التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة يجب أن تتوقف في جميع الظروف
قالت مواطنة لحقوق الإنسان، في بيان أصدرته اليوم، بالتزامن مع اليوم الدولي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، الذي يوافق 26 يونيو/ حزيران من كل عام، إن أطراف النزاع في اليمن قد دأبت منذ بدء النزاع أواخر العام 2014، على ممارسة جريمة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بحق مئات من اليمنيين المحتجزين تعسفيّاً والمختفين قسرياًّ، والتي يتعين على جميع أطراف النزاع والسلطات المختلفة الكف فوراً عن استخدامها، وحماية حاضر ومستقبل اليمن منها في جميع الظروف.
وقد وثقت مواطنة لحقوق الإنسان، ما لا يقل عن 657 واقعة تعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، تتحمل جماعة أنصار الله (الحوثيين) المسؤولية عن 248 واقعة، وتتحمل الحكومة المعترف بها دولياً المسؤولية عن 157 واقعة، في حين يتحمل المجلس الانتقالي الجنوبي مسؤولية 200 واقعة، ويتحمل التحالف بقيادة السعودية والإمارات مسؤولية 35 واقعة، وتتحمل القوات المشتركة مسؤولية 6 وقائع، وتتحمل التنظيمات الإرهابية مسؤولية 4 وقائع، بينما يتحمل أفراد غير ذي سلطة مسؤولية 7 وقائع.
ووفقاً لتوثيق مواطنة -من خلال إفادات الضحايا أو ذويهم- فقد شملت صنوف التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي مارستها مختلف أطراف النزاع: قلع الأظافر، والضرب المبرح بالعصي والأسلاك والسياط وأعقاب البنادق، والركل، والصعق بالكهرباء، والإذلال الجنسي والتهديد بالاغتصاب، والحرمان من النوم، والتعليق في السقف، والتفتيش في تجاويف الجسم، والتعرية القسرية والمهينة، والتعذيب بالكي بالنار، بالإضافة إلى منع استخدام دورات المياه، واستخدام مكبرات الصوت لإصدار ضجيج لمنعهم من النوم، والحرمان من الطعام والماء، والحرق بأعقاب السجائر، والحرمان من أداء الشعائر الدينية، والإجبار على السجود لأعلام دول، وضرب الأطراف بالمطارق، والإجبار على شرب البول، وحرق الأعضاء التناسلية، والتي طالت مواطنين يمنيين رجالاً ونساءً وأطفالاً.
وقال عبد الرشيد الفقيه، نائب رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "دأبت أطراف النزاع في اليمن على التفنن في ارتكاب شتى صنوف التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو القاسية أو المهينة، على الرغم من أنها جرائم لا تسقط بالتقادم، ومجرَّمة في كل الأحوال مهما كانت التهمة، إلا أن أطراف النزاع في اليمن ما زالت تتورط في ارتكاب المزيد من الانتهاكات، نظراْ لغياب المساءلة والمحاسبة وسيادة الافلات من العقاب، أو حتى مجرد توقُّع وجود عقاب لمثل تلك الممارسات المُشينة".
يقول ضحية تعذيب، يبلغ من العمر 16 سنة، تم تعذيبه أثناء احتجازه لدى سلطات موالية لحزب الإصلاح ومحسوبة على الحكومة المعترف بها دولياً في مأرب: "عند التحقيق جاء المحقق وصفعني صفعة قوية حتى خرج الدم من أنفي وطلب أن أكتب ما يمليه علي؛ وجعلني أكتب كلامًا كاذبًا، جعلوني مجرمًا ومتهمًا وأنا ضحية، توسلت له لكن هددني أنه سيكهربني بالكهرباء من رجلي إن رفضت الكتابة، وجعلني أبصم وأنا أبكي من القهر".
وفي واقعة تعذيب أخرى، كانت ضحيتها امرأة تم تعذيبها بعد احتجازها على يد قوات موالية لحزب الإصلاح ومحسوبة على الحكومة المعترف بها دولياً في مأرب، قالت: "لقد كانوا يقومون بالتحقيق معي في أوقات متأخرة من الليل، وفي إحدى المرات نقلوني إلى غرفة التحقيق الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وقاموا باستخراج صور خاصة بي من هاتفي وعرضها عليّ، وعرضوا عليّ صورًا مخلة لنساء لم تكن في هاتفي، وإنما قاموا بوضعها لتلفيق تهم غير أخلاقية لي، وعندما طلبت أن يتحققوا من تاريخ إضافة هذه الصور لهاتفي قام أحدهم برميي بقارورة ماء". وأضافت: "في إحدى المرات قام المحقق بضربي على صدري حتى وقعت على الأرض، وأنا مصابة بالربو".
