الحطَّاب والفتيل المتشظي

ضحيتان ولغمٌ دَحرَجَهُ السيلُ

November 24, 2024

تعد منطقة شيفان السحي، التابعة إداريًا لمديرية دمنة خدير – محافظة تعز، إحدى المناطق الملوثة بالألغام التي تجرفها السيول والتي أصبحت تهدد حياة المدنيين وتهتك سكينتهم.

يقول السكان المحليون إن مقاتلي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، هم الذين قاموا بزراعة تلك الألغام في الجبال. وفي موسم الأمطار تجرف مياه السيول بعض تلك الألغام معها نحو الوديان والأراضي الزراعية بشكل عشوائي، لتصبح خطرًا حقيقيًا يهدد السكان والمواشي.

منطقة السحي تعد نقطة تماس بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، منذ عام 2018 حتى الآن. ونزح منها معظم سكانها إلى مناطق مختلفة، بينما بقي عدد قليل من الأسر في المنطقة بسبب الوضع المعيشي المتردي والفقر، وهم من تقع عليهم المخاطر التي تتهدد حياتهم.

إحدى تلك الأسر التي لم تبرح المنطقة -رغم المخاطر- هي أسرة الطفل أحمد منصور أحمد (9 سنوات)، تعتمد بشكل أساسي على الزراعة وجمع الحطب، إذْ ليس لهم مصدر دخلٍ بديل يُمكِّنهم من دفع إيجار المنزل في حال قرروا النزوح إلى منطقة أخرى آمنة.

في يوم الأربعاء 15 مايو/ آيار 2024، عندما كان الطفل أحمد ووالده منصور أحمد محمد (44 سنة)، يقومان بجمع الحطب في الوادي (مجرى السيول في المنطقة)، صادف والد أحمد لغمًا مضادًا للمركبات كانت السيول قد جرفته إلى ذلك المكان.

قرر منصور (والد أحمد) أخذ ذلك اللغم للتخلص منه، وبعد أن تمكن من فصل الصاعق عن اللغم، انفجر الصاعق متسببًا في بتر أصابع يده اليسرى وإصابته بشظايا متفرقة في جسده، بينما أصيب الطفل أحمد ذلك -الذي كان إلى جوار والده لحظة انفجار الصاعق- بشظايا في ساعديّه وساقيه؛ تجمّع الأهالي وتمكنوا من إسعاف الطفل وأبيه إلى مستشفى ميداني بمنطقة "كرش" التابعة لمديرية القبيطة بمحافظة لحج، وهناك أُجريت لهما الإسعافات الأولية ثم تمت متابعة إسعافهما إلى مستشفى أطباء بلا حدود بمحافظة عدن.

مانع حسن الصغير (35 سنة)، كان أحد مرافقي الضحيتين أثناء إسعافهما، قال: "أسرة منصور (والد أحمد)، تعد من الأسر الفقيرة المعدمة في المنطقة، ونتيجة ظروف الأسرة المعيشية والفقر الذي تعيشه لم تتمكن من النزوح، كما أن رب الأسرة ليس لديه القدرة حتى على توفير العلاج لنفسه أو لابنه الجريح".

يستطرد: "كان هناك موقفٌ مؤلم أثناء إسعاف الطفل أحمد إلى المستشفى بعد الإصابة، وهو عندما بدأ الطبيب بمعاينته أخذ مقصًا كي يقص سرواله من الاسفل كون بعض إصاباته كانت في الساقين، حينها صرخ أحمد: لا تقطع سروالي فليس لدي غيره؛ من شِدِّة فقر الأسرة لم يكن لدى هذا الطفل سوى الملابس التي يرتديها!".

يتابع بتأثُّر: "جميعنا أثر فينا ذلك الموقف، وشعرنا بالحسرة والألم لما وصلت إليه هذه الأسرة من المعاناة والفقر، أيضا عندما سمع الطبيب ما قاله الطفل شاهدتُ الطبيب يرمي بالمقص وقد فاضت عيناه بالدموع".

اللافت، أن للسيد منصور طفلٌ آخر تعرض أيضًا للإصابة بشظايا في ذات الواقعة، وهو جعفر منصور (14 سنة)، إلا أن إصابته كانت طفيفة بالمقارنة مع إصابة أخيه وأبيه، فقد أصيب بشظيتين أسفل ساقيه من جهة الخلف.

أثناء وقوع الانفجار في ذلك اليوم، كان الطفل جعفر على مسافة أمتار قليلة من موقع الانفجار الذي أسفر عن إصابة والده وشقيقه.

حينذاك، لم ينتبه المسعفون وأهالي الضحية أن "جعفر" قد أصيب أيضًا، بل إن جعفر نفسه لم يشعر أنه تعرَّض للإصابة بالشظايا، وربما كان ذلك من هول الفاجعة، وفَزَعِه مما تعرَّض له شقيقه الأصغر (أحمد) ووالده من إصابات بالغة.

في مساء ذلك اليوم بدأ الطفل جعفر يشعر بالألم من أماكن إصاباته، وأثناء ذلك علم الضحية وأقاربه انه أصيب بالشظايا، وبتلك الليلة لم يستطيع الطفل النوم بسبب الألم.

وفي اليوم التالي قام بعض أقاربه بإسعافه إلى وحدة صحية قريبة من المنطقة، وتقع في منطقة "الضاحي" التابعة لمديرية القبيطة، محافظة لحج. وهناك أجريت له الإسعافات الأولية والتضميد ووِصفَ له بعض المهدئات، وقد تحسنت حالته الصحية فيما بعد.

تطالب مواطنة لحقوق الإنسان كافة أطراف النزاع  بالتوقف الفوري عن زراعة الألغام بمختلف أشكالها، والبدء في خطوات جادة لتطهير الأماكن الملوثة بالألغام بما فيها المناطق التي شهدت هجرة للألغام بفعل السيول للحيلولة دون سقوط المزيد من الضحايا المدنيين، وتطالب المجتمع الدولي بتشكيل آلية تحقيق دولية ذات طابع جنائي تضمن محاسبة المُنتهِكين ومساءلتهم، والانتصاف للضحايا.