منذ حوالى أربع سنوات، تقود المملكة العربية السعودية، إلى جانب الإمارات، تحالفاً قام بقصف المدن اليمنية بقسوة ووحشية، وحاصر الموانئ اليمنية، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى الملايين من المحتاجين.
مقالة مكتوبة من قبل رضية المتوكل وعبد الرشيد الفقيه | 8 نوفمبر/تشرين الثاني، 2018، 5:42 صباحاً
كان جمال خاشقجي آخر ضحية لغطرسة متهورة أصبحت السمة المميزة للسياسة الخارجية السعودية. شعر اليمنيون بحزن شديد، لكنهم لم يتفاجأوا بشدة الوحشية التي ظهرت في مقتل خاشقجي، لأن بلدنا يشهد هذه الوحشية السعودية عينها منذ حوالى أربع سنوات.
باعتبارنا من المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يعملون في اليمن، فإننا على دراية تامة بالعنف وقتل الأبرياء وانتهاك الأعراف الدولية، وهي العناصر التي تُشكل السمة المميزة للتدخل العسكري السعودي في بلدنا. منذ حوالى أربع سنوات، تقود المملكة العربية السعودية، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، تحالفاً قام بقصف المدن اليمنية بقسوة ووحشية، وحاصر الموانئ اليمنية، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى الملايين من المحتاجين.
وفقاً لمشروع بيانات اليمن، قامت الطائرات السعودية والإماراتية بشن أكثر من 18500 غارة جوية على اليمن منذ بدء الحرب – ما يزيد عن 14 هجوماً كل يوم كمعدل لأكثر من 1300 يوم. لقد قصفت الطائرات المدارس والمستشفيات والمنازل والأسواق والمصانع والطرق والمزارع وحتى المواقع التاريخية. تعرض عشرات الآلاف من المدنيين، بما في ذلك الآلاف من الأطفال، للقتل أو التشويه من جراء الضربات الجوية السعودية.
غير أن السعودية والإمارات لم تتمكن من مواصلة حملة القصف في اليمن من دون دعم عسكري أمريكي.
تقوم الطائرات الأمريكية بتزويد الطائرات السعودية بالوقود في طريقها إلى أهدافها، ويطلق الطيارون السعوديون والإماراتيون قنابل مصنوعة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على منازل ومدارس يمنية. ومع ذلك، اقتصر اهتمام الولايات المتحدة بالحرب في اليمن إلى حد كبير على التعبير عن مشاعر الغضب بإيجاز، لا سيما عند حصول هجمات دراماتيكية، مثل قصف الحافلة المدرسية بقنبلة في شهر أغسطس/آب الذي أودى بحياة العشرات من الأطفال.
لا تقتصر الجرائم السعودية في اليمن على قصف المدنيين بشكل منتظم ومتعمد، ما يُشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي. عبر تصعيد الحرب وتدمير البنية التحتية المدنية الأساسية، فإن المملكة العربية السعودية مسؤولة أيضاً عن موت عشرات الآلاف من المدنيين اليمنيين بسبب أمراض يمكن الوقاية منها والمجاعة الناجمة عن الحرب. خلصت الأمم المتحدة إلى أن الحصار أدى إلى “آثار مدمرة على السكان المدنيين” في اليمن، حيث استهدفت الغارات الجوية السعودية والإماراتية إنتاج الأغذية وتوزيعها في اليمن، بما في ذلك القطاع الزراعي وصناعة صيد الأسماك.
وفي الوقت نفسه، أدى انهيار عملة اليمن بسبب الحرب إلى منع الملايين من المدنيين من شراء المواد الغذائية الموجودة في الأسواق. ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد، لكن لم يتلق موظفو الخدمة المدنية مرتبات منتظمة خلال عامين. يتم تجويع اليمنيين حتى الموت عن قصد، وتستخدم المملكة العربية السعودية تجويع المدنيين كسلاح في الحرب.
يعتمد حالياً ثلاثة أرباع سكان اليمن – أكثر من 22 مليون رجل وامرأة وطفل – على المعونات والحماية الدولية. حذرت الأمم المتحدة في شهر سبتمبر/أيلول من أن اليمن سرعان ما سيصل إلى “نقطة تحول”، وبعد ذلك سيكون من المستحيل تجنب وفيات هائلة بين صفوف المدنيين. أكثر من 8 ملايين شخص على وشك الموت جوعاً، وهو رقم من المرجح أن يرتفع إلى 14 مليون – أي ما يعادل نصف سكان البلاد – بحلول نهاية العام 2018 إذا لن تخف حدة القتال، ولن يتم إزالة العوائق، ولن تستقر العملة.