وفي تفاصيل أكثر بشاعة، ترويها زوجة أحد ضحايا جريمة التعذيب التي ارتكبتها قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، حيث تذكر تفاصيل رؤيتها لزوجها عند زيارتها له في زنزانته: "رأيت زوجي وهو ملقى على الأرض كالذبيحة، كانت آثار الضرب والتعذيب على سائر جسده، وهناك كدمة على عينة اليسرى المتورمة وشديدة الاحمرار، وكدمات متفرقة على ظهره وبطنه، وجرح عميق تحت كتفه الأيمن.. أجهشت بالبكاء وشعرت أن زوجي ميت لا محالة، أخبرني في لحظتها بصوت خافت أنه قد تم التحقيق معه واجباره على الاعتراف بالانتماء لتنظيم القاعدة. بعدها بثلاثة أيام وجدت زوجي جثة هامدة في إحدى مكبَّات النفايات في الشارع، وعلى جثته آثار حروق بالكهرباء، وضربٌ وجروح عميقة بدت لي أنها ناتجة عن استخدام موس حاد".
وفي تفاصيل أخرى، على لسان أحد ضحايا تعذيب المجلس الانتقالي الجنوبي، يقول: "تعرضت لتعذيب شديد وقاسٍ، ولسوء معاملة وإهانات لا أستطيع وصف حجمها، حيث كانوا بعد منتصف الليل يقومون بأخذنا إلى هنجر يقولون عنها (كرفانات) في فناء المعتقل؛ كانوا يختارون في كل يوم مجموعة منّا بعد أن يغطوا على أعيننا ويدخلوننا في تلك الكرفانات، ويقومون بتجريدنا من ملابسنا ويقومون بتقريب الكلاب البوليسية منا ونحن في تلك الوضعية معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي والأرجل، ويقومون بصب الماء الحار على أجسادنا، ونسمع أصوات أشخاص بلهجة إماراتية يقومون بالضحك والاستهزاء على وضعنا ونحن دون ملابس، كانت رائحه المكان خمرًا وكذلك رائحة الأشخاص الموجودين الذين كانوا يقومون بالاقتراب منّا بين الحين والآخر، كانوا يقومون بهذا أسبوعياً تقريباً، حيث كانوا في كل يوم يختارون مجموعة ليتم تعذيبهم، وقد أخبرني بعض صغار السن في المعتقل (مراهقون ما بين الـ 16 والـ17 سنة تقريباً) أنهم عندما كان يحين دورهم كان يتم اغتصابهم بشكل كامل، أما نحن فيقومون بتعريتنا من جميع الملابس والتحرش بنا أحياناً عن طريق لمس أجسادنا في مناطق حساسة، لقد كنت واثقًا أنهم اماراتيون، فقد كانوا يقولون لنا بمجرد دخولنا إلى تلك الحاوية التي يقومون بتعذيبنا فيها: (شلونكم؟ ترى لسا نجيب إخوتكم لهنا)، وهذه أحد الجمل التي ما زلت أتذكرها، حتى إنني كنت أسمعهم وهم يهينون الجنود اليمنيين؛ سمعت أحد الجنود الإماراتيين يقول لجندي يمني يتبع المجلس الانتقالي، عن جندي ثالث غاضب منه: (قول له ترى أنت مثل المنديل، متى أريد أرميه أرميه)".
