تقرير حول حالة حقوق الإنسان في اليمن خلال 2023
قالت مواطنة لحقوق الإنسان في بيان لها اليوم -بالترافق مع إطلاق تقريرها السنوي "إرث البارود"، حول حالة حقوق الإنسان في اليمن للعام 2023- إنه رغم جنوح أطراف الصراع في اليمن إلى خفض التصعيد منذ النصف الأول من عام 2022 حتى 2024 الجاري، بيد أنَّ ذلك لم يكن حافزًا لدى قوى الصراع للكف عن ارتكاب الانتهاكات المختلفة بحق المدنيين في مناطق سيطرة تلك الأطراف، وفقًا لنتائج التحريات والرصد والتوثيق التي قام بها فريق مواطنة خلال عام 2023، والتي استندتْ عليها مواطنة إعداد تقرير "إرث البارود"، الصادر حديثًا.
وقالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "إن استمرار أطراف الصراع في اليمن في الدأب على عادتها في ارتكاب الانتهاكات المختلفة بحق المدنيين/ات، يبرهن على مدى ثقتها من الإفلات من العقاب والمساءلة، على النحو الذي تبدو فيه أطراف الصراع المختلفة في تنافسٍ على مقدار إلحاق الأذى بالمدنيين بكافة الأشكال والأنماط". وأضافت: "كان من المتوقع أن يثمر التوقف المحدود للعمليات العسكرية تراجعًا طرديًا في مقدار وعدد وأنماط الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين، إلا أن ما حدث كان العكس، وهو أمر يدعو للقلق".
وأكدت مواطنة في تقريرها، على أن عام 2023 لم يكن أخفَّ وطأةً على المدنيين اليمنيين من أعوام النزاع السابقة؛ فقد عايش المدنيون أنواعًا وأصنافًا متنوعة من الأذى، نتيجة استمرار الانتهاكات والاعتداءات التي ترتكبها أطراف الصراع بحقهم، مثل: التعذيب، والقتل في أماكن الاحتجاز، والاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، والدهس بالعربات، والمحاكمات الصورية، والإعدامات غير العادلة، وتجنيد الأطفال، والاعتداء على المنشآت الحيوية، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، والعنف الجنسي بأنواعه، والاعتداء على الحريات الشخصية والعامة، إلى جانب تجويع المدنيين، وفرض الجبايات، وتفخيخ المناطق الآهلة، وقطع الطرق الرئيسية، وفرض القيود على المدنيين أو التعدي على ممتلكاتهم بالسلب والنهب، وغيرها.
ورغم الانخفاض المحدود على مستوى العمليات العسكرية الواسعة -وفي مقدمتها الغارات الجوية- ارتفعت وتيرة انتهاكات أخرى كالألغام والأجسام المتفجرة، والطيران المسير، واستخدام المنشآت التعليمية لأغراض عسكرية أو التعدي عليها، والاعتداء على المنشآت الصحية، وتجنيد واستخدام الأطفال في مهام عسكرية لصالح أطراف الصراع.
وأوضح تقرير مواطنة أن الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين اليمنيين من جانب أطراف الصراع وكذلك أعداد الضحايا لم تشهد أيَّ انخفاضٍ في المعدل بالمقارنة مع السنوات السابقة، ممَّا يعني استمرار الانتهاكات بنفس الوتيرة، وبحجمٍ لا يتناسب مع توقف معظم العمليات العسكرية خلال فترة خفض التصعيد التي جنحت لها أطراف الصراع في أعقاب الهدنة الموقعة بين الأطراف اليمنية برعاية الأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2022 – أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام.
يُدلِّل ذلك -بحسب الاستنتاجات التي خلُصت إليها مواطنة في تقرير إرث البارود- على إمعان أطراف الصراع في ارتكاب المزيد من الانتهاكات، وإلحاق الأذى بالمدنيين، حتى في حالات عدم وجود أدنى الضرورات لفعل ذلك، على نحوٍ يتناقض مع مبادئ القانون الدولي الإنساني التي لم تتورع أطراف الصراع عن انتهاكها، وعدم مراعاة الجزء اليسير منها خلال عشر سنوات من الصراع.
ويوثق تقرير (إرث البارود)، الصادر عن مواطنة، ما لا يقل عن 1418 واقعة انتهاك ارتكبتها أطراف الصراع المختلفة في اليمن خلال العام 2023، أسفرت عن مقتل 190 مدنيًا، بينهم 107 أطفال و107 امرأة، وجرح 405 مدنيين، بينهم 208 أطفال و44 امرأة، بالإضافة إلى نحو 789 مدنيًا وقعوا ضحايا لأنواع أخرى من الانتهاكات كتجنيد الأطفال، والعنف الجنسي، والاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب.
وتتحمل جماعة أنصار الله (الحوثيين) مسؤولية 828 واقعة انتهاك من إجمالي الوقائع الموثقة، وتتحمل قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا المسؤولية عن 247 واقعة انتهاك، ويتحمل المجلس الانتقالي الجنوبي المسؤولية عن 246 واقعة انتهاك، وتتحمل قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات -بما في ذلك قوات حرس الحدود السعودي- المسؤولية عن 47 واقعة انتهاك، وتتحمل القوات المشتركة المسؤولية عن 17 واقعة انتهاك، ويتحمل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب المسؤولية عن 5 وقائع انتهاك، بينما يتحمل أفراد وقوى غير ذي سلطة -وعلى رأسها عصابات التهريب والاتجار بالبشر- المسؤولية عن 28 واقعة انتهاك.
ودعت مواطنة لحقوق الإنسان كافة أطراف الصراع في اليمن إلى الالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني الأساسية، وتسهيل الوصول السريع والآمن للإمدادات الإنسانية وموظفي الإغاثة إلى جميع المحافظات اليمنية، والإفراج الفوري عن جميع المحتجزين تعسفيًا والمختفين قسريًا، والتحقيق في وقائع التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة اللاإنسانية في مراكز الاحتجاز.
كما شددت مواطنة على ضرورة التوقف عن استهداف المنشآت الصحية والمدارس أو استخدامها لأغراض عسكرية، والكف عن زراعة الألغام والكشف عن خرائط وأماكن زراعتها، والعمل على تطهير المناطق الملوثة بالألغام والأجسام المتفجرة، مع التأكيد على أهمية إجراء تحقيقات نزيهة وشفافة في الانتهاكات الجسيمة والجرائم المرتكبة من جانب القيادات أو الأفراد التابعين لأطراف الصراع، والعمل على توفير سبل إنصاف الضحايا المدنيين وجبر ضررهم، ومساءلة المسؤولين عنها، باعتبارها حقوق حتمية لا تقبل المساومة.