الطفل مختار: إشتي أموت!

حين التقيت مختار، في صيف 2018، كان والده يحدثني عن مأساوية حال طفله وتلاشي حلمه بالمدرسة وحزنه وانكفاءه على شقيقه وحالة القلق والرعب الذي يعاني منها. وفي الجوار كان مختار واقفاً يتكئ على عكازيه بمحاذاة منزلهم وهو يرتدي بنطلوناً رثاً وقميصاً بلا أزرار وصدره مكشوفاً. سألته عن حلمه القديم

December 21, 2020

كان حلمه العودة إلى المدرسة

21 ديسمبر/ كانون الأول 2020

مختار عبده علي سعيد (9 سنوات)، أصبح وحيداً لوالديه من الأبناء وأخ لثلاث بنات. كان حلمه الجميل منذ وعى أمره أن يحمل حقيبة ويرتدي الزي المدرسي ذي اللون الأخضر، شأنه شأن شقيقه الوحيد عمار الذي كان يكبره بعام واحد وأقرانه من أطفال القرية ليشاركهم كل صباح مارثون الذهاب الى المدرسة التي تبعد عن قريتهم نحو اثنين كيلو متر.

لكن الحرب شاءت أن تخرّب حياته وحياة أسرته؛ إذ شن التحالف بقيادة السعودية والإمارات غارة جوية عند الساعة 10:00 صباحاً يوم الثلاثاء 15 سبتمبر/ أيلول 2015 على جسر العبور المحاذي لقرية “مكشلة” بمديرية بني سعد (48 كم جنوب غرب مدينة المحويت)، بينما كان الطفل مختار وشقيقه عمار يرعون الأغنام بالقرب من سائلة الجسر.

تطايرت شظايا القنبلة في كل الاتجاهات فأصابت الشقيق الأكبر عمار في صدره وأردته قتيلا على الفور، وأصابت مختار في ساقيه النحيلتين والجزء العلوي من الفخذ ما تسبب إلى بتر كلي لقدمه اليمنى.

تحولت حياة الطفل مختار منذ تلك اللحظات إلى ضرب من الإعاقة الدائمة، حيث كانت النازلة أشد إيلاماً عليه. وقد فُجع في لحظة من الهول المخيف بفقدان شقيقه الوحيد وإصابته بالإعاقة والتي تلاشى بعدها ذلك الحلم الجميل الذي كان ينتظر تحقيقه بفارغ الصبر؛ وهو الذهاب الى المدرسة.

كنت أحلم بالمدرسة ولكن مع أخي

حين التقيت مختار، في صيف 2018، كان والده يحدثني عن مأساوية حال طفله وتلاشي حلمه بالمدرسة وحزنه وانكفاءه على شقيقه وحالة القلق والرعب الذي يعاني منها. وفي الجوار كان مختار واقفاً يتكئ على عكازيه بمحاذاة منزلهم وهو يرتدي بنطلوناً رثاً وقميصاً بلا أزرار وصدره مكشوفاً. سألته عن حلمه القديم، فأجاب بصوت مبحوح: “خلاص، ليس لدي حلم. كنت أحلم بالذهاب مع شقيقي إلى المدرسة لكن الآن لا أريد شيئاً. لقد مات أخي ورجلي مبتورة لا أستطيع المشي بها، والمدرسة بعيدة، وفقدت الرغبة بكل شيء”!

على مشارف العام الدراسي

من جانبه، حكى لي مختار، قصة مقتل اخيه وإصابته، فقال:

“في ذلك اليوم كنت أنا وأخي عمار نرعي الأغنام بالقرب من السائلة، وكنا نفكر كثيراً في أمر الأغنام، ومن سيرعاها حين نذهب نحن الاثنان للدراسة، فقد كنا على مشارف العام الدراسي الجديد.
قال لي أخي أنه سيتدبر الأمر مع والدتي ويقنعها بأن تجعل دوام الرعي في وقت الظهر، بعد أن نكون قد عدنا من المدرسة، لكن الطائرة حلقت فوق رؤوسنا فجأة وقصفت الجسر.

قتل أناس كانوا يستقلون سيارة بيك أب (تويوتا) فوق الجسر، وهربنا إلى الجهة الثانية من السائلة لكن الشظايا التي تطايرت من القنبلة قتلت أخي وأصابتني في رجلي ولم أستطع الحركة. كنت أصرخ، وأنا أشاهد أخي مفتوح الصدر بفعل الشظية، وبعدها أغمى عليّ. لم أدرك ما الذي حصل، حتى صحوت وأنا في المستشفى مبتور القدم”.

أحلم بالموت

أعدت، السؤال مجدداً، على مختار، ما الذي تريده الآن، فرد بمرارة:

“لا شيء، فقدت الرغبة بكل شيء، إشتي أموت (أريد أن أموت)، لألتقي بأخي في الجنة، وأكون معه”.