الاستهداف المستمر للتعليم يقوض مستقبل الأطفال في اليمن
قالت "مواطنة لحقوق الإنسان" في بيان لها اليوم، بالتزامن مع اليوم العالمي للتعليم، الذي يوافق 24 يناير/كانون الثاني من كل عام، إن النزاع المسلح في اليمن، بتبعاته المختلفة وعلى مدى ما يزيد عن عشر سنوات، أحدث طيفًا واسعًا من الآثار السلبية. وتعرضت المنشآت التعليمية لأنماط مختلفة من الانتهاكات نتيجة عدم اتخاذ أي تدابير من قبل الأطراف المتنازعة في اليمن لحماية المنشآت التعليمية من الهجمات بأنواعها. وفي ظل مساعي التوظيف السياسي للتعليم، واستمرار استخدام واحتلال المدارس والمنشآت التعليمية، وغيرها من الممارسات والانتهاكات، حُرم ملايين الأطفال اليمنيين من حقهم في التعليم.
وأضافت "مواطنة" أنها وثّقت، خلال فترة النزاع المسلح من سبتمبر/أيلول 2014 وحتى نهاية العام 2024، ما مجموعه 1496 انتهاكًا ضد التعليم والمنشآت التعليمية، ارتكبتها مختلف أطراف النزاع، بما في ذلك جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والتحالف بقيادة السعودية والإمارات، والحكومة المعترف بها دوليًا، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات المشتركة، إضافة إلى التنظيمات الإرهابية. وجاءت في مقدمة هذه الانتهاكات الهجمات الجوية والأرضية، والتفجير، واحتلال المدارس، والاعتداء عليها، فضلًا عن استخدام المنشآت التعليمية لأغراض التحشيد والتجنيد واستغلال الأطفال، وأنماط أخرى من الانتهاكات المختلفة، مؤكدةً أن هذا الرقم يمثل فقط ما تمكنت مواطنة من توثيقه، وهو ما يعكس الحجم الكبير للانتهاكات التي تعرض لها التعليم في اليمن.
وأشارت مواطنة في بيانها إلى أن الأثر الكارثي الذي لحق بالعملية التعليمية في اليمن لم يكن ليحدث لو أن الأطراف المتنازعة اتخذت التدابير اللازمة لحماية المنشآت التعليمية وتحييد العملية التعليمية عن النزاع. وأوضحت أن الآثار السلبية التي لحقت بالتعليم تهدد مستقبل أجيال قادمة من اليمنيين ولا تقتصر على الجيل الحالي، نظرًا للأضرار الكبيرة التي لحقت بالتعليم، بالإضافة إلى محاولات تحوير العملية التعليمية عن أهدافها وتوظيفها لأغراض سياسية وأيديولوجية ضيقة.
تنص القوانين الدولية العرفية والتعاقدية على حظر استهداف التعليم والمنشآت التعليمية، وتُصنَّف الهجمات على المدارس ضمن الانتهاكات الستة الجسيمة ضد الأطفال، وفقًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الأطفال والنزاع المسلح لعام 1999، الذي يدين ويحدد ستة انتهاكات جسيمة يعاني منها الأطفال أشد المعاناة في أوقات الحرب.
كما أن الحق في التعليم يُعدّ من الحقوق الأساسية التي كفلتها القوانين الدولية المختلفة، في جميع الظروف. وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص حقًا في التعليم، وأن التعليم يجب أن يُوفَّر مجانًا على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية، وأن يكون التعليم الابتدائي إلزاميًا، كما يجب أن يكون التعليم الفني والمهني متاحًا للعموم، والتعليم العالي متاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم. وتنص الاتفاقيات والمواثيق الدولية الأخرى على اعتبار التعليم حقًا أساسيًا لكل فرد دون تمييز وفي جميع الظروف.
