قالت منظمة “مواطنة لحقوق الإنسان” إن انتهاكات مروعة طالت الصحافة ومؤسساتها في اليمن، منذ اندلاع النزاع العنيف في البلد إثر سقوط العاصمة اليمنية بيد جماعة “أنصار الله” المسلحة (الحوثيين) وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، أواخر سبتمبر 2014..
على المجتمع الدولي الوقوف إلى جانب الصحفيين اليمنيين في محنتهم التي يقفون فيها بلا نصير في وجه القمع والتنكيل
قالت منظمة “مواطنة لحقوق الإنسان” إن انتهاكات مروعة طالت الصحافة ومؤسساتها في اليمن، منذ اندلاع النزاع العنيف في البلد إثر سقوط العاصمة اليمنية بيد جماعة “أنصار الله” المسلحة (الحوثيين) وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، أواخر سبتمبر 2014.
وتنوعت أنماط الانتهاكات ووسائل التنكيل التي تتعرض لها الصحافة ومنتسبوها، على مدى أكثر من عامين، بين الاعتقالات التعسفية، الاختفاء القسري، مداهمة المقار الإعلامية، إغلاق الصحف ومصادرتها، ومحاكمات جائرة أفضت إحداها لإصدار حكم بالإعدام.
وحذرت “مواطنة” في بيانها بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة من أن استمرار الممارسات العنيفة والقمعية الممنهجة ضد الصحفيين ومؤسساتهم ووسائلهم، من شأنها أن تفضي إلى اندثار مهنة الصحافة، والإجهاز على ما تبقى من هامش لحرية التعبير كان في اليمن قبل الحرب.
وتصدرت جماعة “أنصار الله” المسلحة (الحوثيين) وقوات حليفها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، قائمة منتهكي حرية الصحافة والإعلام في البلد. كما انتهجت جماعة أنصار الشريعة في محافظة تعز سلوكاً قمعياً وعدائياً تجاه الصحافة ومنتسبيها في اليمن.
وطالبت “مواطنة” سلطة جماعة “أنصار الله” وحليفها “صالح”، صاحبة السجل الأكبر في انتهاكات الحريات الصحفية، سرعة إيقاف انتهاكاتها ضد الصحفيين ومهنة الصحافة. كما شددت على جميع الأطراف الكف الفوري عن كل الممارسات القمعية التي تهدد عمل الصحفيين وتحد من حريتهم.
وفي الوقت الذي ما تزال تعتقل فيه 17 صحفياً يمنياً بصورة تعسفية، بينهم صحفي واحد على الأقل مُختفٍ قسراً منذ أكثر من عامين، وتعرّض هؤلاء الصحفيين للتعذيب خلال فترات متفاوتة، أقدمت سلطة جماعة “أنصار الله” و”صالح”، مؤخراً، في سابقة خطيرة، على إصدار حكم بالإعدام ضد الصحفي يحيى عبد الرقيب الجبيحي، الذي تعتقله جماعة “أنصار الله” في سجونها منذ أكثر من سبعة أشهر، في العاصمة اليمنية صنعاء.
وأصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة، صباح الأربعاء 12 أبريل/ نيسان 2017، في صنعاء، الخاضعة لسلطة جماعة الحوثيين والرئيس السابق صالح، حكماً “بالإعدام تعزيراً بحق الصحفي يحيى الجبيحي، لتخابره مع دولة أجنبية”، وذلك بعد جلسة محاكمة لم تتعدَّ 15 دقيقة، مُنع خلالها محامي الصحفي الجبيحي من الترافع والاطلاع على أية وثائق، بحسب معلومات تحققت منها “مواطنة”.
وقالت “مواطنة لحقوق الإنسان” إنها تستشعر خطورة متزايدة إزاء هذه السابقة الخطيرة التي أقدمت عليها سلطة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) وحليفها الرئيس السابق علي عبد الله صالح، باستخدام جهاز القضاء، الخاضع لها كلية، للنيل والتنكيل بخصومها من منتسبي مهنة الصحافة وحملة الرأي.
وقالت رضية المتوكل: على سلطة جماعة أنصار الله وصالح سرعة وقف سلوكها العنيف تجاه الصحافة وطواقمها، واخلاء سبيل الصحفيين المعتقلين لديها دون شروط او تأخير. منذ سبتمبر ٢٠١٤ تصاعدت الانتهاكات ضد حرية التعبير بشكل متسارع ومخيف، وإن كانت جماعة أنصار الله هي الأبرز في هذا المضمار إلا أنه سلوك الانتهاكات ضد حرية التعبير باتت تتشارك فيه اليوم كافة أطراف الصراع وجماعاتها المختلفة.
