أحب أن ابدأ حديثي بعبارة قالها والد أحد الضحايا المدنيين الذين قتلوا بضربة طائرة بدون طيار في محافظة حضرموت شرق اليمن في أغسطس 2013 ، لقد قال لنا ” هم فقط يقتلون ، إنهم لا يعرفون مالذي تسببه صواريخهم ، ولا يدركون مدى المعاناة التي تخلقها لعائلاتنا” ، هذه العبارة ” هم فقط يقتلون ” تجعلنا نتساءل ، هل مكافحة الإرهاب تعني فقط القتل؟..
صباح الخير .. السادة : رؤوساء اللجان .. والحاضرين جميعاً ، أنا سعيدة لتواجدي بينكم لمشاركتكم تجربتنا في رصد وتوثيق الضحايا المدنيين والأضرار المدنية للطائرات بدون طيار في اليمن.
ولا يفوتني هنا أن اشكر البرلمان الأوروبي على اهتمامه بالبعد الحقوقي لبرنامج الطائرات بدون طيار وكلي أمل أن يسهم تفاعلكم بشكل إيجابي لصالح العدالة وحقوق الإنسان والضحايا .
وأحب أن ابدأ حديثي بعبارة قالها والد أحد الضحايا المدنيين الذين قتلوا بضربة طائرة بدون طيار في محافظة حضرموت شرق اليمن في أغسطس 2013 ، لقد قال لنا ” هم فقط يقتلون ، إنهم لا يعرفون مالذي تسببه صواريخهم ، ولا يدركون مدى المعاناة التي تخلقها لعائلاتنا” ، هذه العبارة ” هم فقط يقتلون ” تجعلنا نتساءل ، هل مكافحة الإرهاب تعني فقط القتل؟
أصدرت مبادرة المجتمع المفتوح للعدالة – مؤسسة المجتمع المفتوح بالشراكة مع منظمة مواطنة لحقوق الإنسان تقرير عن ( الموت بالطائرات بدون طيار ) ، سلط الضوء على 9 حالات ( case studies ) ، حدثت فيها أضرار مدنية بسبب ضربات الطائرات بدون طيار في عدة محافظات يمنية ، تسببت بمقتل 26 وجرح 12 من المدنيين ، التقرير بين أيديكم يحمل تفاصيل الحوادث وأصوات أهالي الضحايا والناجين.
ولكني هنا سوف اتوقف معكم عند بعض استخلاصات البحث الميداني ، والذي استمر لأكثر من عام في ظروف أمنية صعبة ، وانعدام شبه تمام للشفافية حول ضربات الطائرات بدون طيار.
كان ملفتاً أن أغلب المناطق التي طالتها الهجمات وسقط فيها ضحايا مدنيين مناطق نائية وفقيرة ، لا توجد فيها خدمات ، ويتبادل السكان بسخرية حزينة مفارقة أن أحدث صواريخ العالم وصلتهم قبل أن تصلهم الكهرباء ، قال لنا أحد سكان تلك المناطق المتضررة ” أعتقد أن أمريكا تجرب اختراعاتها في قرانا الفقيرة ، لأنها لا تستطيع أن تفعل ذلك في أي مكان فيه قيمة للإنسان ، نحن هنا بلا قيمة” .
كان الضحايا أثناء استهدافهم يعيشون حياتهم اليومية الطبيعة ، في المزارع ، في طريق عودتهم إلى منازلهم من الأسواق في الطريق إلى أعمالهم ، وكانوا يعتقدون أنهم في مأمن من تلك الطائرات التي تحوم فوقهم باستمرار ولا يخافون منها لأنهم يعتقدون أنها ذكية وتعرف أهدافها جيداً ، هكذا كان حال 14 شخص مدني يستقلون سيارة في الطريق العام يوم 2 سبتمبر 2012م في مديرية ولد ربيع بمحافظة البيضاء وسط اليمن ، في هذه الحادثة ضربت الطائرة بدون طيار السيارة وقتلت 12 شخص بينهم امرأة حامل وابنتها ذات العشر سنوات بالإضافة إلى طفلين آخرين، وجرحت شخصين . كانوا جميعاً مدنيين و أغلبهم عمال عائدون من السوق بعد بيع بضاعتهم وشراء مسلتزمات البيت من السكر والرز والدقيق، حكى لنا السائق ناصر مبخوت وهو واحد من الاثنين الذين نجوا من الحادثة كيف كانت الطائرة تقترب منهم وهم بالرغم من ذلك ومن شدة ثقتهم في دقتها كانوا يضحكون ويسخرون من فكرة استهدافهم ، قال مبخوت ” لكن ضحكاتنا قُطعت بقذيفتين ” ، الآن يصف مبخوت تلك الطائرات بأنها عمياء وغير قادرة على التمييز ، قال لنا ” تلك الطائرات غبية وإلا ما كانت قتلت هؤلاء الأبرياء ,وبهذه الطريقة البشعة.
