طرق موصدة في وجه أسرته

معتز الشجيفي

April 16, 2023

معتز الشجيفي (25 سنة)، شاب في عنفوان شبابه، طموحه يناطح السماء. لديه وظيفة، وحياة عادية، حتى خرج ذات أمسية من منزله، ولم يعد.

يروي مازن (40 سنة) تفاصيل اختفاء أخيه بحزن وألم ومرارة:

معتز، أخي، حاصل على بكالوريوس في مجال الغرافيك، وعمل موظف لدى شركة ماس للدعاية والإعلان. في إحدى أمسيات فبراير/ شباط 2020، وعند حدود الـ08:00 مساءً، كنت أنا ومعتز في المنزل عندما غادره إلى المجهول. عند سؤالي له عن المكان الذي سيقصد الخروج إليه، أخبرني أنه سيعود، وترك هاتفه النقال، لأن بطاريته كانت قد نفدت.

ظننت أنه سوف يذهب إلى السوق لشراء بعض الحاجيات، فقد كان ينوي زيارة والدتي التي حرمته ظروف الحرب والحصار المضروب على تعز من رؤيتها. فوالدتي تقيم في المدينة، ومعتز يعتزم السفر إليها منذ ما يقارب اليومين.

أتى الليل، ونحن ننتظر عودة معتز، وحتى وقت متأخر، لكنه لم يعد. زاد خوفي وقلقي، لا سيما ونحن نعيش حالة انفلات أمني، وظروف حرب طاحنة، وحتى أطمأن نفسي، خطر ببالي أنه ربما لم يطق الانتظار، فقرر فجأة السفر صوب مدينة تعز.

لم يغمض لي جفن، وكنت أُمني نفسي أن يكون بخير، وألا يصيبه أي مكروه. كانت ساعات طويلة من القلق والانتظار، لكن لم يخطر ببالي أنني لن أرى أخي مجددًا، خاصة كونه شخص مدني مسالم ولا ينتمي لأي طرف من أطراف الحرب.

ولأن الوقت كان متأخر، ولأني كنت بحاجة لمزيد من الوقت لألملم شتات أفكاري، ولم أشأ ازعاج والدتي بسؤالي عنه، ظنًا مني أنه سوف يعود. وفي صبيحة اليوم التالي، قمت بالتواصل مع والدتي، وكلي أمل أن يكون موجود لديهم، لتكون الصدمة عندما أجابتني، أنها لم تر وجهه منذ أكثر من شهرين، لحظة عودته إلى عمله في الحوبان. قالت أيضًا أنها من جهتها، حاولت الاتصال به لكن دون فائدة.

عند ذلك، تلعثمت ولا أدري ما الذي أقوله. حاولت أطمأن والدتي بأنه سوف يكون بخير، وأنه ربما عند أحد رفاقه، وتوجهت فورًا إلى النيابة العامة وتقدمت ببلاغ واقعة الاختفاء، وتم إحالة البلاغ إلى مدير البحث الجنائي، لاتخاذ الاجراءات.

التقيت مدير البحث الجنائي وشرحت له تفاصيل الواقعة، فوعد بالبحث والمتابعة، وأثناء متابعتنا للقضية، أفاد مدير البحث بأنه تحرى عنه في الأقسام والسجون، ومن ذلك مُحتجز مدينة الصالح، لكنه لم يجد له أثرًا، لكنه وعد بإجراء اتصالات مع عدد من مديرات تعز، لعله يصل إلى معلومات عنه، كما عد بتعميم صورة أخي في تلك المديريات لتوسيع دائرة البحث.

زاد قلقي وحيرتي على شقيقي وسندي في الحياة، واعتمت الدنيا في عينيّ وعين أخوتي ووالدتي، التي لم تغادر الدمعة مآقيها، منذ تلك الليلة. وفي كل لحظة انتظار، أقضيها في تذكّر أحاديثي معه، لعلي أجد بين السطور ما يدلني عليه، أو يقودني إلى مكانه، لكن كل الطرق أوصدت في وجهي.

معتز كان شابًا ذكيًا ويجيد استخدام الحاسوب وبارع في عمله، على الرغم من صغر سنه. ظللت أتردد على إدارة البحث بشكل متواصل، وأحيانًا أتواصل بهم عن طريق الهاتف، لمعرفة ما يمكن أن يستجد. وأثناء متابعتي الحثيثة، لدى بعض القيادات العاملة لدى جماعة أنصارالله (الحوثيين)، أخبرني أحدهم- رفض الكشف عن اسمه- أن أخي معتز مُحتجز في مدينة الصالح وطلب مني مبلغ مالي نظير التواصل معه عبر الهاتف، ووعدني أنه حالما تسنح الفرصة، سيتواصل معي مقابل إعطائه المبلغ المالي.

عاود الأمل طريقه إلى قلبي. أسرتي مكلومة لأن أخي مختفي، وأن هناك فرصة لسماع صوته مجددًا، لكن الأمل سرعان ما تبدد، إذ أقفل ذلك المصدر هاتفه، وأعادنا إلى مربع اليأس مرة أخرى. أثناء بحثنا عن معتز لم نترك باب إلا وطرقناه. صادفتنا العديد من قصص وروايات عن أخي، لكن معظمها كان للابتزاز أو للعب على مشاعرنا.

تعبنا وأُرهقنا، ونحن نبحث عن خيط أمل. أمي تعاني منذ هذا الاختفاء، فلا يغيب عن بالها طيف معتز، ولا يكف الدمع يتوقف منذ ثلاث سنوات، حتى أصاب عينيها الضعف، لاسيما وأنه أصغر أبنائها وأحبهم إلى قلبها. وكلما سمعت قصص لأشخاص تعرضوا للاحتجاز أو التعذيب سرعان ما يتبادر إلى ذهنها فلذة كبدها، فتغرق في نوبة بكاء.

لم تفقد أمي الأمل، وإيمانها بالله قويًا، وفي كل يوم يزداد بأن أخي سيرى النور في يوما ما، وسوف يعود إلى حضنها، وإلى أسرته التي فقدت بغيابه معنى الفرح. فكلما مرت مناسبة للبهجة سرعان ما تختفي وراء ما نحن فيه من عذاب وغصة، وألم لا يمّحي. فمتى تضحك لنا الأيام؟!