هناك حاجة ماسة لإجراء تحقيقات ذات مصداقية وللمساءلة وجبر الضرر
قالت مواطنة لحقوق الإنسان في بيان لها اليوم، إنه وفي الـ 12 من مايو/ أيار 2022، عُثر على مجموعة من جثث المهاجرين اليمنيين والإثيوبيين متكدسة بالقرب من مرفق احتجاز غير رسمي في جنوب السعودية.
ووفقًا لأولئك الذين جمعوا الجثث، فإنّ المهاجرين كانوا قد عَبَروا الحدود من شمال اليمن إلى المملكة العربية السعودية في اليوم السابق، وقام طبيبٌ بفحصِ جُثث سبعة يمنيين عثر عليها مع مجموعة من جثث المهاجرين، وكشف التقرير الطبي أنّ اثنتين من الجثث كانتا مصابتين بطلقات نارية، وأنّ الجثث الخمس المتبقية عليها آثار تعذيب.
على مدى سنوات، أخفقَت السعودية في منع الانتهاكات ضد المهاجرين على أراضيها، وفشلت في إجراء تحقيقات موثوقة في هذه الانتهاكات. إنّ الإخفاق في التحقيق في الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد المهاجرين من قبل أفراد أو مسؤولين عموميين ومقاضاة مرتكبيها، من شأنه أن ينتهك التزامات المملكة العربية السعودية بموجب القانون الدولي.
يتعين على الدول اتخاذ خطوات فورية لضمان إجراء تحقيقات ذات مصداقية، ومساءلة جنائية، وجبر ضرر عن الانتهاكات والاعتداءات التي ارتُكِبت في هذه الواقعة المروعة.
وفي سياق النزاع المسلح؛ كانت السعودية، وكذلك الأطراف المتحاربة الأخرى، قد أخفقوا، في إجراء تحقيقات ذات مصداقية في الانتهاكات، ومعاقبة المسؤولين عنها، وتقديم جبر ضرر للضحايا. وكانت (مواطنة) وعشرات المنظمات الحقوقية الأخرى قد دعت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إنشاء آليةٍ دوليةٍ مستقلة للمساءلة الجنائية في اليمن.
وقالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: “هذه الطريقة الوحشية في التعامل مع مجموعة من المهاجرين الإثيوبيين واليمنيين داخل الأراضي السعودية وتعرُّضهم للقتل والتعذيب، هي واحدة ضمن سلسلة انتهاكات يتعرّض لها المدنيون في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية. على المجتمع الدولي أن يعرف بأنّ غياب آلية دولية مستقلة للمساءلة الجنائية في اليمن، هو ضوء أخضر لسلسلة لا تتوقف من الجرائم بحق المدنيين”.
وكان فريق من مواطنة لحقوق الإنسان قد زار مدينة صعدة ومنطقة سوق الرقو في شمال اليمن، في الفترة بين 14 و18 مايو/ أيار 2022، للتحقيق في الواقعة، التقى خلال ذلك خمسة شهود، بمن في ذلك ثلاثة نقلوا الجثث من جانب مركز الاحتجاز غير الرسمي في السعودية إلى سوق الرقو في اليمن، بالقرب من الحدود بين البلدين.
كما التقت (مواطنة) اثنين من أقارب الذين قُتِلوا، وحصلت على صور ومقاطع فيديو لجثث سبعة مدنيين يمنيين تم نقلهم وتجميعهم في المستشفى الجمهوري بصعدة. وكانت (مواطنة)، قد زارت المستشفى الجمهوري في صعدة في 15 مايو/ أيار، وعاينت الجثث السبع لليمنيين الذين قُتِلوا، وحصلت على أسماء ستة منهم تتراوح أعمارهم بين (20 – 40) عامًا.
كما حصلت (مواطنة) أيضًا على تقرير الطبيب الشرعي الذي فحص الجثث السبع في مشرحة المستشفى، وحسب شهود عيان فإنّ جثث الإثيوبيين دُفِنَت بالقرب من الحدود، على الجانب اليمني، في مقبرة يستخدمها المهاجرون الإثيوبيون.
وخلص الطبيب الذي فحص جثث الضحايا اليمنيين السبعة، في تقرير له من 14 صفحة، إلى أنهم تعرضوا “لعنف خارجي شديد للغاية باستخدام أداة أو أجهزة صلبة”، وأنّ “هناك علامات على إصابة حيوية ومتكررة بالتيار الكهربائي، وكلها علامات تظهر عادة في حالات الوفاة الناتجة عن التعرض للتعذيب…”.
ووجد الطبيبُ أيضًا أنّ جثتَينِ تبيّنَ أنه تمّ إطلاق النار على صاحبيهما؛ أحدهما في الرأس، والآخر في الجانب الأيمن من الجسم، وأنّ اثنتَين على الأقل تعرضتا لصدمة كهربائية، وإحداهما على الأقل تعرضت لشق “حول العضو الذكري نتيجة ربطه بضمادة ضاغطة”.
