رسالة حقوقية مشتركة: على الدول الامتثال لأحكام القانون الدولي ودعم المساءلة عن الجرائم المرتكبة في اليمن
نكتب إليكم اليوم، متطلعين أن تستغل حكومتكم الجلسة الـ 48 المرتقبة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة من أجل:
(1) تشكيل هيئة تحقيق دولية تركز على القضايا الجنائية في اليمن،
(2) ضمان استمرارية عمل فريق الخبراء البارزين المعني باليمن من خلال تفويض مستمر أو متعدد السنوات.
ونرحب بفرصة مقابلة ممثل حكومتكم لمناقشة هذه التوصيات في أقرب وقت ممكن.
في سبتمبر المقبل، يبدأ العام السابع في عمر حرب اليمن المفجعة. وقد عصف هذا الصراع الممتد بالبلاد، وتسبب في معاناة هائلة لشعب اليمن. لقي ما لا يقل عن 233000 شخصًا مصرعهم، بما في ذلك 102000 قتيل كنتيجة مباشرة للأعمال العدائية و131000 لأسباب أخرى منها، على سبيل المثال لا الحصر؛ المجاعة المرتبطة بالنزاع، وتدمير الخدمات الصحية والبنية التحتية. كما تعرض أكثر من 4 ملايين شخصا للتهجير الداخلي.
ساهمت الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي لحقوق الإنسان، التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع في أسوأ أزمة إنسانية من صنع الإنسان. كما تسببت الهجمات العشوائية وغيرها من الهجمات غير القانونية في مقتل وإصابة مدنيين، ودمرت أو أتلفت منازل المدنيين والمرافق الطبية والبنية التحتية. كما أدت هذه الهجمات والعرقلة المتزامنة للمساعدات الإنسانية إلى تفاقم انتشار الأوبئة، بما في ذلك الكوليرا وكوفيد-19. علاوة على ذلك، تواجه البلاد تهديدًا وشيكًا بالمجاعة واسعة النطاق، واعتبارًا من يونيو 2021، بلغ عدد اليمنيين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي إلى 16.2 مليون.
وعليه، فثمة حاجة إلى التحرك العاجل لمعالجة هذه الأزمة وتعزيز المساءلة، من خلال:
1- تشكيل هيئة تحقيق دولية تركز على القضايا الجنائية في اليمن:
في تقريرهم الأخير، بعنوان «جائحة الإفلات من العقاب في أرض معذّبة»، ركز فريق الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين بشأن اليمن على «فجوة المساءلة الضخمة» في اليمن، وخلص التقرير إلى أن المجتمع الدولي «يمكنه وينبغي عليه» أن يفّعل المزيد «للمساعدة في سد» هذه الفجوة في اليمن. وأوصى الخبراء بأهمية اتخاذ المجتمع الدولي تدابير عاجلة لدعم المساءلة الجنائية للمسئولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان. كما أيدوا على وجه الخصوص «تشكيل هيئة تحقيق تركز على الجرائم» (على غرار الآليات المشكلة من أجل سوريا وميانمار) وشددوا على ضرورة «إعمال حقوق الضحايا من خلال تدابير تصحيحية (بما في ذلك دفع التعويضات)».
وبناءً على ذلك، فإننا نطالب حكومتكم بدعم تشكيل آلية تحقيق دولية في اليمن، مزودة بالموارد المادية والبشرية الكافية، من أجل:
(أ) جمع وتوحيد وحفظ وتحليل الأدلة.
(ب) إعداد ملفات القضايا.
(ج) تحديد الضحايا وتوثيق مدى الضرر الذي لحق بهم وأنواعه في ضوء طلبات التعويض في كل قضية يتم التحقيق فيها.
