يجب الإفراج عن ضحايا الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة
قالت مواطنة لحقوق الإنسان، إن وقائع الاختفاء القسري، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لا زالت تُرتكب على نطاق واسع في عدن، وفي مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة الأطراف المنضوية في إطار مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المُعترف بها دولياً، وإن حالة سيادة القانون في تلك المناطق، لم تشهد أي تحسن ملموس رغم مرور نحو ستة أشهر على إعلان إصدار الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي المعترف به دولياً، في 5 يناير/ كانون الثاني، قراران يقضيان بدمج جهازي الأمن السياسي، والأمن القومي، ودوائر وأجهزة المخابرات، لدى التشكيلات المُختلفة المنضوية في إطار مجلس القيادة الرئاسي، تحت مسمى "الجهاز المركزي لأمن الدولة"، بالإضافة إلى قرار إنشاء جهاز مكافحة الإرهاب، بعد سنوات من وجوده الفعلي، بعد أن كان من المأمول أن يُساهم القراران في فتح ومعالجة ملف المئات من ضحايا الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، من أجل إنهاء معاناتهم، والإفراج عنهم، ولم شملهم بعائلاتهم وأحبائهم، وأن يُشكل القراران أساساً للمزيد من خطوات الإصلاح المؤسسي، ابتداءً من إخضاع تلك الأجهزة والتشكيلات الأمنية ومرافقها، لسلطة النيابة العامة، والقضاء، في إطار سيادة القانون، ومبادئ العدالة.
وقال عبد الرشيد الفقيه، نائب رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "لقد آن الأوان ليُبادر مجلس القيادة الرئاسي وكافة المكونات المنضوية في إطاره، والحكومة المعترف بها دوليًا، دون إبطاء، بإجراء تقييم شامل لكافة مرافق الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، ومرافق مختلف الأجهزة والتشكيلات الأمنية التابعة لمُختلف الأطراف، والكشف عن مصير جميع المختفين قسريّاً والمحتجزين تعسفياً، والإفراج عنهم، وإنصافهم، وجبر ضررهم". وأضاف الفقيه: "يجب على مجلس القيادة اتخاذ المزيد من خطوات الإصلاح المؤسسي -المُلحة والضرورية- من أجل وضع حد لاستمرار تلك الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها الأجهزة والتشكيلات الأمنية على امتداد سنوات الحرب، بما في ذلك ضمان حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والقتل في أماكن الاحتجاز، تحت أي ظرف".
وشدد الفقيه على أنه "يتوجب على المجلس والحكومة والأطراف، البدء بإعادة بناء المؤسسات الأمنية، طبقاً لموجِهات وإجراءات صارمة تلزمها بالامتثال لسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، والالتزام الكلي بقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، في سبيل تحقيق العدالة وإنصاف وجبر ضرر الضحايا، وإخضاع مرتكبي الانتهاكات للمساءلة والمحاسبة".
جدير بالذكر، أن مواطنة لحقوق الإنسان، وثَّقت أكثر من 1225 حالة احتجاز تعسفي، و553 حالة اختفاء قسري، و357 حالة تعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ارتُكبت في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، والسلطات الموالية لحزب الإصلاح في مأرب وتعز، والمجلس الانتقالي الجنوبي، خلال سنوات الصراع.
كما وثقت مواطنة ما لا يقل عن 200 واقعة تعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ارتكبتها تشكيلات المجلس الانتقالي الجنوبي، منذ إعلان تأسيسه.
وبحسب الوقائع التي تم توثيقها من قبل مواطنة، وشهادات ضحايا الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري الذين تعرضوا لأشكال من الانتهاكات والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة داخل السجون التي تديرها تشكيلات من القوات التابعة للانتقالي الجنوبي في عدن ومحافظات أخرى جنوب اليمن، تبدأ بالضرب المبرح، وانتزاع اعترافات بالإكراه والإمضاء عليها، وتعمُّد الإهانة، والحرمان من النوم لفترات طويلة، والحرمان من العلاج والزيارة، والاحتجاز التعسفي دون محاكمات لفترات طويلة، وفي ظروف وأماكن احتجاز سيئة للغاية.
تدعو مواطنة، النائب العام في عدن، إلى إعمال ولايته القضائية على جميع الأجهزة والتشكيلات الأمنية ومرافقها، في عدن ومأرب وكافة المحافظات الأخرى، وفتح ملفات المئات من المختفين قسرياً والمحتجزين تعسفياً، وضحايا التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، من أجل الكشف عن مصير الضحايا والإفراج عنهم، وتقديم التعويضات اللازمة لهم ولعائلاتهم. كما تدعو كافة الأطراف المنضوية في إطار مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المُعترف بها دولياً، إلى الكف عن ممارسة جميع أشكال التعذيب النفسي والبدني، وجميع الممارسات غير الإنسانية في سجونها، وإطلاق سراح جميع المختفين قسرياً والمحتجزين تعسفيًا في أقبية أجهزتها وتشكيلاتها الرسمية وغير الرسمية، بمعزل عن ولاية النيابة العامة والقضاء، ودون أي مسوغ قانوني.
