طفلٌ في محارق الكبار
أسامة ، طفلٌ في الـ 16 من العمر، عاشَ في أسرة متحابّة ومتماسكة، وترعرع في منزل صغير جميل مع ثلاثة إخوة (ولدين وبنت)، بكلِّ سعادة ومرح.
ويعتبر أسامة الطفلَ الرابع وأصغرَ إخوته. والدته ربة بيت، ووالده أمين سر محكمة جعار، ورغم العائد المعيشيّ البسيط، فإنّ الأب كان سعيدًا وفخورًا بنفسه وأهله.
في وقتٍ ما، من سنوات الأزمة، ازدادت الحرب ضراوة، فازداد معها الطلب على الرجال لتبقى متّقدة، لكن لم يكن هناك سوى الأطفال.
كان أسامة قد أكمل الخامسة عشرة سنة، حين كان التحريض للاقتتال والدعوة له في أوج ازدهاره، ما أوقعه فريسةً لبعض الشباب المجنّدِين الذين كانوا قد سبقوه إلى جبهات القتال، بمعية قائد الحزام الأمني في محافظة أبين.
غادر أسامة مدرسته، مسبِّبًا صدمةً لوالده ووالدته اللذَين كانا يضعان عليه آمالًا بإكمال تعليمه بأيّ ثمن، لكنهم انصدموا بإصرار الطفل على التوجّه للتجنيد. هكذا توجّهَ الطفل إلى ما أراده، رغم توسّلات أمّه ووالده.
كان ذلك، يوم الإثنين، عند الساعة السابعة من صباح السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، حين التحق الطفل بمعسكر 7 أكتوبر، بوظيفة حارس.
بعد عام من الاستخدام، طلب التحالف بقيادة السعودية والإمارات، أفرادًا للقتال في محافظة الحُديدة، ضدَّ جماعة أنصارالله (الحوثيين)، تمّ على إثر ذلك اختيار عددٍ كبيرٍ من الشباب والأطفال لهذه المهمّة، كان الطفل أسامة ضمنهم.
ودّع الطفل أسرتَه، وحزمَ أمتعته عند الثامنة من صباح الأربعاء، الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 2018، واتّجه إلى المجهول، تحفّه توسلات والدته ووالده، لئلّا يغادر. وفي نفس اليوم، وصل إلى معسكر اللواء العاشر جبلي، بمحافظة الحديدة.
وبعد شهر ونصف تقريبًا من مغادرته، عاد لزيارة أسرته في أبين، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2018. كان يحاول الظهور بمظهر الفرح، رغم التعب والإرهاق البادي عليه. إنّه يخفي خلف ابتسامته، حزنًا شديدًا.
حدّث أسرته عن محافظة الحديدة، وكل ما شاهده عن الحرب، وعن مديرية التّحيتا، ودوره في حراسة المعسكر الذي يرابط فيه. حاول والده إقناعه بالبقاء معهم واستكمال دراسته، لكنه رفض.
بعدَ أسبوعٍ من إجازته بين أهله، عاد إلى الحديدة. وبعد أسبوعين من مغادرته؛ أي يوم الأحد 23 ديسمبر/ كانون الأول، عند الساعة السادسة مساءً، وصل الأبَ المفجوع اتصالٌ هاتفيّ. كان المتصل من محافظة الحديدة، سأله: أنت والد أسامة؟ أجابه: نعم. أبلغه المتصل أنّ ولده أُصِيب، لكنه قال إنّها إصابة طفيفة. يقول الأب: “لم تسعْنِي الأرضُ بعدَها”.
تم إسعاف الطفل إلى مستشفى المخا الميدانيّ، فيما تحرّك الأب ومعه أحد أبنائه إلى مدينة عدن، معتقدًا أنّ ابنَه سيُنقل إلى هناك؛ لأنّ الرقم الذي أبلغه النبأ، أغلق هاتفه بعدها. في اليوم التالي، عاود المتصل التواصل مع الأب، عند الساعة الـ11:00 صباحًا، وطلب منه أن ينتظر بالقرب من مستشفى أطباء بلا حدود.
وهكذا، ظلّ الأب يترقّب حتى الساعة الـ 4:00 عصرًا، حين وصلت سيارة الإسعاف. كان الطفل المقاتل جثةً هامدة، ودماء نازفة تملأ رقعة جسده. تم إنزال الجسد البريء إلى طوارئ المستشفى، فانهار والد الطفل، وكذا أخوه الذي يكبره بعام.
قال الضابط المرافق لجثة الطفل: “عظّم الله لكم الأجر؛ ابنكم شهيد”، بعد ذلك تولّت سيارة إسعاف أخرى نقلَ الطفل القتيل إلى محافظة أبين. وفي سيارة أخرى، رافق الأب مجموعةً من زملاء القتيل.
وصلَ الجثمانُ إلى بلدته في أبين، عند الساعة الـ07:00 مساءً، كان الخبر قد سبق الموكب إلى المنزل، ولذا استقبلت الأم ابنها بالصراخ والعويل المرير، ثم جاء زملاؤه في الدراسة وأصدقاؤه، ليُلقوا عليه النظرة الأخيرة.
قُتِلَ أسامة مع أحلامه الطفوليّة الجميلة، وترك حزنًا كبيرًا في قلوب أحِبّائه وأسرته، التي لم ولن تنساه إلى الأبدّ.