قالت رضية المتوكل، رئيسة "مواطنة لحقوق الإنسان": "إن تدهور وضعف التعليم يعد أحد الأوجه المأساوية للنزاعات المسلحة، والتي تمتد آثارها لفترات طويلة بعد انتهاء النزاع. وقد تعرض التعليم في اليمن، ولا يزال، لأنواع مختلفة من الفظائع والانتهاكات، مما تسبب في انهيار كبير للمنظومة التعليمية، وانعكس سلبًا على قدرة الأطفال على الوصول للتعليم، وعلى نوعية وجودة التعليم المتاح في ظل النزاع".
وأضافت المتوكل: "إن ضعف وتدهور التعليم يهددان حقوق الأجيال في التطوير والتأهيل المناسبين، ويعيقان قدرتهم على ممارسة الحقوق الأساسية المختلفة، حيث يمثل الحصول على الحق في التعليم المناسب مقدمة لإعمال بقية الحقوق وضمانة أساسية لها".
وفي تقرير بعنوان "معلقون في الميزان: كفاح الأطفال اليمنيين من أجل التعليم"، الصادر عن منظمة إنقاذ الأطفال، تبين أن اثنين من كل خمسة أطفال، أو ما يعادل 4.5 مليون طفل، خارج المدرسة.
ووجد تحليل المنظمة أيضًا، أن الأطفال النازحين معرضون للتسرب من المدارس بمعدل يزيد بمرتين عن غيرهم، بينما قد تقلل العودة إلى مناطقهم الأصلية من نسب التسرب بنسبة 20%، إلا أن هذا الخيار ليس ممكنًا بسبب استمرار انعدام الأمن.
وبحسب دراسة ميدانية أجرتها "مواطنة" بعنوان "حرب التجهيل"، ونُشرت في ديسمبر/كانون الأول 2020 حول تأثير النزاع المسلح على الوصول للتعليم في اليمن، فإن 48.3% من التلاميذ اضطروا لترك التعليم بسبب الظروف السيئة لأسرهم، أو عدم ملائمة البيئة التعليمية لهم، أو ضعف اهتمام أسرهم بالتعليم، أو بعد المدارس عن مناطق سكنهم، إضافة إلى الخوف من الذهاب إلى المدرسة في ظل النزاع وازدياد المخاطر، وغير ذلك من الأسباب المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالنزاع.
وبحسب الدراسة، تأتي عمالة الأطفال في مقدمة الأسباب التي ساهمت في الحرمان من التعليم وارتفاع نسب التسرب المدرسي بنسبة 44%، وتشكل الظروف المعيشية السيئة وعدم قدرة الأسر على تحمل تكلفة الرسوم والمتطلبات الدراسية 20%، من إجمالي الأسباب التي بحثتها الدراسة.
ودعت "مواطنة لحقوق الإنسان" كافة أطراف النزاع إلى التوقف الفوري عن ارتكاب الانتهاكات بحق التعليم والمنشآت التعليمية، بما في ذلك الاستهداف المباشر، والاحتلال، والاستخدام، والتوظيف السياسي، وغيرها من الانتهاكات. وطالبت بضمان حق الأطفال في التعليم في جميع المناطق، واتخاذ خطوات فعّالة لإعادة الأطفال المتسربين إلى العملية التعليمية، وتوفير الاحتياجات اللازمة لإلحاقهم بالمدارس، وتطهير وإزالة الألغام، ومعالجة المشكلات المتعلقة بأوراق الثبوتية للنازحين وغيرهم من المدنيين الذين فقدوا وثائقهم خلال النزاع، مما جعلهم غير قادرين على ممارسة حقوقهم المختلفة بشكل طبيعي، بما في ذلك حقهم في التعليم، بالإضافة إلى إعادة تأهيل المدارس المدمرة وغيرها من الإجراءات الضرورية.
كما دعت مواطنة المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والدول الفاعلة على المستوى الدولي، إلى دعم وتعزيز جهود السلام في اليمن، والعمل على تشكيل آلية تحقيق دولية ذات طابع جنائي للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، ومنها الانتهاكات التي طالت التعليم والمنشآت التعليمية، وجمع الأدلة حولها لضمان مساءلة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، وتحقيق سلام عادل ومستدام.