قصة "عدي" المقتول و"عبد الملك" الجريح
في قرية "المخافي" بمديرية مستباء غرب محافظة حجة -وهي منطقةٌ تقع قرب خط الاشتباكات بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا من جهة، ومسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) من جهةٍ مقابلة، انتهت بسيطرة جماعة أنصار الله/ الحوثيين على المنطقة منذ عام 2015- يعيش الناس أوضاعًا غير مستقرة وفي قلق أمني دائم، ونظرًا للوضع الأمني والمعيشي وانهيار منظومة التعليم، صار الآباء يرسلون أطفالهم لرعي الأغنام أو فلاحة الأرض.
من بين هؤلاء، عدي محسن مهاب (13 سنة)، وعبد الملك علي عكي (12 سنة)، وهما من بين كثير من الأطفال الذين تركوا المدرسة واضطروا لمساعدة عائلاتهم في رعي الأغنام؛ كل صباح يخرج عدي وعبد الملك لرعي الأغنام في "سايلة وادي المخافي".
في ظهيرة يوم الثلاثاء 17 فبراير/ شباط 2024، وجد عدي وعبد الملك في طريقهما قارورةً تشبه قارورة الصودا (المشروبات الغازية)؛ حاول "عدي" فتحها بيده إلا أنه لم يستطع، فاستخدم أسنانه لفتحها، وما إن فتحها حتى تصاعد منها دخانٌ غريب الشكل! ارتعب "عبد الملك" الذي كان إلى جوار عدي وبدأ في التراجع، إلا أن الوقت لم يسعفه كي ينجو؛ انفجرت فيهما في الحال، وكان الأذى الذي أسفرت عنه جسيمًا ومأساويًا.
لم تكن تلك القارورة سوى واحدة من الألغام المعدلة التي ألقاها أنصار الله/ الحوثيون في المنطقة؛ أصيب عدي بشظايا بترت كف يده اليمنى وأخرى اخترقت صدره ووجهه ورقبته، أما عبد الملك فقد أصيب بشظايا في وجهه مزقت الأذن اليمنى وجرحت الفم والأنف وشظية اخترقت أسفل الدقن من جهة اليمين، وشظية صغيرة في منتصف الرقبة وأخرى في الكتف الأيمن.
تم نقل الطفلين المصابين إلى مركز خميس مستباء الصحي، وبعد محاولات حثيثة لإنقاذ عدي إلا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة ثم فارق الحياة.. ارتمى والده فوق صدره وهو يبكي، ومثله فعل شقيقه التوأم (قُصيّ)، الذي أخذ يعانق أخاه وينتحب ويقول: "لا والله ما يموت وحده، بل نموت معًا كما ولدنا معًا"، حتى أغمي عليه من فرط الحسرة والبكاء، في مشهد مؤثر للغاية.
أما عبد الملك، فقد تم نقله إلى مستشفى عبس الريفي (قسم أطباء بلا حدود)، قام الأطباء بعمل ما يستطيعون لإخراج بعض الشظايا من جسده، لذا تم تحويله إلى مستشفى الثورة في محافظة الحديدة على نفقة منظمة أطباء بلا حدود، وهناك تم إدخاله إلى غرفة العمليات وتم نزع جميع الشظايا من جسده عدا شظية واحدة في منطقة الرقبة استعصت على الأطباء؛ كانت كلما حاولوا إخراجها تعمَّقت أكثر، لذا رأى الأطباء أن الأجدى هو تركها!
يقول والد عبد الملك: "ما زال ابني يعاني أمام ناضري وأمام عجز الأطباء، لا يستطيع الأكل أو الشرب، وكلما أكل شيئًا تقيأه"، يضيف أنه يتمنى أنه يمتلك المال لعلاج ابنه في أي بلد خارج اليمن، بدلًا من رؤية جسد ابنه يذوي ويزداد نحولًا كل يوم.
أما والد "عدي"، يقول إنه تفاجأ -بعد مصرع ابنه- بمجيء مصور ومذيع قناة المسيرة (تابعة لجماعة أنصار الله/ الحوثيين)، إلى بيته، وقاموا بكشف الغطاء عن جثمان ابنه، وشرعوا في التقاط الصور له، ثم طلبوا منه إجراء مقابلة للقناة، يتهم فيها "قوى العدوان" بما جرى لابنه، ويحمِّلهم المسؤولية!
تطالب مواطنة لحقوق الإنسان جماعة أنصار الله “الحوثيين" بالوقف الفوري لزراعة الألغام بأنواعها المختلفة، وتسليم خرائط الأماكن الملوثة بالألغام والعمل على تطهيرها للحد دون سقوط المزيد من الضحايا المدنيين ، وتأمين حياة السكان العائدين إلى مناطقهم وبيئاتهم الأصلية، كما تدعو مواطنة المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات فعالة للضغط على الجماعة للتوقف عن سلوكها في زراعة الألغام والإسراع في تطهير الأماكن الملوثة، وتشكيل آلية تحقيق دولية ذات طابع جنائي تضمن محاسبة المُنتهِكين ومساءلتهم، والانتصاف للضحايا.