بحسب أبحاث “مواطنة” الاستقصائية للانتهاكات التي طالت مهنة الصحافة وطواقمها، منذ مطلع العام 2015، لا يزال 17 صحفياً يقبعون خلف قضبان سجون جماعة الحوثي وقوات صالح، ومنهم من لا يزال قيد الاختفاء القسري منذ أذار/ مارس 2015. كما وثقت “مواطنة” مقتل ثلاثة صحفيين في غارات جوية نفذتها طائرات التحالف الذي تقوده السعودية، بينهم اثنان قُتلا أثناء اعتقالهما في مبنى استخدمته جماعة الحوثي وقوات صالح كمعتقل لها بمحافظة ذمار شمال اليمن.
وطبقاً لمعلومات وإحصائيات وثقتها وسجلتها “مواطنة”، فإن سلطة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) وحليفها الرئيس السابق صالح، قد حجبت كل إمكانية للوصول إلى ما لا يقل عن 36 موقعاً إخبارياً إلكترونياً، كما داهمت واقتحمت أكثر من 14 مكتباً ومقراً لوسائل إعلامية وصحفية، ونفذت خلال تلك المداهمات عمليات استيلاء ومصادرة لعدد من ممتلكات تلك المقار والمكاتب، معظمها يخص جهات إعلامية مناوئة، بعضها يتبع حزب التجمع اليمني للإصلاح.
وإزاء المشهد المتصاعد للنزاع المسلح وما يرافقه من حالة انفلات أمني شديدة، تعبر “مواطنة” عن قلقها ومخاوفها المتعلقة بالحالة العامة للصحافة في البلاد، وتطالب كافة أطراف النزاع بأن تكف فوراً عن ممارساتها القمعية تجاه حق التعبير والحريات الصحفية في اليمن. كما تطالب المجتمع الدولي بأن يضطلع بمسؤولياته لأجل صيانة وضمان حق اليمنيين في القول والتعبير، وضرورة اتخاذ التدابير والإجراءات العقابية الرادعة بحق جميع الأطراف والجماعات المتورطة في انتهاكات مهنة الصحافة وعمالها في اليمن.
قالت منظمة “مواطنة” إن العامين الماضيين كانا الأكثر دموية وفتكاً بالصحفيين في اليمن؛ إذ لقي الصحفيون أنفسهم عالقين بين نيران وقذائف مختلف أطراف النزاع. وقد تحققت “مواطنة” من نحو 5 حوادث استهدف فيها صحفيون وعاملون في مجال الإعلام أثناء تغطيتهم للأخبار وتأديتهم لأعمالهم في الميدان.
ففي 17 يناير/ كانون الثاني 2016، قُتل المقداد مجلي (34 عاماً)، الذي كان يعمل مراسلاً صحفياً لشبكة الأنباء الإنسانية “إيرين”، في غارة جوية شنتها قوات التحالف العربي بقيادة السعودية على منطقة “جارف”، الواقعة جنوب العاصمة صنعاء.
أصيب الصحفي المقداد بشظايا إحدى القذائف أثناء تأديته لعمله الميداني في منطقة “جارف” التي كانت قد تعرضت لغارات جوية شنتها مقاتلات حربية تتبع التحالف العربي. وقد فارق الحياة متأثراً بجراحه قبل وصوله إلى المستشفى. أما الثلاثة الآخرون، الذين كانوا رفقة الصحفي المقداد، فقد أصيب اثنان منهم، هما: السائق عبد الباري السماعي (24 عاما)، ومرافقهم من أهالي المنطقة عمر صروب (25 عاما)، ونجا المصور التلفزيوني باهر الشرعبي (23 عاما) من أي إصابة.
وقال المصور باهر الشرعبي لـ”مواطنة”: “بينما كنا نقف فوق الركام الذي خلفه القصف، وبعد انتهائنا من إجراء لقاءات مع شهود عيان من أهالي المنطقة، ابتعدتُ عن المقداد لآخذ بعض الصور للمكان، بينما كان هو يكتب بعض الملاحظات، وبجواره السائق عبد الباري السماعي، وفوجئت بأصوات طائرات تحلق في المكان. كنت واثقا من أنه لا يمكن قصف هذا المكان مرة أخرى، لأنه كان مدمرا تماما. إلا أن انفجارا كبيرا قذفني حوالي ثلاثة أمتار. قمت بعدها مذهولا لأجد زميلي المقداد والسائق عبد الباري كلاهما يحاول إنهاض الآخر. كان الغبار والشظايا تملأ المكان. اتجهنا إلى السيارة، وكانت بعيدة عنا، وطلب المقداد أن نجلسه على الأرض جوار السيارة. أجلسناه ورحت أتفقد جسده، لمعرفة مكان الإصابة، طلب مني ربط يده اليسرى، فوجدتها شبه مبتورة من مفصل الكتف، ولم يتبق سوى عِرْق يربطها بالجسد”.
