مقتل تسعة عمال وجرح ثمانين ونزوح عشرات الأسر ودمار واسع
قالت مواطنة لحقوق الإنسان إن فِرقها الميدانية تواصل العمل على توثيق آثار هجمات المقاتلات الإسرائيلية على ميناءي الحديدة والصليف ومحطة الطاقة الكهربائية في مدينة الحديدة (شمالي غرب اليمن) التي شنتها إسرائيل مساء السبت.
وأبانتْ المنظمة أن الهجمات استهدفت منشآت بنية تحتية مدنيِّة ساهمتْ وكالاتُ ومؤسسات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والدول المانحة في إعادة إعمارها وتعزيز قُدراتها وتشغيلها، والتي كانت تُمثل شريانَ الحياة بالنسبة لملايين السكان؛ حيث يستقبل اليمن عبر ميناء الحديدة ما يزيد عن 80% من المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية والوقود، والتي يعتمد عليها ما يزيد عن 28 مليون يمني للبقاء على قيد الحياة، والتي كانت على امتداد زهاء عشر سنوات من الصراع تصل إلى ميناء الحديدة، بعد أن تمر بعمليات تفتيش ورقابة دقيقة وشاملة، عبر آلية الأمم المتحدة للرقابة والتفتيش.
وعلى امتداد سنوات الصراع في اليمن، دعا مجلس الأمن الدولي مراراً إلى الفتح الكامل والمستدام لموانئ الحديدة والصليف وجميع موانئ اليمن، وشدد على أهمية الحفاظ على عملها وفتحها أمام جميع الواردات التجارية والإنسانية، بما في ذلك الواردات الغذائية والوقود والمستلزمات الطبية وإمدادات الإغاثة والواردات التجارية، ودعا الأطراف إلى "تسهيل وصول هذه الواردات الأساسية على الفور إلى كافة السكان المدنيين وتوزيعها في جميع أنحاء البلاد "، وأشار المجلس "بقلق بالغ" إلى تأثير القيود المفروضة على وصول الواردات التجارية وواردات المساعدات على الوضع الإنساني، حيث يحتاج 20.7 مليون شخص في اليمن إلى نوع من الدعم الإنساني أو دعم الحماية، مع وجود حوالي 9.8 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، الذي أكد مراراً في بياناته على أهمية ميناء الحديدة بالنسبة لملايين السكان، وهو ما أكدت عليه الوكالات الأُممية والمنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية والمحلية على امتداد سنوات الصراع العشر.
في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2018، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2541، الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في مدينة الحديدة وموانئها: الحديدة، والصليف، ورأس عيسى. ودعا إلى تعزيز تواجد وجهود الأمم المتحدة في مدينة الحديدة والموانئ الثلاثة، والتي تولَّت بدورها قيادة جهود دعم وتعزيز مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية.
وأجرى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، خلال الفترة من 15 يونيو/ حزيران إلى 8 يوليو/ تموز 2019، تقييماً من قبل خبراء من ميناء روتردام، لموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، أُقرت على ضوء نتائجهِ حزمة بقيمة إجمالية قدرها 46.570.000 يورو، نُفذت على ثلاث مراحل، غاياتها: الحفاظ على عمليات الميناء واستعادة العمليات فيه إلى حالته ما قبل الحرب، للمساعدة في تسهيل دخول المساعدات الإنسانية الحيوية والشحنات التجارية والوقود والسلع الأساسية والمستلزمات الطبية، بما في ذلك ترميم الموانئ وبناء القدرات التشغيلية، وتطوير مرافق الموانئ، بما في ذلك -من بين أولويات أخرى- استبدال المساعدات الملاحية في الميناء الرئيسي، وتجديد مركز التدريب، وتعزيز الإضاءة المحيطة، وإعادة تشغيل مناولة البضائع بالحاويات، واستعادة أو تحسين سلامة واستدامة عمليات الميناء وأصوله، والمساهمة في تعزيز عمليات تشغيل وإدارة الموانئ والتفتيش فيها؛ حيث أخذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) زمام المبادرة بالتنسيق الوثيق مع السلطات ذات الصلة، ومع بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (UNMHA)، وآلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في اليمن ( UNVIM)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، وبدعم من الجهات الدولية المانحة.
