المُعذّب وائل

" بعد أسبوع من نقلي إلى تلك الزنزانة المجهولة، تفاجئنا في إحدى الليالي بمجيئهم إلى زنزانتنا، أخذونا والشخصين الآخرين، وأخرجونا إلى ساحة السجن. جاء بعد ذلك طقم أمني، فيه نحو تسعة مسلحين ملثمين بالإضافة إلى السائق.

August 16, 2021
وائل
وائل

كنت على وشك الجنون

16 أغسطس- آب 2021

وائل وليد (اسم مستعار) شاب في الـ٣١ من العمر. أحد الطلائع الشبابية التي استجابت لنداءات ثورة التغيير الشبابية عند انطلاقها بساحة جامعة صنعاء في مطلع العام 2011.

سارع لنصب خيمة اعتصامه في شارع الستين، عسى أن يتمكن وزملائه الذين مضى على تخرجهم سنوات، من الحصول على وظيفة، وبعد عقد الاتفاق السياسي الذي بموجبه تم تشكيل سلطة المرحلة الانتقالية، عاد إلى منطقته وهو شعلة من الحماس لمواصلة العمل على تحقيق أهداف ثورتهم.

في ٢١ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٤ اقتحم مسلحو جماعة أنصارالله- الحوثيون والرئيس السابق صالح العاصمة صنعاء، وسيطرت على مؤسسات الدولة ومعسكراتها ووزارتها وهيئاتها، ثم اتجهت للسيطرة على بقية محافظات الجمهورية.

بعد تدخل التحالف بقيادة السعودية في مارس/ أذار 2015 وجد وائل نفسه وكذلك كل الناشطين الشباب الذين شاركوا بالثورة من خارج جناح جماعة الحوثي، مستهدفين وملاحقين من قبلها، ولاسيما المحسوبين على حزب التجمع اليمني للإصلاح، مع أن وائل قام بتجميد أي نشاط عام له.

كان وائل قد أمضى ثلاث سنوات منذ تزوج بفتاة أحلامه ورزق منها بولد في منتصف العام الثاني من زواجهما، لذلك كان متحمسا لأجل تحسين سبل العيش له ولزوجته وابنه ووالديه الذين يقيم معهما في نفس المنزل.

لذلك فضّل الانهماك في العمل مع والده، وانعزل عن أي نشاط إعلامي أو سياسي، بما في ذلك الكتابة في حسابيه على فيسبوك وتويتر، معتقداً أنهم سيكّفون اليد عن ملاحقته، في مدينته التي يسيطرون عليها، ويضيقون خناقها منذ العام 2014.

يروي وائل عذابات الاختفاء القسري وضروب العنف والتعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرض له خلال مدة الاحتجاز.

تهمة ثم تحقيق

يقول وائل: “في 9 سبتمبر/ أيلول ٢٠١٨، كنت في دكاني كعادتي كل يوم، فوجئت بعدد اثنين من مسلحي الحوثيين يرتدون ملابس مدنية، أعرفهم جيداً، يأتون إلى المحل، ويطلبون حضوري إلى مبنى البحث الجنائي.

قمت بإغلاق دكاني، واتجهت معهم، وكان تخميني انهم سيأخذونني إلى إدارة البحث الجنائي، ويوقفوني مثل كل مرة يومين أو ثلاثة أيام ثم يفرجون عني، فقد سبق وأن أخذوني وحبسوني عدة مرات من قبل بتهم الاشتباه بمنشوراتي في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية.

ولأني كنت موضع شك لديهم، في منتصف ليل ذلك اليوم، تم استدعائي من الزنزانة إلى غرفة تحقيق بها عدد من المحققين والمصورين وهناك لوحة خشبية مكتوب عليها اسمي ورقم القضية ونوعها سياسية والتاريخ واليوم.

أمروني أن أقوم بإمساكها ليتم تصويري من الأمام، ومن الجوانب، ومن الخلف. قلت لهم كيف تصوروني وتتهموني بقضية سياسية، وأنتم لم تحققوا معي. ردّوا: هذه أوامر، نفذ الكلام دونما أسئلة.

باشروا بعدها التحقيق معي لنحو أربع ساعات متتالية، ولم أجد في استجوابهم تهمة واضحة استحق لأجلها الاعتقال، وكل ذلك التهويل، ونقلت على إثر ذلك إلى زنزانة أخرى حتى اليوم الثالث.”