وقال السائق عبد الباري السماعي، الذي التقته “مواطنة” أيضاً: “سمعنا الانفجار على بعد حوالي 5 أو 6 أمتار عنا: أنا والمقداد، بينما كان المصور في مكان مرتفع بعيد عنا. هربنا باتجاه السيارة، فلاحظت جرحا ينزف في فخذي الأيسر. ربطته بقطعة قماش وأنا مستمر في الجري، وكان المقداد خلفي يجري هو الآخر، والدم ينزف من شق صغير في فمه، وملابسه كانت قد تلطخت كلها بالدماء، ولاحظت أن يده اليسرى كانت مصابة إصابة بالغة، والشظايا تغطي أنحاء من جسده، ولذلك فقد لفظ أنفاسه الأخيرة في السيارة في الطريق إلى المستشفى”.
وفي الحادية عشرة من ظهيرة 16 نيسان/ أبريل 2016، شهدت منطقة “الحصب” بمدينة تعز، سقوط الصحفي أحمد عبد اللطيف الشيباني، بطلق ناري في مؤخرة رأسه، عندما كان يعمل وسط اشتباكات بين جماعة الحوثي وقوات صالح من جهة، وجماعة المقاومة الشعبية من جهة أخرى. وكان الصحفي الشيباني (30 عاما)، يعمل لدى صحيفة “14 أكتوبر” ومراسلا لقناة “عدن” وموقع “عرب 24” الإخباري.
وقالت آفاق الحاج، الإعلامية لدى قناة “أورينت نيوز”، لـ”مواطنة”: “حين وصلنا أنا والزميلين نعايم خالد ونبيل الخديري إلى منطقة الحصب، التقينا الزميل أحمد الشيباني وكان برفقة الزميل عبد العزيز الذبحاني. كنا جميعا في مهمات تغطية خبر حريق مصنع البلاستيك هناك. لم نتمكن من تصوير الحريق ولا تغطية الخبر، بسبب القصف الشديد والقنص المباشر والمستمر على كل ما يتحرك في المنطقة. لم يكن أمامنا سوى العودة من هناك عن طريق شارع مكشوف أمام أعين القناصة المتمركزين في تبة الأرانب، التي يسيطر عليها الحوثيون، وتطل على الحصب. كان أحمد الشيباني يشجعنا على المضي بسرعة. تشجعنا وقطعنا الشارع إلى الضفة الأخرى، وكان الزميل أحمد آخرنا. التفتُّ أنا إلى الخلف فوجدته قد سقط على الأرض مضرجاً بالدماء. طلب منا اثنان من مسلحي المقاومة أن نختبئ في مبنى هناك، وذهبا لأخذ أحمد، وعادا به. لم أستطع النظر إليه، وكانت نعايم تناديه وترجوه ألا يموت. نُقل أحمد إلى مستشفى الروضة بالمدينة، ليفارق الحياة فور وصوله إلى هناك”.
وفي عصر 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 2016، كان الصحفي أواب الزبيري (21 عاما)، وأخوه عازم (23 عاما)، وزميلاهما حسام القليعة وداوود الوهباني، يقومون بعملية توثيق صحفي للأضرار التي لحقت بحي “العسكري” وحي “الجحملية” بمدينة تعز، جراء الاشتباكات التي دارت هناك. وحين دخل أواب، الصحفي لدى “شبكة تعز الإخبارية”، مبنى في حي “العسكري”، داس على لغم مزروع في المبنى، فانفجر به وفارق الحياة.
والتقت “مواطنة” شقيقه “عازم”، الذي قال: “كنا نحاول توثيق الأضرار في وسط منطقة العسكري، واضطررنا أن نسلك زقاقا ضيقا بين عمارة مختبرات الرازي وعمارة صيدلية المنير. تقدم أواب أولا ولم يتوقف في نهاية الزقاق، بل ركض ليعبر الشارع الرئيسي أيضا. وحين هممنا، أنا وحسام وداوود، بعبور الشارع، حدث انفجار شديد ترك غيمة دخانية هائلة حجبت الرؤية. لم أصدق أن الانفجار أدى إلى انهيار عمارة بأكملها. تلفتُّ أبحث عن أواب. وحين لم أجده رحت أصرخ: أواب! أواب! أخي!… اجتمع الناس، وبعد البحث تحت الأنقاض انتشلوا جسده من هناك، وقد اختلطت دماؤه بالتراب”.
