العم- كما يحب أن يطلق عليه- هادي ردمان (اسم مستعار)، رجل في العقد السادس من عمره، ومن سكان تهامة. حفر الزمن أخاديده في وجهه، بسبب ما مر به من ألم وخذلان. كان يشرد أحيانًا وهو يحدّثني، وينظر إلى المجهول. تقرأ الألم في عينيه، قبل أن تنطق لسانه، وبين وهلة وأخرى، تتساقط الدموع من عينيه.
إنه يتذكّر تلك الليلة، التي فقد فيها أمانه وسعادته. يقول:
اختفى ولدي محمود (33 سنة)، بعد منتصف ليل الـ 21 من مارس/ آذار 2016. أزدرد ريقه، تم تابع: قبل هذا التاريخ بسنة كان ولدي يعمل في البحث الجنائي بمديرية باجل، وحين انقطعت الرواتب فضّل العودة إلى المنزل والعمل معي، حتى يستطيع أن يعولنا جميعًا.
كان يريد أن يتزوج، وتكون له أسرة، لكن في تلك الليلة، تحوّل الحلم إلى سراب. جاء رجال يرتدون زيًا عسكريًا، وكانوا كثيرين إلى درجة أنني لم أميّز عددهم. داهموا المنزل واقترب منه شخصان، وحينما رفض الخروج معهم، ضربوه بأعقاب البنادق، وأخذوه عنوة.
نعم.. أخذوه بعد أن فتّشوا المنزل، وأخذوا بعض المتعلقات أيضًا. رجوتهم أن يتركوه، لكنهم نظروا بازدراء إلينا ورموني أرضًا بعدها. ظللت أبحث عن ولدي وقلبي يتمزق من الأسى، حتى عرفت أنه في سجن اللواء العاشر في مطار باجل.
توجّهت إلى هناك، وبقيت أمام البوابة لساعات استجديهم الدخول، وأسأل عن ولدي، حتى خرج لي جندي متجهم الوجه، وصرخ: إنك تبحث على شخص ينتمي إلى تنظيم القاعدة، أخرج من هنا. عدت وساقيّ لا تحملاني، وكررت الذهاب والإياب لأيام، لكن بلا فائدة.
أريد، حتى أن أرى ابني، كم افتقده! ما الذي فعله وما الذنب الذي ارتكبته ليحرموني منه. استدنت أمولًا من أحد معارفي حتى أزور صنعاء، فقد سمعت أن هناك صديق ورفيق لولدي، وهو يعمل في سجن الأمن السياسي هناك، وبعد عدة محاولات استطعت مقابلته، فرمى في وجهي خبر كالصاعقة.
فحين سألته أين ولدي محمود، أجاب: مات. قلت له مذهولًا: كيف مات؟ قال في سجن اللواء العاشر، حين قصف التحالف بالصواريخ المقر. قُتل سبعة مساجين، ومن ضمنهم كان ولدك، هل أعطوك الجثة؟ قلت له: لا.
خرجت من عنده، وأنا أشعر بألم لا يتحمله بشر، وتوجهت لثلاجات الموتى في مستشفيات العسكري والثورة وباجل، أبحث عن جثة ابني، ولم أجد شيئًا. وهكذا، وبعد أن تهت ولم أجد جوابًا، عن ابني، هل بالفعل ميت، أم لا يزال حي، تركت كل شيء، وغادرت باجل، وقدمت إلى محافظة مأرب، لأحظى ولو بلحظة من الطمأنينة. أرجوكم ساعدوني، إذا تستطيعون ذلك، فقط أريد أن أعرف: هل ابني حيًا أم ميتًا؟
وما يزال الأب المكلوم ينظر أخباراً تطمئنه على ولده، ومنذ احتجازه تعسفيًا على يد قوات موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وحتى الآن لا يزال مصيره غير معروف.