عن الموت الكامن في ضفة الوادي
"الصباحات النشيطة بالعمل والمهاجل بات يشوبها القلق الآن"، هكذا يقول الشاب سلطان سنان (28 سنة) من أهالي قرية "السويهرة"، وهي إحدى قرى مديرية مقبنة التي يمر من بين جنباتها الوارفة بالنخيل "وادي ضمين" الذي يأتي من قرى أخدوع والمجاعشة، وهو مصدر المياه الذي يعتمد عليه السكان المحليون خلال موسم الأمطار.
لكن الأمر -بحسب الشاب سلطان- اختلف خلال الحرب، حيث باتت الألغام ومخلفات الحرب التي تجرفها السيول إلى الوادي خطرًا يهدد المزارعين، كونها تأتي من قرى قريبة من خطوط التماس، "لم يتم تسجيل إصابات جراء ذلك في قريتنا حيث يعثر المزارعون على تلك الألغام أو بعض المخلفات، وهي إما منزوعة الصواعق أو قد انفجرت، لكن القلق من وجود أخرى كامنة ولم تنفجر بعد، هو ما يثير خوفنا أكثر".
يذكر سلطان أن الأهالي هناك بدأوا بإهمال بعض قنوات الري للأراضي الزراعية، الأمر الذي جعل النباتات الشوكية تسيطر على المكان.
في العادة لا يعبأ السكان المحليون في المنطقة لتحذيرات الجهات العاملة في نزع الألغام، التي كان آخرها بيان مشروع مسام أواخر أبريل من العام الجاري، أو حتى مسألة نزعها.
تقول أم وزير، (39 سنة)، وهي راعية وربة بيت من سكان قرية الطفيلي في تعز، تبعد حوالي نصف ساعة من قرية السويهرة من ناحية الجهة الغربية، "رغم أن فرق نزع الألغام قد أخرجت من أمام منزلها والمنطقة المحيطة به ما يقارب 8 ألغام، إلا أن أراضي الرعي هناك لم تعد آمنة كالسابق، والسبب في ذلك يرجع إلى عوامل التعرية، ومنها الأمطار.
تقول أم وزير إن ابنها (وزير – 10 سنوات)، أصيب بعبوة مموهة في ديسمبر عام 2021، أصابت إحدى شظاياها الجزء العلوي من العين اليمنى وجعلته لا يرى بها جيدًا. لا يتلقى الطفل وزير تعليمه كبقية الأطفال، وهو يعمل رفقة والديه وإخوته الستة في مهنة رعي الأغنام منذ أن وصل إلى عمر الخامسة، وبسبب الواقعة أصبح لا يتقن عمله هذا كثيرًا.
تضيف أم وزير "نحن أسرةٌ مصدر رزقها الأول والوحيد هو رعي الأغنام، لكن ومنذ واقعة طفلي وزير تقلَّصت المساحات الخضراء، وأصبح الشك والخوف يرافقاننا على الدوام".
وتعد مديرية مقبنة وما جاورها من مناطق غربي محافظة تعز من أكثر المناطق المزروعة بالألغام وتجري فيها سيول غزيرة، إضافة إلى منطقة عصيفرة شمالاً، وصالة وجبل حبشي شرقًا وجنوبا هي الأخرى من المناطق المفخخة بالخطر.
في 20 مايو/ آيار 2024، انفجر جسم غريب من مخلفات الحرب بقرية المنصورة التابعة لمديرية جبل حبشي جنوب غرب مدينة تعز، الأمر الذي أدى إلى إصابة طفلين وامرأة. يقول سعيد مكرد (35 سنة) وهو أحد أبناء القرية والمسعفين في الواقعة "لقد ماتت جنين بعد معاناة".
ظلَّتْ الطفلة جنين وليد عثمان (7 سنوات)، في غرفة العناية المركزة لمدة عشرة أيام بعد أن بترت يدها اليمنى، لكنها فارقت الحياة متأثرة بإصابتها. يقول سعيد: "يومها كان الأطفال يلعبون بجسمٍ غريب على الأرجح أن السيول جرفته إلى القرية، وهي قريبة من مجرى السيل".
يذكر سعيد أنه بعد هذه الواقعة بأسبوع عثرت إحدى نساء القرية على قذيفة بطول متر في مجرى السيل لم تكن قد انفجرت وسلمتها للجهات الأمنية في المنطقة، يتساءل سعيد ما إذا كان هناك المزيد من الأوجاع في مدفونة في الأرض وعلى ضفاف سيول الأمطار، وهو ما لا يتمناه.
تطالب مواطنة لحقوق الإنسان كافة أطراف النزاع بالتوقف الفوري عن زراعة الألغام بمختلف أشكالها، والبدء في خطوات جادة لتطهير الأماكن الملوثة بالألغام بما فيها المناطق التي شهدت هجرة للألغام بفعل السيول للحيلولة دون سقوط المزيد من الضحايا المدنيين، وتطالب المجتمع الدولي بتشكيل آلية تحقيق دولية ذات طابع جنائي تضمن محاسبة المُنتهِكين ومساءلتهم، والانتصاف للضحايا.