محمد قحطان

سياسي مُخضرم في قلب الغياب

April 4, 2023

لم تكن عائلة محمد قحطان ولا أحد آخر يتخيل أن الرابع من أبريل/ نيسان 2015 سيكون آخر يوم يرون فيه وجهه ويدركون يقيناً أنه بخير، في نهار ذلك اليوم داهمت قوة عسكرية تابعة لجماعة أنصارالله (الحوثيين) منزل القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح محمد قحطان، وأخذوه من بين عائلته جسداً وروحاً وقذفوا به في قلب الغياب التام.

الأربعاء 4 أبريل/ نيسان 2023 سيكمل الاختفاء القسري لقحطان عامه الثامن، ثمان سنوات وسلطة الحوثيين ترفض الكشف عن مصيره، لا زيارة، لا اتصال، ولا حتى معلومة يمكن الاستناد عليها للاطمئنان على صحته، جريمة اختفاء قسري بحق سياسي على مشارف عقده السادس وبحق عائلة لا تعرف إن كان فلذة كبدها ينام في مكان لائق بمنأى عن الأذى أو أنه يعاني بعيداً عن الرعاية والاهتمام.

في فبراير/ شباط 2015 كان مسلحون من جماعة أنصارالله (الحوثيين) في نقطة تفتيش بمحافظة إب قد أوقفوا محمد قحطان حين كان في طريقة إلى مدينة تعز، ثم أعادوه إلى منزله في صنعاء ووضعوه تحت الإقامة الجبرية حتى يوم اعتقاله في إبريل/ نيسان، ثم سمحوا لأحد ابنائه بزيارة يتيمة في أول أيام اعتقاله.

كان حينها معتقلاً بمنزل أحد القيادات السياسية الذي سيطر عليه الحوثيون بعد دخولهم صنعاء وحولوه إلى معتقل،  منعت بعدها الجماعة الزيارة عنه، وامتنعت عن تقديم إيضاحات عن مصيره إلى جانب معتقلين آخرين مارست بحقهم وبحق عائلاتهم ذات الجريمة، معيدةً إلى الأذهان شبح فترات سياسية مريرة، فللاختفاء القسري في اليمن تاريخ طويل وشديد القساوة، و مازال عدد ممن غيبتهم الأنظمة في الشمال والجنوب منذ 1962 مختفون ومجهولة مصائرهم حتى اليوم.

لمحمد محمد قحطان خمس بنات وأربعة أبناء، ويشغل عضوية الهيئة العليا للإصلاح منذ 2007 بعد سنوات قضاها رئيساً للدائرة السياسية في حزبه، وقد روت ابنة قحطان (28 سنة) في مقابلة سابقة مع مواطنة لحقوق الإنسان جانباً من تفاصيل اعتقال والدها قائلة إن قوة على متن سيارتين من نوع هايلوكس يرتدي أفرادها بزة الحرس الجمهوري قدمت عند الواحدة ظهراً الرابع من أبريل/ نيسان 2015 إلى منزلهم الواقع في حي النهضة بصنعاء، بحثاً عن أبيها.

وأضافت: كان أبي نائماً عندما جاء الحوثيون فمنعهم أخي وزوجي من الدخول إلى البيت وعندما أيقظنا أبي، توضأ وخرج ليخبر الحوثيين بأنه سيصلي الظهر أمامهم في ساحة المنزل وسيذهب معهم لكنهم منعوه وأخذوه معهم. و تصور الابنة الحالة التي مرت بها عائلتها عقب الاحتجاز بالقول “بقينا في الظلام لا نعلم أين أبي”.

هذه اللمحة الباهتة التي قدمتها ابنته بشأن ظروف اعتقال والدها هي كل ما كان ممكناً أن تقوله، هكذا هي جريمة الاختفاء القسري تترك أسرة المختفي بلا تفاصيل وبلا أفق، لهذا لم يكن بإمكان زوجته أن تجيب على سؤالنا عنه إلا بكثير من الدموع الصامتة التي مازالت تتدفق منذ ذاك اليوم.

الاختفاء القسري جريمة ممتدة تطال الضحية وذويه، وليست أسرة محمد قحطان فقط التي تمر بهذه المعاناة، فقد قامت جماعة أنصارالله منذ سبتمبر/ أيلول 2014 وحتى اليوم بجملة من الاعتقالات التعسفية مرت أغلبها بمراحل متفاوتة من الاختفاء القسري، ومازال عدد منهم مختفون قسرياً حتى اليوم، وسواء كان المختفون قسرياً داخل معتقل مظلم أو يتسرب إليه الضوء، فالثابت أن عائلاتهم تعيش في الظلام.

على جماعة أنصارالله (الحوثيين) أن تكشف عن مصير قحطان وجميع المختفين قسرياً لديها وتفرج عنهم، وأن تتذكر بأن الاختفاء القسري أحد الجرائم ضد الإنسانية المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وتنص الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، كما ينص إعلان الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري “أنه لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري”.

وفي الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، يُعرف الاختفاء القسري للأشخاص بأنه “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، و يعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.”

و يدرج نظام روما الأساسي للمحكمة الجناية الدولية المعتمد في روما  يوم 17 يوليو 1998 الاختفاء القسري ضمن الجرائم ضد الإنسانية.