"مواطنة" تنظم فعالية حقوقية حول جرائم الاختفاء القسري في اليمن
نَظَّمَتْ مواطنة لحقوق الإنسان، الخميس (29 أغسطس/ آب 2024)، فعاليةً حقوقية بعنوان: "جرائم الاختفاء القسري في اليمن.. حمولة ثقيلة راكمتها دورات الصراع السياسي في اليمن ومسؤوليات الكشف الفوري عن مصير الضحايا"، تزامنًا مع اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري.
تأتي الفعالية ضمن مساعي مواطنة -عبر عدد من العمليات التكاملية- إلى تسليط الضوء حول العديد من الجوانب الحقوقية والقضايا المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان في اليمن؛ إيمانًا منها بأهمية الحوار الموضوعي ونشره على قطاع واسع للمتلقين والمهتمين بالقضايا الحقوقية.
شارك في الحديث حول موضوع الفعالية: سلمى حسن – باحثة المشرق في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ونصيرة ديتور – ناشطة فرنسية جزائرية، ورئيسة مجموعة عائلات المختفين في الجزائر والاتحاد الأورومتوسطي ضد الاختفاءات القسرية، وسلوى قناف – ممثلة الرابطة اليمنية لعائلات المختفين قسرًا (وهي أيضًا ابنه أحد المختفين قسرًا)، وخولة الرويشان – مديرية وحدة المساءلة والانصاف في مواطنة، وكذلك خالد اليمني – نجل أحد ضحايا الاختفاء القسري، إلى جانب سالي قحطان – مديرة وحدة الدعم القانوني في مواطنة لحقوق الإنسان.
وتناول المتحدثون التراكمات المتأصلة لميراث الصراع السياسي في اليمن في انتهاج وتسويغ جرائم الاختفاء القسري، والمتغيرات التي تعاضدت في رفع وتيرته خلال دورة الصراع الحالية بمعدل غير مسبوق، والمسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية التي تقع على جميع الأطراف في الكشف الفوري عن مصير الضحايا وجبر ضررهم.
وفي مستهل الفعالية، أكدت سالي قحطان، مديرة وحدة الدعم القانوني في مواطنة، على أن ملف الاختفاء القسري في اليمن يعد أحد أقسى الملفات الانسانية التي خلفتها الحرب في اليمن؛ لتأثيره البالغ على المجتمع كافة.
وأشارت قحطان إلى اهتمام مواطنة الشديد حيال ملف الاختفاء القسري، "كونها تعد جريمة ضد الإنسانية، وإحدى الجرائم الأشد خطورة طبقًا لنظام روما الأساسي، حيث لا يقتصر تعريف ضحاياها على المختفين قسرًا وحسب، بل يشمل كذلك ذوي ومحبي الضحايا المختفين قسرًا".
وقالت سلوى قناف، ممثلة عن رابطة أسر المختفين قسرًا، وابنه أحد الضحايا: "منذُ 47 عامًا يقبع والدي في عتمة السجون، ولا تفاصيل حول مصيره، بعد أن كان يعد الرجل العسكري الثاني في دولة الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي؛ حيث طلب منه الحضور صباح ليلة اغتيال الحمدي في الـ 11 من أكتوبر/ تشرين الأول 1977 إلى منزله، لتذكر وسائل إعلام لاحقًا مقتله إلى جانب الحمدي وشقيقه، فيما تلقت أمي (زوجة الضحية) لاحقًا رسائل من النظام آنذاك تؤكد سلامته داخل السجن، وتشترط مقابل الإفراج عنه مغادرة الأسرة للبلاد".
