كانت الرحلة الأولى لنا عبر هذا الطريق منذ أغلقته الحرب مطلع 2015، حيث استغرق سفرنا من ثلاث إلى أربع ساعات. كنا نسير، وأبصارنا لا تكف التأمل في الدمار والآليات العسكرية المدمرة التي خلفتها الحرب على قارعة الطريق
بدأت رحلتنا إلى صنعاء من مدينة الحزم مركز محافظة الجوف. كانت الساعة 07:30 صباح يوم السبت 5 سبتمبر/ أيلول 2020 حين أنطلقنا على متن سيارة دفع رباعي “هايلوكس” أجرة مروراً بمنطقة السلمات التابعة لمديرية الغيل، ومواصلين السير عبر الخط الرئيسي وصولاً إلى منطقة الروض مركز مديرية الخلق، عابرين منطقة براقش الاثرية آخر حدود محافظة الجوف الجنوبية مع محافظة مأرب. استمرينا بالسير بالطريق عبر قرى ومناطق مديرية مجزر التابعة لمحافظة مأرب حتى مفرق الجوف.
وفي مفرق الجوف لفت أنظارنا مشاهد الدمار الذي حل بهذه المنطقة جراء الغارات الجوية من قبل طيران التحالف و المواجهات العسكرية بين أنصار الله الحوثيين وقوات الحكومة المعترف بها دولياً.
دُمرت المحلات التجارية والمملكات الخاصة بالمواطنين في سوق مفرق الجوف، وهو مثلث حيوي رابط لثلاث محافظات، الجوف، ومأرب وصنعاء، وقد كان هذا السوق يعج بمظاهرالحياة من المطاعم والمحلات التجارية ومحطات الوقود قبل العام 2015.
واصلنا المسير باتجاه فرضة نهم والتي كان السفرعبرها إلى صنعاء بالنسبة لنا حلم خلال السنوات الأربع الماضية، لكن بعد أن سيطر مسلحو جماعة أنصارالله الحوثيين على فرضة نهم ومفرق الجوف في بداية العام 2020، فتحت الطريق.
كانت المفاجأة المحزنة، أن يكون جسر الفرضة، مدمرًا، وهو الشريان الوحيد للعبور. استهدف من طيران التحالف بقيادة السعودية والإمارات في خضم الاشتباكات العنيفة بين الأطراف المتحاربة في الميدان، في الأيام الأولى للحرب. كان هناك طريق صعبة تضطر السيارات العبور من خلالها بدلاً عن الجسر، لكن هذا الأمر يقف عائقاً أمام شاحنات النقل الكبيرة، أو السيارات الصغيرة، من العبور.
في نهاية فرضة نهم كانت هناك نقطة تفتيش تابعة لجماعة أنصارالله (الحوثيين)، استوقفتنا لبعض الوقت للتفتيش ومضينا في طريقنا. وعند مرورنا من قرى ومناطق نهم كانت المناظر والمشاهد أكثر وجعاً منذ قبل.
كانت الرحلة الأولى لنا عبر هذا الطريق منذ أغلقته الحرب مطلع 2015، حيث استغرق سفرنا من ثلاث إلى أربع ساعات. كنا نسير، وأبصارنا لا تكف التأمل في الدمار والآليات العسكرية المدمرة التي خلفتها الحرب على قارعة الطريق، ونصطحب معنا الحرقة والوجع لما آلت إليه بلادنا. آثار الحرب والدمار لم تستثني شيء في هذه المناطق، فالأسوق والمحلات التجارية ومنازل المواطنين ومزارعهم مدمرة، نتيجة المواجهات العسكرية وهجمات طيران التحالف.
حقل الالغام
من المؤسف أن مخاطر الحرب ظلت قائمة ومستمرة على حياة المدنيين حتى بعد توقف المواجهات العسكرية في مديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء، إذ تشاهد لوحات تنبيه بوجود ألغام على أطراف الخط الاسفلتي، ما يجبر السائقين على الحذر وعدم الخروج من خط السير المرسوم لهم. ترى الأسلاك الشائكة وإشارات التنبيه ممتدة على طول الطريق من رأس فرضة نهم حتى منطقة محلي القريبة من نقيل بن غيلان، مع أن هذه المناطق لا تزال خالية من السكان عدا العابرين والمسافرين.
نقاط التفتيش
هتاك مايقارب 18 حاجزاً أمنياً ونقطة تفتيش على طوال الطريق من مدينة الحزم إلى مداخل العاصمة صنعاء، جميعها تتبع جماعة أنصارالله الحوثيين. كان يتطلب منا التوقف في كل نقطة تفتيش مابين 5 – 10 دقائق للتفتيش وإبراز البطائق الشخصية.
كانت هناك نقطة تفتيش تابعة لما يسمى الأمن الوقائي التابع للحوثيين في منطقة محلي بمديرية نهم وهي من أكثر النقاط تعقيداً على المسافرين والمارين من هذا الطريق؛ فقد يستغرق بعض المسافرين ساعات حتى يسمح لهم بالعبور.
تحليق الطيران
عند انتهاء الدورة التدريبية الحقوقية، والعودة إلى مناطقنا، وكان الوقت ظهراُ، تفاجئنا بتحليق للطيران أثناء عبورنا من منطقة فرضة نهم.
طلب منّا أحد المسلحين الحوثيين أن نذهب تحت إحدى المظلات الموجودة في الطريق حتى لا يقصفنا الطيران، ما استدعى السائق إلى التوقف وركن السيارة تحت إحدى المظلات. استمر توقفنا ما يقارب 15 دقيقة، عشنا فيها لحظات من الترقب والخوف والرعب، وقد رأينا الموت يحوم فوق رؤوسنا.
وبالرغم من كل هذا التعب والخوف، تعتبر المخاطر أقل مقارنة مع سنوات الحرب الماضية ابتداء بعام 2015، والتي كان فيها طريق فرضة نهم مقطوعاً نتيجة مواجهات عنيفة بين قوات الحكومة المعترف بها دولياً يساندها طيران التحالف وقوات جماعة انصارالله- الحوثيين.
كان على المسافرين أن يسلكوا طرقاً أخرى، ومثّلت هذه الرحلات مغامرة لا تنحصر مخاطرها على حوادث السير جراء وعورة الطرق، بل تتعدى ذلك إلى خطر استهداف الطيران للمسافرين على طريق الجوف العالي- أرحب- سفيان، ورصاص ومدفعية المواجهات العسكرية التي كانت تدور رحاها في أطراف مديرية المتون.
في هذه الطرقات الفرعية يأتي أيضاً خطر الألغام التي تزرعها جماعة أنصارالله ، لكنه كان الطريق الوحيد من هذه الجهة إلى صنعاء، للمسافرين وعربات النقل الكبرى التي تقوم بنقل المواد الأساسية والوقود، ويقدر طول هذه الطريق 300 كيلو متر. هذا ناهيك عن الاجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها نقاط التفتيش التابعة لأنصارالله وبشكل خانق، على المسافرين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، فضلاً عن ذلك قد يحتاج المسافر إلى أكثر من ست ساعة مروراً بطرق جبلية وعرة ومنهكة.
لكن بعد أن تم إعادة فتح خط فرضة نهم في مطلع العام 2020، تبقى أغلب مخاطر السفرذاتها قائمة ، لكن على الأقل يبقى المسافر محتكاً بهذه المخاطر أربع ساعات بدلاً من ست.