صمت قليلا ثم استطرد: “وجع فقدان أواب ما يزال يخيم علينا، خصوصا أمي. حالتها النفسية في غاية السوء”.
وبحسب شهود عيان التقتهم “مواطنة”، فقد حدثت هذه الواقعة نتيجة انفجار شبكة ألغام كانت مزروعة في المبنى الذي دخله أواب، مما أدى إلى انهيار المبنى كاملاً.
في السياق نفسه، كان الصحفي محمد العبسي قد فارق الحياة، في يوم الثلاثاء 20 كانون أول/ ديسمبر 2016، في ظروف غامضة. وفي 2 شباط/ فبراير 2017، كشف تقرير الطبيب الشرعي أن وفاة الصحفي الاستقصائي محمد عبده العبسي (35 عاما) “كانت نتيجة وجود مادة (الكاربوكسي هيموجلوبين) في الدم بنسبة 65%، والناتجة عن استنشاق غاز أول أكسيد الكربون، بكمية قاتلة”. وكانت “مواطنة” قد أصدرت في وقت سابق، مع أسرة الصحفي العبسي، بيانا يدعو الجهات المعنية إلى البدء بتحقيق شفاف ومستقل حول ملابسات وفاته، بما يكفل كشف كافة الأسباب والظروف المحيطة بها.
قُتل الصحفيان عبد الله قابل (25 عاماً)، ويوسف العيزري (26 عاماً) في 21 مايو 2015 ، إثر غارة جوية لطيران التحالف استهدفت مبنى الفندق الذي احتجزت فيه جماعة الحوثي الصحفيين في رأس جبل هران، بعد اعتقالهما بمحافظة ذمار. وقد اعتقلا في نقطة تفتيش تابعة للحرس الجمهوري صباح الأربعاء 20 مايو 2015 وسط مدينة ذمار شمال اليمن، أثناء عودتهما من تغطية إعلامية لفعالية قبلية مناوئة لجماعة الحوثي في منطقة زراجة بمديرية الحداء بمحافظة ذمار، حيث كان يعمل قابل مراسلاً لقناة “سهيل” بينما يعمل العيزري مراسلاً لقناة “يمن شباب” المحليتين المعارضتين لجماعة الحوثي.
وروى لمواطنة أحد المعتقلين الناجين من القصف، والذي رافق “قابل” و”العيزري” من لحظة اعتقالهما إلى لحظة القصف الجوي الذي فارقا على إثره الحياة مع معتقلين آخرين كانوا في المكان.
وقال لمواطنة إنه كان مع العيزري وقابل عند الساعة 9 صباحاً يوم الأربعاء 20 مايو 2015 لتغطية حدث إحدى الفعاليات، وعند عودتهم، تم إيقافهم من قبل نقطة تفتيش أمام جامعة ذمار تابعة للقوات الموالية لصالح والحوثيين.
وأضاف: “تم إنزالنا من السيارة بطريقة مهينة وقاموا بعصب أعيننا، وأخذونا إلى غرف تحت الأرض في مبنى بجبل هران، ووصلنا حوالي الساعة 12 ظهراً. أغلقوا الأبواب علينا، وبعد نصف ساعة دخل علينا شخصان يقولان إننا مُخبرون. وعند الرابعة عصراً دخل أحدهم إلينا وبيده دفتر ملاحظات، وسجل بياناتنا: الاسم، السكن، العمل، والرموز السرية لهواتفنا النقالة، وبعدها لم نرِ أحدا، ولم نُطلب للتحقيق. وفي اليوم التالي، الخميس 21 مايو 2015، وبعد العصر، كنا نطرق الأبواب ونصرخ، ولم يجبنا أحد. وفي الساعة الرابعة والنصف عصراً سمعنا صوت الطائرات الحربية فانتابنا الفزع. قمت أنا وقابل برفع العيزري لينظر من نافذة البدروم الصغيرة، وأخبرنا أنه لا يوجد أحد. وبعد الضربة الأولى التي استهدفت مبنى مجاوراً، توجهنا إلى باب الغرفة التي كنا فيها، وبعد لحظات أصابتنا الضربة الثانية. كنت تحت الأنقاض لا أستطيع الحركة، وكنت أنادي الآخرين ولم يجيبوا. بقيت لأكثر من ساعة تحت الأنقاض، إلى أن سمعت أصوات أشخاص علمت بعد ذلك أنهم يعملون في الهلال الأحمر، قالوا لي بأن الآخرين قد قضوا في الهجوم”.
