ضحايا الألغام في القبيطة

مناطق المديرية تقع في تماسّ بين الطرفين، وتعرّضَت قُراها للقصف، وزُرِعت في جبالها ووديانها الألغام والأجسام المتفجرة، ونزحَ العديدُ من سكّانها، وما تبقّى منهم أصبح مهدَّدًا إمّا بالقصف البريّ العشوائيّ أو الألغام والأجسام المتفجرة التي زرعتها جماعة الحوثيين عشوائيًّا في المنطقة.

October 30, 2022

لم تكتفِ الحرب في البلد بما خلّفَته من أضرارٍ ماديّة واقتصاديّة على المدنيّين، بل أصبحَ كثيرٌ من اليمنيين على بُعد خطوةٍ واحدة من موت كامن لهم في الطرقات، وخاصة في مناطق التماسّ الريفية التي تشهد نزاعات مسلحة منذ حوالي سبع سنوات، ما أزهق أرواحَ الكثيرين، بينهم أطفال.

مناطق مديرية القبيطة، في محافظة لحج، كان لها نصيبٌ كبيرٌ من آثار الاقتتال بين قوات جماعة أنصارالله (الحوثيين) من طرف، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا من طرف آخر، حيث إنّ مناطق المديرية تقع في تماسّ بين الطرفين، وتعرّضَت قُراها للقصف، وزُرِعت في جبالها ووديانها الألغام والأجسام المتفجرة، ونزحَ العديدُ من سكّانها، وما تبقّى منهم أصبح مهدَّدًا إمّا بالقصف البريّ العشوائيّ أو الألغام والأجسام المتفجرة التي زرعتها جماعة الحوثيين عشوائيًّا في المنطقة.

أمّا الذين لم ينزحوا رغم التهديدات والنزاعات المسلحة بقراهم، فكان بسبب أنّهم معدمون ولا يملكون حتى مبلغ الانتقال إلى أماكن أخرى، وبسبب اعتمادهم على الزراعة ورعي الماشية في قراهم كمصدرٍ وحيدٍ للعيش. وفي حال قرروا النزوح فلن يكون لديهم ما يجدوه كمصدر بديل للعيش، ولذلك أصبحوا مضطرين للبقاء رغم كل المخاطر.

إحدى وقائع الألغام والأجسام المتفجرة، وقَعَت في قرية قداش، مديرية القبيطة. كانت في ثاني أيام عيد الأضحى الموافق 10 يوليو/ تموز 2022. كان ضحاياها طفلتين من أهالي تلك المنطقة، إحداهن تُوفِّيَت على الفور نتيجة إصاباتها بشظايا الانفجار، والأخرى أصيبت بشظايا وأسعفت لمعالجتها في مستشفى أطباء بلا حدود بمحافظة عدن.

في صباح ذلك اليوم، كالعادة؛ كانت الطفلة يمامة أحمد العمادي (16 سنة)، ترعى الأغنام، ترافقها ابنة عمها ياسمين منصور العمادي (15 سنة)، في مرعى للأغنام بجبل أفرع السود المطلّ من الناحية الغربية على قرية قداش بعزلة كرش التابعة لمديرية القبيطة محافظة لحج.

عند عودتهن في ذلك اليوم عند حوالي الساعة 11:30 صباحًا، رفقة أغنامهن، انفجر بالقرب منهن لغمٌ بمنتصف الجبل عند مرور الأغنام عليه، ما أدّى إلى مقتل الطفلة يمامة على الفور نتيجة إصاباتها بشظايا متفرقة في الرقبة والبطن والأطراف السفلية، بينما أصيبت الطفلة الأخرى ياسمين بشظية استقرّت في الجانب الأيمن من الصدر. أدّى الانفجار أيضًا إلى نفوق نحو 21 رأسًا من أغنام الضحيتين، تحولت إلى أشلاء في موقع الانفجار.

أحمد العمادي (46 سنة)، والد الطفلة الضحية يمامة، أفاد: “مع وصولي لقريتنا بذلك اليوم، كنتُ آتيًا من القرية المجاورة، أتى رعاة الماشية في قريتنا يحملون الجريحة ياسمين، وأيضًا ابنتي يمامة ملطخة بدمائها وقد فارقت الحياة”.

وتابع بحزن: “صُدِمت من ذلك الموقف، ولم أستطع تمالك نفسي، فسقطت على الأرض أبكي بحرقة”.

وأضاف أيضًا: “يمامة ابنتي الكبرى، كانت يدي اليمين، وأعتمد عليها بكل شيء. كانت تساعدني في الزراعة ورعي الماشية، إنّنا بهذه القرية نعتمد على الزراعة ورعي الماشية كمصدر وحيد نعيش منه”.

يتّهم الأهالي جماعةَ أنصارالله (الحوثيين) بزرع الألغام والأجسام المتفجرة عشوائيًّا في جبال المنطقة. وبحسب السكان المحليين، فإنّ الجماعة يقومون بزراعة الألغام وغيرها من الأجسام المتفجرة، في الجبال والمساحات التي تفصلهم عن مواقع الطرف الآخر، لحماية مواقعهم الأمامية من أيّ تقدّم من الطرف الآخر.