السجن المركزي

جاءوني -بعدها- تقريباً عند العاشرة صباحاً، بعدد من المسلحين. أخذوني وأركبوني على سيارة (طقم أمني) كانت متوقفة أمام البحث الجنائي ونقلوني إلى السجن المركزي بالمحافظة.

أدخلوني قسم المعتقلين السياسيين، حيث اعتقلت مع أشخاص آخرين أعرف بعضهم، وتهمهم الملفقة، وأغلبها الانتماء لأحزاب سياسية كتهمتي. بعد ثلاثة أيام من إيصالي إلى السجن المركزي، أخذت إلى غرفة التحقيق وقاموا بتقييدي بالكلبشات (القيود) الحديدية ثم ربطوا عيني.

كنت قد سمعت من رفاقي المعتقلين معي في نفس العنبر، عن عنف وقسوة المسؤول عن التحقيق، وأنه شخص قاسي جداً لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه.

في بداية الأمر قاموا بتفتيشي بشكل ذاتي دقيق، ثم أدخلوني إلى وسط قاعة وألقوني على الأرض في غرفة واسعة مربوط من الخلف، وفي وضع مهين. كنت أسمع أصوات أشخاص يتحدثون ويضحكون بسخرية وهم يمضغون القات ويدخنون الشيشة التي كنت أسمع جلجة مائها.

بعد نحو ساعة من وضعي كذلك ممدداً، بدأ مسؤول التحقيق التحدث بلهجة تهديد ووعيد، وقال إنه يعرف كل شيء عني، وعن نشاطي، وحتى الهواء الذي اتنفسه، ثم سألني فيما إذا كنت أشعر بأي تعب، فأخبرته أنني أعاني من وجع في ظهري وركبتاي وعضلة القلب.

باشرني بالضرب بعصا في مواضع الوجع، ثم أوقفوني وبدأوا يسألونني وأنا مقيّد ومعصوب العينين، بينما يقوم شخص من خلفي بجلدي بالعصا. اتهموني بتهم بالغة الخطورة، لا علم لي بها، وجلدوني بشكل مبرح، إلى جانب مطالبتهم لي القيام بحركات مثل القيام والقعود بشكل سريع، ومستمر.

كنت توقف أحياناً من التعب، فينهالوا عليّ ضرباً في جسدي لعدة ساعات، ثم أعادوني إلى الزنزانة وأنا في حالة إعياء وتعب شديدين ومنهوك القوى. بعد يومين جاءوني ليلاً وأخذوني إلى قاعة التحقيق وفعلوا بي ما فعلوه في المرة السابقة، من ربطي واستجوابي وضربي، لكن هذه المرة كان التعذيب أشد من السابق، استخدموا فيه أنواعاً من العصي والأسلاك، ثم قاموا بتعذيبي بالكهرباء حتى أغمي عليّ.

بعد أكثر من ساعتين من التعذيب الذي لا يحتمل، تم إعادتي إلى الزنزانة وأنا في حالة قريبة من الاغماء، حيث رموا بي أرضاً وغادروا. هكذا كانوا يأتون إليّ في كل ثاني أو ثالث يوم في أحسن الاحوال لأخذي مربوطاً إلى تلك الغرفة، يقوموا بالتحقيق معي وتعذيبي مستخدمين أنواع من أدوات ووسائل التعذيب.

بداية بالعصي والأسلاك والضرب بالأيدي والركل بالسيقان، ثم التعذيب بالكهرباء، ليست لدي القدرة على تعدد مراتها. سألوني عن صلتي ببعض الناشطين الحقوقيين والاعلاميين الموجودين في المحافظة واتهموني بالتواصل مع قياديين في الحكومة المعترف بها دوليا بمحافظة مأرب والذين يكتبون ضد جماعة أنصارالله في الفيسبوك.

وكنت أرد بالنفي وأقسم الأيمان المغلظة بعدم صلتي بهم أو تواصلي معهم، لكنهم كانوا يقومون بضربي بشدة حين أنفي حتى كنت أطلب منهم أن يكتبوا محاضر اعترافات بما يريدون وأنا سأوقع عليها”.

أفرطوا في تعذيبي

يتوقف وائل ليلتقط أنفاسه، ثم يتابع:

“لم يوجهوا أي تهم رسمية ضدي، غير تهم النشر ضدهم وبأسماء مستعارة في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية. يدّعون أنني هذا المجهول أو ذاك، من الذين يكتبون ضدّهم.