وتحدث شقيق الصحفي قابل لمواطنة: “اتصل بي أحد الذين كانوا مع قابل والعيزري في السيارة ذاتها وسمح له الحوثيون بالذهاب مع اثنين آخرين، وقال بأنه تتبَّع السيارة العسكرية التابعة للحوثيين التي أخذت قابل والعيزري وشخصا ثالثاً إلى أن وصلنا إلى جبل هران. في اليوم ذاته، حوالي الساعة الثانية والنصف ظهراً، حاولنا زيارة مكان الاعتقال في جبل هران، ولم يسمح لنا الحوثيون بدخول تلك المنطقة، كونها منطقة عسكرية على حد قولهم. أنكر الحوثيون وجود معتقلين لديهم في تلك المنطقة، وحلفوا لنا أيماناً مغلظة أن عبد الله قابل “في الحفظ والصون وفي مكان آمن وأنه ليس معتقلاً في هذا المكان”. كانت الإشاعات تزداد أن المكان قد يتعرض للقصف، ربما لأنه يستخدم كمخزن سلاح بحسب الأنباء التي ترددت بين السكان في ذلك الحين. مررنا بعد ذلك، أنا وأقارب الصحفي العيزري، على جميع أقسام الشرطة والسجون في المدينة ولم نجدهم”.
واستطرد قائلاً: “في اليوم التالي للقصف ذهبنا إلى مستشفى ذمار لمعرفة الضحايا، ووجدنا أحد الناجين، وكانت حالته صعبة. أبلغنا أنه كان محتجزاً مع شقيقي عبد الله قابل ومع يوسف العيزري في غرفة تحت الأرض في جبل هران. على إثر ذلك ذهبت أنا وأسرة العيزري مرة أخرى إلى المكان بصحبة معدات ثقيلة لرفع الأنقاض وإخراج باقي الجثث؛ لكن الحوثيين القائمين على المكان منعونا من دخول المكان، ولم يسمحوا من يوم حدوث الضربة الجوية في يوم الجمعة حتي يوم الاثنين بدخول معدات ثقيلة لرفع الأنقاض، وإنما الطواقم الإسعافية فقط. وفي يوم الاثنين 25 مايو 2015، وبعد التواصل والضغط على قيادة الجماعة والتواصل مع المحافظ، سُمح بإدخال المعدات الثقيلة لرفع الأنقاض. وبعد البحث لساعات تلقيت اتصالاً في حوالى الساعة 5:30 عصراً يبلغني بأنهم وجدوا جثة شقيقي عبد الله، وأن عليَّ الحضور إلى مستشفى ذمار للتعرف على الجثة. وبعد المغرب تعرفنا على الجثة هناك وأخذناها. ويوم الثلاثاء 26 مايو 2015 الساعة 7 مساءً تم التعرف على جثة الصحفي يوسف العيزري. وقمنا بدفنهما بعد ظهر يوم الأربعاء 27 مايو 2015”.
وأكد لـ”مواطنة” مروان دماج، الأمين العام لنقابة الصحفيين اليمنيين، أن النقابة تحدثت مع قيادات في جماعة الحوثي عندما علمت بمكان اعتقال قابل والعيزري، وطلبت من الجماعة عدم وضعهما في ذلك المكان. وحملت النقابة جماعة الحوثي المسؤولية عما تعرض له كلٌّ من قابل والعيزري.
وفي الوقت الذي عبرت فيه “مواطنة” عن بالغ أسفها وصدمتها لمقتل الصحفيين، حمَلت المنظمة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) وقوات التحالف مسؤولية مقتل الصحفيين، داعية إلى تحقيق مستقل وشفاف يكشف ملابسات هذه الجريمة، لاسيما بعد حصول “مواطنة” على شهادات تزعم استخدام الحوثيين لمرفق الاحتجاز كثكنة عسكرية.
وإزاء ما يتعرض له الصحفيون في اليمن من انتهاكات جسيمة، تجدد “مواطنة” دعوة المجتمع الدولي إلى إنشاء لجنة دولية مستقلة تتولى التوثيق والتحقيق في الانتهاكات التي ارتُكبت في اليمن، والتي تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، خصوصا وقائع قتل الصحفيين.
تعبر “مواطنة” عن مخاوفها إزاء حالة الصحفيين المعتقلين في اليمن لدى الجماعات والجهات المختلفة. وتدعو إلى الإفراج الفوري عن الصحفيين المعتقلين والمختفين قسراً، دون أي تأخير قد يشكل خطراً على حياتهم.