كما دعت مواطنة، جميع الهيئات والجهات الفاعلة في مجال حقوق الإنسان المحلية والدولية، إلى الضغط على جميع أطراف النزاع في اليمن، التي تتورط في جرائم الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لحملها على التوقف عن استخدام التعذيب والمعاملات غير الإنسانية والمُهينة في جلسات التحقيق، وإهدار كرامة المحتجزين قيد التحقيق، والالتزام بالنهج الإجرائي الذي يحدده القانون دون تجاوزِ ولا شطط.
نماذج من الوقائع
في يوم الخميس الموافق 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023م، وفي حدود الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، قامت قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة عدن، مديرية خور مكسر، باحتجاز أحد المحامين وإيداعه السجن دون أي مسوغ قانوني، لم يتم التحقيق مع الضحية، إذْ مازال الضحية رهن الاختفاء القسري منذ لحظة احتجازه حتى الآن، دون السماح بزيارته أو إحالته إلى الجهات المختصة قانوناً.
ويقول ضحية ثانٍ، لـ "مواطنة"، طلب إخفاء هويته، إنه تم تعذيبه في سجن "مكافحة الإرهاب" بعدن، حيث تم إدخاله إلى غرفة بعد ربط عينيه بقطعة قماش وتقييد يديه بقيد حديدي إلى الخلف، ثم ضربه بأيدهم وأرجلهم في أضلاعه ووجهه وتعليقه من يديه بقيود حديدية إلى السقف وهو يقف على أطراف أصابع قدميه على طوبة لمدة ثلاث ساعات، لإجباره على الاعتراف أنه ينتمي لتنظيم القاعدة، وأنه مشارك في التفجيرات وعمليات الاغتيالات في عدن، ثم أُجبر على التوقيع على محاضر التحقيق وهو معصوب العينين، دون أن يسمح له بالاطلاع على ما هو مدوَّن فيها.
ويقول ضحية ثالث، وهو ضحية اختفاء قسري وتعذيب (طلب إخفاء هويته): "بعد يومٍ من احتجازي، أخذوني من زنزانتي في السجن، وأنا معصوب العينين ومغلول اليدين إلى غرفة التحقيقات، كان فيها عدد من الأشخاص لم أميز عددهم؛ تم التحقيق معي طالبين مني الاعتراف بانتمائي لتنظيم القاعدة، كانوا مُصرِّين على أن لي علاقة بالتنظيم، وأجبروني على التوقيع على أوراق دون أن أطلع عليها، ثم قام أحدهم بضربي في وجهي وأضلاعي بيديه حتى شعرت أن أضلاعي تكسرت، ثم ضربني بحديدة على بطني، فانقطعت أنفاسي لثوانٍ، وشعرت بألم شديد وبأني سوف أموت، كنت أصرخ بكل صوتي وأتوسل إليهم بأن يرحموني لأني مظلوم، ولكن قلوبهم كانت قاسية، وبينما أنا كذلك، قام شخصٌ ثانٍ بركلي وصفعي على وجهي...".
ويصف ضحية رابع (طلب إخفاء هويته) تم احتجازه وتعذيبه في مدينة مأرب الخاضعة لسيطرة حزب الإصلاح: "كنت أتعرَّض للتعذيب والضرب والسب والقذف؛ كانت تهمتي أنني مشرف حوثي كبير، وانني أُجَنِّد "الزينبيات" لصالح أنصار الله (الحوثيين).. كان السجن قذرًا وضيقًا ورائحته خانقة بسبب عدم التهوية والأعداد الكبيرة في سجن مديرية الأمن المركزي، وظلوا يحققون معنا ويضربوننا بكابلات الكهرباء (جلد) في كل مكان: الجسم، الرأس، اليدين، الظهر، الأرجل، ويضعون أسلاك كهرباء في أصابع الرجل، وتعريضي لصدمات كهربائية وأنا معصوب العينين".
وفي يوم الثلاثاء 7 مايو/ آيار 2024، قامت قوات أمن نقطة التحالف بمديرية المدينة - محافظة مأرب، باحتجاز أحد المُسافرين ونقله إلى حجز قسم شرطة الروضة - المنطقة الأمنية الثانية، ووُجِدَ مشنوقاً في سجن الروضة، يوم الأربعاء 8 مايو/أيار 2024، بعد يوم واحد فقط من احتجازه.