في سياق انعدام الأمن الغذائي الشديد، كما هو الحال في اليمن، يمكن أن يتسبب تدميرُ مصادر الغذاء والمياه في إلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين.
تم نشر المقالة في opiniojuris.org
“لا توجد مصادر بديلة للغذاء في هذه المنطقة سوى المزارع”.
(شاهد لمنظمة مواطنة)
عاشت عائلة العاقل وعملت في مزرعة وسط سهل تهامة، وهي منطقة طبيعية خلابة تمتد عبر الساحل الغربي لليمن، وتشتهر بأراضيها الخصبة. كانوا يعيشون كما كان يعيش الكثير في اليمن قبل الصراع – يقضون أيامهم في العمل في الأرض. ولكن في 23 مايو/ أيار 2017، قام التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات بقصف مزرعة العاقل، مما أدى إلى إصابة ثلاثة من أفراد العائلة، بينهم طفلان. كان كل من في المزرعة من المدنيين، ولم يكن هناك في المزرعة أو بالقرب منها أي هدف عسكري معروف وقت الهجوم.
تسبب الهجوم الذي شنه التحالف بقيادة السعودية والإمارات، في أكثر من مجرد إصابة ثلاثة أفراد من العائلة؛ فقد دمر مضخة المياه الخاصة بالمزرعة، بالإضافة إلى أجزاء من شبكة الري (وهي من ضروريات الإنتاج في المزرعة)، وكمية كبيرة من المحاصيل. وأصبحت المزرعة غير صالحة للعمل بعد تعرضها لهذه الهجمة.
كما أدت الهجمة إلى فقدان الأسرة، وأسر العاملين الذين كانو يعتاشون من المزرعة، وعددهم 21 عاملًا، لمصدر الرزق والغذاء الأساسي لهم. وقال مالك المزرعة، أحمد العاقل (48 سنة): “لقد فقدنا المصدر الذي كان يؤمِّن لنا الغذاء والدخل. […] لكن أجزاء من المزرعة لا تزال غير صالحة للزراعة”. تسببت التكاليف الباهظة التي يجب على العائلة دفعها لشراء مضحة مياه جديدة وترميم شبكة الري ومحاولة إصلاح الأرض، في إثقال كاهل العائلة بمزيد من العبء؛ نتيجة للتدهور السريع في قيمة العملة المحلية في جميع أنحاء البلاد.
هناك العديد من الطرق التي يهدف من خلالها القانون الدولي إلى حماية حق الأشخاص في الحصول على الغذاء، بما في ذلك أثناء النزاعات. ويعتبر استخدام التجويع، كأسلوب من أساليب الحرب، جريمةَ حرب يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي. وعلاوة على ذلك، يوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان حقًّا غير قابل للانتقاص في الحصول على الغذاء والماء، والذي يتضمن التزامًا بالامتناع عن القيام بأنشطة يمكن أن يكون لها تأثير مباشر يصل إلى حد حرمان السكان من الطعام والماء.
والطريقة الأكثر صلة بالهجمة الواقعة على مزرعة العاقل هي حظر استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، بموجب القانون الدولي الإنساني (IHL) الذي يحظر بشكل خاص الهجوم على الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين (OIS) أو تدميرها أو إزالتها أو جعلها عديمة الفائدة. تنص المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف، المنطبق على النزاعات غير الدولية مثل الحرب في اليمن، والذي صادقت عليه كلٌّ من السعودية والإمارات واليمن، على أنه:
“يُحظَر الهجوم على الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين (OIS) أو تدميرها أو إزالتها أو جعلها عديمة الفائدة لهذا الغرض، مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية الخاصة بإنتاج المواد الغذائية والمحاصيل والماشية ومنشآت وإمدادات مياه الشرب وأعمال الري (لمزيد من التشديد)”.
عائلة العاقل ليست العائلة الوحيدة في المنطقة التي فقدت مصدر غذائها ودخلها نتيجة لهجمات جوية شنتها قوات التحالف. فالهجمة الجوية التي أصابت مزرعة عائلة العاقل ما هي إلا واحدة من سلسلة الهجمات الجوية التي شنها التحالف بقيادة السعودية والإمارات ووثّقتها منظمة مواطنة لحقوق الإنسان -وهي منظمة مجتمع مدني يمنية مستقلة- على مدى السنوات القليلة الماضية، واستهدفت مزارع ومصادر مياه في وضع مماثل في اليمن.