وفي تقريرها “ليسوا هنا”، وثقت “مواطنة” عشرات من وقائع الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، التي نفذتها سلطات جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) وحليفها الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ضد مدنيين في سبع محافظات يمنية، بينهم 10 صحفيين. وطالبت “مواطنة” في التقرير ذاته سلطة الحوثي والرئيس السابق صالح بالإفراج الفوري عن 9 صحفيين يقبعون بشكل تعسفي خلف قضبان السجون التي تديرها سلطات الحليفين، والكشف عن مصير الصحفي وحيد الصوفي (41 عاما) المختفي قسراً منذ 6 أبريل/ نيسان 2015. إلا أن سلطات تحالف الحوثي وصالح لم تكترث لتلك النداءات والمطالبات، بل ضاعفت من ممارساتها القمعية تجاه الصحفيين؛ فقد زاد عدد الصحفيين المعتقلين تعسفاً في سجون الحوثي إلى 17 بحسب ما وثقته وتحققت منه “مواطنة”.
عبد الخالق عمران (32 عاما)، هشام صالح طرموم (28 عاما)، حارث حميد (28 عاما)، أكرم الوليدي (32 عاما)، عصام بالغيث (27 عاما)، هشام عبد الملك سعيد اليوسفي (26 عاما)، هيثم الشهاب (26 عاما)، حسن عبد الله عناب (38 عاما)، توفيق محمد المنصوري (31)، صلاح القاعدي (30 عاما)، وحيد الصوفي (41 عاما)، حسين سعد العيسي (40 عاما)، عبد الله المنيفي (39 عاما)، يوسف حمود محسن عجلان (28 عاما)، يحيى عبد الرقيب الجبيحي (62 عاما)، تيسير السامعي (40 عاماً)، محمد عبدالملك الصلوي (36 عاماً).
وقالت رضية المتوكل إن “استمرار احتجاز الصحفيين تعسفاً لأكثر من عامين دون تهمة أو محاكمة يأتي في سياق خنق الجماعة وحليفها صالح للحريات الصحفية والإعلامية، وتغييب أي صوت لا ينسجم وخطابهم العام”.
وطبقاً لتوثيق “مواطنة”، اعتقلت جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) في كانون ثاني/ يناير 2017، الصحفي تيسير السامعي (40 عاما)، عندما كان في طريقه لإيصال طفله إلى المدرسة، من منزله بقرية الدقادق في مديرية دمنة خدير بمحافظة تعز. اقتاده مسلحان ملثمان على متن دراجة نارية، إلى نقطة تفتيش عسكرية تابعة لجماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، حيث تم احتجازه هناك حتى مغرب ذلك اليوم، قبل أن يتم نقله إلى معتقل “مدينة الصالح” خارج مدينة تعز. بقي تيسير في معتقل “مدينة الصالح” شهرين، تم نقله بعدها إلى معتقل في محافظة ذمار، ولم يُعرَف عنه شيء بعد ذلك.
وتحققت “مواطنة” من قضية اختطاف جميل الصامت، الصحفي في صحيفة “الوحدوي”. ففي صباح السبت 18 آذار/ مارس 2017، في مدينة تعز، تم اختطاف الصامت من قبل جماعة “أنصار الشريعة”، حيث فوجئ، أثناء خروجه من منزله، بثلاثة مسلحين ملثمين يرتدون زيا مدنيا، يعرضون عليه أمر إحضار قهري إلى مكتب “أنصار الشريعة” الواقع في “سوق الصميل” بمديرية القاهرة- إحدى مديريات مدينة تعز، وذلك على خلفية نشره تقريرا صحفيا عن إغلاق المستشفى الجمهوري.
وتحدث الصحفي جميل الصامت (47 عاما) لـ”مواطنة” قائلا: “حققوا معي حول ما نسبته إليهم في تقريري بأنهم وراء إغلاق المستشفى الجمهوري، وأنني تعمدت تشويه سمعة جماعتهم، وأن عليّ الكشف عن مصادر المعلومات التي تضمنها التقرير. رفضت ذلك، حتى تدخلت وجاهات اجتماعية وسياسية وتم الإفراج عني بعد ثلاثين ساعة من الاحتجاز”.
وقد سجلت “مواطنة” أيضاً حالتين على الأقل، تعرض فيهما مراسلان صحفيان للاختطاف من قبل مليشيا وجماعات جهادية منضوية في إطار ما يسمى المقاومة الشعبية في مدينة تعز. وقد أحاطت التحفظات بتلك الحالات؛ لأن المختطفين مازالوا تحت الخطر، إما لأنهم لا يزالون في سجون الجماعات الخاطفة، أو يعملون في مناطق تخضع لسيطرة تلك الجماعات.
