بشأن تعزيز حماية المدنيين من الآثار الإنسانية الناجمة عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان
ألقت رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان، رضيه المتوكل، بيانًا افتتاحيًا بالنيابة عن الشبكة الدولية للأسلحة المتفجرة (INEW)، خلال مشاركتها في مؤتمر المتابعة الدولي الأول لاعتماد الإعلان السياسي بشأن تعزيز حماية المدنيين من الآثار الإنسانية الناجمة عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، الذي عُقد اليوم، الثلاثاء 23 أبريل/ نيسان، في العاصمة النرويجية أوسلو.
"لم يتبقى جسد أو جثة واحدة مكتملة، سواء من الضحايا البالغون أو الأطفال، ولم يكن هناك ناجون أو مصابون، ولم يتم العثور على جثة واحدة مكتملة بين القتلى"
شاهد عيان من اليمن – يونيو 2019
"لقد نُسِف المبنى بكل بساطة. لم يبقَ شيء تقريبا، فقط جزء من حمّام وجزء من ممر، هنا رجل مضرج بالدماء بجانب أمه المتوفاة، وهنا رجل آخر يحمل طفله الميت ويتحدث معه ويطلب منه إلا يبكي"
شاهد عيان من أوكرانيا – مارس 2022
"وجدت طفلي تحت قضبان خرسانية وسط الأنقاض، كان الجزء الخلفي من رأسه مشقوقا وإحدى ساقيه بالكاد متصلة بجسمه، ووجهه محروقا لكنه بدا على قيد الحياة، اخرجناه في ثوان لكنه توفي في سيارة الإسعاف، لقد قُتل الأطفال الثلاثة في الهجوم."
أم من غزة – يناير 2024
توضح هذه الشهادات المروعة الواقع المرير الذي يواجهه المدنيون الذين يعيشون تحت القصف.
وهي تظهر نمطا واضحا وخطيرا من الضرر الذي يلحق بالمدنيين.
إن التفجيرات والقصف، سواء تم تنفيذها من خلال الغارات الجوية أو الصواريخ أو المدفعية، هي حوادث شائعة بشكل مأساوي في المناطق المأهولة بالسكان في جميع أنحاء العالم. وهي ليست حوادث معزولة ولكنها تحدث بشكل روتيني في مناطق مختلفة، بما في ذلك غزة وأوكرانيا والسودان وسوريا والعراق وميانمار، ولا سيما، بلدي، اليمن.
وقد صدر يوم امس التقرير الخاص بمراقبة الأسلحة المتفجرة، وهو يظهر مستويات غير مسبوقة من الاضرار والمعاناة التي لحقت بالمدنيين. ففي العام الماضي وحده، تم تسجيل أضرار مدنية ناجمة عن استخدام الأسلحة المتفجرة في 75 دولة وإقليما على الأقل.
ومع ذلك، فإن المعلومات التي نوثقها ونشاركها حول الفظائع التي تطال ملايين المدنيين الذين يعيشون في ظل الصراعات المسلحة، إلى جانب ما تنشره وسائل الإعلام والمؤسسات الأخرى بشكل جماعي، لا تخدش سوى سطح التأثير العميق الذي تحدثه الأسلحة المتفجرة على حياة الناس.
وخلال منتدى الحماية الذي استضافته شبكة INEW ولجنة الصليب الأحمر النرويجية أمس، سلطنا الضوء على المدى الهائل لمعاناة المدنيين والدمار، بما في ذلك الخسائر المأساوية في الأرواح والإصابات والإعاقات الدائمة، والجهود البطولية التي يبذلها المستجيبون الأوائل الذين يسعون جاهدين لتقديم المساعدة وإنتشال الضحايا.
لقد سمعنا روايات مباشرة عن التدمير المستمر للبنية التحتية الحيوية – المستشفيات وسيارات الإسعاف والمنازل وإمدادات الكهرباء والمياه – والتداعيات العميقة التي يخلفها ذلك على المجتمعات المدنية نتيجة تضرر أو تدمير هذه الأعيان.
