفون القانون.
أعرب نواب بريطانيون عن دعمهم لنهج بايدن، بما في ذلك عضو حزب المحافظين توبياس إلوود، الوزير السابق لشؤون الشرق الأوسط والذي أصبح الآن من أبرز المدافعين عن إنهاء مبيعات الأسلحة. وقد علق مؤخرًا أن بريطانيا كانت “سعيدة ببيع أنظمة الأسلحة هذه للآخرين”، لكنها بعد ذلك “ستقف متلبسة؛ لأن هؤلاء لا يستخدمونها جيدًا”، موضحًا أن ثمة قرارًا متعمدًا من الحكومة بالابتعاد عن غرفة عمليات التحالف، حتى “لا نبدو مشاركين ولا متورطين في أي من القرارات التي تتخذ هناك”. وأشار إلى “الفظائع المروعة” التي حدثت، على جانبي الصراع.
ولم يكن إلوود مخطئًا؛ فقد كانت ثمة فظائع؛ وكانت هناك حالات تشبه إلى حد كبير جرائم الحرب: حالات ذات صلة بالقانون الذي يتعين على الحكومة الالتزام به حين تتخذ قرارًا بشأن إصدار ترخيص لبيع أسلحة إلى المملكة العربية السعودية. هذا القانون ينص على أنه في حالة وجود مخاطر واضحة بأن ثمة مجرد احتمال في أن الأسلحة يمكن أن تُستخدم في انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي، يجب الامتناع عن منح الترخيص.
في 8 أكتوبر 2016، قصف التحالف الصالة الكبرى في صنعاء أثناء مناسبة تقديم عزاء. زار فريق من منظمة مواطنة المكان في صباح اليوم التالي. ووثّقوا مقتل 84 شخصًا وإصابة 550 آخرين.
كان أحد المصابين عصام الرويشان، البالغ من العمر 25 عامًا. قال إنه سمع الطائرة وهي تحلق في سماء المنطقة، لكن “لم يخطر ببالي قط أنهم سيقصفون قاعة عزاء”. تجوّل فريق منظمة مواطنة في مكان الهجوم، ورأوا دماءً جفت ودمارًا جائرًا في قاعة كانت مكتظة بالمعزين. كان من المعلوم أن ثمة مراسيم عزاء تجري هناك؛ حتى إنه تم نشره على فيسبوك.
لكنّ السعوديين زعموا أن القوات اليمنية قالت إن هناك أهدافًا عسكرية هناك، وأنهم أصروا بإلحاح على تنفيذ الهجمة الجوية على الفور. نعلم أن هناك عسكريين كانوا بين الحاضرين، لكن الحضور الطاغي لـ1500 مدنيّ في نفس المكان كان يجب أن يحول دون القصف. إن القانون الإنساني الدولي يحظر مثل هذا الإضرار غير المتناسب بالمدنيين.
بعد أربع سنوات، وتحديدًا في 14 فبراير/ شباط 2020، أصابت قنبلة منزل رجل مدني في قرية آل صيدة، التابعة لمديرية المصلوب بمحافظة الجوف، ما أسفر عن مقتل أفراد وإصابة أطفال من أسرته. وكان بقية أفراد الأسرة والجيران يلوذون بالهرب حين أصابت قنبلة ثانية السور المحيط بالمنزل، مما أسفر عن مقتل أفراد الأسرة الذين كانوا يحاولون الفرار والأشخاص الذين هرعوا لتقديم المساعدة لهم. وضربت قنبلة ثالثة مجموعة من المدنيين كانوا يحاولون حينها الاختباء بين الأشجار شمال منزل العائلة. وبينما كان مدنيون آخرون يهربون ويحاولون الاختباء معًا، ضربت قنبلة رابعة المكان الذي كانوا يختبئون فيه، إلا أنها لم تنفجر. هذه القنابل الأربع التي ألقيت على نفس الموقع المدني، ولم تفصل بين كل منها سوى دقائق فقط، أدت إلى مقتل 32 شخصًا -غالبيتهم من الأطفال والنساء- وإصابة 21 آخرين، بينهم 12 طفلًا. إنه من الصعب أن نتفهم كيف يمكن لأي إنسان أن يجادل في أن هذا كان قانونيًّا.
إن هذه الضربات الجوية ليست شاذة، بل تشكل نمطًا واضحًا، وتفاصيلها بادية للعيان. وليس بوسع الحكومة أن تقول بصدق إنها لم تكن على علم. ومع ذلك، يواصل وزراء المملكة المتحدة إصدار تراخيص بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية رغم المخاطر الماثلة في أنها ستستخدم مرة أخرى في حالات مماثلة.
لعلنا متشبعون بالأنباء السيئة والمعاناة الإنسانية والوفيات والإصابات والمجاعة والدمار، وبالتالي لم يعد بوسعنا أن نتحمل مشاهد اليمن التي لا تطاق، لكن الحكومة لديها التزام أخلاقي بألّا تشيح بوجهها بعيدًا. وعلى بوريس جونسون بالذات، يقع التزام أخلاقي بأن لا يحدث ذلك. لقد اختار هو وحكومته مرارًا وتكرارًا مواصلة تسليح المملكة العربية السعودية، مع ما نجم عن ذلك من عواقب وخيمة على الشعب اليمني.
بنيان جمال، محامية مقيمة في اليمن، ومسؤولة المساءلة في مواطنة لحقوق الإنسان.
مولي مولريدي، محامية مقيمة في لندن، كانت تعمل سابقًا في وزارة الخارجية البريطانية، حيث قدمت المشورة لوزير الخارجية بشأن تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.