ومع تكرار الحوادث التي استهدفت مدنيين ، زادت سمعة الطائرات بدون طيار سوء بين الناس ، وفي بعض الحالات تعتقد أسر الضحايا أن الطائرات بدون طيار تستخدم في إطار الصراعات الداخلية حيث يتمكن نافذين من القضاء على خصوم محليين من خلالها ضمن فكرة الوشاية والمعلومات المغلوطة التي يقدمونها مستفيدين من نفوذهم .
يحتج أهالي الضحايا من عدم وجود تحذيرات واتهامات مسبقة للأشخاص المستهدفين الذين يعيشون وسط مجتمعاتهم المحلية ويشاركون مع الناس في مختلف الأنشطة ، يتفق الأغلب أنهم لم يعرفوا باتهام الأشخاص إلا بعد مقتلهم وسقوط مدنيين معهم ، أيضاً كثير ممن تم استهدافهم باعتبارهم مطلوبين كانوا يعيشون حياتهم الطبيعية و كان بالإمكان احتجازهم في أي لحظة ومساءلتهم عن أي تهم موجهة لهم بدلاً من قتلهم وقتل مدنيين آخرين معهم ، في 23 يناير 2013 ، في منطقة المصنعة في ريف العاصمة اليمنية صنعاء ، قتل 2 مدنيين في سيارة مع 2 آخرين مشبته بانتمائهم للقاعدة ، حدثت الضربة حين كانت السيارة على بعد 500 متر من نقطة تفيتش عسكرية ، ويقول شقيق أحد المشتبه بهم ” أخي كان متاحاً وكان يمكن أن يتم استدعائه إلى أي مركز شرطه أو محكمة ، لكن المسؤولين الامريكيين قرروا أن يحكموا عليه دون أي إجراءات قانونية” .
قتل المشتبهين رغم سهولة القبض عليهم ، تشبه أن يستسهل الإنسان قتل حشرة على أن يحملها ويقذف بها من خارج النافذة .
لم يكن حدوث قتلى وجرحى هو الضرر الوحيد الذي أصاب هذه العائلات والمناطق التي وقعت فيها حوادث الطائرات بدون طيار ، فقد امتد ليشمل عدة أمور ، منها عدم قدرة الجرحى على إيجاد العلاج المناسب ، فقدان لعديد من العائلات لمن يعيلها (breadwinners ) مما أحدث اثراً اقتصادياً كبيراً عليها ، وبعض المعيلين كانوا مسؤولين عن عائلات كبيرة فيها العديد من الأطفال والنساء وكبار السن ، كما أن الضربات وإصابتها لأهداف مدنية قد خلقت حالة من الرعب أدى إلى نزوح بعض السكان ، وذلك كما حدث في يناير 2013م ، عندما ضربت الطائرة بدون طيار منزلاً يسكنه 19 شخص بينهم نساء وأطفال في قرية سيلة الجراح بمحافظة البيضاء وسط اليمن وتسببت بجرح خمسة مدنيين بينهم طفلين ، بالرغم أن بيت اليمني ومزرعته بالنسبة له كجزء من أفراد عائلته إلا أن سكان القرية جميعاً نزحوا حينها لمدة 3 أشهر كاملة ، وحين عادوا كانت مزارعهم قد تلفت.