أكثر من 8 ملايين شخص على وشك الموت جوعاً، وهو رقم من المرجح أن يرتفع إلى 14 مليون – أي ما يعادل نصف سكان البلاد – بحلول نهاية العام 2018
لنكون واضحين، لا يوجد طرف في هذه الحرب لم يلطخ يديه بالدماء. وقد قامت منظمتنا، مواطنة، بتوثيق الانتهاكات المرتكبة من قبل جميع أطراف النزاع في اليمن ضد المدنيين، وليس فقط المملكة العربية السعودية. لقد قتل الحوثيون وأصابوا مئات المدنيين من خلال استخدامهم للألغام الأرضية والقصف العشوائي، في حين قامت الميليشيات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة والميليشيات المدعومة من الحكومة اليمنية وميليشيات الحوثي بالاعتقال التعسفي والإختفاء القسري وتعذيب المدنيين. لكن الحصانة الفعلية التي منحها المجتمع الدولي للسعودية من خلال صمته تمنع من تحقيق العدالة الحقيقية بشأن الانتهاكات التي ترتكبها جميع الأطراف.
يتمتع شعب الشرق الأوسط بتجربة طويلة ومريرة مع سياسية الكيل بمكيالين الدولية في ما يتعلق بحقوق الإنسان، مع تجاهل أبطال حقوق الإنسان في الغرب بشكل منتظم الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها حلفاؤهم في المنطقة، من شاه إيران السابق إلى صدام حسين إلى ولي العهد السعودي الحالي، محمد بن سلمان.
برزت سياسة الكيل بمكيالين خلال الجولة الأخيرة لولي العهد في العواصم العالمية ووادي السيليكون، حيث تمت الإشادة به بشكل عام على أنه “مصلح”، وتكلمت الشخصيات الإعلامية عن رؤيته للمملكة العربية السعودية بحلول العام 2030 من دون أن تسأل ماذا سيبقى من اليمن بحلول العام 2020 إذا استمرت الحرب.
وبالمثل، تبرز سياسة الكيل بمكيالين عندما يقلل صانعو السياسة الغربيون من شأن الانتهاكات السعودية والإماراتية لحقوق الإنسان في اليمن من خلال الادعاء بأن هناك حاجة إلى شراكة وثيقة مع الرياض لمنع التهديدات الإيرانية المتصورة ضد المجتمع الدولي، من دون التساؤل عما إذا كان هذا المجتمع نفسه معرضًا للخطر أيضًا من قبل الانتهاكات اليومية التي ترتكبها المملكة العربية السعودية للأعراف الدولية الأساسية. ونعم، يوجد إزدواجية في جميع التغطيات من أولها لآخرها لمقتل خاشقجي المروع، عندما بالكاد يعتبر القتل اليومي لليمنيين من قبل المملكة العربية السعودية والأطراف الأخرى في الصراع في اليمن جدير بالذكر.
يجب على أولئك الموجودين في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى، والذين يشعرون بغضب ساخط جرّاء مقتل خاشقجي، أن يستدعيوا وضوحاً أخلاقياً مشابهاً وأن يدينوا القتل اليومي للأبرياء في اليمن من قبل المملكة العربية السعودية.
إذا تم الحد من الانتهاكات السعودية بشكل حقيقي، فيجب أن يُشكل مقتل خاشقجي نقطة البداية، وليس نقطة النهاية، للمساءلة عن الجرائم السعودية. تم تحويل وفاة خاشقجي وتخفيضها إلى نقطة بيانات واحدة، بدلاً من اعتبارها نتيجة لتقويض القيم العالمية لصالح الجغرافيا السياسية أو المصالح التجارية.
يجب على أولئك الموجودين في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى، والذين يشعرون بغضب ساخط جرّاء مقتل خاشقجي، أن يستدعوا وضوحاً أخلاقياً مشابهاً وأن يدينوا القتل اليومي للأبرياء في اليمن من قبل المملكة العربية السعودية.
يمكن أن ينقذ عكس اتجاه هذا المسار- إنهاء الدعم العسكري الأمريكي للتدخل السعودي والإماراتي في اليمن ودعم جهود السلام بقيادة الأمم المتحدة وإعادة فتح الموانئ الجوية والبحرية اليمنية – الملايين من الأرواح.
لو أجهر المشرّعون الأمريكيون بآرائهم واتخذوا إجراءات بشأن اليمن منذ سنوات، في وقت كانت الانتهاكات المتفشية المرتكبة من قبل المملكة العربية السعودية معروفة بالفعل، لكان الآلاف من المدنيين اليمنيين الذين قتلوا منذ ذلك الحين بسبب الغارات الجوية أو المجاعة ما زالوا على قيد الحياة اليوم – وربما لكان جمال خاشقجي ما زال على قيد الحياة أيضاً.