في الوقت ذاته، كانوا يتقصّدون تعذيبي وإذلالي بدون سبب؛ إذ أنهم كانوا في أحيان كثيرة من استجوابي لا يجدون أسئلة يستجوبونني عليها، فكانوا يجبروني على الوقوف عارياً ويسكبون الماء البارد على جسدي، ويطلبون مني أن أحكي لهم قصة حياتي.

كنت أحكي أي شيء يخطر ببالي، فلا يعجبهم كلامي أحياناً، فيقومون بضربي وهكذا. كانوا يتهموني بتقاضي مبالغ مالية من (الشرعية) في مأرب، وبأني اتلقى توجيهات منهم لأقوم برصد جماعة أنصار الله، وكنت أرد بالنفي.

لفت انتباهي في بعض الأحيان -اثناء التحقيق معي- تواجد شخص لا أعرف من هو لأني معصوب العينين، يقوم -هذا الشخص- بتصحيح بعض معلوماتي من تلقاء نفسه، وكأنه يعرف الكثير من التفاصيل عني.

كان يجلس في زاوية من المكان وفمه على ما يبدو محشواً بالقات. كان كلما قلت كلام لا يشعره بالرضى، يأمر الجلاد بالقول: دُقّه، أي إضربه. فيوم بلطمي على وجهي مرة أو أكثر، أو لكمي على رأسي، أو جلدي بالعصى. كانوا يضربونني ويتناوبون على تعذيبي وبشكل شبه يومي.

مع ذلك، لم يكتفوا بالعصي، واللكم والضرب في الوجه، والركل، بل ذهبوا إلى تعذيبي أيضاَ بالكهرباء. كانوا يأتون بكابلات كهرباء، ويقومون بتوصيلها في وركي وأطرافي، أثناء الاستجواب، ثم يأمرونني بالحديث بما يريدون. كنت أترجاهم، وأطلب منهم: اكتبوا أي شيء تريدون، وأنا سأوقع على أي اعتراف. ارحموني من هذا العذاب.

يوم للرعب

يواصل وائل حديثه:

“بالنسبة للزيارات مُنع عني مقابلة أحد، وكذلك الاتصالات بأي أحد. كنت منقطع عن أي شكل من أشكال التواصل. طيلة فترة سجني زارتني أمي وزوجتي مرة واحدة بعد ٦٣ يوماً من اعتقالي، بعد ان تمكنت أسرتي من استخراج أوامر من وزير داخلية الحوثيين بالسماح لهن بزيارتي.

تم تنفيذ هذا الأمر على مضض. جاءت أمي وزوجتي في الموعد المحدد وبعد وصولهم أخرجوني إلى ساحة السجن، يرافقني جنود ملثمين ينشرون حولي، وفي جوانب وسطوح الساحة.

كان انتشارهم على هذا النحو سبباً لبث الرعب في أمي وزوجتي، خاصة وأن البعض منهم كان في حالة تأهب، وقاموا بتعمير بنادقهم استعداداً لشيء لم نكن نعرفه. كانوا يدفعوني أمامهم ويصيحون بي تحرك، سريع ياالله، ياالله.

وجدت أمي وزوجتي تبكيان خوفاً، وعلمت من أمي أن حراسة بوابة السجن، أبلغوها: ابنك داعشي، وهددوها بأنهم سيقومون بقصقصتي (أي تقطيعي)، ثم فجأة، شاهدنا بعض من الجنود الملثمين ينتشرون حولنا ليقوموا بإعادتي إلى الداخل.

اثار انتشارهم مزيداً من الرعب في قلوب أسرتي، فزاد بكائهن. هكذا انتهت الزيارة في أقل من أربع دقائق، بكيت بعدها موجوعاً، كان يوماً مظلماً بالنسبة لأمي وزوجتي، تمنيت خلاله أن لم يسمحوا لهن بزيارتي على ذاك النحو. أخذوني بالقوة وأعادوني إلى عنبري، فيما أمي تبكي وتترجاهم أن يبقونني قليلاً كي تتمكن من البقاء معي لبعض الوقت.

أنكروا وجودي!

وبعد فترة من احتجازي، تمكنت أسرتي من خلال وسطاء من أقاربنا استخراج أمر من وزير الداخلية يقضي بإطلاق سراحي. لما علم مدير الأمن المعيّن من الحوثيين ومشرفي السجن بالأمر سارعوا بإخفائي في زنزانة مجهولة داخل السجن، وحين أوصلت أسرتي أمر الإفراج إليهم ردوا بأنني لم أعد موجداً لديهم في السجن، وأنه تم نقلي إلى محافظة ذمار.

