التعذيب باسم الدولة
أيمن علي (اسم مستعار- ٣٨ سنة) رب أسرتين، زوجة أولى ومنها ثلاثة أولاد، وزوجة ثانية حامل في شهرها السادس، يتنقل أيمن بكل طمأنينة وسلام بين مديرية عمد ومدينة المكلا بين أسرتيه لمباشرة أعماله الخاصة وتوفير لقمة العيش لأولاده وزوجتيه.
في يوم الخميس ١٠ مارس/ آذار ٢٠٢٢ قرابة الساعة الـ١٢:٣٠ مساء وكعادة أغلب اليمنيين توجه أيمن إلى منطقة جول كريت بمديرية عمد محافظة حضرموت قاصدًا سوق القات. خرج من بيته مطمئنًا ليس عليه دين لأحد ولا يطلبه غريم في مال أو دم.
يقلب أيمن رزمة من وريقات القات بينما يفاوض البائع على ثمنها، كل شيء كان حينها في وضعه الطبيعي، قبل أن تُحال حياته إلى الجحيم؛ ثلاثة ملثمين بلباس مدني بكامل سلاحهم وعتادهم وأكثر من تسعة مسلحين شاركوا في عملية الاحتجاز.
كانوا على متن سيارتين نوع هايلوكس تويوتا غمارتين أبيض وبدون لوائح أرقام، وسيارة ثالثة نوع جيب لاند كروزر تويوتا بيضاء وبدون لوحة أرقام، كان يقودهم ضابط في البحث الجنائي، وضابط آخر من النقطة العسكرية التابعة للمنطقة الأولى التي تتبع الحكومة المتعرف بها دوليًا.
تنقل أيمن خلال هذه النزهة المريرة، بين عدة سجون تعرض فيها للإختفاء القسري عدة مرات وذاق صنوف من العذاب بتهم ينفي صلته بها.
“معك الدولة”
“معك الدولة”، هكذا باشره الملثمون وهم يضربونه بأعقاب البنادق ويسحلون جسده بين بسطات بائعي القات عنوة، وأركبوه سيارة من الثلاث التي شاركت في عملية الاحتجاز باسم الدولة، كان المسلحون البقية يمنعون بقوة سلاحهم أي مدني يحاول تخليص أيمن مما هو فيه أو على الأقل معرفة حقيقة المسلحين طالما كانوا ملثمين.
يقول أيمن:
“ربطوني بالقيد الى أحد قوائم الشبك الخلفي لغمارة السيارة وكأني معزة تساق الى المسلخ”، ثم اقتيد إلى أحد سجون المنطقة العسكرية الأولى بمدينة سيئون من قبل قوة مشتركة من إدارة البحث الجنائي بسيئون وقوات المنطقة العسكرية الاولى بدون إذن قبض من النيابة.
شفرات الزجاج المكسور
تعرض أيمن للتعذيب في تلك الليلة التي لم تنتهِ فصولها إلإ بمشهد سقوطه مغشيًا بعد أن القموه فتات من الزجاج المكسور وتحت وطأة الضرب وشد قيوده بقوة، كانت شفرات الزجاج تقطّع أحشائه الداخلية يقول:
“أدخلوني غرفة وقاموا بتقييد أرجلي ويدي وعصب عيوني وتعذيبي بالضرب بأسياخ من الحديد وبالأحزمة العسكرية التي توضع على البنطلون،
كانوا يريدون مني الاعتراف بأني حاولت اغتيال الرائد بالنخبة الحضرمية أيمن باعيسى قائد خفر السواحل بالمكلا سابقًا رغمًا عني، وألقموني الزجاج المكسور في فمي بدأ الألم يعتصر أمعائي وكأن أحدهم يسدد لي طعنات في منطقة البطن شعرت بالغثيان والدوار وبدأت أفقد الوعي شيء فشيئًا والدماء تسيل من فمي إثر الجروح التي احدثتها لي كسور الزجاج لحظة إلقامي إياها”.
وعلى صوت الطبيب المعالج في ساعات الصباح الباكر من يوم الجمعة ١١ مارس/ آذار ٢٠٢١ وهو يطمئن على صحته؛ يستعيد أيمن عافيته رويدًا ويفتح عينيه على حياة جديدة كتب له أن يعيشها.
ادعت الجهة المعتقلة إن الشاب حاول الانتحار. وفي يوم السبت ١٢ مارس/ آذار ٢٠٢٢ نُقل إلى السجن المركزي بسيئون وهناك تم التحقيق معه داخل السجن ويديه مقيدتين إلى الخلف وتم تبصيمه بالإكراه على عدد من المحاضر. لا يعرف عن محتواها شيء ولم يسمح له بالاطلاع عليها كل ذلك لازال يتم باسم الدولة.