وتابعت: "أعلنت وسائل إعلامية اغتيال الرئيس وشقيقه وصهره الذي هو والدي، وهي علاقة مكذوبة؛ حيث لم يكن لوالدي علاقة مصاهرة مع الرئيس الحمدي. وبعد يومين من إعلان اغتيالهم شُيِّعَ جثمانا الحمدي وشقيقه من المستشفى العسكري بصنعاء، بينما لم يشيع جثمان والدي". لافتةً إلى أنه رغم موافقة والدتها على طلب نظام الرئيس أحمد الغشمي مغادرة البلاد إلا أنه لم يتم الافراج عنه. "عقب اغتيال الرئيس أحمد الغشمي -الذي أستمر حكمه لـ 9 أشهر- حاولت والدتي التواصل بالنظام الجديد (نظام علي عبد الله صالح) لمعرفة مصير زوجها، إلا أنه أبلغها أن القضية ليست قضيته، وإن الاغتيالات التي حصلت كانت اغتيالات دولية" حد قولها.
وشبَّهتْ قناف حالة الاختفاء القسري بالألغام المزروعة التي تتفجر في لحظةٍ مباغتة ألمًا وحسرةً في قلوب ذوي الضحايا على أفرادها الغائبين وسط عجزهم عن معرفة مصير أبنائهم وأحوالهم، ناهيك عن التهم الموجهة لهم، حيث إن أسر المختفين قسرًا تعيش مختفية قسرًا أيضًا مع أفرادها. مشيرةً إلى أن اليمن لم يوقع على اتفاقية الاختفاء القسري التي قدمتها الأمم المتحدة.
وختمت: "أنا حلمي أن يتوقف هذا النزيف الناتج عن الاختفاء القسري، ليس فقط في اليمن، إنما في كل العالم. والنساء هن أكثر ضحايا الاختفاء القسري تأثرًا، حيث يتعين عليهن القيام بأدوارهن وأدوار المختفين من الرجال في أسرهن، بالإضافة إلى البحث المضنى الطويل". مثمنةً جهود مواطنة في دعم رابطة أسر المخفيين قسرًا منذ الوهلة الأولى لتأسيس الرابطة.
من جانبها، قالت خولة الرويشان، مديرة وحدة المساءلة والإنصاف في مواطنة، إن المنظمة عملت على تقديم الدعم القانوني لأسر الضحايا واسهمت في المتابعة القانونية عن المختفيين قسرًا وتقديم الاستشارات القانونية لذويهم عبر فريق الدعم القانوني. لافتةً إلى إن مواطنة رصدت منذ بدء الصراع في اليمن 1806 حالة وواقعة من الانتهاكات، وقدمت الدعم لـ 1238 حالة منها. مشيرةً إلى أن العدد قد يكون أكبر من ذلك في ظل تعدد أطراف الصراع واستمرار حالات الانتهاكات بحق المدنيين.
وذكرت الرويشان أن مواطنة أصدرت عديد الدراسات والتقارير السابقة المتعلقة بحالات الانتهاكات ضد المدنيين في اليمن، منها دراسة بعنوان "محاكم التنكيل"، التي تناولت المحاكم المتخصصة من خلال القضايا المنظورة أمامها ومدى مشروعية هذه المحاكم، وتقرير "في العتمة" الذي تناول الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز غير الرسمية التي أوجدتها الحرب، ودراسة حول مراكز الاحتجاز الرسمية في اليمن.
وعن الانتهاكات التي تطال فريق مواطنة، كشفت الرويشان عن تعرض فريق مواطنة للعديد من الانتهاكات التعسفية وصلت إلى الاحتجاز التعسفي والتهديد بالتصفية، "لكن مواطنة تؤمن أن كفاحها سيجدي، وأن المخاطر لن تكون عائقًا أمام مساعيها لمعالجة ملف الاختفاء القسري أو التخفيف من معاناتهم".
كما كشف عن وجود "تجاوب إيجابي" يبديه عديدُ الاشخاص داخل أطراف الصراع اليمنية تجاه قضايا وملفات مواطنة، سواءً فيمَا يتعلق بملف الاختفاء القسري أم غيرها من القضايا. وأكدت على أن "أبرز المشاكل التي تواجه توثيق حالات الاختفاء القسري يرتبط بخوف الضحايا واحجامهم عن الافصاح عمّا يتعرضون له أو تتعرض له أسرهم".
