خطر إضافي يهدد حياة المدنيين
تعدُّ مناطق التماس الجبلية التي تتخللها الوديان في محافظة لحج أكثر المناطق تلوثًا بالألغام والأجسام غير المتفجرة من مخلفات الحرب. وفي موسم الأمطار تجرف السيول بعض تلك الألغام إلى الوديان التي يعدُّ معظمها طرقًا يتنقل عبرها القرويون إلى الأراضي الزراعية.
ومن تلك المناطق التي تعد تماسًا بين قوات جماعة أنصار الله (الحوثيين) من جهة، وقوات المجلس الانتقالي وقوات الحكومة المعترف بها دوليًا من جهة مقابلة. ومن أكثر المناطق المهددة بخطر تلك الألغام هي مناطق مديريات: القبيطة، طور الباحة، المسيمير، المضاربة والعارة.
وخلال فترات النزاع منذ تسع سنوات حتى الآن، عَمِدَتْ جماعة أنصار الله (الحوثيين) إلى زرع الألغام والعبوات المتفجرة في تلك المناطق؛ عند انسحابها من بعض المواقع أو لتحصين خطوطها الأمامية من أي محاولات للتسلل إلى المواقع التي تسيطر عليها في جبال تلك المناطق.
الكثير من تلك الألغام المهاجرة تجرفها السيول من تلك الجبال إلى الأرض الزراعية، وأيضًا إلى الطرقات في بعض الوديان التي تعد طرق تنقل المدنيين بين القرى، وكذلك طرق الطلاب الى المدارس، كما أن بعضًا من تلك الألغام تنفجر في أماكن رعي الماشية.
وبما أن معظم المدنيين بتلك المناطق والقرى يعتمدون بشكل أساسي على الزراعة ورعي الماشية كمصدر عيشهم، تسببت تلك الالغام التي تجرفها السيول إلى أرضهم الزراعية ومراعي الماشية في إجبار بعضهم على التخلي عنها.
ومن بين أولئك: المزارع حمود أحمد محمد (62 سنة)، وزوجته ولاية محمد سالم (58 سنة)، وكانت تلك الواقعة بمنطقة اليوسفين التابعة لمديرية القبيطة، محافظة لحج، في تاريخ 02 فبراير/ شباط 2022، عندما كان الضحيتان يقومان بحراثة أرضهما الزراعية، وخلال ذلك انفجر فيهما لغم كان السيول قد جرفته إلى أرضهم الزراعية، وأسفر الانفجار عن وفاتهما في الحال، كما تسبب في نفوق الثور الذي كانا يستخدمانه في حراثة الأرض غداة الواقعة.
أيضا الطفلة عتاب صالح أحمد (12 سنة)، كانت إحدى ضحايا تلك الألغام المهاجرة، ففي تاريخ 19 يونيو/ حزيران 2019، في منطقة الخزجة، بمديرية طور الباحة، محافظة لحج، كانت الطفلة عتاب ترعى أغنامها في ذلك اليوم في الارض الزراعية بتلك المنطقة، وأثناء ذلك توجهت الطفلة إلى الحقل لجلب الحشائش للأغنام، وفي وسط الحقل عثرت على لغمٍ من تلك التي تجرفها السيول داخل الحقل، وربما فضول الطفلة دفعها لإخراج اللغم من بين التراب، وأثناء ذلك انفجر اللغم وأدى إلى وفاتها في الحال.
كما أن هناك عددٌ من المدارس أصبحت مغلقة، كون الطريق إليها أصبحت ملوثة بالألغام، إمَّا بتلك الألغام التي زرعتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) في الطرق المؤدية لتلك المدارس أم تلك الألغام التي تجرفها السيول إلى الوديان التي تعدُّ طرقًا إلى تلك المدارس، كمدرسة 30 نوفمبر للتعليم الأساسي بمنطقة الدبي، مديرية القبيطة، محافظة لحج، أصبحت تلك المدرسة مغلقة منذ سنة 2018 حتى الآن، وذلك لكونها تقع على خط التماس، كما عَمِدتْ جماعة أنصار الله (الحوثيين) إلى زرع الألغام بالقرب منها وبعض تلك الألغام جرفتها السيول إلى الوادي الذي تقع المدرسة بجواره.
ليس ببعيد عن منطقة الدبي، تقع مدرسة الزبيري للتعليم الأساسي بمنطقة الصريح، مديرية القبيطة، محافظة لحج. أصبحت المدرسة مغلقة منذ نحو تسع سنوات بعد تم استخدام مبنى المدرسة كثكنة عسكرية من قبل القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المسيطرة على المنطقة، حيث اضطر المعلمون إلى تعليم طلاب هذه المدرسة تحت جسور تصريف السيول (تقع تحت الطريق العامة)، كما أن تلك الجسور التي يتعلم تحتها الطلاب تُعدُّ أماكنَ لتصريف السيول التي تأتي من ناحية الجبال جالبة معها الألغام. ورغم المخاطر، يتابع تلاميذ هذه المدرسة تعليمهم تحت هذه الجسور.