فقد وثّقت منظمة مواطنة عشرات الهجمات الجوية التي شنها التحالف بقيادة السعودية والإمارات، وأدّت إلى إلحاق أضرار وتدمير لمزارع وثروة حيوانية وأراضٍ زراعية وأدوات ومعدات زراعية ومواد غذائية في مخازن وعلى شاحنات في اليمن منذ عام 2015. ومن بين هذه الهجمات، وقع ما يقرب من 30 هجمة جوية في محافظة حجة، وهي المحافظة التي تقع فيها مزرعة العاقل.
تقع مزرعة العاقل، على وجه التحديد، في منطقة الجر بحجة، وهي منطقة تشتهر بخصوبة أراضيها وبعدد المزارع الواقعة فيها. ومنذ بَدء الصراع، وثّقت منظمة مواطنة ما يقرب من 12 هجمة جوية، استهدفت مزارع في منطقة الجر فقط. وفي الغالبية العظمى من هذه الهجمات، لم تحدد منظمة مواطنة وجود أي أهداف عسكرية في المزارع المستهدفة أو بالقرب منها وقت الاستهداف.
ومن خلال هذه الهجمات، دمّر التحالف المصدر الغذائي والدخل الرئيسي للعديد من السكان، تاركًا الكثيرين منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي والخوف من وقوع هجمات مستقبلية عليهم. قال أحد العاملين الصحيين في المنطقة: “لا توجد مصادر بديلة للغذاء في هذه المنطقة بخلاف المزارع. فجميع سكان هذه المنطقة هم أصحاب مزارع أو عمّال فيها”. وأضاف أن المزارع كانت “تعتبر أيضًا مصدرَ دخلٍ جيد للعديد من السكان، [حيث] كانت العديد من المزارع تبيع محاصيلها في أسواق حجة وصنعاء والحديدة”. (مقابلة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان مع محمد صديق في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2020). وقال سعيد (اسم مستعار) من أهالي المنطقة، والبالغ من العمر 40 عامًا: “توقفت العديد من المزارع، وأصبحت خارج الخدمة تمامًا”.
تشير الأدلة التي قامت منظمة مواطنة بجمعها في أعقاب الهجوم الواقع على مزرعة العاقل، من خلال زيارات ميدانية ومقابلات مع الشهود، إلى أن الغارة الجوية دمّرت أعيانًا لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين OIS، بما في ذلك الأراضي والمحاصيل الزراعية وشبكات الري في المزرعة. كما أصبحت المزرعة نفسها أيضًا -وهي عين مهم من الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين OIS- غير صالحة للعمل بسبب الهجوم.
لم تحدد مواطنة، ولا أيٌّ من الذين تمت مقابلتهم، وجودَ أهدافٍ عسكرية في المزرعة أو بالقرب منها وقت وقوع الهجمة. فقد كانت المزرعة تقع في منطقة ريفية، وكان أقرب هدف عسكري تم تحديده هو خطوط الجبهة الواقعة على بعد حوالي 60-80 كيلومترًا جنوب المزرعة. وبالإضافة إلى ذلك، وقعت الهجمة في تمام الساعة 3:30 عصرًا، وهو الوقت الذي يسمح بالرؤية الجيدة، كما أنه الوقت الذي كان لا يزال فيه العمال الزراعيون في العادة يعملون في المزرعة.
في سياق انعدام الأمن الغذائي الشديد، كما هو الحال في اليمن، يمكن أن يتسبب تدميرُ مصادر الغذاء والمياه في إلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين.
وبحسب التقديرات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FAO في شهر مارس/ آذار من هذا العام، أنه بحلول الشهر المقبل (يونيو/ حزيران 2021)، سيواجه أكثر من 16 مليون شخص في اليمن (من بين حوالي 29 مليون نسمة) “مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد”. كما توقعت الأمم المتحدة في شهر فبراير/ شباط من هذا العام أن “ما لا يقل عن 400000 طفل يمني دون سن الخامسة قد يموتون جوعًا هذا العام”.
لا يعتبر الجوع مسألة جديدة بالنسبة لليمن -فقد أفاد برنامج الغذاء العالمي WFP في عام 2014، قبل نشوب الصراع الحالي، أن ما يقرب من 41.3٪ من السكان اليمنيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. ولكن هذه الظاهرة قد تفاقمت إلى حدٍّ كبير في ظل الصراع الحالي- فقد حددت منظمة مشروع تقييم القدرات (ACAPS) التأثير المباشر لعنف الصراع على أنه أحد العوامل الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي في اليمن، ليس فقط بسبب التدمير المادي للبنية التحتية الزراعية، ولكن أيضًا بسبب الآثار المدمرة للصراع على “الأصول الإنتاجية وسلسلة التوريد وطرق التجارة والتضخم والوصول إلى الأسواق”.