ومن شأن هذه الآلية أن تسهّل وتدفع بالإجراءات الجنائية العادلة والمستقلة، وفقاً لمعايير القانون الدولي، وأن تضع الأساس لإنصاف فعال، بما في ذلك تعويض الضحايا. لقد تم تشكيل آليات مماثلة من قبل الأمم المتحدة بخصوص الأوضاع في ميانمار (في مجلس حقوق الإنسان)، وسوريا (في الجمعية العمومية). كما يجدر بـ «آلية التحقيق الدولية» دعم فريق الخبراء البارزين والتعاون معه بفعالية من خلال توفير الدعم للمساءلة الجنائية في المحاكم أو الهيئات القضائية التي لديها، أو قد يكون لها في المستقبل، اختصاص قضائي على هذه الجرائم، وفقًا للقانون الدولي. كما ستعزز هذه الآلية من تجنب فقدان الأدلة الحيوية الضرورية لجهود المساءلة المستقبلية، حيث يختلف معيار الإثبات والشروط المتعلقة بسلامة الأدلة المطلوبة للإجراءات الجنائية عن تلك المستخدمة لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات وانتهاكات القانون الإنساني الدولي. وسيكون من المهم تخصيص الوقت والموارد المادية والبشرية المناسبة لهذه الآلية لضمان قدرتها على الوفاء بولايتها بكفاءة وفعالية.
وفي ظل عدم إحالة مجلس الأمن بالأمم المتحدة للوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن آلية التحقيق الدولية من شأنها أيضًا توفير أداة قوية للردع، تستهدف أولئك الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة للقانون الدولي. كما يمكن أن تسهم في كسر حلقة الانتهاكات والإفلات من العقاب التي لا تزال تؤجج الصراع والكارثة الإنسانية في اليمن. وفي هذا الصدد، يعتمد مصير ملايين اليمنيين، في جزء كبير منه، على تنفيذ المجتمع الدولي لتدابير فعالة لوضع حد للإفلات من العقاب الذي تتمتع به جميع أطراف النزاع.
2- ضمان استمرارية فريق الخبراء البارزين المعنيين باليمن من خلال ولاية مستمرة أو متعددة السنوات:
لا تنتقص آلية المساءلة المخصصة من الحاجة المستمرة لفريق الخبراء البارزين، ودوره الحيوي في جمع المعلومات، والإعلان عن الأنماط الأخيرة من الانتهاكات والتجاوزات، وتقديم توصيات في الوقت المناسب للمجتمع الدولي فيما يتعلق بالوضع في اليمن. ولكن فريق الخبراء البارزين يواجه تحديات متزايدة بسبب الاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 وعدم استمرارية موظفيه أو عملياته بسبب الفجوة المتكررة في التمويل المؤسسي للأمم المتحدة. ترجع هذه الفجوة إلى حد كبير إلى تفويض فريق الخبراء البارزين الذي يتجدد سنويًا. إذ يظل موظفو فريق الخبراء البارزين وعملياته لعام في طي النسيان بين تجديد ولاية الفريق من قبل مجلس حقوق الإنسان وتخصيص الجمعية العامة للأمم المتحدة لميزانيته. وقد أدى ذلك بشكل متكرر إلى تأخير يصل إلى 3-4 أشهر يعمل خلالها فريق الخبراء البارزين على «ميزانية هيكلية» أقل بكثير من قدرته الكاملة، كما أدى لارتفاع معدل الاستغناء عن الموظفين. وبعد 7 سنوات، يبدو أن الأزمة اليمنية قد أوشكت على الانحسار، لذا فثمة حاجة لضمان استمرار مساعي وجهود فريق الخبراء، من خلال تفويض مستمر أو متعدد السنوات.
على هذا النحو، فإننا ندعو حكومتكم لدعم تجديد ولاية فريق الخبراء البارزين على أساس تفويض مستمر أو تفويض متعدد السنوات، بما يتماشى مع الآليات الأخرى التي وضعها المجلس على هذا الأساس (على سبيل المثال في ميانمار وفنزويلا وفلسطين).
أخيرًا، في عام 2020، أقر مجلس حقوق الإنسان الحاجة إلى تدابير معززة للدفع بالمساءلة، من خلال مطالبة فريق الخبراء البارزين على وجه التحديد بـ «استكشاف السبل الموصي بها والآليات العملية للمساءلة والإبلاغ عنها، لتأمين الحقيقة والعدالة والإنصاف للضحايا». وعليه، نشجعكم على التأكد من أن قرار هذا العام يمتثل لهذه التوصيات وينفذها، بما في ذلك التوصيات التي قدمها فريق الخبراء البارزين بالفعل لتشكيل آلية تحقيق جنائية في الأمم المتحدة، لضمان التعويضات وسبل الانتصاف الفعالة للضحايا والناجين في اليمن.
ولكم جزيل التقدير والاحترام،