شريط ذكريات أمام سارية علم

تذكر خالد زملائه الطلاب والمعلمين، وهم يقفون يحيون العلم الجمهوري صباح كل يوم دراسي قبل انطلاقهم الى الفصول حاول إن يعبر عن كل ذلك بأبيات من الشعر. وطرق رأسه سؤال: "إذا عاد زملائه النازحين يوماً ما إلى منازلهم إلى أين سيذهبون لمواصلة تعليمهم؟!"

January 18, 2021

18يناير/كانون الثاني 2021

وقف خالد في 15 مارس/أذار 2020، أمام أطلال مدرسته المقصوفة يستعيد شريط ذكريات الدراسة، في كل زاوية هناك قصة، وفي كل مكان تفصيل. وزع نظراته، فسقطت عيناه على حجر مربعة الشكل متروكة على الأرضية في الجهة الشمالية للمدرسة.

أخذها وقلّبها بيديه، إنها جزء صغير مما كان قبل هذا الخراب، مدرسة (درب الأشراف) الأساسية الثانوية الكبرى، بمديرية مجزر، محافظة مأرب.

كانت الحجر مزخرفاً، وكأنه انتزع من مكان في الداخل. وفي أعلى المبنى المهدم لا تزال سارية العلم واقفة، مذ بناها الصندوق الاجتماعي للتنمية المدرسة في العام 2003 وبمساهمة من المجتمع.

يقول خالد: “إن المكان أصبح مختلفاً، وأن حطام المدرسة أغلق الطرقات بين أطراف القرية، لأنها تقع في مفترق طرق.”

تذكر خالد زملائه الطلاب والمعلمين، وهم يقفون يحيون العلم الجمهوري صباح كل يوم دراسي قبل انطلاقهم الى الفصول حاول إن يعبر عن كل ذلك بأبيات من الشعر. وطرق رأسه سؤال: “إذا عاد زملائه النازحين يوماً ما إلى منازلهم إلى أين سيذهبون لمواصلة تعليمهم؟!”

زائد، (اسم مستعار)، أحد الشباب الخريجين من مدرسة (درب الأشراف) يتذكّر المسابقات الرياضية؛ إذ يشارك فريق المدرسة في دوري المديرية ويذهب الفريق مع الإدارة في انسجام تام إلى قرى السحاري أو حصون آل حميضة أو ملاحا.

لا يزال زائد يتذكر صحيفة (براقش) الدورية التي تصدر كل ثلاثة أشهر وهي ناطقة باسم الأنشطة التي توثقها وتبرزها، فيما يتسابق التلاميذ لكتابة الأعمدة والمواضيع المختلفة وينشروا إبداعاتهم المختلفة من خلالها.

لم يغب عن زائد، أيضاً الحفل التكريمي بداية الفصل الدراسي الثاني للأوائل والمبرزين وتكريم المعلم المثالي وتسابق أولياء الأمور على تشجيع ابناءهم على المنافسة ليتم تكريمهم بالحفل القادم. كما يتذكر أيضاً الدور البارز لمجلس الإباء لتصحيح مسار التعليم وتذليل الصعاب والعقبات التي تظهر بين فترة وأخرى أيام الدراسة.

سبع عشرة عاماً مضت على بناء المدرسة التي تخرج منها مئات الطلاب الذين صاروا إلى الجامعات، حيث كانت تحرز دائماً المراكز الأولى في المسابقات الثقافية والعلمية التي تنظم بين مدارس مديرية مجزر.

في العامين 2019 و2020، وصل قوام الطلاب والطالبات في المدرسة إلى ما يقارب 400 طالب في جميع المراحل، وكان النصيب الأكبر للطلاب النازحين الوافدين إلى المنطقة هرباً من مناطق أخرى محتربة.

في نهاية يناير/ كانون الثاني 2020 ومع استئناف الفصل الدراسي الثاني سيطرت جماعة أنصار الله (الحوثيون) على مديرية مجزر، وقرية درب الاشراف التي تقع فيها المدرسة. نزح سكان القرية إلى مدينة مأرب ومنهم عائلة الطالب خالد الذي يدرس بالصف الأول الثانوي.

في 8 مارس/آذار 2020 وعند الساعة 7:00 صباحاً شن التحالف بقيادة السعودية والإمارات غارتين جويتين على المدرسة أدت الى تدميرها بشكل كامل وسقوط منزلين مجاورين لها وخلخلة منزلين آخرين.

من خلال الشهادات التي وثقتها مواطنة لحقوق الإنسان، لم يفصح شهود عيان عن تواجد مسلحين لجماعة أنصارالله (الحوثيين) داخل المدرسة أثناء القصف، الا إن “مواطنة” حصلت على صورة تظهر احتراق عدد من الأطقم العسكرية التابعة للجماعة داخل سور المدرسة بعد القصف.

أصيب الجميع بالصدمة، فالمدرسة التي ظلوا ينتظرونها لأكثر من عقدين من الزمن دُمرت بغمضة عين والتفاتتها، وصارت حجرا على حجر، ليفقد مئات الطلاب الأمل بالعودة إلى صفوف الدراسة، أو حتى الوقوف أمام سارية العلم.

قبل سيطرت جماعة أنصارالله الحوثيين على المديرية التي تقع فيها المدرسة بشهر واحد، أيفي أواخر2019، قامت مؤسسة خيرية بدعم المدرسة بـمراوح وتوصيل الكهرباء إليها،إلى جانب تزويد المدرسة بخزان مياه مع مضخة وأنابيب بلاستيكية وسبورات وأقلام.

كانت مدرسة درب الاشراف قبل قصفها تتكون من تسعة فصول وإدارة وثلاثة حمامات في طابق واحد يحيط بها سور من الاتجاه الشمالي والغربي، وبالقرب منها توجد فصول خاصة بالثانوية وبما يشبه المدرسة المستقلة؛ مازالت قائمة إلى الآن. أما التسعة فصول فقد ساواها القصف الجوي بالأرض.

في أغسطس/ آب 2020، أصدرت مواطنة لحقوق الإنسان تقرير “تقويض المستقبل” الذي وثق ما لا يقل عن (153) هجمة جوية نفذها التحالف بقيادة السعودية والإمارات في (16) محافظة يمنية. كما وثق القرير قيام أطراف النزاع بـ(171) واقعة على الأقل باحتلال مدارس واستخدامها لأغراض عسكرية، منها 131 قامت بها جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيون)، و30 أخرى ارتكبتها المقاومة الشعبية والقوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، ويتحمل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً المسؤولية عن 8 وقائع.

مع قرب اليوم العالمي للتعليم 24 يناير/ كانون الثاني، فإن هذه مناسبة لتذكير أطراف النزاع في اليمن بمسؤولياتها تجاه الأجيال الحالية والقادمة، وأن عملية التدمير الممنهج للعملية التعليمية وما يترتب عن ذلك، يجب أن يتوقف الآن وليس غداً.