وتحققت مواطنة، من خلال زيارات ميدانية للمستشفيات والمرافق الطبية، من مقتل تسعة من عمال المنشآت في الميناء، وإصابة ما يزيد عن ثمانين جريحاً، سقطوا ضحايا لست هجمات ثُنائية شنتها مقاتلات حربية إسرائيلية، عند الساعة 5:50، من مساء السبت، على منشآت نفطية وخزانات للوقود في ميناء الحديدة، ألحقت أضراراً بالغة بـ"الكرينات" الجسرية في الميناء، ودمرت كلياً أو جزئياً نحو 43 خزاناً وصهريجَ نقلٍ في ميناء الحديدة، بالإضافة إلى استهداف المحطة المركزية لتوليد الكهرباء الواقعة في منطقة الكثيب، مديرية الصليف، ودمرت 3 خزانات وقود، متسببةً في إخراج محطات تزويد مدينة الحديدة بالكهرباء عن الخدمة، وألحقت بها أضراراً بالغة، وتسببت باندلاع حرائق هائلة؛ أخفقت كل محاولات فرق الإطفاء عن إخمادها واستمرت في الاشتعال إلى اليوم الثاني.
كما أدَّتْ الهجمات إلى موجة نزوح كبيرة من قبل السكان في نطاق ومحيط الهجمات، حيث تُقدر مواطنة عدد الأسر التي نزحت من منطقة الكثيب - مديرية الصليف (سكن العاملين في محطة الكهرباء) بنحو 100 أسرة، فيما تُقدر عدد الأسر النازحة من منطقة ميناء الحديدة بنحو 150 أسرة، حيث نزحت الأسر إلى وسط مدينة الحديدة وإلى محافظة صنعاء.
وقالت مواطنة لحقوق الإنسان إن الهجمات الإسرائيلية على منشآت البنية التحتية المدنيِّة في مدينة الحديدة، تمثل جريمة حرب؛ انتهكت حماية القانون الدولي الإنساني للمنشآت والأعيان المدنية والبنية التحتية، وانتهكت مبادئ القانون الدولي الإنساني، كالتناسب، والحماية والتمييز، وقوضت الحماية التي تتمتع بها الأعيان المدنية طبقاً للمادة (54) من البروتكول الاضافي الأول من اتفاقيات جنيف 1977، والتي تحظر "تعمد تقييد أو عرقلة الإمدادات الغذائية اللازمة لهم أو تعمد تدمير المناطق الزراعية أو المحاصيل أو المواشي أو منشآت المياه وشبكات الري التي تعتبر ضرورية لبقاء السكان المدنيين"، والمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تعتبر أن: "تدمير الممتلكات والمنشآت المحمية بشكل غير مشروع وواسع النطاق"، بمثابة أفعال إجرامية وانتهاكات جسيمة للاتفاقية.
وطبقاً للفقرة (4 - أ) من المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تنص على أن "إلحاق
تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة"، يمثل جريمة حرب جسيمة. وطبقاً للفقرة (ب) من المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن "تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية"، و"تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة"، و"مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت"، و"تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف طبقاً للقانون الدولي"، و"تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب؛ بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف"، تُعد من الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي.
ودعت مواطنة لحقوق الإنسان إلى فتح تحقيق دولي مستقل حول ما حدث. كما دعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته في التحرك الفعال لوضع حد لكرة النار التي يمكن أن تُسَعِّر الشرق الأوسط والعالم في متوالية من الفظاعات والانتهاكات الجديدة، والتي تتصدرها الآلة الحربية الإسرائيلية المُنفلتة والمتحللة من أي التزامات قانونية أو إنسانية أو أخلاقية.
وحثت مواطنة المجتمع الدولي إلى المبادرة إلى لجم الآلة الحرب الإسرائيلية التي تنتقل بالمنطقة من حرب مروعة إلى أخرى، مع يقين قادتها بالإفلات من المساءلة والعقاب، رغم غرقهم في طوفان من الفظاعات والدماء والانتهاكات مُنذ ما يزيد عن ثمانية أشهر.