وتطالب “مواطنة” كافة الجماعات المسلحة بإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين والكشف عن مصير المختفيين قسراً منهم، ورفع يدها عن الحريات الصحفية، وعدم تعريض الصحفيين للأخطار؛ كون ممارساتها تلك تعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وكافة العهود والمواثيق الدولية.
تلقت منظمة “مواطنة” معلومات من مصادر ذات مصداقية، تفيد بتعرض بعض المعتقلين الصحفيين، في أماكن الاعتقال التابعة لجماعة “أنصار الله” (الحوثيين) وحليفها الرئيس السابق صالح، للاعتداء والتعذيب وغير ذلك من ضروب سوء المعاملة، وأن المرضى منهم حُرموا من الحصول على الرعاية الطبية الملائمة.
والتقت “مواطنة” الصحفيين توفيق المنصوري (29 عاماً) وعبد الخالق عمران (30 عاماً) في “سجن الثورة” الاحتياطي بصنعاء، بمعية سبعة صحفيين آخرين. وقد ظهر المنصوري وعمران بجسدين شاحبين شديدي النحول والضعف، وبعيون غائرة ولحيتين طويلتين، وكان صوتاهما أثناء المقابلة واهيين.
وعن تعرضهما للتعذيب أفادا: “تم ربط أيدينا خلف ظهورنا، وبعدها عُلقنا إلى السقف يوما كاملا. المكان هنا بارد ولا نرَى الشمس إلا مرتين كل ستة أشهر”. وأكدت تقارير صحفية تدهور حالة الصحفي توفيق المنصوري، مما يستوجب سرعة نقله إلى المستشفى ليتلقى فيه الرعاية الصحية اللازمة.
وفي 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، اختطفت جماعة الحوثيين محمد الواشعي (30 عاما) من وسط مدينة ذمار. يعمل الواشعي مراسلاً صحفياً لبعض الصحف والمواقع الخبرية الالكترونية، وينشط في الدائرة الإعلامية لفرع التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في محافظة ذمار.
وتحدث الواشعي لـ”مواطنة” قائلاً: “كان الوقت يقترب من المغرب حين غادرت مقر فرع التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بذمار متجهاً إلى منزلي. وبينما كنت أستوقف دراجة نارية لتنقلني إلى المنزل، فوجئت بمسلح يضع فوهة بندقيته في ظهري مهددا بإطلاق النار، آمراً سائق الدراجة بالتوجه بصمت إلى قسم شرطة الوحدة، الذي يخضع لسلطة جماعة أنصار الله (الحوثيين) وقوات الرئيس السابق صالح، بحجة تلقيهم بلاغاً ضدي”.
وأضاف الواشعي: “بدأ التحقيق بِكَيْل العديد من التهم الجائرة ضدي، كخيانة الوطن والعمالة للخارج، والتحريض على الثورة، وتأييد شرعية الرئيس هادي، وتزويد قوات التحالف بالإحداثيات، وتجنيد مقاتلين إلى مأرب، والارتباط بالمقاومة، وإدارة صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي تناهض الجماعة وتقوم بالتشهير بقيادات أنصار الله… وحين قلت إن هذه التهم غير صحيحة، انتفض المحقق غاضباً ووجه بإغلاق المحضر، ثم توعد بأن ينقلني إلى موقع يتعرض لقصف طيران التحالف، وذكَّرني بمصير زملائي قابل والعيزري (الصحافة عهد أسود في عهد الحوثي)، أو نقلي إلى جبهات القتال، أو وضعي في زنزانة للمجانين”.
تعرض الصحفي الواشعي للتعذيب ثلاث مرات، واستخدم المعذبون الهراوات والقضبان المعدنية. ويقول الواشعي: “هُشمت ساقي اليمنى، وكُسر مرفقي الأيمن، وهناك أورام وبقع سوداء إثر تجلط الدم في جميع أجزاء جسدي. لقد جعلوني قعيد الفراش حتى اليوم”.
قالت منظمة “مواطنة لحقوق الإنسان” إنها تستشعر خطورة متزايدة تجاه السابقة الخطيرة التي أقدمت عليها سلطة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) وحليفها الرئيس السابق علي عبد الله صالح، باستخدام جهاز القضاء، الخاضع لها، للنيل والتنكيل بخصومها من منتسبي مهنة الصحافة وحملة الرأي.
ففي صباح الأربعاء 12 أبريل/ نيسان 2017، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، الخاضعة لسلطة جماعة الحوثيين والرئيس السابق صالح، حكماً “بالإعدام تعزيراً بحق الصحفي يحيى الجبيحي، لتخابره مع دولة أجنبية”، بعد جلسة محاكمة لم تتعدَّ 15 دقيقة، مُنع خلالها محامي الصحفي الجبيحي من الترافع والاطلاع على أية وثائق، بحسب معلومات تحققت منها “مواطنة”.