إلى ذلك، أكد خالد اليمني (نجل أحمد اليمني، العامل في المجال الإنساني والمختفي قسرًا منذ ثلاثة أشهر لدى جماعة أنصار الله/ الحوثيين)، على استمرا تكتم الجهة المسؤولة عن الكشف عن مصير والده دون مراعاة لأي اعتبارات.
وأوضح، في معرِض حديثه- أن عناصر من جهاز الأمن والمخابرات التابع لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، داهموا منزلهم بصنعاء، في الساعة السابعة من صباح يوم الخميس 6 يونيو/ حزيران 2024، واقتادت والده إلى جهة مجهولة، بعد تفتيشهم كل أجزاء المنزل، والاستيلاء على وثائق والده الشخصية (شهائد - ممتلكات المنزل - عقود عمل وإخلاءات...)، وكذلك أجهزته الإلكترونية.
مشيرًا إلى أن أسرته كانت غداة الواقعة ما تزال تعيش أجواء زفاف شقيقته الصغرى، الذي كان في اليوم السابق لاختفاء والدها قسرًا، ما جعل الأسرة تعيش حالة خوفٍ وقلق، خاصة في ظل عدم السماح لهم بالتواصل مع أبيهم أو حتى الكشف عن مصيره.
وتساءل عن نوعية الإجراءات القانونية بحق والده التي تستغرق أكثر من ٨٠ يومًا دون الإفصاح عن سبب الاختفاء أو ماهية التهم الموجهة إليه! داعيًا أطراف الصراع في اليمن إلى على عدم اللجوء سلوك الاختفاء القسري من أجل الترهيب وإخضاع المجتمع، لإثبات السطوة والقوة.
كما دعا أنصار الله (الحوثيين) إلى الكشف عن مصير والده المختفي لديهم قسرًا، والإفراج عنه، مؤكدًا براءة والده المختفي قسرًا بقيامهم بإخفائه ومنع التواصل معه أو معرفة التهمة الموجهة إليه لتوكيل محامٍ للدفاع عنه.
يشار إلى أن جماعة أنصار الله (الحوثين) نفذت حملة اعتقالات نهاية شهر مايو/ آيار 2024، واشتدت وتيرتها في شهر يونيو/ حزيران من نفس العام، طالت العشرات من العاملين في المجال الإنساني، من بينهم أحمد اليمني، بالإضافة إلى موظفين لدى الأمم المتحدة في اليمن، وأخذهم من منازلهم أو من مكاتبهم. وحتى الآن لا يعرف مكان وجودهم، كما لم يتم التعرف على العدد الدقيق للمعتقلين في هذه الحملة، "بسبب الإرهاب الذي تتعرض له عائلات المختفين إذا قرروا التحدث"، بحسب سلمى حسن، باحثة المشرق في مركز القاهرة للدراسات، التي طالبت بالإفراج الفوري غير المشروط عن الذين تم اعتقالهم تعسفيًا.
كما أعربتْ عن أسفها الشديد لما تعرضت له اسرة خالد وسلوى من جراء احتفاء ذويهما القسري، وقالت إن حالة الاختفاء القسري تعد استراتيجية تنتهجها أطراف الصراع ليس في اليمن وحسب؛ بل في كل دول العالم لنشر الرعب وسط أفراد المجتمع. كما أشادت بالأسر التي تحدثت عن الانتهاكات التي تتعرض لها، وهي نادرة بسبب ما قد يتعرض له الضحايا من اختفاء قسري أو الاغتيال عندما يتم الافراج عنهم.