وقال شاهد لـ(مواطنة)، إنه في يوم الأربعاء 11 مايو/ أيار 2022، في ساعة مبكرة من مساء ذلك اليوم، انطلق حشد من حوالي 30 يمنيًّا وإثيوبيًّا سيرًا على الأقدام صوب الحدود السعودية، متجهين نحو شرق منطقة سوق الرقو اليمنية.
وتعتبر منطقة سوق الرقو الواقعة على الحدود اليمنية مع السعودية نقطة انطلاق غير رسمية لتهريب البشر ونقل المواد المهربة، وخاصة نبتة (القات) إلى الأراضي السعودية، ويتوجه العديد من المهاجرين الأفارقة واليمنيين إلى هذه المنطقة من أجل عبور الحدود، والبحث عن فرص اقتصادية أفضل في المملكة العربية السعودية.
ولم يتضح ما حدث بعد دخول المجموعة إلى الأراضي السعودية، غير أنه وفي اليوم التالي، عَثَر شابٌّ إثيوبي على مجموعة من الجثث المكدسة على تل (أبو علي) بمنطقة شويرة، بمحافظة الداير، بمنطقة جازان في المملكة السعودية.
وكانت الجثث بالقرب من مرفق غير رسمي يستخدمُهُ حرسُ الحدود السعودي كمركز احتجاز، لذا ذهب الرجل (الإثيوبي) لتنبيه أولئك الموجودين على الجانب اليمني من الحدود بشأن ما وجده، فتوجّه حوالي ستة أشخاص للمعاينة ورأوا كومة الجثث، لكن أحد عناصر حرس الحدود السعودي أطلق طلقات تحذيرية في اتجاه المجموعة، ما اضطر المجموعة للعودة إلى اليمن.
بعد حوالي ربع ساعة، غادر حرس الحدود، فعاد الأشخاص الستة إلى المكان نفسه لنقل الجثث إلى اليمن، ودفنوا جثث الإثيوبيين قرب سوق الرقو، ونُقلت جثث اليمنيين الى مدينة صعدة.
قال نبيل (اسم مستعار، 31 سنة)، ساعدَ في نقل الجثث:
“في صباح الخميس 12 مايو/ أيار، كنتُ نائمًا في سوق الرقو، عندما استيقظت مذعورًا من صياح شاب إثيوبي يخبر الناس أنّ هناك جثثًا ملقاة على الأرض بجوار منزل قريب. يقع هذا المنزل على تل (أبو علي) على الحدود الجنوبية للسعودية. ويستخدمه [حرس الحدود السعودي] كمركز احتجاز.
اندفعنا أنا وشباب يمنيون آخرون كانوا في السوق، إلى المكان في حالة من الصدمة والذهول. كانت المسافة التي قطعناها أقل من عشر دقائق. وعندما وصلنا، رأيت بأمّ عيني جثثًا هامدة لعدد من اليمنيين والإثيوبيين، وكلهم كانوا موتى، وجثثهم مكوّمة فوق بعضها البعض.
وجدنا جنديًّا [سعوديًّا] كان على بُعد أمتار، يرتدي زيًّا عسكريًّا، بادَرَنا بإطلاق رصاصات تحذيرية بالقرب منّا عندما رأى أننا نتقدّم لأخذ الجثث. قال لنا: “لن تأخذوا أيًّا من تلك الجثث الآن. دعوهم يتعفنوا!”، صرخت في وجهه: “اتقِ الله”، فأطلق علينا وابلًا آخر من طلقات التحذير.
بعد ربع ساعة، عُدنا إلى الأراضي السعودية لأخذ الجثث. كان الجُندي قد غادر المكان، وكانت جميع الجثث التي ألقيت على الأرض متيبسة وعليها آثار تعذيب”.
قال رجل إثيوبي يبلغ من العمر 21 سنة، ساعدَ في نقل الجثث:
“ذهبتُ لأخذ الجثث مع صديق آخر، وقمنا بفرز جثث أصدقائنا. عرفناهم من لون بشرتهم. كان البعض مبللًا بالماء، وكان بعضهم عاريًا والبعض الآخر يرتدي ملابس داخلية. كانتْ أجسادهم متيبسة، وبدأنا في نقلهم لدفنهم. قمنا بدفن أكثر من جثة في قبر واحد في سوق الرقو، وتم دفن كل اثنين معروفين معًا”.
صالح، رجل يبلغ من العمر 30 سنة، سَاعَدَ أيضًا في نقل الجثث، بما في ذلك جثتان من أقاربه، قال:
“كانت هناك آثار دم في أُذنَي وأنف كلٍّ من أخي وابن عمي. أخذناهم إلى الجانب اليمنيّ مع خمسة آخرين لا أعرفهم، بينهم اثنان فقط تمكّنت من العثور على بطاقات الهوية وأرقام الهواتف في جيوبهما. اتصلتُ بعائلاتهم في منطقة الزهرة بالحُديدة، وأخبرتهم أنّ هناك جثتَين باسم فلان وفلان على الحدود السعودية. لم يصدقوني وكانوا في حالة صدمة. بعد فترة، اتصلوا بي وقالوا لي: من فضلك، قل لنا إنّ هذا ليس صحيحًا”.