لا تعتبر هذه السلسلة من الهجمات الجوية على المزارع إلا مجرد طريقة واحدة من عدة طرق ساهمت من خلالها الأطراف المتحاربة في تجويع السكان اليمنيين. فمنذ عام 2015، قام التحالف بشن هجمات على مزارع ومرافق مياه وقوارب صيد وأسواق لبيع المواد الغذائية، بالإضافة إلى فرض حصار جوي وبحري أثر بشكل كبير على تدفق السلع الحيوية إلى البلاد. وقامت جماعة أنصار الله (الحوثيين) بزرع ألغامٍ أرضية في المزارع وبالقرب من مصادر المياه. كما قامت جماعة أنصار الله (الحوثيين) وغيرها من الأطراف المتحاربة، بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية لمحتاجيها، وساهمت في تفاقم الوضع الاقتصادي الكارثي. إن مسألة العدد الذي لا يحصى من الانتهاكات التي تسببت في انعدام الأمن الغذائي الحاد في اليمن، هي حاليًّا موضوع التقرير الاستقصائي الفريد الذي يتم إعداده بالشراكة بين منظمة مواطنة ومنظمة الامتثال للحقوق العالمية GRC، والمقرر صدوره في يونيو/ حزيران 2021. يقدم هذا التقرير تحليلًا لأول مرة حول أنماط التجويع المستخدمة من قبل طرفي الصراع الرئيسيين، ويصل إلى استنتاجات بشأن الطابع المتعمد لهذه الهجمات.
ولكن، على الرغم من الوثائق الكثيرة للطرق التي أدّت بها الأطراف المتحاربة إلى تفاقم الجوع في اليمن بشكل خطير منذ بداية الصراع -بما في ذلك ما كان من خلال انتهاكات القانون الدولي- لا توجد حتى الآن آلية دولية للمساءلة تقوم بالتحقق من هذه المسائل. ومنذُ بَدْء الصراع، واصَلَ فريقُ الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن، وفريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الامتثال للحقوق العالمية، ومنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، وغيرهم، القيامَ بعمليات التحقيق وتقديم التقارير، والدعوة إلى إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية ICC أو أي هيئة مساءلة أخرى، ولكن لا يزال هناك تحرك طفيف على هذا الصعيد حتى الآن.
ولا يمكن للأطراف المتحاربة ادعاء الجهل بشأن ذلك؛ فهناك أدلة واضحة لسنوات على تأثير الصراع على الأمن الغذائي والمائي، وقد أبلغت منظمات، مثل منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، وكذلك فريق الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة وغيرها، عن ممارسات محددة للأطراف المتحاربة أثّرت بشدة على الأمن الغذائي والمائي. ويجب إجراء مزيد من التحقيق في هذه الأعمال.
ومن الضروري أن يدعو المجتمعُ الدولي الأطرافَ المتحاربة إلى إنهاء الهجمات وأنماط السلوك الأوسع التي لا تزال تساهم في زيادة الجوع بين السكان في اليمن.
كما يجب على المجتمع الدولي أيضًا اتخاذ خطوات أكبر نحو محاسبة مرتكبي أسوأ أزمة إنسانية في العالم من صنع الإنسان، وضمان تقديم تعويضات للمجتمعات المتضررة في جميع أنحاء اليمن.
إن تأثير الهجمات، مثل الهجمة التي استهدفت مزرعة العاقل، والتأثير الأوسع للأطراف المتحاربة على إمكانية وصول المدنيين إلى الغذاء والماء واضح وجلي. وإلى أن تتخذ الدول إجراءات حازمة لضمان وقف مثل هذه الهجمات، ستستمر معاناة اليمنيين.
[علي جميل، ضابط المساءلة والإنصاف في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان ونيكو جافارنيا، زميلة قانونية في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان.
تأسست منظمة مواطنة لحقوق الإنسان عام 2007، وهي منظمة مجتمع مدني يمنية مستقلة تدافع عن حقوق الإنسان، من خلال توثيق الأضرار التي تلحق بالمدنيين وتقديم الدعم القانوني للضحايا، ومن خلال المناصرة والإجراءات القانوني.