ضابط دعم قانوني
موسى حسين الأكحلي
مع التطور التكنولوجي والتحديث التقني المستمر للهواتف النَّقالة التي أصبحت _بفعل القفزة التقنية الراهنة_ جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان المعاصر، على الصعيد الشخصي والعملي وحتى على الصعيد المالي.
وكان لافتًا مع بدء النزاع وتعدد مناطق النفوذ في اليمن، تمادي بعض الجهات الأمنية في انتهاك خصوصية الموطنين المدنيين عبر تفتيش هواتفهم المحمولة في النقاط الأمنية أو مراكز الشرطة، وكذلك التنصت على المكالمات من جانب الجهات الرقابية، وهنا يحق للمرء أن يسأل: ما مدى المشروعية القانونية لهذا الفعل؟ وهل أقرَّ القانون اليمني حمايةً تكفل عدم التعدي على الحياة الخاصة للمواطنين وأسرارهم الشخصية والعائلية؟
الحقيقة أن المُشَرِّع اليمني لم يتناول الهاتف النقال بمفهومه الحديث بمعالجات ومواد قانونية، لأن القانون اليمني لم يُحَدَّث منذ فترة طويلة تسبق اختراع الهاتف الذَّكي، إلا أنَّ موادَ ونصوصَ القانون اليمني ومبادئِه العامة قد كَفِلَتْ للمواطنين حماية مراسلاتهم اللاسلكية، ويشمل ذلك حماية هواتفهم وما تحتويه؛ إذْ يؤكد الدستور اليمني في المادة (53)، على حرية وسرية المراسلات البريدية والهاتفية والبرقية وكافة وسائل الاتصال، فلا يجـوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في حالات محددة في القانـون وبأمـر قضائـي.
كما أكدَّتْ نصوص قانون الإجراءات الجزائية على هذا الحق، فأكدت على أن للأشخاص والمساكن والمراسلات البريدية والمحادثات السلكية واللاسلكية والمحادثات الشخصية حرمة، وأن حرمة المراسلات تمنع من الاطلاع عليها أثناء نقلها أو انتقالها من شخص الى آخر، بريديةً كانت أم هاتفية، وأنه لا يجوز تفتيش الأشخاص أو دخول المساكن، أو الاطلاع على المراسلات البريدية، أو تسجيل المحادثات السلكية أو اللاسلكية أو الشخصية وضبط الأشياء إلا بأمر من النيابة العامة أثناء التحقيق ومن القاضي أثناء المحاكمة.
وأما الحق في مراقبة الاتصالات الهاتفية واللاسلكية، فقد حَصْرُه القانون بالنيابة العامة فقط، وبشروط لا يجوز تجاوزها، وهي أن تكون المراقبة أو التسجيل لازمان للكشف عن جريمة ما، ويجب على النيابة العامة عند إصدار أمر كهذا، ذِكر سبب اصدار الأمر بمراقبة الاتصالات الهاتفية، على الّا تزيد مدة المراقبة للاتصالات الهاتفية عن ثلاثين يومًا.
وفي حالة كان شخص في تماس مع القانون، فلا يحق للأجهزة الأمنية أن تقوم بتفتيش هاتفه واذا ما تم احالته للنيابة العامة بتهمة معينة، ورأى عضو النيابة أنه يحتاج لتفتيش هاتفه لاستخراج دليل معين، فيجب على عضو النيابة العام في هذه الحالة أن يثبت أولًا قراره بتفيش الهاتف في محضر التحقيق، ثم بعد ذلك يقوم بالتفتيش في إطار الجريمة المتهم فيه الشخص وبما يحقق نتيجة للتحقيق، ولا يتجاوز إلى غير ذلك من التطبيقات الموجودة في الهاتف والتي ليست متصلة بالجريمة، فعلى سبيل المثال: قدَّم شخص شكوى سَب بحق شخص آخر، وادعى أن المشكو به استخدم تطبيق "الواتساب" في السب؛ في هذه الحالة اذا قرر عضو النيابة أن يفتش الهاتف للتأكد من الرسائل بين الشاكي والمشكو به، يتعيَّن عليه أن يثبت قراره في المحضر، ثم يقوم بتفيش الرسائل بين الشاكي والمشكو به في تطبيق الواتساب فقط دون غيره من التطبيقات، ويدوِّن كل إجراءاته في محضر التحقيق.
أما ما يتم من قبل النقاط الأمنية من إيقاف الأشخاص وطلب هواتفهم وتفتيشها يُعدُّ أمرًا مخالفًا للقانون، وليس من حق النقاط الأمنية أو الافراد التابعين لإدارات الأمن ومختلف الأجهزة الأمنية طلب الهواتف النقالة للموطنين وتفتيشها، وإذا ما تم هذا الفعل من قبل أحد افراد النقاط الأمنية، فهو يُعدُّ بذلك مرتكبًا لجريمة انتهاك حرمة المراسلات وفقا لنص المادة ( 255) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، حيث تعاقب هذه المادة كل من فتح بغير حق خطابًا مرسلًا إلى الغير أو احتجز رسالةً برقية أو هاتفية أو استولى أو أتلف أو أخبر الغير بمحتويات إحدى الرسائل بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو الغرامة، وإذا ارتكب أحد هذه الأفعال موظفٌ عام، تُشدَّد العقوبة إلى الحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو الغرامة.