علي.. قاطف البصل

كثير من الأطفال الذين تم تجنيدهم في مناطق النزاع في اليمن، عانوا من ندوب جسدية ونفسية أفقدتهم حياتهم الطبيعية، وهم بحاجة إلى الكثير من الرعاية ليتمكنوا من استعادة حياتهم ومستقبلهم. لكن كثير منهم لا يملكون حتى هذا الخيار لأنهم فقدوا أرواحهم، ووجد ذويهم أنفسهم في غمار فواجع مُركبة.

April 22, 2020
طفل نزح مع أسرته بسبب النزاع الدائر في منطقته. تُبيشعة، جبل حبشي. محافظة تعز.
طفل نزح مع أسرته بسبب النزاع الدائر في منطقته. تُبيشعة، جبل حبشي. محافظة تعز.

22 أبريل/ نيسان 2020

كثير من الأطفال الذين تم تجنيدهم في مناطق النزاع في اليمن، عانوا من ندوب جسدية ونفسية أفقدتهم حياتهم الطبيعية، وهم بحاجة إلى الكثير من الرعاية ليتمكنوا من استعادة حياتهم ومستقبلهم. لكن كثير منهم لا يملكون حتى هذا الخيار لأنهم فقدوا أرواحهم، ووجد ذويهم  أنفسهم في غمار فواجع  مُركبة.

علي (16 سنة)، من أهالي قرية “صبارية”، مديرية موزع، محافظة تعز.. جسد ضئيل يعيش طفولة بسيطة لكنها كانت جميلة بالمقارنة مع أقرانه، الذين لم يمنحوا فرصة الذهاب إلى المدرسة، حتى جاءت الحرب!

فبعد سيطرة جماعة أنصارالله المسلحة (الحوثيون) على القرية، تدخلت مقاتلات التحالف بقيادة السعودية والإمارات بالقصف، ما حدا بأسرة علي المكونة من 12 فرد إلى النزوح، في أغسطس/ آب 2017 إلى محافظة أبين، بعد تعرض منزلهم للدمار والقصف.

وبسبب وضعهم المتردي، إضطر علي للعودة بمفرده إلى “موزع”، للعمل في مزرعة بوظيفة قاطف بصل، مقابل 500 ريال (أقل من دولارأمريكي واحد) في اليوم. هذا الدخل الزهيد لا يكفي الأسرة الكبيرة، خاصة وأن لديه أخت مريضة بالطحال في العشرين من عمرها.

في أحد الإيام تقابل علي بأقران له مجندين في اللواء الرابع مشاة الذي يقوده طارق محمد عبدالله صالح، فاقترحوا عليه التجنيد هناك مقابل1000 ريال سعودي في الشهر، فتوجه بالفعل إلى الحديدة عند الساعة الثامنة من يوم الأحد 12 مايو/ أيار 2019، للقتال ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين) في جبهة “الجاح” التابعة لمديرية بيت الفقيه.

ظل علي في جبهة القتال حتى يوم الأحد الموافق 01 سبتمبر/ أيلول 2019، حيث وقعت اشتباكات عنيفة، فأصيب برصاصة في مقدمة رأسه وأخرى في الكتف الأيسر. نقل على إثرها إلى غرفة الانعاش في مستشفى النقيب بمديرية المنصورة محافظة عدن، وتم الاتصال بأسرته الذي نزل عليهم الخبر كالصاعقة.

تحركت الأسرة من الوادي الذي تعيش فيه بمحافظة أبين إلى مدينة عدن ووصلت مساء يوم الاحد، وتم إدخالهم المستشفى من أجل رؤيته. عندما شاهدته والدته ووالده انهاروا لأنه كان في حالة غيبوبة. كانت والدته تصرخ ولكن والده الذي تسمر والدموع تنهمر من عينيه، بكى بصمت.

كان الطفل ممدداً على السرير لا ينطق، يسمع لكن لا يستطع الحديث. احتضنته والدته رغم أجهزة المستشفى الذي تملأ جسده والضماد المربوط على رأسه، لقد تغيرت ملامح وجهه بفعل الطلقة النارية، ويبدو عليه الارهاق والتعب.

تستفيد الأطراف من تدهور الوضع الإنساني والاقتصادي المتردي في البلاد، ومن تسرب الطلاب من المدارس، في التجنيد والتعبئة العسكرية.

جاء صوت من خارج الغرفة بأن وقت الزيارة انتهى. خرجت الأسرة تنتظر أمام باب المستشفى في العراء، حتى أشرقت شمس يوم الاثنين 02سبتمبر/ أيلول 2019، حاولت الأسرة رؤيته مرة أخرى، إلا أنه تمّ منعها، وعند الساعة 10:00 صباحاً خرج إليهم الطبيب وسأل عن والد علي وأخوته، شعر الجميع بالصدمة وقد رأوا ملامح الطبيب المتغيرة. عرفوا أن هناك خبراً غير سار. قال الطبيب للأسرة: عظم الله أجركم، علي توفي.

تم أخذ الجثمان بعد عناء الاجراءات إلى قرية الوادي بمحافظة أبين ودُفِن هناك، وبعد شهرين من وفاته توفيت أخته المصابة بمرض الطحال، لأنها لم تجد من يتكفل بعلاجها، وتعيش الاسرة حالياً وضع إنساني مترد، في منزل من خزف النخيل وأوراق الموز، كل ذلك، لأن هناك حرب، وضحايا منسيون.

خلال عام 2018 أجرت مواطنة لحقوق الانسان 689 مقابلة ومشاهدة لعملية تجنيد واستخدام أطفال لأعمال عسكرية، من جميع أطراف النزاع.

وتستمر هذه الأطراف في تجنيد الأطفال دون سن 18 عاماً، وتستخدمهم لأغراض قتالية أو أمنيّة، كالخدمة في نقاط التفتيش، أو الدعم اللوجستي المرتبط بعمليات عسكرية. وتستفيد الأطراف من تدهور الوضع الإنساني والاقتصادي المتردي في البلاد، ومن تسرب الطلاب من المدارس، في التجنيد والتعبئة العسكرية.