مواطنة لحقوق الإنسان، التقت بشقيق أحد الرجال اليمنيين الذين قُتِلوا، سافر من منزله في محافظة الحُديدة في اليمن، بمجرد تلقيه مكالمة هاتفية لإبلاغه بوفاة شقيقه، وكان قد فحص جثة شقيقه في مشرحة المستشفى وتحقّق منها.
قال لـ(مواطنة):
“كان أخي عماد (35 سنة)، المعيلَ الوحيد لنا لأكثر من خمس سنوات بعد وفاة والدي. وكان آخر اتصال لنا معه في اليوم السابق لوفاته، حين اتصل للاطمئنان على صحة أُمِّنا، فأخبرته أنها مريضة في المستشفى وليس لدينا مال، وهي بحاجة إلى لوح شمسي وبطارية لتشغيل المروحة، لأنّ مدينة الحُديدة حارّة للغاية. أجابني بنبرة حزينة على صوته وقال لي: حسنا يا أخي، سأدخل السعودية غدًا وسيستغرق الأمر بضعة أيام قبل أن أرسل لك المال لشراء لوح شمسي وبطارية”.
وفقًا للمقابلات التي أجرتها (مواطنة)، كان أحد القتلى يعمل سائق دراجة نارية لكسب لقمة العيش، وقام آخرون بأعمال بدنية كعمال بناء.
وعادة، إذا لم يتمكن الأشخاص من إيجاد فرص عمل لائقة في اليمن لتلبية الاحتياجات الأساسية لأنفسهم وأسرهم، يقررون الهجرة إلى السعودية وعبور الحدود للعمل هناك كمزارعين ورعاة للماشية والإبل، وأداء العمل البدني مثل البناء.
يعتبر معظم المهاجرين الأفارقة واليمنيين، الهجرةَ إلى المملكة العربية السعودية وسيلةً لتحسين مستويات معيشتهم. قد يتطلب تدهورُ الأوضاع المعيشية وصعوبة الحصول على عمل في اليمن- من الناس البحثَ عن مصادر دخل عبر الحدود.
وتُظهِر المعلومات التي جمعتها (مواطنة) أنّ بعض الضحايا كانوا قد دخلوا السعودية من قبل. وبشكل عام، فإنّ المهاجرين الذين يَعْبُرون إلى الأراضي السعودية يقودهم مهرّبون يساعدونهم على التهرب من حرس الحدود السعوديين، وإدخالهم إلى السعودية.
يجب على السلطات السعودية التحقيقُ على الفور في مزاعم الانتهاكات ضد المهاجرين اليمنيين والإثيوبيين، بما في ذلك القتل غير المشروع والتعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة، وينبغي أن تكون هذه التحقيقات فعّالة وسريعة وشاملة ونزيهة. كما يجب مقاضاة المسؤولين ومحاكمتهم محاكمةً عادلة وَفقًا للمعايير الدولية، وتوفير سُبُل انتصاف فعّالة لأسر الضحايا ومن يعيلون، بما في ذلك التعويضات.
إنّ الحَظْر المطلق للتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة مكفولٌ في القانون الدولي، بما في ذلك أثناء النزاعات المسلحة.
وصادقت المملكة العربية السعودية واليمن على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والتي تؤكّد كذلك التزاماتهما باتخاذ خطوات ذات مصداقية نحو المساءلة والجبر عن أعمال التعذيب أو غيرها من ضروب سوء المعاملة.
إنّ جميع المهاجرين يستحقون التمتع بحماية حقهم في الحياة، والدول مُلزَمة بضمان عدم حرمان المهاجرين تعسّفًا من هذا الحق في أيّ إقليم يخضع لولايتها؛ لذا يجب على سلطات الدول التحقيق في انتهاكات الحق في الحياة ومقاضاة مرتكبيها، بما في ذلك عمليات القتل غير القانونية التي تحدث أثناء رحلة المهاجرين عبر الحدود.
ويواجه المهاجرون وطالبو اللجوء الأفارقة واليمنيون، تهديدات خطيرة لحياتهم وسلامتهم في المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية. منذ بدء النزاع المسلح في اليمن في أواخر عام 2014، وثّقت (مواطنة) ما لا يقل عن 55 واقعة قصف بري من قبل حرس الحدود السعودي في هذه المناطق، أسفرت عن مقتل 64 مهاجرًا أفريقيًّا ويمنيًّا، بينهم 25 طفلًا وثلاث نساء، وإصابة 145 مهاجرًا أفريقيًّا ويمنيًّا، بينهم 53 طفلًا وتسع نساء.
كما وثّقت (مواطنة) 20 واقعة إطلاق نار على الحدود من قبل حرس الحدود السعودي، نتج عنها ستة قتلى، بينهم ثلاثة أطفال وثلاث سيدات، وإصابة 28 مهاجرًا أفريقيًّا ويمنيًّا، بينهم عشرة أطفال وتسع نساء.