وبينما أنا مخفي في الداخل، ذهب أقاربي للبحث عني في مدينة ذمار. يتنقلون من مُشرف إلى آخر، حتى أصابهم اليأس والإحباط، وفقدوا الأمل في العثور عليّ حياً. كانت الزنزانة التي أخفوني فيها بمعية شخصين آخرين سيئة للغاية، لم يكن يتوفر فيها دورة مياه، لنقضي حاجتنا ونغتسل. كنا نقضي الحاجة عند صفاية للمجاري في مكان مكشوف، وكانوا يأتون لنا بالقليل من الماء. بقينا على هذا الحال نحو اسبوع ثم تم نقلنا ليلاً إلى صنعاء.

نقلونا الى بدروم مجهول

يتحدث وائل عن ظروف نقله إلى صنعاء:

” بعد أسبوع من نقلي إلى تلك الزنزانة المجهولة، تفاجئنا في إحدى الليالي بمجيئهم إلى زنزانتنا، أخذونا والشخصين الآخرين، وأخرجونا إلى ساحة السجن. جاء بعد ذلك طقم أمني، فيه نحو تسعة مسلحين ملثمين بالإضافة إلى السائق.

سأل المسلحين، أين هم الذين أخبرتونا عنهم، فأشاروا لهم إلينا. أمرونا بالصعود إلى متن العربة، بينما تمركز المسلحين حولنا على السطح الخلفي، وتولى ثلاثة آخرين الصعود في المقدمة.

كانوا يسيرون بنا بسرعة جنونية ونحن نرتجف من شدة البرد ونمسك في جوانب العربة بأقصى قوتنا، حتى لا نسقط ويلقى بنا بعيداً في المنعطفات الحادة على الطريق، حتى وصلنا حي مذبح بالعاصمة صنعاء.

قاموا بوضع ربطات على عيوننا وقيدونا بالحديد، ثم سلمونا مجموعة أخرى من المسلحين الذين نقلونا إلى حي السبعين، حيث مشينا على الأقدام حوالي مسافة ربع ساعة إلى منطقة أعتقد أنها حدة، ثم أدخلونا إلى إحدى الفلل، وضعنا في بدرومها، وهو أحد السجون غير الرسمية.

استمر اعتقالي واخفائي لـ10 أشهر بالضبط، ولم نكن نعلم أين نحن مسجونين، وأين موقعنا ولا احد من أهلنا يعلم أين نحن. كنا مخفيين قسرياً في مكان لا نعرف عنه سوى ما يقوله السجانون حين يتحدثون: “سجن بوش”.

أفراد أسرتي هم الآخرين تعرضوا بعد إخفائي هذا لنوع من الترهيب والاستفزاز، فكان أي شخص يحاول البحث عني أو يطالب بالإفراج عني، يطاله شيء من هذا الأمر.

عـودة التعذيب

بعد بضعة أيام من ايصالي إلى هذا البدروم المجهول، قاموا بالتحقيق معي. كان المحقق يمتلك عصا صغيرة يحرص على ضرب مرفقي وكعب قدميّ بها، حتى أشعر بتنمل جسدي، ثم يهددني بأنه سيقوم بكهربة جسدي.

كان هذا التعذيب، بالنسبة لي، ولما تعرضت له، أخف من الذي وقع لي في السجن المركزي بمحافظتي. كان هناك سجناء مختفيين من ثلاث وأربع سنوات، أخبروني أنهم تعرضوهم -هم الآخرين- لضروب من التعذيب، وكانت التغذية التي يمدوننا بها سيئة للغاية، أي نفس التجويع الذي مورس علينا في سجننا السابق.

كان يعرضوننا للجوع الشديد، ولا يحضرون لنا العلاج الذي نطلبه إذا مرضنا، ولذا عندما نحس بأعراض المرض نمنحهم نقوداَ ليشتروا لنا علاجاً، لكنهم يأخذونها ولا يعودون، وبعد ثلاثة أو أربعة أيام يأتون بالعلاج الذي اشتروه، وفي الغالب يكون عبارة عن مُسكّن للألم.