وعلقت رضية المتوكل بالقول إن “أحكام الإعدام القائمة على محاكمات غير عادلة لا تختلف عن القتل خارج إطار القانون في حال تم تنفيذها. على سلطات الحوثي وصالح سرعة التراجع عن هذا السلوك الخطير الذي تعامل من خلاله الأنشطة المدنية والسلمية كجرائم تعاقب عليها بالسجن والإعدام”.
وجاء حكم الإعدام بحق الصحفي الجبيحي (61 عاماً) بعد نحو سبعة أشهر من اعتقاله رفقة اثنين من أبنائه: حمزة (34 عاماً)، وذي يزن (25 عاماً)، بأمر من النيابة العامة، إذ تم اقتيادهم من منزلهم في 6 سبتمبر/ أيلول 2016 وإيداعهم السجن التابع لجهاز الأمن السياسي في صنعاء. وقد تم الإفراج عن ذي يزن بعد نحو ثلاثة أشهر، بينما لا يزال حمزة رهن الاعتقال وبدون محاكمة.
الجدير بالذكر أن المحكمة الجزائية المتخصصة هي المنصة القضائية التي استخدمها الرئيس السابق صالح لقمع وسحق الصحفيين وحملة الرأي المعارضين له في فترات حكمه.
وفي واقعة أخرى وثقتها “مواطنة”، وتكشف استخدام جماعة الحوثيين للقضاء وأجهزته كأداة لإشاعة الذعر والخوف في أوساط الصحفيين، استدعت نيابة الأموال العامة في صنعاء 14 صحفيا وموظفا من مؤسسة “الثورة” للصحافة والطباعة والنشر، للمثول أمامها في 29 نيسان/ أبريل 2017، على ذمة ادعاءات بتهم متعلقة بالفساد. وحصلت “مواطنة” على نسخة من مذكرة “تكليف الحضور” التي حررتها نيابة الأموال العامة ومكافحة الفساد في تاريخ 17 نيسان/ أبريل 2017.
وقال لـ”مواطنة” جميل مفرح، نائب مدير تحرير صحيفة “الثورة” الصادرة عن المؤسسة وأحد الصحفيين الذين استدعتهم النيابة، إن “استدعاء النيابة جاء على خلفية تنظيمنا لوقفات احتجاجية نطالب فيها بسرعة صرف أجورنا ومستحقاتنا المالية”.
وحسب مفرح، فإن إحالة الصحفيين الـ14 في مؤسسة “الثورة” ليس أول الإجراءات التعسفية التي لحقت بمنتسبي هذه المؤسسة؛ إذ يضيف: “في ديسمبر 2015 تم إقصائي مع 13 صحفياً من المناصب الرئيسية في مؤسسة الثورة، من قبل جماعة أنصار الله الحوثيين، وكنت أشغل حينها منصب نائب مدير التحرير. وتمّ إحلال موظفين آخرين أتت بهم الجماعة من خارج المؤسسة، وليس لديهم أي خبرة، سواء إدارية أو مالية، كما أنه ليس لديهم أية خلفية صحفية”.
ويقول مفرح إن “ما طالبنا به كمستحقات مالية ليس سوى حافز لا يتعدى خمسة آلاف ريال لكل موظف، أي أننا نعمل بواقع 130 ريالا في اليوم الواحد، فمن المعلوم أن رواتبنا متوقفة ضمن توقف رواتب موظفي الدولة. مع ذلك تم الامتناع عن صرفها “.
وسبق لقيادة مؤسسة “الثورة” المعينة من جماعة الحوثيين أن استدعت أطقماً عسكرية وأمنية لفض اعتصام نظمه موظفون وصحفيون للمطالبة بحقوقهم، كما قامت بإيقاف أكثر من 25 صحفيا للسبب ذاته.
وفي هذا السياق تطالب “مواطنة” جماعة الحوثي وحليفها صالح بالكف عن استخدام الأجهزة القضائية والضبطية كوسيلة لترويع الصحفيين وأصحاب الرأي، وأن توقف إجراءاتها وقراراتها الإقصائية بحق الصحفيين.
وترى “مواطنة” أن تصاعد وتيرة الانتهاكات التي تطال العاملين في مهنة الصحافة، تأتي في سياق يتجاوز الضيق بحرية التعبير إلى التخطيط الجاد لمنع أي شكل من أشكال العمل الصحفي، ومصادرة أي مساحة للتعبير، وهو الأمر الذي يجعل الصحافة في اليمن في حالة احتضار.