يتابع ذات الضحية: "لم يكتفوا بتعذيبنا جسدياً، بل كانوا يعذبوننا نفسياً أيضاً؛ يقولون لنا إنهم سيعذبون أهالينا أيضاً، وسيقومون باعتقالهم وإحضارهم بجانبنا، كانوا يمنعونا من كل شيء، ومن الصلاة جماعة، يرفضون إعطاءنا مصاحف حين نطلب منهم ذلك. كان اللباس الذي يعطوه لنا نلبسه لمده شهر ولا يُسمح لنا بتبديله أو تنظيفه إلا بعد ما يقارب الشهر. كانوا أيضاً يقومون بتزويدي بماء ملوث للشرب، وطعام غير نظيف، لقد كان الإفطار نصف قرص من الرغيف الصغير مع بازلا وكذلك العشاء، والغداء كانت نصف دجاجة لعدد أربعة محتجزين أو أكثر مع القليل من الأرز، أما الماء فقد كان حارًا للغاية، بالإضافة إلى نومي على الأرض مباشرة بدون فرش ولا بطانيات أو أغطية.. عنبر المعتقل الذي كنت فيه مزدحم، حيث يصل عدد المعتقلين إلى عشرين معتقل في زنزانة حجمها أربعة أمتار في أربعة أمتار؛ كنا نتناوب على النوم، تنام مجموعة مدة معينة لتنام المجموعة الأخرى، كل ذلك أدى إلى ظهور عدوى فيروسية بيننا ولم يتم إسعافنا في حال تعرضنا لنزله برد أو أي مرض آخر، علاوةً على تعذيبنا في وقت تعبنا..".
يستطرد: "كل ذلك أدى لتدهور حالتي الصحية حتى أصبت بتورم الغدد اللمفاوية وما زالت أعاني منها حتى يومنا هذا، ونتيجة إصابتي بهذه التورمات يصعب عليّ العمل وممارسة حياتي الطبيعية كما كنت سابقاً قُبيل تعرضي للاختفاء القسري والتعذيب، كل ذلك نتيجة للأعراض التي أعاني منها جراء إصابتي بهذه التورمات بحسب معرفتي الأولية بنوع هذا المرض بعد إجراء الفحص الأولي له. لقد كانوا يرفضون الإفراج عن أي أحد من المعتقلين حتى وإن كانت حالته صعبة، لقد كان هناك محتجز في نفس المعتقل الذي كنت فيه أصيب بسرطان الدم، ورغم أن حالته كان تسوء لم يفرجوا عنه إلا وهو متعب للغاية، وبعد الإفراج عنه بقي عشرة أيام ثم توفى في منزله بسبب مضاعفة حالته".
ويروي أحد ضحايا التعذيب، أثناء احتجازه لدى سلطات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، قائلا: "تم إدخالي إلى غرفة والتحقيق معي وضربي ضربًا مبرحًا بالأيدي والأحذية والاسلاك الكهربائية، ومحاولة خنقي باليدين، كما تم تهديدي بالمسدس والتبول في فمي، ثم تبصيمي على محضر دون معرفة ما دُوِّن فيه وتحت الضغط والإكراه".
وفي واقعة تعذيب أخرى، قالت والدة أحد الضحايا المُحتجزين لدى سلطات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، لـ مواطنة: "بعد احتجاز واختفاء ابني بمدة، وبعد أن تمكنت من معرفة مكان احتجازه، ظهر ابني على شاشة التلفاز ليعترف أنه قتل قائدًا عسكريًا حوثيًا، وأنه مع العدوان. ذهبت لزيارته وبمجرد رؤيته صرخت عليه: كيف تعترف على نفسك بالقتل والعمل لصالح العدوان؟ رد عليَّ صارخاً "يا أمي أنتِ لا تعرفين كيف عذبوني وعلقوني على لوح حديدي لمدة خمسة أيام؛ ربطوا عضوي الذكري حتى نزف وإلى الآن أنا أنزف ولا أقدر على التبوُّل". تعقِّب: "صرخ ابني متجاهلاً وجود العسكر من حولنا، صرخ ليقول لي إنه اعترف تحت الضغط، ولم تكن أقواله تلك طواعية!".
في ظل هذا الواقع الراكد في أحط دركات البعد عن الإنسانية، والمفرط في الجبروت والتنكيل، تدعو مواطنة لحقوق الإنسان، كافة أطراف النزاع إلى التوقف عن اقتراف التعذيب وغيره من صنوف المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو التي تحط من كرامة الأنسان. كما تشدد مواطنة على ضرورة محاسبة المتورطين في ارتكاب مثل هذه الانتهاكات، وعلى ضرورة خضوع كل أطراف النزاع للالتزامات القانونية والإنسانية الوطنية والدولية التي تجرم مثل هذه الجرائم، وتُذكر مواطنة، كافة أطراف النزاع في اليمن، بأن جريمة التعذيب إحدى الانتهاكات التي لا تسقط بالتقادم.