وأثر آخر غير مرئي ولكنه مؤثر جداً ، هو حرمان أهالي الضحايا المدنيين الإعتراف بكونهم ضحايا ، فقد طالهم التشهير في اللحظات الأولى لكل هجوم بإلصاق تهمة الإنتماء للقاعدة ، وذلك من خلال وسائل الإعلام الحكومية ، وهم مع حزنهم يستميتون في الدفاع عن براءة أبناءهم وهويتهم كمدنيين ، ويؤكدون أنهم مستعدون لمحاكمة أبناءهم وإثبات براءتهم حتى بعد مقتلهم .
وبالرغم من مطالبة جميع الأهالي بالتحقيق ، إلا أنه لم يتم حتى الآن تحقيق من الحكومة في أي من تلك الحوادث ، ولم يتلق أهالي القتلى والجرحى أي تعويض ، ماعدا حادثتين تضمنهما تقرير الموت بالطائرات بدون طيار رضخت فيهما الحكومة لأشكال ضغط قبلية وتهديدات بالعنف ، فقامت بتعويض مالي جزئي تقول عنه العائلات غير مرضي ، فيما أهملت تماماً الأسر الأشد فقراً وضعفاً.
والآن ؟ نأت إلى السؤال ماهي نتيجة ضربات الطائرات بدون طيار في سياق الحرب على الإرهاب ، هل حققت نجاحاً ما؟ قالت عائلات الضحايا والناجين أن هذه الضربات جاءت بنتائج عكسية ، وأنها تخدم القاعدة وتشجع على التعاطف معها ، هذا رأيهم وهو متوقع ، تلك العائلات والناجين الذين قابلناهم لن يتحولوا إلى قاعدة بسبب الضربات فهم عائلات مسالمة جداً ، لكن القاعدة حتماً تستفيد من هذه الأخطاء لتقوي حجتها ضد أمريكا وحلفائها وتقوم بتجييش الناس تحت مظلة المظلومية لصالح حروبها. بمقابل ذلك هناك غياب تام للميزة العسكرية التي حققتها تلك الطائرات بدون طيار. انعدام الشفافية وغياب المعلومة يحيط بهذه الحرب من كل اتجاه .
في إطار محاربة الإرهاب في اليمن ، هناك حقيقتان في اليد ، الضحايا المدنيين للطائرات بدون طيار ، وازدياد قوة القاعدة وانتشارها حد السيطرة على مناطق كاملة ، والقيام فيها بدور سلطة الأمر الواقع بطريقة مكشوفة وغير مسبوقة. عناصر القاعدة اليوم منتشرة بين المدنيين كما لم تكن من قبل . أنا لا أقول أن انتشار القاعدة اليوم وازياد قوتها هو بسبب ضربات الطائرات بدون طيار ، فقد حدث ذلك بسبب انهيار الدولة ، وغياب الأمن والحكم الرشيد ، غياب التنمية والقانون ، لكنه مؤشر على فشل ” القتل ” كوسيلة لمحاربة الإرهاب ، مع التأكد في هذا السياق أن عناصر القاعدة في مختلف المناطق اليمنية التي عملنا فيها خلال بحثنا كانوا منبوذين من المجتمعات المحلية ولا يجدون البيئة الحاضنة لهم ، وحتى حينما يُخضعون منطقة لسيطرتهم فهو إخضاع بالقوة يستفيد من ضعف حضور الدولة ومؤسساتها.
لعلكم تعلمون أن سماء اليمن منذ مارس 2015 قد أصبحت مغطاة بنوع جديد من الطائرات ، وهي طائرات التحالف العربي بقيادة السعودية ، بالإضافة إلى قذائف أطراف الحرب المحلية ، رصدنا مئات القتلى والجرحى من المدنيين ، لكننا مع ذلك لم ننس ضحايا الطائرات بدون طيار لأنهم ما يزالون هناك ، ولأن الحروب تراكم الضحايا وتعمق مآساتهم لكنها لا تلغيهم ، كما أنها – الحروب – تستقي شجاعة القتل وغرور القوة من بعضها ومن إهمال الفاعلين لضحاياها .
سأتوقف هنا .. وشكراً لكم على استماعكم.
* رضية المتوكل – رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان ، ومنظمة مواطنة هي منظمة يمنية مستقلة تستخدم منهجية البحث الاستقصائي لإصدار التقارير والبيانات والأفلام الوثائقية الخاصة بقضايا حقوق الإنسان.
تاريخ : 30 يونيو 2016م.