التأسيس

April 23, 2023

مثّلَ إعلان قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو/ أيار 1990، بدستور تضمن مواده الديمقراطية والتعددية السياسية وحرية الصحافة وحرية تشكيل الجمعيات الأهلية، لحظةَ ميلاد محورية أسست لمجال حيوي لنشأة الأحزاب السياسية والصحف ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات والنقابات. 

ورغم الجهود السلطوية الحثيثة للسيطرة على ذلك المجال الناشئ في محاولة للحد من نشاطه وتأثيره بغية سلق تجربة ديمقراطية شكلية، ظلت الكثير من البنى والأصوات تكافح لسنوات لتعزيز هامش الحريات وتذود عن مضامين الديمقراطية وحقوق الإنسان في ظل سلطة غير ديمقراطية.

وعلى بعد 16 سنة من لحظة الميلاد المؤسسة لفكرة الديموقراطية والحريات والمجتمع المدني في اليمن، وأثناء فترة الانتخابات الرئاسية التنافسية عام 2006، وهي إحدى أهم محطات التجربة الديموقراطية اليمنية الناشئة، التقى مؤسسا مواطنة لحقوق الإنسان، عبدالرشيد الفقيه ورضية المتوكل، بما يحمله كل منهما من تجارب ومعارف مختلفة، لتنعقد إرادتهما لتأسيس منظمة حقوقية مدنية تعمل على تعزيز الحقوق والحريات العامة.

ولتحقيق ذلك، تقدما بطلب رسمي لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حسب الإجراءات القانونية مطلع العام 2007، بعد استيفاء كافة المتطلبات القانونية اللازمة، لكن الوزارة رفضت منح الترخيص بسبب العمل الحقوقي السابق للمؤسسَين، على الانتهاكات التي طالت الحراك الجنوبي السلمي والانتهاكات على خلفية حروب صعدة، وانتهاكات حرية الصحافة؛ وفي إحدى محاولات إصدار التصريح قال مسؤول حكومي: "حتى لو أنشأتم فرقة رقص، فلن يتم منحكم ترخيصًا، هذه توجيهات عليا".

رغم ذلك، واصل المؤسسان نشاطهما، من خلال المناصرة والضغط بشأن حالة حقوق الإنسان، حتى بدأت تجربتهما الجديدة مع منظمات دولية، مثل: هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ومؤسسات المجتمع المفتوح، وتعرفا من خلال التجارب على آليات مختلفة في العمل الحقوقي؛ أهمها منهجية التوثيق في إطار القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

مع احتكاك المؤسسَين بتجارب دولية رائدة تعمل بوسائل وآليات ومناهج جديدة ومختلفة، تعززت قناعتهما بحاجة اليمن إلى منظمة حقوقية يمنية تعمل بمعايير وآليات ومحددات جديدة، تتمتع بالاستقلالية والكفاءة والالتزام والإيمان تجاه القضايا الحقوقية، متحررة من الرواسب السلبية، المهنية والمؤسسية، التي أضعفت المجتمع المدني وقللت أثره، تعمل وفق إطار مؤسسي لائق بالضحايا والقضايا وبالعاملات والعاملين فيها، وتحتكم لسياسات وإجراءات وقواعد سلوك واضحة، مع التركيز على تحقيق الأثر على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وتلتزم بالتخصص بحدود واضحة وصارمة، وتتجنب الخلط بين العمل السياسي وغيره من الأعمال والمجالات وبين العمل والمجال الحقوقي.

تعلّم المؤسسان، من خلال عملهما مع المنظمات الدولية المختلفة، آليات ومعايير توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في إطار القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأدركا أهمية المعلومة كأساس متين لأي تحرك حقوقي لصالح حماية الضحايا وتحقيق العدالة، ومن هنا أصبح التوثيق الميداني بمعايير مهنية، والعمل على بناء ذاكرة حقوقية هو الأساس الذي قامت عليه مواطنة، وعليه تستند جهودها في المناصرة والمساءلة والتوعية والتدريب، بالإضافة إلى الدعم القانوني.

في لحظة التأسيس ظهَرت الكثير من الأسئلة، كانت أبرزها تدور حول ما الجديد والمختلف الذي يمكن أن تقدمه (مواطنة) على مستوى العمل الحقوقي. تطلب الوصول إلى صيغة نهائية للإجابة عن هذا السؤال عددًا من السنوات مرّت فيها اليمن بأحداث وتحولات عدة.

أبرز تلك الأحداث كان انطلاق حراك الربيع العربي في اليمن مطلع العام 2011، من أجل إسقاط نظام الرئيس صالح الذي حكم اليمن ما يربو على ثلاثة عقود. واجه المحتجون المنخرطون في التظاهرات انتهاكات واسعة في ظل استقطاب سياسي حاد، فكانت تلك المرحلة بمثابة اختبار وجودي لكفاءة وجدارة واستقلالية العمل الحقوقي والمدني اليمني القائم. وقد أكدت مرحلة الربيع العربي وما أعقبها من تحولات وأحداث، الحاجة المُلحّة لتجارب حقوقية ومدنية وإعلامية جديدة تتأسس على محددات مختلفة، تضمن عدم تلاشيها وسط التحولات والأحداث واحتفاظها بموقعها ومركزها ووظيفتها تحت أي ظرف.