بعدها بفترة، أتوا لنا بوعاظ، أو ما يسمى بالمشرفين الثقافيين، ليقوموا بإلقاء محاضرات عن فضل آل البيت والولاية، وعن إنجازات “المسيرة القرآنية”، ويجبروننا على القعود والإنصات حتى النهاية.

أثناء اعتقالنا الأخير هذا في (البدروم) ساءت حالتنا النفسية والصحية. كان عددنا يزيد عن 80 معتقلاً، بسبب سوء التهوية وعدم السماح بإخراجنا إلى الأماكن المكشوفة للتعرض للشمس حيث مضى علينا نحو ستة أشهر شهور ونحن في الظلمة، لهذا تقيحت الأجساد، ما أجبرهم على السماح لنا بالتعرض للشمس لمدة نصف ساعة، في حوش الڤيلا، كل عشرة أيام، بينما نكون مقيدين”.

معارضين سياسيين كأهداف عسكرية

بعد 10 أشهر، نُقلت مع بعض المعتقلين إلى أحد المعسكرات، وهو من الأهداف العسكرية للتحالف، والتي تم قصفها في السابق باستمرار. تفاجأت أن جماعة أنصارالله تتخذ من هذا المعسكر معتقلاً لمعارضيهم، على الرغم من تعرضه للقصف، ما جعلني أعتقد أنهم يقومون بهذا السلوك عمداً لتعريضنا للخطر.

وجدت مئات المعتقلين والمخفيين المدنيين، وكذا معتقلين عسكريين مما يعرف “بحادثة الفتح” من السلفيين وغيرهم. كان المعتقلين يتوزعون على عنابر كبيرة هي في الأصل مخصصة لمبيت الجنود، بحيث يوضع في العنبر الواحد نحو 400 محتجز أو أكثر.

كان البرد شديداً والنوافذ مكسرة بسبب أن طيران التحالف سبق وأن قصف هذا المعسكر لمرات كثيرة، من قبل. كان هناك زحمة على الحمامات، فكنا نعاني كثيراً من ذلك. لقد كان السجانون يتفننون بتعذيبنا سواء النفسي منه أو الجسدي.

كانوا يخرجوننا في البرد الشديد إلى الساحة ويجبرونا على خلع ملابسنا، باستثناء السراويل الداخلية، ويقومون برشنا بالماء البارد، وهكذا نستمر في العراء، فيما يقومون بأخذ آخرين وتعريتهم ثم جلدهم حتى تسيل الدماء منهم.

تعمّدوا إرهابنا وجعلنا في حالة من القلق الدائم، إذ يوحوا إلينا بأنه سيتم الإفراج عن فلان وفلان من الموجودين، ويحددونهم بأسمائهم، حتى يتم تصديق الخبر وإشاعة جو من التفاؤل، ثم نكتشف أنها كانت خدعة، إذا لا يتم الإفراج عن أحد.

استمريت قرابة شهرين في هذا المعسكر، وفي أشد ظروف الخوف، وخاصة عندما نسمع تحليق قريب للطيران، أو دوي انفجارات ناتجة عن قصفه لمناطق قريبة منا، لذا لا نستطيع النوم من شدة الرعب، منتظرين متى سنموت. لقد فقدنا الأمل كليةً، ويأسنا من إمكانية الإفراج عنّا أحياء”.

الافراج!

يقول وائل:

قبل نهاية العام 2019 بشهرين، وفي أحلك لحظات اليأس حدثت المعجزة، التي ما كنت أتوقعها إذ علمت انه سيتم الافراج عني مع أشخاص آخرين ضمن صفقة “تبادل أسرى” بين جماعة أنصارالله من جهة والحكومة وحزب الاصلاح بمحافظة مأرب من جهة أخرى.

كنت متشككاً في الأمر في البداية، إلا أنه كان مؤكداً هذه المرة، حيث تم الإفراج عني مع بعض المعتقلين. لم أكن أصدق أنني سأخرج يوماً، وسينتهي هذا الكابوس. كنت أفكر أنني سأموت في المعتقل، لن أرى أمي وزوجتي وابني.

يضيف وائل :”كنت على وشك الجنون، خاصة عندما أفكر أنني محتجز ظلماً، ومع العلم أن جماعة أنصارالله اشترطت نفيي من محافظتي، إلا أنهم عندما خيّروني بين البقاء بما يشبه الإقامة الجبرية ورقابتهم، أخترت النزوح إلى محافظة مأرب، بمعية أسرتي، بعيداً عن أهلي وداري”.