كما تسبب تلك الألغام المهاجرة بإعاقة وصول الأهالي إلى أماكن جمع الحطب، وكان آخر واقعة حدثت عند الحدود الإدارية بين مديرية القبيطة لحج ومديرية خدير، محافظة تعز، وذلك في منطقة شيفان السحي التابعة لمديرية خدير محافظة تعز، بتاريخ 15 مايو/ آيار 2024، وذلك عندما كان الضحية منصور أحمد محمد (44 سنة) يقوم بالتحطيب في وادي المنطقة (ممر السيول) وهنالك عثر على لغم، وحين قام بأخذه بغرض التخلص منه انفجر به صاعق اللغم متسببًا في إصابته بشظايا في جسده وبتر أصابع يده اليسرى، كما أصيب أيضًا ابنه الطفل أحمد منصور (9 سنوات) بشظايا في الأطراف، وابنه الآخر جعفر منصور (14 سنة)، الذي أصيب بشظايا أسفل الساقين.
أيضًا في ممر السيول بمنطقة الحويمي، مديرية القبيطة، محافظة لحج، انفجرت عبوةٌ متفجرة في السيدة صباح سالم غالب (37 سنة)، في تاريخ 15 مايو/ آيار 2018، بينما كانت الضحية في ذلك المكان ترعي أغنامها وتجمع الحطب، وأصابها الانفجار بشظايا مزقت جسدها الى أشلاء.
وفي منطقة الشعيب التابعة لمديرية القبيطة، محافظة لحج، والواقعة تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيين) منذ تسع سنوات حتى الآن، وذلك في وادي المنطقة (مجرى السيول) انفجرت عبوة أثناء قيام طفلتين من أهالي تلك المنطقة بجلب المياه على الحمير من بئر ماء تقع في تلك المنطقة.
كان ذلك في تاريخ 16 مارس/ آذار 2019، عندما كانت الطفلتين: غيداء محبوب عبده (13 سنة)، وأميمة علي سيف (15 سنة) في طريقهن بين قريتهن وبئر الماء. وأثناء ذلك حدث الانفجار متسببًا في إصابتهن بشظايا متفرقة أدت إلى مقتل الطفلة غيداء على الفور، بينما توفيت أميمة بعد الواقعة بخمسة أيام.
كما أن تلك الألغام ومخلفات الحرب المهاجرة خلَّفتْ ضحايا بين الأطفال أثناء عثورهم عليها في أماكن مرور السيول، حيث يدفعهم الفضول إلى اللعب بها مما يؤدي إلى انفجارها. كانت إحدى تلك الوقائع في منطقة الصميتة، مديرية طور الباحة، محافظة لحج، بتاريخ 27 يوليو/ تموز 2020، عندما عثر الطفلين: فرسان محمد صالح (5 سنوات)، وشقيقه علي محمد صالح (3 سنوات) على جسم غير متفجر كانت السيول قد جرفته إلى أرضهم الزراعية، وعندما كانوا يلعبون بذلك الجسم في منزلهم انفجر متسببًا في مصرع الطفل فرسان على الفور وإصابة الآخر بشظايا.
وفي تاريخ 23 ديسمبر/ كانون الأول 2022، في منطقة الرزينة بمديرية القبيطة، محافظة لحج، عثر الطفلين: زكريا عبده أحمد (6 سنوات)، والآخر محمد جمهور سالم (12 سنة)، على صاعق لغم من التي تجرفها السيول إلى أرضهم الزراعية، وأثناء قيام الطفلين بالعبث بذلك الجسم انفجر متسببًا في إصابتهما بشظايا مختلفة في الأطراف.
كما تسببت تلك الألغام في إعاقة الوصول للمساعدات الإنسانية، وكانت من بين تلك الوقائع واقعةٌ حدثت في طريق الوادي مجرى السيول بين منطقتي الشعيب والدبي بمديرية القبيطة، محافظة لحج، في تاريخ 19 يناير/ كانون الثاني 2019، حيث كانت الضحية دليلة عبد الصمد (39 سنة) برفقة طفلتها غيداء عبده عبد الباقي (3 سنوات)، وطفلها الآخر عزَّام عبده عبد الباقي (14 سنة)، يسيرون في تلك الطريق؛ يريدون التنقل إلى منطقة الدبي لاستلام مساعدات إنسانية من تلك المنطقة، وأثناء ذلك انفجر فيهم لغمٌ أرضي متسببًا في مقتل الأم وإعاقة الطفلة غيداء، وإصابة أخيها عزام بشظايا.
وأضحتْ تلك الألغام المهاجرة تهديدًا إضافيًّا للمدنيين وفخاخًا منجرفة مع السيول تتربص بالأبرياء وتحصد أرواحهم، وخاصة في المناطق القريبة من خطوط التماس التي زرعها مسلحو جماعة أنصار الله (الحوثيين) بالألغام بشكلٍ عشوائي.
وتطالب مواطنة لحقوق الإنسان كافة أطراف النزاع بالتوقف الفوري عن زراعة الألغام بمختلف أشكالها، والبدء في خطوات جادة لتطهير الأماكن الملوثة بالألغام بما فيها المناطق التي شهدت هجرة للألغام بفعل السيول للحيلولة دون سقوط المزيد من الضحايا المدنيين، وتطالب المجتمع الدولي بتشكيل آلية تحقيق دولية ذات طابع جنائي تضمن محاسبة المُنتهِكين ومساءلتهم، والانتصاف للضحايا.