مفتتح
خلال السنوات العشر الماضية من عملنا، وبينما كنا منهمكين بالعمل في الميدان في مختلف مناطق اليمن، وبناء التقارير والدراسات والبيانات والأفلام والمدونات وحملات المناصرة، لرفع أصوات الضحايا وتسليط الضوء على معاناتهم، وتعرية مُرتكبي الانتهاكات، ورغم المنهجية الصارمة الحاكمة لعملنا، والخلاصات الدقيقة التي قدمتها تقاريرنا ودراساتنا وبياناتنا ومنتجاتنا المختلفة، بهدف الحد من الانتهاكات وإنصاف الضحايا ومحاسبة المسؤولين عنها، لم تقف الأطراف المنتهكة على الحقائق التي قدمناها، بمسؤولية.
فبدلًا من التقاط الفرصة، لمراجعة ممارساتها الآثمة تجاه الناس، للتوقف، على الأقل، عن التورط أكثر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ذهبت هذه الأطراف لشن المئات من حملات التشويه، ووظّفت فيها إمكانيات وموارد ضخمة، من قنوات فضائية، وصحف وصحفيين وكتاب ونشطاء، ومواقع إلكترونية، وجيوش إلكترونية على شبكات التواصل الاجتماعي.
ضخّت منابر الكراهية هذه عدد مهول من المعلومات المضللة والتلفيقات والاتهامات بحق مواطنة وإدارتها وفريقها وأعمالها، سعياً لإرهابها وتشويه سمعتها وإسكات صوتها. وأبعد من ذلك ذهبت لاستهداف طاقمها بالاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي والاعتداء والترويع وأشكال متعددة من الأذى والاستهداف، في حين كانت مواطنة، منصرفة بجل طاقتها إلى مسؤولياتها ومهامها المتمثلة في توثيق الانتهاكات والكشف عنها وعن مرتكبيها ومساندة ضحاياها لإنصافهم وجبر ضررهم ومحاسبة من ارتكبوا تلك الانتهاكات والمسؤولين عنها، مكثفة من جهود المناصرة الهادفة إلى الضغط على جميع الفاعلين للقيام بمسؤولياتهم تجاه الانتهاكات المروعة في اليمن.
بالتزامن مع مرور عشر سنوات على تسجيل مواطنة وبدء عملها المؤسسي، ها نحن نبادر للتحدث عن عملنا بأنفسنا، لأول مرة، ونشارك الجمهور والمهتمين خلاصات عن جوانب متعددة من رحلتنا في العمل وسط نزاع مدمر وضع المجال العام في اليمن منذ طلقاته الأولى، وعلى مدى سنواته الثمان، تحت ضغط الاستقطابات الحادة لأطرافه المختلفة.
فرغم السطوة والاستشراس التي عليها الأطراف، خلَق فريقنا العامل في مختلف مناطق اليمن، حيز فاعل يقدم من خلاله أصوات الضحايا المدنيين ويمثل عذاباتهم، بدقة وموضوعية وصرامة واقتدار، كمحصلة لتضافر جهود جماعية تشاركية خلاقة.
وبقدر ما بُذل من مُكابدة ودأب وتفاني وإخلاص وتجويد وشغف؛ يتدفق من ضمائر وقلوب فتيات وشباب يعملون وسط الاحتراب والمعاناة في مختلف مناطق اليمن، بقدر ما حاز من الاعتراف والثقة والتقدير والاعتبار والتأثير والتكريم، داخل اليمن وخارجها، وبقدر أثره ومداه، أيضاً، طاله ما طاله من التشهير والاستهداف والأذى المُنظم والممنهج.
ونحن إذ نقدم في احتفائيتنا بعشريتنا الأولى، سيرة مقتضبة عن ما مر من رحلتنا، ندونها كحق عن تجربة مؤسسة نفع عام، نشأت ونمت بإيمان شابات وشباب يمنيين، عملوا بدأب لبناء منظمة يمنية، تعمل بأعلى المعايير الدولية، في إطار بناء مؤسسي ممتثل لمبادئ الحوكمة والإدارة الرشيدة والشفافية والنزاهة والمساءلة، نعترف، بأن ما راكمناه فيما مر من رحلتنا، مهما بلغ، لا يزال الحد الأدنى مما هو واجب ومستحق للضحايا من اليمنيات واليمنيين، وما نطمح في مواطنه للإسهام في إنجازه، على طريق لاحب وطويل، صوب مجتمع يتمتع فيه كل إنسان وإنسانة بالحقوق والعدالة .
وبقدر اعتزازنا بما قدمناه خلال ما مر من عمر مواطنة المؤسسي، بقدر إدراكنا لحقيقة أن كل جهد بشري مُعرض بالضرورة للقصور والأخطاء، ولا ضير من الاعتراف هنا أن تطور عملنا طيلة السنوات الماضية، في جميع جوانبه، تأسس ضمن حزمة من العوامل، على جُملة من الملاحظات والانتقادات الوجيهة التي تلقيناها، وتوقفنا عندها لدراساتها وتحليلها ثم استيعابها.
ونظراً للأثر الإيجابي المتحقق لتقوية العمل بناء على ذلك النهج، هيئنا نظامنا المؤسسي على مستوى الهيكل وعلى مستوى العاملات والعاملين على الاستعداد الدائم، بامتنان وانفتاح، لتلقي الملاحظات والانتقادات ودراستها وتحليلها واستيعاب ما هو وجيه منها، وبالإضافة لاختيار النهج التشاركي في العمل، صممنا آليات رقابة وتقييم وتعلم داخلية، بالإضافة لآليات الشكاوى والإبلاغ والمقترحات.
نقدم هذا الملف الخاص، الذي يضيء على حصيلة جهودنا للعشر السنوات الأولى من عمر مواطنة المؤسسي: ابتداءً، بين يدي الضحايا من المدنيات والمدنيين، وذويهم، والشهود والمبلغين، الذين شرفونا في مواطنة بثقتهم، والذين تهدف كافة أنشطتنا وعملياتنا وبرامجنا لخدمة قضاياهم وتمثيل معاناتهم وأصواتهم، مشفوعاً بوعد والتزام متجدد، بمواصلة الكفاح معهم، دون كلل، حتى إنصاف جميع الضحايا، ومحاسبة جميع المنتهكين، دون استثناء.
ثم نقدم إيجازنا هذا، إلى العاملات والعاملين في مواطنة منذ خطواتها الأولى وحتى اليوم، في مختلف الوحدات والإدارات، سواء ممن وضعوا ووضعن بصماتهن وبصماتهم وانتقلوا وانتقلن إلى تجارب أخرى، أو ممن لا يزلن ولا يزالون يعملن ويعملون في مواطنة.
ثم نضعه بين يدي المدنيات والمدنيين، في مختلف مناطق اليمن، اللذين لم يقعوا في شراك الحرب ومصائدها، وحافظوا على استقلاليتهم ومدنيتهم وسلامة ضمائرهم وعقولهم من أوبئة المحتربين ولوثاتهم.
ثم نقدمه كذلك، إلى كل حلفاء وشركاء وداعمي مواطنة ورسالتها الحقوقية، من المؤمنات والمؤمنين باتساق ورسوخ، بقيم حقوق الإنسان، دون اجتزاء أو انتقاء، جهات وأفراد، داخل اليمن وفي مختلف مدن العالم.
رضية المتوكل
عبدالرشيد الفقيه
مؤسسا مواطنة لحقوق الإنسان