طلبَ الإحسان فبتلعه المجهول
يشعر كثيرون بالعزلةِ عندما لا يجدون سندًا يعينهم أو يهبّ لنجدتهم، هذا بالضبط ما تكابده وتشعر به أسرة الشاب المختفي قسرًا منذ خمس سنوات، عبده سالم عفيف الجعيري (36 سنة)، من فئة "المهمشين".
يحكي أحمد الجعيري، شقيق عبده الأكبر، تفاصيل هذه المأساة قائلًا: "كان عمر أخي "عبده" عند اختفائه 31 سنة، وقد حدثت حادثة اختفائه في عام 2019. كنت أنا وعبده نتنقل بين المحافظات المحيطة بذمار، مثل البيضاء وإب، بحثًا عن لقمة العيش. منذ ذلك الحين، وحتى اختفاء أخي، لم أعد قادرًا نفسيًا على مغادرة مديرية جهران، وألوم نفسي على أنني أهملت أخي عندما دخل إلى المسجد، ولو كنت معه لربما لم يكن ما حدث قد وقع.
من أبرز الأسباب التي أثرت على الأسرة بأكملها هو أنني بعد عودتي من قيفة (مديرية رداع) بعد اختفاء أخي، أخبرت العائلة، مما أدى إلى إصابة والدتي بجلطة ما زالت تعاني منها حتى الآن، كما تفاقمت حالتي النفسية بشكل كبير، لدرجة أنني أصبحت عاطلًا عن العمل ولم أعد قادرًا عليه".
يكمل شقيق الضحية، قائلًا: "في الأول من مارس/ آذار 2019، كان هناك تمشيط من قبل تنظيم القاعدة وكذلك من قبل أنصار الله (الحوثيين) في منطقة قيفة، بمديرية رداع. مررنا بتلك المنطقة في ذلك اليوم، ودخل أخي عبده للصلاة في المسجد، أخبرته بأنني سأنتظره تحت شجرة في مكان بعيد قليلاً لكي أستريح وأستظل من حرارة شمس الظهيرة.
عندما كنت أنتظره، لاحظت وجود أطقم تابعة للقاعدة، وكان يبدو أنهم يصلون داخل المسجد. لكنني لم أفكر للحظة أنهم قد يأخذون أخي، خاصةً أنه كان متسولاً مسالمًا، فظننت أنهم لن يتعرضوا له، لذا لم أقلق كثيراً بشأن وجودهم.
انتظرت نصف ساعة ولم يأتِ، فتوجهت للبحث عنه، لكنني لم أجد أحدًا، لا أخي ولا الأطقم. سألت صاحب بقالة في المنطقة عنهم، فأخبرني أن الأطقم تحركت قبل ربع ساعة. لم أكن أعلم إلى أين توجهوا، فذهبت إلى قسم الشرطة وسألت عن أي مسؤول يمكنه مساعدتي في البحث عن أخي. شرحت لهم الموقف، وأخبروني أن من المحتمل أن عناصر القاعدة قد أخذوه.
للأسف، لم أجد أي مساعدة؛ حتى من في القسم قالوا: "بإمكانك ترك بياناتك واسمك ورقمك، وسنتواصل معك إذا وجدنا أخاك". عدت إلى محافظة ذمار إلى أهلي، محطمًا ومغلوبًا على أمري. انتظرت أكثر من 20 يومًا بعد اختفائه، وسألت عنه في العديد من مناطق البيضاء، ولكن لم أصل إلى نتيجة.
في بداية عام 2021، ظهر أخي على قناة "المسيرة" التابعة لأنصار الله (الحوثيين) لمدة دقيقة على، وذُكر اسمه وأنه أسير ضمن أفراد تنظيم القاعدة، رغم أن أخي لم يشارك في أي حروب؛ كان متسولًا وشخصًا مسالمًا.
بعد ذلك، ذهبت أنا وأختي إلى مدينة ذمار لمقابلة شخص يُدعى "المتوكل"؛ لا نعرف اسمه الكامل، لنسأله إن كان من الممكن الإفراج عن أخي، باعتباره أسيرًا لدى أنصار الله (الحوثيين). مرت ثلاث سنوات منذ ذلك الحين، دون تحريك ساكن. رغم ذلك عاد إلينا الأمل بعد أن رأيناه ما يزال حيًا، مع ذلك لا نعوِّل كثيرًا أن يتدخل أحدٌ لمساعدتنا وإعادته إلينا".
يتابع: "نحن فئة مستضعفة لا تجد من يقف إلى جانبها، وعندما أشارك مع من يعرفون ما حدث لأخي ويعلمون أننا مهمشون، لا يلقون بالاً للموضوع. يروننا بلا حقوق ولا يهتمون لما نمر به. منذ عودتي إلى محافظة ذمار، وبعد ما حدث لأخي وعجزي أمام اختفائه، أصبحت أتناول أدوية مهدئة يصفها لي طبيب نفسي، وأشعر بالعجز وفقدان الأمل. والدتي أصيبت بجلطة منذ ذلك الحين.
المختفون قسراً غائبون عن أنظار أهاليهم، لكنهم يعيشون في ذاكراتهم في كل لحظة. معرفة مصير الأبناء والأقارب المختفين هي أمل ونجاة مهما كان هذا المصير، فالوضع الحالي مؤلم إنسانياً بسبب استهتار الكثيرين بقضايا المهمشين والمحرومين من حقوقهم والمنتهكة حقوقهم على الدوام"، يختم.