شهادة التسجيل

أدّى حراك الربيع العربي في اليمن خلال العام 2011 إلى اتفاق طوى صفحة الرئيس علي عبدالله صالح الذي حكم اليمن 33 سنة، دُهست خلالها آمال أجيال من اليمنيين المتطلعين لحياة أفضل، ليتسلم نائبه عبده ربه منصور هادي السلطة في 21 فبراير/ شباط 2012، مخوّلًا بإدارة مرحلة انتقالية كان المأمول أن تقود اليمن إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والتحديث، تكثفت خلالها نقاشات اليمنيين بشأن المستقبل الذي يرومونه. وسط ذلك التفاعل انتزعت مواطنة لحقوق الإنسان، شهادةَ التسجيل القانونية في 23 أبريل/ نيسان 2013، بعد ست سنوات من التعطيل غير القانوني، لتبدأ مرحلة جديدة من مسارها المهني، من بناء فريقها وتعزيز قدرتها المؤسسية، وتوسيع نطاق عملها الموضوعي والجغرافي.

محطتا الكارثة

بالتزامن مع الكثير من الاعتلالات في قيادة وإدارة المرحلة الانتقالية، أجهز اقتحام جماعة الحوثيين المسلحة للعاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، على فرص اليمن بالتحول الآمن والسلس، ودُفع اليمن بتلك المغامرة إلى فخ احتراب واسع تداخلت فيه التفاعلات المحلية بالإقليمية بالدولية.

ورغم ذلك الوضع الكارثي اللاحق لتلك المغامرة، صمّم فريق (مواطنة) على مواصلة العمل ومجابهة الانتهاكات تحت أي ظرف، رغم الكلف والمخاطر العالية، مع استمرار العمل والتعاون مع منظمات دولية، مثل منظمة العفو الدولية، ومؤسسات المجتمع المفتوح، وهيومن رايتس ووتش.

وبينما كان فريق (مواطنة) يعمل بجهود حثيثة للاستجابة للانتهاكات الواسعة التي أعقبت كارثة اقتحام صنعاء تلقت اليمن ضربة أخرى في 26 مارس/ آذار 2015، مع إعلان عملية عسكرية في اليمن لتحالف من تسع دول تقودها السعودية والإمارات، ليأتي مع أول لحظاتها طوفان إضافي وواسع من الانتهاكات، مضيفة معها مسؤوليات كبيرة أخرى على عاتق فريق مواطنة الصغير ذي الإمكانيات المحدودة.

وتحت ضغط تفاعلات محطتي قيامة حقوق الإنسان في اليمن؛ 21 سبتمبر/ أيلول 2014، و26 مارس/ آذار 2015، كثّف فريق (مواطنة) من جهوده الدؤوبة لتوثيق انتهاكات كافة الأطراف ورفع أصوات ضحاياها، في ظل حالة استقطاب حادة، ومخاطر وتهديدات وحملات تحريض هائلة.

وفيما مضت الحرب بإمكانياتها المادية والحربية والبشرية الهائلة ووسائلها الدعائية بالغة الضخامة، تلتهم مناطق أوسع، وضحايا أكثر، وتضيف أنماط انتهاكات جديدة، واصلت (مواطنة) كفاحها، متسلحة بوعيها بحجم المأساة الهائلة، وحجم المهمة الكبيرة الملقاة على عاتقها إزاء ضحايا هذه المأساة في كل اليمن ومن كل أطراف النزاع. ومن هنا بدأ فصل جديد من قصة (مواطنة).

البناء المؤسسي

بالإضافة إلى كل تحديات الحرب وانتهاكاتها المتنوعة، خاضت مواطنة تحدي البناء المؤسسي لتكون قادرة على تحقيق رؤيتها وأهدافها وخطتها الاستراتيجية بحزمة متوازية ومتزامنة ومتسقة وتكاملية من العمليات والأنشطة، من خلال تصميم آليات عمل كفؤة ومؤثرة تتفاعل مع مختلف الآليات المحلية والإقليمية والدولية، رغم تعقيدات الوضع. 

لم يكن ممكنًا أن تحقق مواطنة أهدافها في المساهمة في كشف انتهاكات حقوق الإنسان والحد منها، والضغط باتجاه إنصاف الضحايا ومساءلة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، دون خوض تحدي البناء المؤسسي.

فبقدر حرصها على إنجاز عمل حقوقي دقيق يحتكم لأفضل وأحدث الآليات والمعايير، عملت (مواطنة) بالتوازي على تطوير نظام مالي وإداري كفؤ وفعال، يقوم على أحدث الأدلة والسياسات والإجراءات وفق محددات الحوكمة والإدارة الرشيدة، ومنع تضارب المصالح ومكافحة الفساد والشفافية والمساءلة.

المساواة بين الجنسين

ومن أهم عوامل قوة مواطنة ، تمثيل النساء بنسبة 52 في المئة من قوام فريقها في مختلف الوحدات والإدارات، وعلى جميع المستويات الوظيفية، في المكتب الرئيسي والميدان، تجسيدًا لإيمان راسخ لدى المنظمة بأهمية وكفاءة النساء وحقهن في المساواة، وتنص لائحة المنظمة، من أجل ضمان ذلك، على ألا تقل نسبة تمثيل النساء عن 50‎ في المئة‎ من فريق المنظمة.

الوحدات والإدارات

تنفذ (مواطنة) عملياتها من خلال 10 وحدات وإدارات متخصصة تشكل هيكل المنظمة، وهي:

- وحدة الأبحاث والدراسات

- وحدة الدعم القانونيّ

- وحدة المساءلة والمناصرة

- وحدة الإعلام والاتصال

-     وحدة التدريب والتطوير

- إدارة البيانات والمعلومات

- إدارة المشاريع والبرامج

- إدارة الموارد البشريّة والتشغيليّة

- الإدارة الماليّة

- إدارة التقييم والمتابعة والتعلم