في اليوم الذي أعقب جلسة التحقيق سُمح لوالدته واقاربه بزيارته. شهرين قضاها الضحية في سجن سيئون العام دون أن يُعرضَ على النيابة العامة في إجراءات غير قانونية ترتكبها الجهة المُحتجزة، كان يسمح لأيمن بإجراء الاتصالات بأمه وزوجاته وأخوته وأقاربه كل يومين.
ثم انقطع مجددًا عن الاتصال لمدة تقارب الخمسة أيام، انقبض قلب أمه فطلبت من أخوته أن يتحسسوا عنه. بعد عدة اتصالات من أخوته جاء الجواب من ادارة البحث الجنائي بسيئون، لقد تم ترحيل الضحية ونقله إلى سجن البحث الجنائي بالمكلا منذ يوم الخميس 12 مايو/ أيار 2022.
على قلة ما كان يحصل عليه من حقوق في سجن سيئون العام، الا أنها قد سلبت منه في سجن المكلا المركزي الذي أودع فيه بعد البحث الجنائي في المكلا، مُنعت عنه الزيارة والاتصالات حتى أمه لم يسمح لها برؤيته أو حتى سماع صوته.
كان لمواطنة دورًا في المتابعة وإنهاء حالة الإختفاء القسري التي تعرض لها أيمن للمرة الثانية. فبعد الضغط على مدير البحث الجنائي بالمكلا سمح لوالدته برؤيته قبل أن يتم ترحيله على ذمة النيابة الجزائية المتخصصة الى السجن المركزي بالمكلا بتاريخ 19 مايو/ أيار 2022 دون اجراء اي تحقيق، واستمر منع الزيارة عنه حتى كادت أن تقع الفاجعة. حاول أن ينتحر.
حاول الانتحار
تروي الزوجة الثانية للضحية كيف استقبلت خبر محاولة انتحار أيمن إذ، تقول:
“وردني اتصال هاتفي وما أن سمعت المتصل يقول عبارة (أنت زوجة أيمن المحبوس في السجن المركزي) الا وفقدت التركيز ولم أسمع من حديثه إلا كلمة أنتحر! صرخت وسقط الجوال من يدي”.
وصل الخبر إلى أسرة الضحية على ما فيه من سوء فهم، فنزل الخبر كالصاعقة على اقاربه ومحبيه قبل أن تتضح الرؤية لاحقًا. يتنفس الاهل الصعداء، أيمن بخير. إنها محاولة انتحار فقط وقد زال الخطر.
يروي أيمن أسباب وبواعث ما حدث فيقول:
“تعرضت للضرب من أحد حراسات العنبر، أدركت مدى ما أنا فيه من سوء معاملة فقد منعت من الزيارة وبدون تحقيق لأكثر من شهر وحتى الاتصال استكثروه عليّ وآخرتها يتم ضربي”.
وأشار أيمن إلى أنه أستلهم فكرة التخلص من حياته من أحد أساليب التعذيب التي تعرض لها في سجن المنطقة العسكرية الاولى بسيئون، فألتقم بعض من الزجاج المكسور بعد أن رمى فردة الحذاء لأحدى قناديل الإنارة في سقف الزنزانة فدخل غيبوبة ليتم إسعافه الى المستشفى لإنقاذ حياته.
رب ضارة نافعة
يقول ناصر (اسم مستعار) إبن خال الضحية:
“رب ضارة نافعة فمنذ يوم الحادثة سمحت إدارة السجن للضحية بالزيارة والاتصال، بل إنها استعجلت جدولتها على رأس أقرب جدول زيارة، أكثر من ثلاثة أشهر خلف القضبان يقف أيمن على رجليه ومن خلف سُتر شبك حديدي، يرى زوجته الحامل وقد تنامى حجم جنينها، وأم تبكي وقد أخذت السنين من صحتها وقدرتها على تحمل الفواجع، لم تكن لتصدق إن أيمن يعيش ما تراه رأي العين ووجهًا لوجه”.
سيكون على أيمن الانتظار الى بعد الاجازة القضائية لينتظر هل ستحقق معه النيابة الجزائية على ما سيق له من تهم والتي يقول إنها كيدية وذنبه الوحيد فيها إنه “ابن خال شريك تجاري لضابط نافذ بقوات النخبة ومقرب من القوات الإماراتية في معسكر مطار الريان”.
أكف الدعوات لا تتوقف من أم وزوجتين وأخوة وأقارب يدعون ربهم ليل نهار ليفرج عن أيمن ليعود سالما إليهم، ولا يزال للقصة بقية.