أكتب إليك بدافع الفقد والغضب

منذ اعتقالك يا بطلي حتى اللحظة، يزداد يقيني يوما عن يوم بأننا خُلقنا في بلد يُزجّ شرفاؤه ومناضلوه في السجون، ويعيش فاسدوه ومفسدوه ولصوصه وذويهم، في "الفلل الفارهة"، بين الخدم والحشم. لا يكدحون خلف الأشياء، بل تأتيهم (كل الأشياء) خاضعة، راكعة ، تعلو وجهها ابتسامة صفراء مرتجفة يرغمها "المسدس والسجن" على الظهور.

December 25, 2018
أبرار مع والدها المعتقل عبد الكريم الإرياني
أبرار مع والدها المعتقل عبد الكريم الإرياني

رسالة أبرار عبدالكريم الإرياني إلى والدها الذي اعتقلته جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيون) من مقر عمله بصنعاء

25 ديسمبر/ كانون الأول 2018

لوالدي:

منذ اعتقالك يا بطلي حتى اللحظة، يزداد يقيني يوما عن يوم بأننا خُلقنا في بلد يُزجّ شرفاؤه ومناضلوه في السجون، ويعيش فاسدوه ومفسدوه ولصوصه وذويهم، في “الفلل الفارهة”، بين الخدم والحشم. لا يكدحون خلف الأشياء، بل تأتيهم الأشياء (كل الأشياء) خاضعة، راكعة، تعلو وجهها ابتسامة صفراء مرتجفة يرغمها “المسدس والسجن” على الظهور. غير أنها ابتسامة لا تشبه التي نجدها تظهر في ملايين الوجوه التي دفعها الفقر والحاجة، والخوف من القتل والسجن والجوع، إلى حفرها لا رسمها فقط.

لوالدي:

إني أحمد الله ليل نهار لأن تلك الابتسامة لم تُرسم على وجهك رغم تواجد معظم (الشروط) التي قد تدفع الآخرين لرسم تلك الابتسامة واصطناع كل ذاك الرضا. إن امتناعك عن ذلك يا عزيزي لأمرٌ لا يدفعني إلاّ للشعور بالفخر والاعتزاز بأبٍ، رغم كل تلك الظروف العصيبة التي كبرت معنا مقتاتة على جهده وعمره، لم تستطع مسخه رجلاً خائفاً ضعيفا يرعبه الموت أو السجن، بل صنعت منه رجلاً أنضج وأعتى وأصلد. أبٌ عصامي أُبعد عن فتياته دون سابق إنذار، أُخذ منهن في وقت كنّ في المنزل الصغير ينتظرن عودته. مربٍ أشار قديماً بسبابته لهذا الزمن لئلا تفاجئنا وضاعته في غيابه. بانٍ لم يتوانَ للحظة في بناء صرح متين داخل كل واحدة منا لنستمد منه القوة والثبات، ونعيش فيه إن دعت الحاجة. قائد لم يقلقه يوماً كون جيشه (ثلاث فتيات). رفيقٌ كان تعليقه الأول على صورتنا الأولى في مقر الحزب الاشتراكي اليمني: “الله. عسكري وخبيره”.