وتقع سيطرة الحوثيين على الجبال غربَ موقع الانفجار، وذلك على جبال الخصلة والقاهر على بعد حوالي كيلو مترٍ واحد، بينما تسيطر قوات المجلس الانتقالي الجنوبي من الناحية الشرقية على جبال الغريب وحمالة، على بعد نحو 2كم، ومواقع سيطرة الطرفين على تلك الجبال منذ عام 2017، وحتى الوقت الحاضر (أكتوبر/ تشرين الأول 2022).

في هذه تلك الفترة، لم يسيطر أيٌّ من الطرفين على ذلك الجبل الذي حدث فيه الانفجار، وكان أهالي قرية قداش يرعون أغنامهم في هذا الجبل منذ سنوات طويلة، ولم تحدث فيه أيّ انفجارات مشابهة في السابق. ولكن بعد هذه الواقعة أصبح الجميع لا يأمنون الذهابَ إلى ذلك المرعى خوفًا على حياتهم من انفجارات أخرى.

كانت في طريقها للبحث عن مساعدات: لغمٌ يقضي على أسرة

ليس ببعيد عن مأساة يمامة وياسمين، وفي منطقة ريفية تسمى الدبي، والتي تتبع أيضًا مديرية القبيطة، محافظة لحج.

غيداء عبده عبدالباقي (7 سنوات)، تجرّعَت مرارة يُتم الأب بعد وفاة والدها في سنّ الرابعة، وعاشت بعد ذلك مع والدتها وإخوانها، تعاني الفقر والحاجة. إضافة إلى ذلك فإنّ المنطقة التي تسكن فيها تُعدّ منطقةَ تماسّ بين طرفي النزاع (قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، وجماعة أنصار الله- الحوثيين).

وقعت الطفلة غيداء، ووالدتها دليلة عبدالصمد (40 سنة)، وشقيقها عزام عبده (16 سنة)، ضحايا لغم أرضي انفجر بهم في منطقة الدبي بمديرية القبيطة، خلّف إصابتها بشظايا، ومقتل والدتها، وجرح شقيقها.

كانت الواقعة عند حوالي الساعة 9:00 صباح 26 يناير/ كانون الثاني 2019، عندما خرجت دليلة (أم غيداء) من منزلها بمنطقة الدبي – مديرية القبيطة، قاصدةً استلام مساعدات مقدَّمة من منظمة إنسانية، وكانت دليلة تحمل طفلتها غيداء على خصرها، وبمرافقة طفلها الآخر عزام.

بينما كانت تسير في المنطقة، وعند وصولهم منطقة التماس بين طرفي النزاع بالقرب من مدرسة 30 نوفمبر، لم تكن تعلم أنّ تلك المنطقة مزروعة بالألغام، فوقعت إحدى خطواتها على لغم.

أصيبت الأم (دليلة) بشظايا متفرقة بجسدها، وبُتِرت كلتا ساقيها وظلت تنزف حتى الموت، أصابت شظايا الانفجار الطفلة رغد بعدّة شظايا في أنحاء مختلفة من جسدها، والبعض منها استقرّ في العمود الفقري، إلى جانب إصابة عزام بشظايا في كلتا ساقيه.

ويتّهم السكانُ المحليّون جماعةَ أنصارالله (الحوثيين) بزراعة الألغام في تلك المنطقة لحماية مواقعها من أي هجوم محتمَل للقوات الحكومية التي تتمركز في الجبال المُطِلّة شرقَ مواقعها على بعد حوالي 700 متر، وتستمر الألغام بحصد أرواح المدنيين بتلك المنطقة.

بعد وقوع الانفجار مباشرة، قامت جماعة أنصارالله (الحوثيين) في المواقع القريبة، بإطلاق النار بشكلٍ عشوائي، تُوفِّيَت الأمُّ بعد أن نزفَت كثيرًا نتيجة لتأخّر الإسعاف.

قام عددٌ من الأهالي بعدها بنقل الضحايا نحو المركز الصحي بمنطقة كرش – مديرية القبيطة، حيث أكّد الأطباء وفاة دليلة، بينما تمّت متابعة إسعاف الطفلين الشقيقين غيداء وعزام، إلى عدن.

استمرّت معالجة الطفلة غيداء وشقيقها عدةَ أشهر، في مستشفى أطباء بلا حدود ومستشفى الوالي بعدن. كانت غيداء لا تستطيع تحريك أطرافها السفلية نتيجة الإصابة، وأُجرِيت لها عدة عمليات جراحية لاستخراج شظايا من العمود الفقري.

بعد عدة أشهر، بدأت غيداء بالتحسُّن، لكنّها ظلت عدة أشهر أخرى لا تستطيع الحركة، حيث أثّرت إصابتها في أعصاب الأطراف السفلية، وتلقّت علاجًا طبيعيًّا حتى تحسّنت حالتها واستطاعت المشي على قدميها بصعوبة. ما زالت حتى الآن (2022) بحاجة إلى العلاج الطبيعي، وما تزال تعاني من التبوّل اللاإرادي.

عبد الحبيب عبدالباقي (56 سنة)، عم الضحية غيداء قال: “منذ ذلك اليوم، أصبحت غيداء يتيمة الأبوين، وتضاعفت معاناتها، فلا تجد من يعيلها، وتعتمد على ما أُنفِق عليها من فاعلي الخير”.