وقالت: "نحاول القيام بدورنا كمؤسسات مجتمع مدني لتخفيف معاناة الضحايا، وهو أمر مهم، لكنه مرتبط باستمرار كفاح الضحايا، وهو أمر منهك بالنسبة لهم"، لافتة إلى إنه ليس هناك طرف واحد في اليمن يمارس هذا النوع من الانتهاكات بحق المدنيين؛ بل جميع الأطراف والأحزاب تمارس هذه الانتهاكات، وإنْ بطرق مختلفة. مشيرةً إلى تقارير الأمم المتحدة التي تكشف سوء الوضع الإنساني والتنموي في اليمن، مع معاناة أكثر من 18 مليون شخص من عواقب انعدم الأمن الغذائي وانتشار الأوبئة وزيادة عدد النزوح، بالإضافة إلى انعدام البنية التحتية والظروف الاقتصادية الحرجة التي تمر بها البلاد.
وأوضحت أن "المنظمات الحقوقية تهدف إلى التأكد من أن عملها لا يسبب أي اضرار على الضحايا؛ إذ تحاول هذه المنظمات الاستفادة من كل القنوات المتاحة للقيام بحملة من أجل إنها هذا الأمر، بما في ذلك مساعدة الأسر التي تعطي موافقتها، ولكن لإنهاء هذا الأمر على المجتمع والمنظمات الحقوقية تشكيل مزيدًا من الضغط على صناع القرار والمجتمع الدولي خاصة مع الدول التي لديها تواصل مع أطراف الصراع للإفراج عن المفقودين".
في السياق، قالت نصيرة ديتو (ناشطة فرنسية – جزائرية، ورئيسة مجموعة عائلات المختفين في الجزائر والاتحاد الاورومتوسطي ضد الاختفاءات القسرية): "إنه يمكن اللجوء إلى اللجنة الدولية المعنية بالاختفاء القسري لتوثيق حالات الانتهاكات ومتابعتها، لكنها آلية مرتبطة فقط بالدول الأطراف في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري". وأكدت ديتو على أنه "يمارس ضد ضحايا الاختفاء القسري أبشع أشكال المعاملة اللاإنسانية والمهينة، سواء أكان في اليمن أم مصر أم الجزائر أم في المجتمعات الأخرى".
جدير بالذكر، أن اليمن لم يصادق على الاتفاقية الدولية لمناهضة الاختفاء القسري، إلا أن التشريع اليمني كفل حرية الأفراد وجرم حرمانهم من حريتهم إلا وفق إجراءات قضائية تتسم بالحياد والنزاهة. وبحسب فريق الخبراء الأمميين البارزين بشأن اليمن، فإنه يكفي تصديق اليمن على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ليكون ملزمًا بعدم التورط في حالات الاختفاء القسري. فضلًا عمّا تقتضيه الممارسة الدولية، بأنه لا يجوز التذرع بأي ظروف أو مبررات -مهما كانت- لتبرير أعمال الاختفاء القسري، حسب ما نص عليه إعلان الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
وضمن جهود مواطنة في معالجة ملف الانتهاكات، من المقرر أن تطلق خلال هذا الأسبوع ورقة بحثية تحت عنوان (جرائم الاختفاء القسري: مقاربة الاشكالية وتصور الحلول)، ودراسة ميدانية حول متطلبات الحول للإصلاح المؤسسي لقطاعي الأمن والعدالة في مرحلة ما بعد النزاع. الورقة تركز على دراسة أربع تجارب دولية هي: سوريا وكولومبيا وسيرلانكا والأرجنتين. وتقدم الورقة في توصياتها خلاصة تجربة هذه الدول في معالجة ملف الاخفاء القسري والكشف عن الحقيقة وجبر الضرر الذي يمكن العمل عليها في السياق اليمني، وتسلط الضوء على دور مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في الاختفاء القسري، كرابطة أمهات المختطفين، ورابطة أسر المختفين قسراً. فيما تقدم الدراسة الميدانية تشخيص الاختلالات التشريعية والمؤسسية والإجرائية التي تعاني منها أجهزة الأمن والعدالة، وتقدم تصورات حول الاصلاحات الضرورية لهذه الأجهزة لضمان عدم تكرر الانتهاكات.