وتعرفنا أيضًا على الندوب النفسية العميقة التي تسببها أصوات الانفجارات ومشاهدة الدماء والدمار، والحزن العميق الناجم عن فقدان الأحبة، وتعد هذه من بين الآثار العميقة التي تظل محفورة في أذهان المدنيين، وخاصة الأطفال.
وتؤكد هذه الشهادات والتجارب الحاجة الماسة إلى الاهتمام والعمل الفوري.
وإذا كنا ملتزمين حقًا بالتقليل من هذا الضرر في المستقبل، فمن الأهمية بمكان أن تظل الحكومات والدول مستجيبة ومراعية لاحتياجات وتجارب المدنيين المتأثرين بالصراع والعنف.
وينبغي أن يكون الإعلان بمثابة عدسة توجه الاهتمام السياسي نحو الضرر المستمر الذي يتعرض له المدنيون في مناطق الصراع، مما يحفز العمل الإنساني استجابة لهذه الاحتياجات الملحة.
كما ينبغي على الدول التي أيدت الإعلان وتعهدت بمعالجة هذه القضية أن تقف إلى صف المدنيين عند تعرضهم للأذى، بغض النظر عن الطرف المسؤول عن التسبب بذلك الضرر. ويجب إجراء تحقيقات شاملة في الحالات التي نجم عنها وقوع اضرار مدنية، والسعي إلى محاسبة المسؤولين عنها، واستخلاص دروس مفيدة من هذه التجارب لمنع الضرر في المستقبل.
لا يزال هناك الكثير مما يمكن، بل ويجب، القيام به. فبينما يمثل التوقيع على هذا الإعلان إجراءً أوليًا حاسمًا، فإن قيمته الحقيقية تكمن في ترجمة حماية المدنيين من مجرد طموح على الورق إلى واقع ملموس.
ونحن ندرك أن تنفيذ الإعلان هو عملية مستمرة، لكن هذه العملية تبدأ بإجراء تغييرات في السياسات الوطنية، وينبغي أن يؤدي ذلك إلى تغيير في الإجراءات العملية – وهو الهدف الذي نلتزم جميعًا بتحقيقه.
وينبغي أن تبدأ الجهود الرامية إلى تنفيذ هذه التغييرات على وجه السرعة، إذا لم تكن قد بدأت بالفعل. وينبغي لجميع الدول التي تؤيد هذا الإعلان أن تتوقع الحاجة إلى مراجعة سياساتها وممارساتها، ووضع قيود على استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين. ولا ينبغي لها أن تفترض أن سياساتهم الحالية كافية لمعالجة هذه القضايا الحاسمة.
واليوم، نتطلع إلى الإستماع من الدول حول ما قامت به من خطوات عملية في تنفيذ هذا الاعلان منذ أن صادقت عليه، وكذلك حول ما تعتزم القيام به في المستقبل بهذا الشأن.
ونظراً للواقع المرير للصراعات الحضرية اليوم، يجب علينا أن نجبر الأطراف المتحاربة على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين وتجنيبهم الآثار المدمرة للصراعات. ويستلزم هذا، قبل كل شيء، التزامًا راسخًا متأصلًا في الإرادة السياسية الحقيقية لإعطاء الأولوية لحماية المدنيين، بما في ذلك الكف عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المكتظة بالسكان.
وعلى الرغم من كل ما نراه من إرهاب وأذى ومعاناة تطال المدنيين حول العالم اليوم، فإنني أكرر ما أقوله دائمًا: هذا الواقع المأساوي ليس قدراً – لكنه وضع يمكن تغييره بواسطة النساء والرجال، أمثالنا، وتصميمهم على تحقيق التغيير.
السيدات والسادة،
إن السبيل الوحيد أمامنا لمنع الضرر والمعاناة الناجمة عن استخدام الأسلحة المتفجرة كما نرى في أماكن مثل أفغانستان وغزة والعراق وميانمار واليمن والسودان وسوريا وأوكرانيا، وغيرها من المناطق حول العالم، هو أن نمتلك الشجاعة والنزاهة والتصميم والوعي في مواجهتها، وأن نعتبرها مسؤولينا الجماعية لحماية المدنيين من هذه الأسلحة التي تسبب الدمار لكثير من الناس حول العالم اليوم.